مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الموصل تدوزن أوتارها مجددا بعد سعي الجهاديين لطمس معالم الفن فيها

عراقيون يشاركون في حفل في أحد مقاهي الموصل في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2018 afp_tickers

في العام 1970، أوقفت السلطات العراقية في الموصل صوت صفارات القطارات كرمى لعيون الفنانة اللبنانية صباح، حين أحيت حفلا في المدينة الشمالية التي ظلت لقرون عدة عاصمة الموسيقى العربية قبل أن يطمس الجهاديون معالم الفن فيها.

وقد شكلت كبرى مدن محافظة نينوى محطة هامة لكبار الفنانين العرب ممن أقبلوا على إحياء حفلاتهم في “أم الربيعين” التي ولد فيها عبقري الموسيقى أبو الحسن علي بن نافع الموصلي والمعروف بزرياب، وصولا إلى كاظم الساهر أحد أشهر فناني العالم العربي اليوم.

لكن خلال ما يقرب من أربع سنوات من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل، أقدم الجهاديون على عمليات تدمير ممنهجة للمسارح والآلات الموسيقية.

وحرّم التنظيم في الأسابيع الأولى لدخوله إلى المدينة الفن بأشكاله كافة، كما ألغى دراسة الفنون الجميلة في جامعة الموصل.

تحت حكم الجهاديين، كانت الآلات الموسيقية من المحرمات. وعليه، اضطر فاضل البدري إلى إخفاء كمانه.

يقول البدري ذو الأعوام الخمسة والأربعين لوكالة فرانس برس “كان من المستحيل في حينها حمل آلة موسيقية في الشارع عندما كنا محاصرين في الموصل”.

-موسيقيون “تائبون”-

اضطر بعض الفنانين في تلك الحقبة إلى مغادرة المدينة خوفا من التصفية الجسدية، فيما أجبر من بقي في الموصل، على غرار الفنان أحمد الساهر (33 عاما) على إعلان “التوبة” مكتوبة وموقعة بخط يده ليعلقها الجهاديون أمام أبواب المساجد بأسلوب مذل.

وحتى قبل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، فرضت مجموعات إسلامية خصوصا تنظيم القاعدة خلال العقد الماضي أحكامها الشرعية المتشددة في أحياء عدة من الموصل بما يشمل منع الموسيقى بكل أشكالها.

لكن هذا كله بات من الماضي، فقد أصبح البدري يحمل كمانه بفخر في أحد المقاهي أمام جمهور متحمّس يصفق ويدندن أغنيات فلكلورية موصلية، من الأكثر شعبية في العراق.

وسط رواد من مختلف الأجيال بغالبيتهم من الرجال مع قلة من النساء، كانت آمنة الحيالي (38 عاما) تستمتع بسماع الأغاني الموصلية.

وتقول الحيالي لوكالة فرانس برس “فشل الإرهاب في قتل حب الموصليين للفن بأنواعه المختلفة الذي نهض من جديد رغم الدمار الحاصل”.

تضيف “اليوم نغني وننشد بعد فترة قطع الروؤس والجلد وفرض الخمار واللحية وأساليب التشديد الأخرى خلال الفترة المظلمة”.

فمنذ الأيام الأولى لسيطرته على الموصل في صيف العام 2014، اعتمد تنظيم الدولة الإسلامية نهجا واضحا. فقد بدأ مقاتلوه بتدمير تمثال شيخ المقرئين وصاحب البصمة الكبيرة في المقام العراقي الملا عثمان الموصلي بعدما بقي لسنوات طويلة أمام محطة القطار في غرب المدينة.

بعد ذلك، دمر التنظيم عشرات الآلات الموسيقية الوترية والهوائية، وأقفل مكاتب الموسيقى والاستوديوهات والتسجيلات ومنع إذاعة الأغاني والموسيقى في المقاهي والسيارات والمنازل.

-“الموصل عادت”-

اليوم، لا توجد قاعات للحفلات الموسيقية في المدينة، على عكس ما كانت عليه في القرن العشرين.

ولذلك، يقول نقيب الفنانين في محافظة نينوى تحسين حداد “نحن في حاجة ماسة إلى دعم واهتمام الحكومة المركزية في بغداد، بخاصة في ظرفنا الراهن بمدينة الموصل الخالية نهائيا من المسارح وقاعات السينما والصالات الفنية” اللازمة لتقديم العروض.

في غياب تلك الصروح وغيرها من المساحات المناسبة للحفلات، تدعو المقاهي بشكل منتظم مجموعات موسيقية لتقديم عروضها، وقد أقيم آخر مهرجان موسيقي قبل بضعة أيام في ملعب جامعة الموصل.

وقبل فترة وجيزة، أقام الموسيقار العراقي الشهير كريم وصفي حفلا موسيقيا في إحدى حدائق المدينة، التي كانت قبل فترة مراكز تدريب يعد فيها تنظيم الدولة الإسلامية “أشبال الخلافة” من المقاتلين الأطفال.

لكن رغم ذلك، تقول الحيالي إن “الموصل عادت (…) وعاد تراثها الموسيقي أيضا”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية