مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مناورات سويسرية استعدادا لكارثة زلزالية

Reuters

تمرنت فرق الإغاثة السويسرية في حالات الكوارث على مواجهة سيناريو وقوع زلزال عنيف شمال غربي البلاد يخلف ما يصل إلى 6 آلاف قتيل، و60 ألف جريح، وقرابة 30 ألف شخص في تعداد المفقودين.

في منتصف شهر مايو، دفع المكتب الفدرالي للدفاع المدني بمئات الخُـبراء لعرضهم على اختبار الجاهزية، الذي نُظِّـمت فعالياته قريبا من مدينة بازل، في إطار مناورات وطنية ثُـلاثية الأبعاد، لمواجهة خطر الكوارث الطبيعية والزلازل.

وجاء ذلك قبل أسبوعين فقط من وقوع زلزال في شمال إيطاليا يوم 20 مايو الجاري، والذي سلط الأضواء مجددا على اشتداد الحاجة إلى خدمات طوارئ لا تعرف التهاون وتتوفر على الوسائل الكفيلة للتعامل مع آثار الزلازل.

ولكن لماذا اختيرت مدينة بازل بالذات لهذه التداريب؟ ذلك لأن مدينة بازل، بحسب المصادر التاريخية، كانت مسرحا في عام 1356 للزلزال الأعْـنف والأكثر تدميرا في منطقة أوروبا الوُسطى، حيث بلغت قوته 6,5 – 7,0 درجات على مقياس ريختر، ومن المتوقّع، وِفقا لعلماء الزلازل، أن يتكرّر حدوث زلزال مماثل وبنفس الشدة، كل نحو ألف عام.

ومن اللافت، أن المناورات التي استندت إلى الزلزال الذي حدث في القرن 14، حملت اسم  “SEISMO 12” وتضمنت فعاليات على نطاق واسع، شارك فيها ما يربو 1600 من الكوادر المدنية والعسكرية، من سويسرا وفرنسا وألمانيا، وهدفت إلى مواجهة أسوأ الكوارث الطبيعية التي ربما تَـطال المنطقة يوما ما.

وفي الخصوص، قال هانس غوغيسبيرغ، مدير المناورات “SEISMO 12” لـ  swissinfo.ch: “إن وحدات التدخل السريع، سواء من الشرطة أم الإطفاء، مُـعدّة بشكل جيِّـد جدا وعلى مستوىً عالٍ من التجهيز، لمواجهة حالات الطوارئ”.

وأضاف: “ولكن، عندما يتعلّق الأمر بكارثة من هذا الحجم، فستكون لديك العديد من المنظمات، من مختلف القطاعات، تعمل كلها يدا بيد لتحقيق ذات الهدف، من أجل أن تعمل الجهة (أ) بفاعلية أكبر مع الجهة (ب)، فإنهما تحتاجان إلى أن تكون بينهما ثقة متبادلة، ولا يمكن أن تُبنى ثقة أثناء الفواجع الكبرى، ولابد لها من أن توضع على المِحك قبل ذلك، وأن تُمارَس وتُصقل، ومن شأن هذه المناورات متعدّدة التخصصات، أن تتيح الفرصة لتحقيق ذلك”.

الموت والدمار

قبل ساعتين من بدء المناورات، حضر جميع المشاركين في “SEISMO 12” في مشهد موحَّـد، مليء بالذّعر والرّعب.

لقد وقع زلزال مفجع بقوة 6,5 – 7,0 درجات على مقياس ريختر في منطقة الصّدع من كانتون بازل، واجتاح ما يقرب من 6,2 مليون شخص من السكان، ويُقدّر عدد القتلى بنحو 6 آلاف شخص، وهناك أكثر من 60 ألف مُصاب ونحو 30 ألف مفقود ومئات الآلاف من المباني مدمّرة ونحو 1,6 مليون شخص بلا مأوى.

ولحُـسن الحظ، أمكن تفادي وقوع كارثة نووية، حيث توقَّـفت جميع المُـفاعلات النووية في سويسرا وفي منطقة ألزاس الفرنسية (Alsace) المجاورة بشكل تِـلقائي، ولم يتم الإبلاغ عن وجود أي تسرّب إشعاعي.

أضف إلى ذلك، أن فِـرق مواجهة الكوارث، في كلٍّ من كانتون أرغاو وبازل المدينة وبازل الرّيف وسولوتورن وفي المناطق الألمانية المجاورة (بريسْغاو هوشفارزفالد ولوراخ وفالدسهوت)، وجدت نفسها مُـضطرّة إلى مواجهة التداعيات في مناطقها.

وقال روبرت هيلتي من كانتون أرغاو، وهو أحد المشاركين في المناورات لـ swissinfo.ch: “بدأنا المناورات في أعقاب الكارثة، لأن مرحلة الفوضى ليس من الممكن أبداً التدرّب عليها”.

على مدى الأيام الثلاثة وعلى مدار الساعة، كان هيلتي يُـقيم في مكتب الحماية المدنية والعسكرية في مديرية لييستال، عاصمة كانتون ريف بازل ومقرّ سيْـر عمليات “SEISMO 12”.

ومن داخل مقر إدارة العمليات، قام المشرفون باطلاع الفِرَق المشاركة على المهام المُسنَدة إليها وعلى تفاصيل سيناريو المناورات قبل بدئها، إذ يتوجّب على كل فرقة العمل من خلال المواقع المحلية التي تنتسب إليها، وعلى الفرقة التي تتولى مهمة الناجين تحت الأنقاض، إلى تلك التي تتولى مهمة الجسور المهدّمة وإلى تلك التي تهتم بشأن انقطاع التيار الكهربائي أو تلك التي تعالج الحرائق، أن تتصرف بحِكمة وبأقصى درجات السرعة تجاه سيل المصائب المترادفة ومعرفة أي طارئ تواجه أولا، وكم هي أعداد الوحدات والعناصر التي ينبغي أن تُصرف لهذه المهمة، وما هي الطريق التي ينبغي أن تسلُـكها للوصول إلى ساحة الحدث؟

منطقة الصدع

ومن جانبه، أوضح ستيفان فييمر، مدير خدمة رصد الزلازل السويسرية في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، في حديث لـ swissinfo.ch أنه: “ينبغي للمناورات أن تحاكي تماما ما نعرفه من مواصفات وقوع الزلازل، سواء ما يتعلق بشدة الزلزال أم بطبيعة منطقة أو مكان حدوثه”.

وقد شاركت الوكالة الفدرالية، المكلفة برصد الزلازل وتقييم مخاطرها في سويسرا، في إنجاز تفاصيل ودقائق السيناريو الافتراضي في المناطق التي تجري فيها المناورات.

وتمتاز هذه المناطق بكثرة التشقُّـقات الأرضية وتوصف كذلك بمنطقة الصّدع، وتمتد إلى مسافة 200 كيلومتر، تبدأ من مانهايْـم في جنوب غرب ألمانيا وتصل إلى بازل في شمال غرب سويسرا، وتضم المنطقة، التي تشكل حافة الضفة الشرقية لحوض راين غرابن، والتي هي عُـرضة لحدوث الزلازل، كما هو الحال في مناطق أخرى من أوروبا، بسبب التّـصادُم الذي حدث بين ما يسميه العلماء بالصفيحة التّـكتونية الإفريقية وتلك الآسيوية.

وتشير الحسابات التاريخية إلى أن الزلزال الذي وقع في 18 أكتوبر 1356، ضرب نحو 30 إلى 40 قلعة. ولَفَتَ فييمر إلى أنه: “بعدما تتبَّـعنا أخبار ذلك الزلزال، علِـمنا بأن أجراس الكنائس قُرِعت في باريس. والاطِّـلاع على مثل تلك التقارير يساعدنا على إدراك حجم الدّمار الذي من الممكن لمثل تلك الهزّات الأرضية أن تخلِّـفه اليوم”.

التأهب الوطني

حين وقع الزلزال الكبير في القرون الوسطى، بقيت منطقة الصّدع في حالة هدوء نِسبي، كما استمر حدوث بعض الهزّات المُعتدلة في القرون التي أعقبت زلزال عام 1365، لكن منذ القرن الثامن عشر، لم تُسجَّـل سوى هزّات ضعيفة أو منخفِـضة الشدّة، في منطقة بازل.

ومع ذلك، فإن الكثير من الخبراء متَّـفقون على اعتبار المنطقة على درجة عالية من الخطورة، وبرأي فييمر: “تتعرّض الصفيحة الأرضية إلى حدٍّ لا بأس به من الضّغط المستمر، كما أن المنطقة نفسها خاضِعة للضغط التّـكتوني. أضف إلى كونها مشحونة بطاقة أرضية، ولا ندري ما إذا كانت ستطلقها في هزّة مستقبلية”.

وفي الأثناء، يصنِّف الخبراء مخاطِر الزلازل في سويسرا، بأنها ضمن الاعتدال أو التوسط وأنها أقل مستوىً مما يحدُث في مناطق أخرى، مصنَّـفة ذات خطورة عالية، كتركيا. لكن، نظرا لوجود كثافة في السكان وفي الممتلكات في منطقة كبازل، يجعل من خطر وقوع زلزال شديد، تهديدا بكوارث طبيعية لا نظير لها في تاريخ البلاد.

ووفقا لتوقّعات المكتب الفدرالي للدِّفاع المدني، فإن حجم الأضرار الاقتصادية التي يُـمكن أن يخلِّـفها زلزال بشدة 6,5 – 7,0 درجات على مقياس ريختر، ربما تقـدّر بنحو 50 – 100 مليار فرنك سويسري (أي حوالي 54 – 107 مليار دولار أمريكي).

ومنذ عام 2000، وضعت السلطات الفدرالية حيـّز التنفيذ، برنامجا من الإجراءات والآليات لمواجهة آثار الزلازل. وبمعنى آخر، هو عِـبارة عن “برنامج وِقائي للحدّ من الأضرار المُحتملة، في حالة وقوع زلزال”، ويعتمد في الأساس على استراتيجية وطنية للتأهُّـب للكوارث وتقديم المساعدة في حال وقوع زلزال خطير، باعتبارها حجر الزاوية في جهود مواجهة أخطار الهزّات الأرضية والكوارث الطبيعية.

وكانت منذ ستِّ سنوات، آخر مرة قام فيها المكتب الفدرالي للدفاع المدني بمُناورات على مستوىً عالٍ، بغرض مواجهة أخطار الزلازل، وكانت تحت اسم “RHEINTAL 06” وأجريت في المنطقة الشرقية من البلاد وهدفت إلى تشجيع التعاون بين خدمات الطوارئ على المستوى الدولي، وخرجت بتوصية تؤكِّـد على ضرورة تِكرار مثل هذه المناورات كلّ فترة ما بين خمس إلى سبع سنوات، ومن المفترض لدراسة تحليلية معمّقة حول مناورات “SEISMO 12″، أن تكون مُـتاحة بحلول شهر أكتوبر عام 2012.

تسبّبت محطّة الطاقة الحرارية الأرضية “جيوباور بازل”، في سلسلة زلازل أصابت المنطقة عن غير قصْد، حيث انحرفت إحدى خططها لتوليد الطاقة عن مسارها، وذلك حين كانت تسعى إلى الاستفادة من حرارة الأرض، لإنتاج الطاقة، عن طريق ضخ المياه على مسافة خمسة كيلومترات في عُـمق قشرة الأرض.

كان يُنظر إلى المشروع، الذي بدأ عام 2006، على أن يكون الأول في البلاد الذي تتِم فيه الاستفادة من الطاقة الحرارية الجوفية على المستوى التجاري، إلا أن الشركة اضطرت إلى التخلّي عن المشروع، بسبب الهزات الأرضية التي أحدثها الحفْـر في أعماق الأرض والتي هزت المدينة، حيث بلغت شدة إحدى هذه الهزات 3,4 درجة على مقياس ريختر، وأعقبت أضرارا في الممتلكات.

وقال ستيفان فييمر، مدير خِدمة رصد الزلازل السويسرية، التابع للمعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، بأن هذا الحادث أفصح عن أن منطقة الصّدع في بازل “دائمة التعرّض لضغط كبير في جميع أنحائها”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية