مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

النفط الموريتاني: “كان صرحا من خيال فهوى”

دفع تدني حجم الإنتاج النفطي السلطات الموريتانية إلى اتخاذ قرارات بالترفع في أسعار المحروقات

بعد سنة ونيف من بدء إنتاج النفط الموريتاني، انقشع الغُـبار عن واقع جديد تبخَّـر فيه الحُـلم بعد أن تبيَّـن أن قصة الذهب الأسود الموريتاني كانت مجرّد "صرح من خيال"!

وقد أدى انكشاف الحقيقة وتدني حجم الإنتاج النفطي الفعلي مقارنة بالوعود السابقة إلى إصابة الموريتانيين بصدمة الواقع المُـر وخيبة الأمل المنهار.

في صيف عام 2002، زفّ الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع إلى شعبه بُـشرى بقرب انضمام بلدهم إلى نادي الدول النفطية، وذلك بعد الإعلان عن اكتشاف النفط في البلاد بكميات، ستحَـوِّل موريتانيا من دولة يعيش شعبها، الذي لا يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، على المعونات والقروض الخارجية في أغلب احتياجاته، إلى بلد نفطي يرنوا إلى ترف الحياة ويتوق إلى بذخ العيش.

وبدأ الحديث حينها عن أرقام إنتاج قابلة للارتفاع بشكل مضطرد، فقد أعلن أن تكتل الشركات العالمية بقيادة شركة “وود سايد” الأسترالية، والتي كانت تنقب عن النفط في المياه الإقليمية الموريتانية قُـبالة شواطئ العاصمة نواكشوط، قد توصَّـلت إلى اكتشاف كميات كبيرة من النفط وأعلنت تلك الشركات أن الإنتاج سيبدأ في شهر فبراير سنة 2006، وبكميات تصل إلى 75 ألف برميل يوميا، على أن يرتفع ليصل إلى 250 ألف برميل يوميا سنة 2007، لكن جرَت ريَّـاح الواقع بما لا تشتهيه سُـفن “وود سايد” والحكومة الموريتانية وشركاؤهما.

فقد بدأ الإنتاج دون المتوقّـع وبكميات تراوحت بين 43 و45 ألف برميل يوميا، وبرّرت شركة “وود سايد” حينها ذلك النقص في الإنتاج بعوامل فنية “بسيطة وطارئة، سيتم التغلب عليها في ظرف وجيز”.

وقد تسبب نقص الكميات المُـستخرجة والمنتجة من النفط الموريتاني، بالمقارنة مع تلك التي كانت مقرّرة أصلا، إلى تأخر عمليات التصدير، حيث انطلقت أول باخرة محمَّـلة بالنفط الموريتاني منتصف شهر مارس 2006، أي بعد حوالي شهر من بدء عمليات الإنتاج، وكانت تحمل كمية تقدر بـ 950 ألف برميل.

ومع مرور الأيام، وبينما كان الرأي العام الموريتاني ومن ورائه حكومة نواكشوط، ينتظران الوصول إلى سقف 75 ألف برميل الموعودة، أملا في تحسين الإنتاج ورفع الكمية، هبط معدّل هذا الإنتاج ثانية في ظرف أشهر قليلة ليصل إلى 36 ألف برميل يوميا قبل نهاية عام 2006، ولم يستقِـر الأمر عند هذا الحد، بل واصل مؤشر الإنتاج هبوطه، حيث بلغ سنة 2007 رقما يتراوح بين 22 و18 ألف برميل، وشتان ما بين الرقم الجديد، والرقم الذي كان مُـوعدا به سنة 2007، وهو 250 ألف برميل يوميا.

وبعد سنة ونيف من بدء إنتاج النفط الموريتاني، انقشع الغُـبار عن واقع جديد تبخَّـر فيه الحُـلم، بعد أن تبيَّـن أن قصة الذهب الأسود الموريتاني ووعود الثراء والترف وحياة الوداعة والبذخ والخروج من قائمة الدول الأكثر فقرا، كانت مجرّد “صرح من خيال”، هوى وانهار على رؤوس المواطنين، الذين كانت تشرئب أعناقهم إلى يوم يعيشون فيه تحت الظلال الوارفة لنعمة عائدات أرض، طالما وُصفت بالمعطاء، فأصيب الجميع بصدمة الواقع المُـر وخيبة الأمل المنهار، بعد أن اتَّـضح للجميع أن موريتانيا لا تزال ذلك البلد القابِـع في نقطة قصية من المغرب العربي، يعيش أغلب سكَّـانه تحت خط الفقر، رغم الموارد المتوفرة، من ثروة سمكية ومناجم الحديد والأراضي الزراعية والثروة الحيوانية، ولم ينتقل بعد إلى مصاف دول الخليج، ولو على حساب حقائق الجغرافيا.

مشجب “الملحقات”

وكعادة حكومات العالم الثالث، فتَّـشت السلطات الانتقالية، التي كانت تحكم البلاد حينها، في كيس الماضي عن مشجب تلقى عليه اللائمة وتحمِّـله المسؤولية، وسرعان ما وقعت على ملحقات أضيفت لعقود تقاسم الإنتاج النفطي بين موريتانيا وتكتل شركات النفط العاملة في البلد، بقيادة شركة “وود سايد”، كان يشوبها من النقص والخلل وضياع حقوق الدولة الموريتانية ما يكفي، لأن تقوم الدنيا ولا تقعد، واعتقل وزير النفط السابق زيدان ولد احميد ووجِّـهت له تهم تتعلق بالخيانة والتخلي عن مقدرات البلد والتآمر مع الأجنبي، ودخلت الحكومة الموريتانية في صِـراع مرير مع شركة “وود سايد” وحلفائها، وأعلنت عزمها اللجوء إلى تحكيم دولي لإسقاط تلك الملحقات.

وبعد مفاوضات مضنية وعسيرة، توصَّـل الطرفان إلى اتفاق يقضي بأن تدفع شركة “وود سايد” 100 ألف دولار للحكومة الموريتانية وتتنازل عن معظم بنود ملحقات العقود المذكورة، مقابل إنهاء موريتانيا للنِّـزاع وطي الملف والإفراج عن وزير النفط السابق، وفعلا تنادى المجلس العسكري الحاكم في نواكشوط إلى الانعقاد، ليُـصدر قانون عفو عن تلك الملحقات وما تعلَّـق بها، ويعلن أن موريتانيا قد أنهت مواجهتها مع “وود سايد”.

وقد مكَّـنت تلك الأزمة موريتانيا من زيادة نصيبها من عائدات النفط سنة 2006، حيث تسلَّـمت مبلغ 250 مليون دولارا، باعتباره حصتها البالغة 35% من عائدات نفط البلاد، أضيف إليها مبلغ 100 مليون دولار، التي دفعتها “وود سايد” للحكومة الانتقالية مقابل إنهاء النزاع، وتمكَّـنت السلطات الانتقالية من ترتيب بعض الأمور الداخلية عبر تلك العائدات.

وقبل أن يسلم السلطة للمدنيين، صادق المجلس العسكري على قانون المالية لسنة 2007 واعتمد في بعض بنود الميزانية على عائدات النفط المتوقّـعة لهذا العام، وهي العائدات التي لم تتوفَّـر بسبب تدهوُر الإنتاج النفطي، ممَّـا اضطر الحكومة الجديدة إلى اللجوء إلى البرلمان لاستصدار قانون جديد للميزانية، بغية سدّ النقص الناجم عن تراجع عائدات النفط، وهو النقص الذي قدَّره وزير المالية الموريتاني عبد الرحمن ولد حم فزاز بحوالي 63 مليون دولار، إلا أن بعض النواب طالبوا الحكومة بتوضيح حقيقة ما حصل، وكيف تمَّـت بَـرمجة الميزانية على عائدات، كان من شبه المؤكد أنها لن تتوفَّـر أصلا، نظرا لأن انهيار معدّل الإنتاج بدأ سنة 2006، وكان واضحا أنه يتناقص بشكل تدريجي.

أخطاء فنية

ويرجع العارفون بقضايا الطاقة والنفط، أسباب هذا التراجع الكبير للإنتاج النفطي في موريتانيا، والذي فاق كل التوقعات، إلى أمور عديدة، من أهمها: أن الدراسات التي قيم بها في البداية، لم تكن نتائجها دقيقة، خصوصا ما تعلَّـق منها بعمليات المسح الزلزالي، حيث جرى الحديث عن تقديرات خاطئة للمخزون النفطي لبعض الحقول والآبار، فضلا عن أخطاء فنية في طبيعة الآبار، التي تم حفرها في أماكن التنقيب، خصوصا في “حقل شنقيط” النفطي، كما أن الفنيين فوجِـؤوا فور شروعهم في محاولات الاستخراج بوجود طبقة سميكة من التربة، متبوعة بكميات كبيرة من الغاز، تحُـول دون الوصول إلى النفط بسهولة واستخراجه بالكميات المقررة.

وتقول السلطات الموريتانية، إنها تعكِـف حاليا مع الشركات العاملة في هذا المجال على محاولة حفر آبار تصحيحية واستجلاب المعدات اللازمة، للتغلُّـب على ضغط كميات الغاز والتُّـربة، التي تشكل حاجزا دون الوصول إلى المخزون النفطي.

وكانت عمليات الإنتاج قد بدأت في “حقل شنقيط”، الذي يقدَّر مخزونه بحوالي 123 مليون برميل، وهناك حقول أخرى مجاورة له في نفس المنطقة، بعرض المحيط الأطلسي، يتوقع أن يبدأ فيها الإنتاج قريبا، ومنها “حقل ولاتة”، الذي يقدر مخزونه بحولي 280 مليون برميل و”حقل لعبيدان” بحوالي 40 مليون برميل، و”حقل تيوف”، الذي يقدر مخزونه بحوالي 350 مليون برميل، كل هذا في مِـساحة حوض ساحلي لا تتجاوز 160 ألف كلم مربع.

رهان “تاودني”

وتُـراهن السلطات الموريتانية على تعويض الخسارة الحاصلة في توقعات إنتاج النفط في الحوض الساحلي، على عائدات الإنتاج المتوقعة في “حوض تاودني” الصحراوي، الذي تبلغ مساحته حوالي نصف مليون متر مربع.

وتقول الحكومة الموريتانية، إن المؤشرات الأولية تُـوحي بوجود كميات تجارية، ذات مردود كبير عند الاستغلال، إلا أن مدير شركة “توتال” الفرنسية، التي تباشر التنقيب في “حوض تاودني”، أكَّـد أن الإنتاج في هذا الحوض لن يبدأ قبل سنة 2014 أو 2015، وهو ما يعني أن الموريتانيين مطالبون بأن ينتظروا لفترة طويلة، قبل أن يحلموا ثانية بمستقبل نفطي واعد.

بيد أن الآمال تبقى قائمة، وإن بمستويات أقل من الماضي، فشركات التنقيب التي تتقاطر على البلد وتجاوزت العشرة حتى الآن من مختلف أنحاء العالم، تجعل الحُـلم النفطي يعيش مع بقية رمَـق من الحياة في نفوس المواطنين، خصوصا وأن المقاطع، التي يجري التنقيب والعمل فيها قليلة بالمقارنة مع المساحات التي يُـحتمل وجود النفط فيها. ففي الحوض الساحلي، لا يتجاوز عدد المقاطع التي يجري العمل فيها نسبة 32% من مساحة هذا الحوض، كما لا تتجاوز مساحة المقاطع، التي تباشر فيها شركة “توتال” العمل بحوض “تاودني” الصحراوي، نسبة 33%.

ويرى بعض خبراء النفط أن توسيع مساحات التنقيب والمسح قد تؤدّي إلى مزيد من الاكتشافات، ربما تحقّـق للموريتانيين الحُـلم النفطي، الذي تأخَّـر كثيرا عن موعده.

نواكشوط – محمد محمود أبو المعالي

قالت موريتانيا – التي تعاني من انخفاض إنتاجها النفطي – إن شركة توتال الفرنسية بدأت حملة للتنقيب عن النفط في المناطق الشمالية من البلاد.

ونقلت الإذاعة الموريتانية عن مدير شركة النفط الفرنسية غي بوتي قوله أثناء لقائه مع وزير النفط الموريتاني محمد المختار ولد محمد الحسن، إن استغلال النفط في حوض تاودني الرسوبي لن يتم قبل عام 2014 أو 2015.

ويمتد حوض تاودني على مساحة تقارب نصف مليون كيلومتر مربع وسط وشمال البلاد، وتشير التقديرات المتوفرة إلى أن هذا الحوض يشكل منطقة نفطية بالغة الأهمية.

ويبلغ إنتاج موريتانيا الحالي من النفط 20 ألف برميل يوميا انخفاضا من توقعات سابقة بأن يصل إلى 75 ألف برميل، وأدى الانخفاض إلى توقعات بعجز في الميزانية بقيمة 63 مليون دولار خلال العام الجاري.

وأفادت مصادر وزارة النفط بأن عائدات البلاد من النفط بلغت العام الماضي، 330 مليون دولار.

ومن أهم الشركات العاملة حاليا في التنقيب، إضافة إلى توتال، ريبسول الإسبانية وونترشال الألمانية وسي أن بي سي (الشركة الوطنية الصينية للنفط) ودانا بترليوم الإنكليزية وود سايد الأسترالية.

(المصدر: وكالات الأنباء بتاريخ 13 يونيو 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية