مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

النزيف الداخلي يهددُ جدّيا تماسك اليمين القومي السويسري

Keystone

بعد سلسلة طويلة من النجاحات الانتخابية، يواجه حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) خطر انهيار داخلي غير مسبوق؛ إذ تعتزم مجموعة من الجناح الليبرالي في كانتوني غراوبوندن وبرن، بمن فيها وزير الدفاع سامويل شميد، الانفصال عن الحزب وإنشاء حزب جديد يقوم على التقاليد الليبرالية والبورجوازية للحزب.

وفي كانتون غلاروس، أُعلن مساء الخميس 5 يونيو الجاري أن ثمانية نواب في الحكومة الكانتونية قرروا الانسحاب من حزب الشعب وإنشاء “مجموعة ليبرالية” جديدة. وقد تكون هذه الخطوة مُجرد بداية ربما تليها تحركات مماثلة في مناطق أخرى من البلاد.

“إنه يوم حزين بالنسبة لي. فأنا أُمثل حزب الشعب منذ ثلاثة وعشرين عاما، وهذا ليس بقرار سهل. لـكن إقصاء فرع كانتون غراوبوندن (من الحزب) أمرٌ غير مقبول. فقد تم تجاوز بعض الحدود بشكل واضح ومن المستحيل العودة إلى الوراء”. هكذا وصفت النائبة أورسولا هالير مزاجها خلال مؤتمر صحفي عقده في برن يوم الإثنين 2 يونيو الجاري أربعة “مُنشقين” من الحزب الذي يـُجسد اليمين القومي السويسري.

الجناح الليبرالي لحزب الشعب، الذي كان يفتقر في كثير من الأحيان إلى قدر من اللذاعة، يبدو مُصمما هذه المرة على التحرك. فقد أعلن سبعة وثلاثون من أعضاء فرع الحزب في كانتون برن، من بينهم المُستشار الفدرالي (الوزير) سامويل شميد وثلاثة نواب في البرلمان الفدرالي ووزير كانتوني وحوالي عشرة نواب كانتونيين، عن عزمهم الراسخ لقطع الجسور مع الحزب الوطني.

ويأتي هذا القرار كبادرة تضامن مع فرع غراوبوندن الذي أُقصي يوم الأحد الماضي 1 يونيو من حزب الشعب السويسري، وأيضا كتعبير عن رفض اتباع الخط المتشدد الذي فرضه قادة الحزب خلال السنوات الأخيرة. وقالت أورسولا هالير في هذا السياق: “إن قرار يوم الأحد تصرف شائن”.

حالة فيدمر – شلومبف

وبهذا التطور الجديد، يتعمق الصدع الذي بدأ منذ المفاجأة التي ميزت انتخاب الأعضاء السبعة في الحكومة الفدرالية للفترة التشريعية الجديدة (2008-2011). ففي يوم 12 ديسمبر 2007، قررت أغلبية نواب البرلمان عدم إعادة انتخاب وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر الذي كان وراء سلسلة من الانتصارات التي حققها حزب الشعب منذ بداية التسعينات.

فعوضا عن بلوخر، انتخب البرلمان إيفلين فيدمر – شلومبف، عضوة فرع حزب الشعب في كانتون غراوبوندن، التي تُعتبر أكثر اعتدالا من سلفها. لكن هذا الاختيار، الذي حظي بدعم البرلمانيين الاشتراكيين والديمقراطيين المسيحيين والخُضر، لم يرُق على الإطلاق للقيادة الوطنية لحزب الشعب.

لذلك أعلن هذا الأخير أنه لم يعد يعترف بممثليـْه في الحكومة الفدرالية – إيفلين فيدمر – شلومبف وسامويل شميد – مُتهتما إياهما بخيانة مصالح الحزب بعد قبول انتخابهما إثر الإطاحة بكريستوف بلوخر. كما قرر أكبر حزب في سويسرا، العضو في الحكومة الفدرالية منذ عام 1937، الانتقال إلى سياسة المعارضة.

قطيعة مع فرع غراوبوندن

وانعكست هذه الاستراتيجية الجديدة خلال الأشهر الأخيرة، من ضمن جملة من الأمور، من خلال سلسلة من الهجمات الشخصية ضد إيفلين – فيدمر شلومبف. وبعد أن رفضت وزيرة العدل والشرطة الجديدة الاستقالة من الحزب، طالبت القيادة الوطنية من فرع غراوبوندن إقصاء مُمثلته في الحكومة، لكن بدون نجاح.

لذلك اختار الحزب الوطني الحل الأكثر جذرية يوم الأحد الماضي بإقصائه رسميا لفرع غراوبوندن ككل. وبعد هذا القرار بأربع وعشرين ساعة، أعلن الجناح المعتدل للحزب في غراوبوندن عقد مؤتمر استثنائي لعرض فكرة إنشاء حزب جديد على المندوبين. وقد تنضم للتشكيلة الجديدة ذات التوجه الليبرالي الوزيرة فيدمير شلومبف.

ويظل المنشقون في فرع غراوبوندن على قناعة بأن قرارهم سيكون مثلا يُحتذى به في مناطق أخرى من البلاد. فقد صرح أورس بلايكير، الرئيس المؤقت لفرع الحزب في غراوبوندن، يوم الإثنين 2 يونيو: “تلقينا العديد من إشارات التشجيع من قبل أعضاء مختلفين في فروع كانتونية أخرى أعربوا عن استعدادهم لمغادرة حزب الشعب والانضمام إلينا”.

تـضامن برناوي

ولحد الآن، يُعد فرع الحزب في برن الوحيد الذي قام بتحرك ملموس في هذا الإطار. ويشار إلى أن فرع برن، إلى جانب فرع غراوبوندن، ابتعد بنفسه في مناسبات عديدة عن الخط المتشدد المعتمد من قبل القيادة الوطنية للحزب.

لورانس هيس، عضو برلمان برن، صرح يوم الإثنين الماضي: “لقد تشاورنا بانتظام خلال الأسابيع الأخيرة. وعلى غرار زملائنا في غراوبوندن، نحن نعارض إملاءات القيادة الوطنية للحزب ونريد إنشاء حزب جديد يقوم على أسس التقاليد الليبرالية والبورجوازية لحزب الشعب”.

وقد وقّع الممثلون السبع والثلاثون للجناح الليبرالي قرارا يطالب فرع الحزب في كانتون برن بالابتعاد عن القيادة الوطنية. وللقيام بذلك، يتعين عليهم الحصول على دعم ثُلثي المندوبين على الأقل. وبما أن هذا الشرط يبدو صعب التحقيق، فكر المنشقون بعد في حل بديل: إنشاء حزب جديد مع أصدقائهم الليبراليين في فرع حزب الشعب بغراوبوندن.

أزمة داخلية غير مسبوقة

ونجد من بين المُوقعين على القرار حتى الوزير سامويل شميد. والمفارقة تتجلى في رفض إيفلين فيدمر – شلومبف الاستقالة من الحزب الذي يريد طردها من صفوفه وفي رغبة وزير الدفاع في قطع صلته نهائيا بالحزب.

وقد ردت القيادة الوطنية الفعل ببرودة أعصاب، إذ صرح المتحدث باسمها، ألان هاويرت: “إن شميد عضو في الحكومة الفدرالية لكنه لا يمثل حزب الشعب. بصفتنا حزبا معارضا، ليس لدينا ممثلون في الحكومة”.

ورغم هذه التصريحات، فان أغلبية حزب الشعب تواجه حاليا أكبر أزماتها في العقود الأخيرة. فبعد أن ضاعف تقريبا قاعدته الانتخابية ما بين 1995 و2007، يواجه حزب الشعب خطر التعرض لنزيف داخلي قد يكلفه غاليا في كانتونات أخرى أيضا. وحسب لورانس هيس، فإن الجناح الليبرالي لفرعي كانتوني تسوغ وغلاروس يفكر أيضا في الحذو حذو برن وغراوبوندن.

وقد تأكدت تصريحات هيس (حول كانتون غلاروس على الأقل) مساء الخميس 5 يونيو الجاري بعد أن أدار ثمانية نواب في حكومة ذلك الكانتون ظهرهم لحزب الشعب السويسري لإنشاء “مجموعة ليبرالية” جديدة تضم رئيس مجموعة حزب الشعب في الكانتون إيرنست ديش الذي سيرأس المجموعة الجديدة.

وبرر النواب الثمانية تحركهم بـ “أحداث مختلفة جرت داخل فرع حزب الشعب في غلاروس وأخرى مرتبطة بالقيادة الوطنية للحزب”. وورد في البيان الصادر عنهم أن “المجموعة الليبرالية” الجديدة تريد إنشاء حزبا جديدة “في غضون الأشهر القادمة” بالتوافق مع المُنشقين عن حزب الشعب في كانتوني برن وغراوبوندن.

سويس انفو – أرماندو مومبيلي

(ترجمته وعالجته إصلاح بخات)

أكد وزير العدل والشرطة السابق كريستوف بلوخر استعداده لمغادرة حزب الشعب السويسري إذا لم يعد هذا الأخير بحاجة إليه. وجاءت تصريحات بلوخر خلال حوار مع أسبوعية “فيلتفوخي” التي تصدر بالألمانية في زيورخ.

من جهته، أعرب بيتر شبولير، النائب في مجلس النواب السويسري عن كانتون تورغاو، عن أمله ألا يهدر بلوخر الفرصة المناسبة للانسحاب.

وقد أعلن ثمان نواب في مجلس النواب (عن كانتون برن) وفاءهم لحزب الشعب. وفي حوار نشرته يوم الأربعاء 4 يوليو الجاري صحيفة “تاغس أنتسايغر” (تصدر بالألمانية في زيورخ)، أكد بيتر شبولير قناعته بأن كريستوف بلوخر سيتحلى بالقدر الكافي من الذكاء لعدم تفويت موعد المغادرة.

وأوضح شبولير أن بلوخر، بصفته مقاولا، قد نظم بشكل ملحوظ مغادرته وتسليم المشعل لأبنائه. فبعد عدم إعادة انتخابه في الحكومة الفدرالية (في ديسمبر الماضي)، أثبت ذكاءه من خلال عدم ترأسه لحزب الشعب واكتفائه بمنصب نائب الرئيس.

وفي تصريحاته لأسبوعية “فيلتفوخي”، قال السيد بلوخر: “إذا ما أصبحت حملا على الحزب، سأستقيل” و”إذا ما حققنا النجاح، فذلك يعني أنني لم أعد ضروريا، وأنا انتظر هذا بفارغ الصبر”. لكنه لا يشعر بأن الأمور قد وصلت بعد إلى هذا الحد.

ويعتقد بلوخر أنه سيكون من الخطأ الآن تحمل مسؤولية دور قيادي في حزب الشعب، مشيرا إلى أن دور الشباب قد حان للقيام بتلك المهمة.

وحول انشقاق محتمل في صفوف حزب الشعب وإنشاء حزب جديد يضم وزير الدفاع سامويل شميد وجزء من فرع الحزب في برن، لا يستبعد بلوخر هذه الإمكانية لكنه لا يعتقد أن يتمكن مثل ذلك الحزب من الاستمرار طويلا.

(المصدر: وكالات بتاريخ 4 يونيو 2008)

swissinfo.ch

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية