مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الولايات المتحدة تواجه سيلا من الإنتقادات أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل

رئيسة الوفد الأمريكي لآلية الاستعراض الدوري الشامل ايستر بريمر والى جانبها نائب وزيرة الخارجية المكلف بالمنظمات الدولية مايكل بوزنر - جنيف، 5 نوفمبر 2010. Keystone

في أول استعراض لتقريرها تعرضت الولايات المتحدة الأمريكية إلى سيل من الإنتقادات على المستوى الداخلي، بخصوص عقوبة الإعدام وسياسة الهجرة واستهداف المسلمين، وخارجيا، بخصوص تصرفات قواتها في بعض مناطق الصراع وفي سياق الحرب ضد الإرهاب.

في أول استعراض لملف أمريكا في مجال حقوق الإنسان أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل التابعة لمجلس حقوق الإنسان، أوفدت واشنطن أكثر من 30 ممثلا لمختلف الوزارات والمصالح للدفاع عن ملفها.

ويمكن تفسير هذا الحضور المكثف في أنها المرة الأولى التي تخضع فيها الولايات المتحدة للإستعراض أمام آلية أممية كانت تشكك دوما في مصداقيتها ونجاعتها، ولتزامن ذلك مع تعاظم الشكوك في عدم جدية الإدارة الأمريكية حتى في عهد الرئيس أوباما في التحقيق في الإنتهاكات الجسيمة التي ارتكبت من قبل قواتها في كل من أفغانستان والعراق مثلما كشفت الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس الذي حضر مؤسسه جوليان أسانج خصيصا إلى جنيف لتعزيز الضغط على الحكومة الأمريكية من أجل القيام تحقيق جدي في التجاوزات والجرائم المسجلة.

وتكفي الإشارة إلى أن 87 دولة طلبت التدخل أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل للتعقيب على تقرير الولايات المتحدة أو لتقديم توصية بشأن القضايا المطروحة في مجال حقوق الإنسان مع تركيز على التجاوزات التي ارتكبت في إطار ما يُعرف بـ “الحرب على الإرهاب”.

أعتراف بأخطاء الماضي

في تدخلها أمام مجلس حقوق الإنسان لتقديم التقرير الأمريكي اعترفت ايستر بريمر، رئيسة الوفد ونائبة وزيرة الخارجية المكلفة بالإندماج والمنظمات الدولية بأن “تاريخ الولايات المتحدة عرف بداية تتسم بالهوة بين المثل العليا والممارسات اليومية بما في ذلك سياسة الرق ومعاملة السكان الأصليين”، لكنها استدركت مشددة على أن التاريخ المعاصر للولايات المتحدة يتسم اليوم بـ “التقدم القائم على أساس ضمان حرية التعبير والتجمع والدين والمعتقد مما يسمح بإقامة مجتمع وحدة مثالي”.

وقد استمع الحضور لخطاب لم يكن معهودا من قبل في عهد الرئيس جورج بوش الذي ابتكر مفهوم “المقاتلين غير الشرعيين” ومنعهم من التمتع بحماية القانون الانساني الدولي، حيث جاء على لسان مايكل بوزنر، نائب وزير الخارجية المكلف بالديموقراطية وحقوق الإنسان أنه “لا توجد مناطق لا ينطبق عليها القانون، وأن هناك جهودا مبذولة لإغلاق معتقل غوانتانامو”.

أما التقرير الحكومي الذي جاء في 30 صفحة فقد باشر بسرد تساؤلات صادرة داخل الولايات المتحدة نفسها تنتقد الإستعراض في حد ذاته على اعتبار أنه “يمثل في نظر البعض إقرارا بالقواسم المشتركة بين الولايات المتحدة وبين دول تنتهك حقوق الإنسان بصورة منهجية “. وهو ما رد عليه التقرير الرسمي بالنفي مشددا على أنه “لا وجود لمقارنة بين الديمقراطية الأمريكية والأنظمة القمعية”.

في المقابل، أقر معدو التقرير بأنه يقدم “لمحة جزئية عن أوضاع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية بما في ذلك بعض المجالات التي لا تزال مثارا لمشاكل في المجتمع ولاستكشاف الإمكانيات التي تتيح إحراز المزيد من التقدم ولإطلاع الآخرين على ما حققناه من تقدم في الآونة الأخيرة”.

وقد خصص التقرير فقرات للحديث عن حرية الدين والمعتقد وحرية التعبير والمساواة والتجمع، وأخرى لآستعراض الإجراءات التي اتخذتها السلطات الأمريكية لحماية الجالية الإسلامية والعربية المقيمة في الولايات المتحدة والأمريكيين من أصل عربي في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

انتقادات الأصدقاء والخصوم

تميز تدخل الدول الأعضاء للتعقيب على تقرير الولايات المتحدة الأمريكية أو لتقديم بعض الاستفسارات بتسجيل 87 دولة، كانت في مقدمتها كوبا التي طالبت بوضع حد للحصار المفروض على الجزيرة ومحاكمة المسؤولين عن التعذيب في معسكرات غوانتانامو وباغرام وابو غريب، والإفراج عن السجناء السياسيين ومن ضمنهم مومياء أبو جمال.

روسيا طالبت في توصياتها للوفد الأمريكي بضرورة القيام بتحقيق في عمليات التعذيب التي مورست في مراكز الاعتقال السرية. أما إيران فقد أدانت ما وصفته بعمليات التنصت التي تقوم بها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وعمليات الإعتداء على القرآن. وطالبت بضرورة فتح تحقيق في عمليات التعذيب في كل من غوانتنامو وابو غريب وباغرام ودعت إلى حماية المسلمين.

العديد من دول أمريكا اللاتينية طالبت من جهتها بضرورة مراعاة حقوق الشعوب الأصلية. ودعت بوليفيا إلى ضرورة الإعتراف بحقوقها وضمان تمتعها بخيراتها وأملاكها. أما المكسيك الذي يعاني من معاملة مهاجريه فقد طالب الولايات المتحدة بوضع حد للتنميط العنصري في مجال الهجرة.

في السياق نفسه، انتهزت الصين الفرصة لتصفية حسابات سابقة، بالإشارة الى التمييز المطبق في الولايات المتحدة الأمريكية ضد الأقلية المسلمة وضد اللاتينيين والهنود، وإلى المضايقات الممارسة بذريعة محاربة الإرهاب وحتى التضييق على استخدام الإنترنت.

العديد من الدول الغربية والأوروبية هاجمت عقوبة الإعدام التي لا زالت مطبقة في الولايات المتحدة الأمريكية وأجمعت على تقديم توصيات بهذا الخصوص ومن ضمنها سويسرا التي أشاد سفيرها دانتي ماراتينالي بأن “العديد من الولايات الأمريكية ألغت في السنوات الأخيرة تطبيق عقوبة الإعدام”، هو ما يرى فيه “تقدما إيجابيا”. ومن التوصيات التي تقدمت بها سويسرا “ضرورة التقيد بمهلة في تطبيق عقوبة الإعدام بالنسبة لكل الولايات بغية التوصل في يوم من الأيام الى حظر شامل على تطبيق عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة الأمريكية”.

آمال كبرى في إدارة أوباما

ردود الوفد الأمريكي على هذه الانتقادات والتوصيات تمحورت حول التشديد على أن “ناك تحولا ونية في التحول لدى الرئيس الأمريكي باراك أوباما” في محاولة للإبتعاد عن الاتهامات والممارسات التي طبعت عهد سابقه جورج بوش.

وحتى فيما يتعلق بالأصوات التي طالبت بضرورة التحقيق في الإنتهاكات التي أشارت إليها وثائق موقع ويكيليكس ومصادر أخرى قبله، لم يرفض الوفد الأمريكي تلك الاتهامات جملة وتفصيلا لكنه انتقد ترديد البعض أن الإدارة لم تحقق في تلك الادعاءات، وأكد مايكل بوزنر، نائب وزيرة الخارجية المكلف بحقوق الإنسان أنه “تم إجراء المئات من التحقيقات وتقديم العديد للمحاكمة بما في ذلك حالة أمام المحكمة العسكرية”.

ولاشك في أن ما قد يبدو إيجابيا على الفور في استعراض تقرير الولايات المتحدة، هو أن الإدارة الأمريكية فتحت نقاشا مباشرا مع حوالي 100 من منظمات المجتمع المدني في جنيف بعد ظهر نفس اليوم (أي الجمعة 5 نوفمبر 2010) الذي عرضت فيه تقريرها، على أن “يتواصل هذا النقاش، بعد العودة الى الولايات المتحدة الأمريكية”، على حد قول رئيسة الوفد ايستر بريمر.

تعقد الدورة التاسعة لآلية الإستعراض الدوري الشامل ما بين 1 و 12 نوفمبر 2010 وتستعرض تقارير 16 دولة هي: ليبيريا – مالاوي – منغوليا – باناما- جزر المالديف- أندورا- بلغاريا- الهندوراس – الولايات المتحدة الأمريكية – جزر مارشال – كرواتيا – جامايكا- الجماهيرية العربية الليبية- ميكرونيزيا – لبنان – موريتانيا.

ومن المقرر أن يتم استعراض تقرير الجماهيرية العربية الليبية في 9نوفمبر بينما يستعرض تقريرا لبنان وموريتانيا في 10 نوفمبر.

تعتبر آلية الإستعراض الدوري الشامل أهم تحديث في آليات حقوق الإنسان منذ استبدال لجنة حقوق الإنسان الراحلة بمجلس حقوق الإنسان في عام 2005. وهي الآلية التي تعرض فيها كل دولة من دول العالم أوضاع حقوق الإنسان فيها كل أربع سنوات وذلك من خلال تقرير حكومي وآخر تعده مفوضية حقوق الإنسان انطلاقا من تقارير الآليات التعاقدية المختلفة وتقرير ثالث تعده المفوضية انطلاقا من تقارير منظمات المجتمع المدني أو ما يسمى بالتقارير الموازية.

وبعد تقديم البلد لنظرته فيما يتعلق بمدى تطبيقه لحقوق الإنسان تلجأ الدول الأعضاء الى طرح بعض الأسئلة وتقديم بعض التوصيات للبلد المعني بغرض تحسين أدائه أو توضيح موقفه من بعض القضايا.

الملاحظ أن أداء الدول في هذا الإطار ما زال مرهونا بمدى صداقتها أو عداوتها مع البلد الذي يتم استعراض تقريره. وهذا ما دفع بعض المراقبين إلى توجيه الإنتقاد إلى أداء هذه الآلية التي عقدت عليها آمال كبرى حين إنشائها. لكن البعض الآخر يقول إنه يجب انتظار مراجعة عملها بعد مرور خمسة أعوام من قيامها لمعرفة ما الذي يمكن الإحتفاظ به وما الذي يجب إصلاحه في طريقة عملها.

مهما يكن من أمر، تنتهي عملية الاستعراض بقيام الترويكا (أي البلدان الثلاثة التي يتم الاتفاق على اختيارها)، بتحرير ملخص يتضمن مختلف الملاحظات والتوصيات. ثم تُعرض على البلد المعني فيقبل منها ما يريد ويرفض منها ما يعتبره غير مقبول.

هذه الحصيلة التي تعتبر نتاج عملية المراجعة ليس لها أي طابع إلزامي باستثناء إمكانية إثارتها كمرجعية عندما يخضع البلد المعني مجددا لعملية استعراض أخرى بعد أربع سنوات.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية