مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الهجرة هاجس أوروبي!

خيارات محدودة أمام هؤلاء المهاجرين المهربين: الموت، الاعتقال أو الترحيل... إذا تم اكتشافهم Keystone

لا يفوت أسبوع دون أن تشهد إحدى العواصم المتوسطية داخل الاتحاد الأوروبي وفي البلدان المجاورة اجتماعات بين مسؤولي مكافحة الهجرة السرية

كما لا يمر يوم لا تنقل فيه وسائل الإعلام صور الجثث التي لفظتها أمواج البحر المتوسط من قوارب النازحين.. قوارب الموت

تشهد الفترة الجارية تعبئة سياسية وأمنية على صعيد بلدان الاتحاد الأوروبي وفي صيغ لقاءات مرنة تشارك فيها الدوائر الأمنية للبدان الأوروبية الخمس الكبرى التي تقصدها غالبية تيارات الهجرة السرية وهي اسبانيا وايطاليا وفرنسا وبريطانيا والمانيا.

وتمثل مجموعة الخمسة 80% من سكان الاتحاد الأوروبي، واتفقت على دفع بقية الشركاء نحو تعزيز حماية الحدود الخارجية واستخدام تقنيات جديدة في وثائق التأشيرات، وكذلك التعاون مع البلدان المجاورة للاتحاد، مثل بلدان شمال افريقيا لتكون بمثابة صمّـام الأمان التي ستحمي جنوب اوروبا من تيارات الوافدين من افريقيا.

وينتظر أن تكون مشكلة ضغط تيارات الهجرة أحد المحاور الرئيسية في أول اجتماع تعقده على مستوى القمة مجموعة 5+5 (فرنسا، وإسبانيا، والبرتغال، وإيطاليا، ومالطامن جهة، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا من جهة أخرى) يومي 5 و6 ديسمبر 2003 في تونس.

رحلات “الشارتير” المشتركة

وقد اتفق وزراء داخلية الاتحاد في آخر اجتماع لهم في بوركسل حول صيغ التعاون بين البلدان الأعضاء من أجل تنظيم رحلات “شارتير” مشتركة لترحيل المهاجرين السريين الذين ترفض حكومات بلدانهم إعادة استقبالهم.

ويتولى كل من البلدان الأعضاء مسؤوليات وكلفة ترحيل المهاجرين الى بلدهم الأصلي، عندما يتعلق الأمر بمهمة منفصلة. ويمكن تنظيم رحلات مشتركة مثلما فعلت بلجيكا بالتعاون مع هولندا وألمانيا، وتنوي القيام به بالتعاون مع فرنسا.

وعمليا، فان الرحلة تنطلق من بروكسل ثم تتوقف في باريس، أو العكس، قبل الاقلاع نحو البلد ألأصلي للمهاجرين غير الشرعيين. وكانت فرنسا رحّـلت وافدين من رومانيا بالتعاون مع اسبانيا، ورحّـلت أيضا مجموعة من الأفغان بالتعاون مع بريطانيا.

وسيتم تقسيم النفقات بين البلدان الأوروبية المعنية بالرحلة، حيث يوفر البلد الأول الناقلة وتراخيص الرحلة، على أن يوفر البلد الثاني رجال الأمن الذين سيرافقون رحلة “الشارتير” وما قد يحتاجه هذا الصنف من المسافرين من خدمات طبية طوال الرحلة.

وتفاديا لتكرر حادث مشابه لمأساة وفاة المهاجرة النيجيرية سميرة أدامو جراء اختناقها في طائرة بلجيكية تحت ضغط رجال الأمن الذين كانوا وضعوا وسادة على وجهها للحؤول دون صراخها، لم يتردد الوزراء في ضبط الاجراءات الأمنية وإعلانها في بيانهم الوزاري.

وقد نص البيان على ربط المهاجرين في مقاعدهم طوال الرحلة، وعدم التردد عن استخدام القوة من دون إفراط، وأن لا تؤدي الاجراءات الأمنية الى قطع نفس المهاجر.

وثائق الهوية لقاء أسماء المهربين

وفي محاولة لتفكيك شبكات تهريب العمالة السرية، اتفق وزراء الداخلية في بلدان الاتحاد الأوروبي بشأن الاستعانة بالمعلومات التي يمكن أن يقدمها المهاجر السري الذي تقطعت به حبال التهريب على أحد أرصفة المدن الأوروبية، والتي من شأنها المساعدة على تفكيك شبكة التهريب.

ويتفق الوزراء حول إغراء المهاجرين السريين بمنحهم وثائق الهوية لقاء الوشاية بأسماء المتحكمين في شبكات التهريب التي مكنتهم من الوصول من مصدر انطلاقهم في آسيا أو افريقيا حتى دخولهم أراضي الاتحاد الأوروبي.

وستضع الدوائر الأمنية شروطا قد تؤدي الى معاقبة المهاجر السري وحرمانه بسحب الوثيقة في حال ثبت أنه لم يقطع صلاته بشبكات التهريب. وستعرض الجهات المعنية على المهاجرين السريين مساعدات انسانية مثل الغذاء والدواء لقاء تعاونهم مع المحققين.

كما تبحث البلدان الأعضاء مقترحات، لم يتم التوصل بعد الى اتفاق حولها، حول وضع قائمة “البلدان الأكيدة” أو المأمونة، أي تلك التي تنطبق عليها معايير احترام حقوق الانسان والمواثيق الدولية ذات الصلة.

وكالة لحماية الحدود الخارجية للإتحاد

وتتواصل النقاشات فيما بين البلدان الأوروبية حول ضرورة استخدام تقنيات حديثة لتفادي تزوير وثائق تأشيرات الدخول وهويات الإقامة. ويبحث الخبراء إمكانات وضع قشرة الكترونية في وثيقة التأشيرة تحمل معلومات شخصية.

واقترحت بعض الدوائر الأمنية استخدام صورة قزحية العين في وثيقة التأشيرة، إلا أنه تم العدول عنها في الظرف الراهن لأسباب المعارضة التي قد تثيرها في أوساط البرلمان الأوروبي ومنظمات حقوق الانسان، لأن قزحية العين تعكس الوضع الصحي للانسان وقد تنبئ على سبيل المثال رجال الأمن إن كان طالب التأشيرة مصابا بمرض السكري.

ويجري التباحث من ناحية أخرى داخل المفوضية الأوروبية من أجل وضع اللمسات الأخيرة على مقترحات ستقرها يوم الثلاثاء (18 نوفمبر) تتعلق بمشروع “وكالة حماية الحدود الخارجية للاتحاد”.

واوضح مصدر رسمي بان الوكالة ستضم 50 موظفا في مرحلة أولى تعنى بتنسيق جهود مكافحة الهجرة السرية وتحليل مناطق الخطر والإنذار المبكر للبلدان الأعضاء التي تكون وجهة لزوارق شبكات تهريب العمالة. وستقدم المفوضية مشروعها في نهاية شهر نوفمبر الجاري الى مجلس الوزارء.

المقاولة من الباطن

غير أن احتواء مشكلة الهجرة السرية بالنسبة للبلدان الأوروبية سيظل مجسدا في الحؤول دون مغادرة أفواج المهاجرين لأوطانهم، وهو أمر يكاد يكون مستحيلا لأن قائمة مسببات الهجرة السرية غير محدودة من البطالة حتى النزاعات المسلحة، مرورا بالأزمات السياسية والاقتصادية والطبيعة التي تهز الكثير من البلدان في افريقيا وآسيا.

ورفضت البلدان الأوروبية فكرة قدمتها بريطانيا في الصيف الماضي بان يقوم الاتحاد الأوروبي بتمويل بناء مخيمات في مناطق النزاعات لاحتواء تيارات الهجرة في مصدر انطلاقها.

وفي المقابل، تضغط البلدان الأوروبية من أجل حمل العديد من البلدان المجاورة لها مثل المغرب والجزائر وليبيا على إبرام اتفاقيات إعادة توطين المهاجرين السريين، سواء كانوا من رعايا البلد المصدر للعمالة أو من رعايا بلدان أخرى كانوا عبروها في اتجاه اوروبا.

إلا أن البلدان التي ترشحها الدوائر الأمنية الأوروبية لأن تضطلع بدور “المقاول من الباطن” في قمع تيارات الهجرة، لا تمتلك التجهيزات الحديثة والكافية والقدرات البشرية المدربة على حماية الحدود، خاصة عندما تمتد على آلاف الكيلومترات المشتركة مع البلدان الإفريقية، وبعضها قد يرفض الاضطلاع بدور الشرطي لحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.

وستواصل الدوائر الأمنية الأوروبية البحث عن آليات جديده لتفكيك شبكات التهريب وترحيل المهارجين الشرعيين أو إغرائهم بوثائق الهوية مقابل التعاون مع المحققين. كما ستستمر في تعاونها مع الجهات الأمنية في البلدان المجاورة لمكافحة شبكات تهريب العمالة.

لكن المشكلة ستظل قائمة وتحتد في كل مرة تشتد فيها النزاعات والحروب العرقية وكوارث الجفاف والمجاعة.

نور الدين الفريضي – بروكسل

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية