مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الولايات المتحدة على كل الجبهات

هل ستعمل الولايات المتحدة على تغيير خارطة المنطقة العربية كما يشاع في واشنطن وفي عواصم المنطقة؟ Keystone

سجل عام 2002 إقرار الولايات المتحدة سياسات يمينية محافظة وصلت في تشددها إلى حد اعتزام شن حروب استباقية بهدف إجهاض أي خطر قد تشعر واشنطن أنه يهددها.

وترافق ما وُصف بتحول الولايات المتحدة إلى إمبراطورية تسعى لفرض هيمنتها على العالم، مع سلسلة من الفضائح المالية والسياسية.

خلال النصف الأول من عام 2002، لاحقت كبريات الشركات الأمريكية مثل شركات إنرون، وآرثر آندرسون، وميريل لينش، وورلدكوم وغيرها، سلسلة من فضائح الجشع والكسب غير المشروع، والمبالغة في تزوير أرقام الأرباح لتغطية الخسائر واستقطاب المزيد من الاستثمارات.

وأدى الفساد الشائع بين رؤساء مجالس إدارة الشركات الأمريكية الكبرى إلى إشاعة جو من عدم الثقة في أداء تلك الشركات أولاً، ثم في الاقتصاد الأمريكي بشكل عام.

وسرعان ما انعكس ذلك في الهبوط الحاد لأسعار الأسهم في أسواق المال الأمريكية مما حدا بالكونغرس أن يُـصدر قراراَ يقضي بملاحقة كل من ارتكبوا مخالفات مالية من رؤساء الشركات الأمريكية الكبرى. كما اضطر مجلس الاحتياط الفدرالي إلى تخفيض سعر الفائدة في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى لها خلال أربعين عاما لتنشيط الاقتصاد الأمريكي.

كما سجل عام 2002 سلسلة أخرى من فضائح الشذوذ الجنسي في أوساط الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في بوسطن أولاً، ثم في نيويورك ولوس أنجلوس وغيرهما، مما اضطر قداسة البابا يوحنا بولس الثاني إلى دعوة زعماء الكنيسة إلى اجتماع في الفاتيكان لبحث سبل التعامل مع القساوسة الذين تورطوا في هذه الفضائح، بعد أن ألحقت ضرراً بالغاً بمصداقية الكنيسة الكاثوليكية، خاصة في ضوء عدم تحذير الكنائس من سلوكيات قساوسة كانت الكنيسة تعلم أنهم مارسوا الشذوذ الجنسي من قبل. وبحلول نهاية العام اضطر أكثر من 300 قسيس إلى الاستقالة، أو قررت الكنيسة إيقافهم عن العمل.

ولم يسلم الكونغرس الأمريكي من الفضائح في عام 2002. فقد استقال عضو الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا “غارى كونديت” بعد كشف النقاب عن وجود علاقة غرامية حميمة له مع الطالبة الجامعية “تشاندرا ليفي”، التي اختفت لشهور في ظروف غامضة، ثم عُـثر عل جثتها في إحدى الحدائق، وتم التحقيق مع النائب كونديت، لكن لم يتم التوصل إلى ربطه بمقتل عشيقته.

وشهد شهر ديسمبر فضيحة سياسية تمثلت في تصريحات عنصرية للسيناتور “ترنت لوت” زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، أسفرت عن مطالبته بالتنحي وترشيح السيناتور “بيل فريست” الذي يتمتع بعلاقات وطيدة مع البيت الأبيض للمنصب.

عام التصعيد … بالحرب والوعيد

بدأ الرئيس جورج بوش عام 2002 بتحديد ثلاث دول اعتبرها خطراً على السلام العالمي، ومصدراً لاحتمال تزويد الإرهابيين بأسلحة الدمار الشامل، وأطلق على الدول الثلاث، وهي العراق وإيران وكوريا الشمالية لقب “محور الشر”. وسرعان ما ركزت إدارة الرئيس بوش على العراق وطالبت بتغيير نظام الحكم فيه استنادا إلى اتهام واشنطن للرئيس صدام حسين بالاستمرار في تطوير أسلحة دمار شامل، بيولوجية وكيماوية ونووية، لاستخدامها في تهديد السلم العالمي، وتزويد الإرهابيين بها.

ولم يمر شهر من شهور العام إلا بمزيد من التصعيد الأمريكي للمواجهة المنتظرة مع العراق، والوعيد لكل دولة لا تقف مع الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب، بل وتهديد فرنسا وروسيا بأن اعتراضهما على شن حرب ضد العراق سيحرمهما من أي عقود بترولية أو مشاركة في إعادة بناء العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين.

وبحلول شهر سبتمبر، استغل الرئيس بوش فرصة إلقاء خطابه أمام الأمم المتحدة لطرح كل ما لدى حكومته من حجج لاستصدار قرار جديد من مجلس الأمن، يطالب بعودة المفتشين الدوليين ويوجه تحذيراً صارماً للعراق بعواقب وخيمة إذا لم يلتزم النظام العراقي بالانصياع الكامل لبنود القرار. حصل الرئيس الأمريكي على مبتغاه بصدور القرار رقم 1441 وعودة المفتشين الدوليين إلى العراق وفق شروط وقيود صارمة لم يسبق أن فُرضت على أي دولة في العالم.

ومع نهاية العام، اتضح للجميع أن الولايات المتحدة لا تبدو جادّة في منح المفتشين فرصة العمل للتأكد من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، وإنما استغلت تقريرا دعا القرار 1441 العراق إلى تقديمه عن برامج التسلح العراقية، لتواصل التصعيد، بل والإعداد لشن حرب ضد العراق من خلال انتشار قواتها في دول الخليج، لاسيما في الكويت وقطر التي نقلت إليها الولايات المتحدة مقر القيادة المركزية للجيش الأمريكي من ولاية فلوريدا.

الحرب العالمية على الإرهاب؟

ورغم مرور أكثر من عام على شن الحرب الأمريكية على الإرهاب وقواعده في أفغانستان، أخفقت القوات الأمريكية في القضاء على جيوب تنظيم القاعدة أو ضمان الأمن والاستقرار لحكومة حامد قرضاي.

واستمر النزاع القبلي والاقتتال بين زعماء الحرب الأفغانية، بل وتم اغتيال عدد من المسؤولين الأفغان في الحكومة الجديدة، ولم تستطع كل الإمكانيات العسكرية والتكنولوجية الأمريكية أن تحسم المعركة ضد أسامة بن لادن أو تعرف مكانه أو تعتقل زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر.

وقد واصل بن لادن ازدراءه بالولايات المتحدة من خلال توجيه رسائل صوتيه تلفزيونية تتوعد بالمزيد من الهجمات على الأراضي والأهداف الأمريكية. لذلك، رفعت الولايات المتحدة في شهر سبتمبر درجة الاستعداد في جميع أنحاء التراب الأمريكي تحسبا لأية اعتداءات محتملة، قال زعماء تنظيم القاعدة آنذاك أنها سوف تستهدف تذكير الأمريكيين بقدرة المنظمة على الوصول إلى العمق الأمريكي، ولكن إحياء الذكرى الأولى لاعتداءات سبتمبر الإرهابية مر بسلام ودون حوادث تُذكر.

عام القنّـاص!

وما أن اطمأن الشعب الأمريكي بعد مرور الذكرى الأولى لهجمات سبتمبر دون تعرض المدن الأمريكية لمزيد من الهجمات، حتى شاع الرعب من جديد بين سكان العاصمة الأمريكية وضواحيها في ولايتي فرجينيا وميرلاند في شهري سبتمبر وأكتوبر من خلال سلسلة حوادث القتل العشوائي للمواطنين الأبرياء على مدى ثلاثة أسابيع على أيدي قناص أمريكي يُـدعى جون آلن، وهو جندي سابق بالجيش الأمريكي أثناء حرب تحرير الكويت.

وقد ساعده صبي كان يرافقه ويشارك في اصطياد ضحاياه من سيارة قديمة لم يشك فيها أحد، وكشفت هذه الحوادث مدى الصعوبات التي واجهتها أجهزة الأمن الأمريكية لمعرفة الجناة، إلى أن بدأ القناص في الاتصال بالشرطة من خلال رسائل مكتوبة ومسجلة قادت الجهات الأمنية إلى القبض عليه مع شريكه وهما نائمان.

هيمنة جمهورية مطلقة

وبحلول نوفمبر 2002، تمكن الحزب الجمهوري من قلب ميزان القوى في الكونغرس لصالحه من خلال الحصول على المزيد من المقاعد في مجلس الشيوخ ومجلس النواب، بحيث أصبح الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس، مسيطرا على الكونغرس بمجلسيه في انتخابات منتصف الفترة الرئاسية، وذلك لأول مرة منذ عام 1934.

وانتهز الرئيس بوش هذه الفرصة، وأجواء الرعب التي عاشها الشعب الأمريكي بعد أحداث سبتمبر الإرهابية، وحوادث القتل العشوائي التي روعت العاصمة الأمريكية، ونجح في تمرير قانون إنشاء وزارة الأمن الداخلي وخصص لها 170 ألف وظيفة لحماية الولايات المتحدة من الإرهاب.

محمد ماضي – واشنطن

الولايات المتحدة في أرقام.
إحصائيات عام 2000
المساحة: 9.158.960 مليون كلم2
السكـان: 281.422.000 مليون نسمة
الناتج المحلي الإجمالي: 9.963 ترليون دولار (ترليون= ألف مليار)
الدخل الفردي: 27.642 ألف دولار
ميزانية الدفاع لعام 2003: 350 مليار دولار

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية