مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

شباب الثورة بين سِـندان الورَثة السياسيين ومِطرقة حقائِق الواقِع

منظر عام لسوق شعبي في أحد أحياء المدينة العتيقة للعاصمة اليمنية صنعاء يوم 18 يوليو 2012 Keystone

تبدو اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، بموجب القرار الذي أصدره الرئيس الإنتقالي عبدربه هادي، لكثيرين تكريساً لمَسار التسوية السياسية بما هو خيار يروم تطبيع العلاقات بين مكوِّنات النّخبة السياسية التقليدية بكل أطيافها وألوانها المتوائمة والمتباينة، وتجاهل فئات الشباب، خاصة منهم المستقلين.

والبادي من قرار الرئيس اليمني، الذي أصدره في منتصف شهر يوليو 2012، أن ما يتصدّر اهتمام صنّاع السياسة والرّعاة الإقليمين والدوليين للمبادرة، هي التسوية السياسية بين الفرقاء السياسيين التقليدين، على الرغم من خلو تشكيلة اللجنة المكوّنة من 25 عضواً ولأول مرة من الزّعامات القبلية.

ومنذ البدء في الخطوات والقرارات والإجراءات المتّصلة بتنفيذ المبادرة الخليجية وآلياتها المرحلية، يبدو أن الهاجس السياسي يطغى على التعاطي مع مشكلات المَركَبة في البلاد، ويبدو كما لو أنه المدخل الرئيسي لتطبيع الأوضاع، فيما لا تحظى المطالب الإقتصادية والإجتماعية والتطلّعات الشبابية، التي ألهَبت فتيل الثورة الشعبية، بالأولوية نفسها.

من جهة أخرى، أظهرت تشكيلة اللجنة المكونة من 25 عضواً غلبة المعايير السياسية على تسمية أعضائها، على الرغم من مما ورد في ديباجة القرار من أن اللجنة “ليس لها سوى الصلاحية الفنية المتّصلة بالتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل، ولن تستبِق أو تتحكّم مُسبَقا بأي شكل من الأشكال، بمضمون أعمال مؤتمر الحِوار أو نتائجه”.

وحسب عدد من المراقبين، فإن جُـلّ الأعضاء في اللجنة، هُـم من السياسيين المُخضرمين وليسوا من الخبراء الذين يُمكن أن يوصَفوا بالفنيين، الذين يقتصر عملهم على اختيار المرشّحين والممثلين للحوار الوطني بحيادية، ترضي جميع الأطراف وتلبي تطلّعاتهم في التغيير المنشود.

في الأثناء، لا تبدو المقدّمات مُطَمْئِنة للأوساط الشبابية، بعد أن كشفت الأسماء المختارة عن انتقاء حِزبي واضِح لممثلي الحركات الشبابية، استُبعِد منهم المستقلّون، فضلاً عن أنها تركِّز على الملفات السياسية الشائكة التي تراكمت وتعقّدت على مدار عقود طويلة، كالأزمة المستدامة بين طرفي اللعبة السياسية، المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، والمشترك وشركائه والحوثيون، والحِراك الجنوبي ومعارضة الخارج، في حين يجري تهميش القضايا المطلبية لقِوى التغيير.

وعلى عكس ما ذهب إليه القرار، فقد كشفت ردود أفعال العديد من المكوّنات الشبابية والفعاليات المجتمعية والأهلية، وحتى السياسية، عن رفْضٍ واسعٍ، لما اعتبروه “تجاهُـلا” للأطراف المعنِية والقوى الثورية الشبابية. فاللجنة الوطنية للمرأة، رأت فيه إجحافا للتمثيل النسائي، ومنظمات أهلية اتّهمَتْه بالإنتقائية في تمثيل ما تسمّيه بمنظمات المجتمع المدني، فيما انتقده أكاديميون ورجال القانون والفِقْه الدستوري، ورأوا فيه مجرّد تقاسم ومحاصصة بين القوى السياسية المُهيْمنة على المشهد السياسي في البلاد في هذه المرحلة.

“الشراكة في السلطة والثروة” 

والواضح، أن المقاربة التي تسِير عليها التّسوية السياسية، لا تنظر للحقْل السياسي كأفُـق واسع  تلتقي فيه وتتأثر به كل المُعطيات الأخرى، الإقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإنما يروْن فيه مجرّد شأن ضيّق يمكن ضبْطه والتحكّم فيه بالتراضي والإستمالة والصّفقات السياسية مع المتمرِّدين والمتذَمِّـرين على قاعدة، ما بات يُعرف بـ “الشراكة في السلطة والثروة” بين الفاعليْن الرئيسييْن، مع أنهما يُعتبران شأناً عاماً يهُم بناء الدولة بعموميتها والمجتمع بشُموليته، وِفق ما تهدِف إليه المُبادرة الخليجية وما يؤكِّد عليه الرّعاة الإقليميين والدوليين، وهو هدف يبدو للمتابعين والمُراقبين بعيد المَنال على ضوء ما يلوح من مقدّمات استِبعاد وتهميش الكثير من الأطراف المعنِية، لاسيما منهم شباب الثورة، الذين يبدو أنهم أقْـصوا عن الترتيبات الإنتقالية، وهو ما دفع ببعض ممثِّـلي المكوِّنات الشبابية إلى رفض تشكيلة اللّجنة، ملوحين باستِئْـنافِهم للخيار الثوري وتصْعيده.

لكن السؤال الذي يطرَح نفسه على أصحاب هذا الخيار هو: هل بمقدور شباب الثورة استِعادة زخم ثورتهم بعدَ مرور أكثر من عام ونصف على انتفاضتهم؟ وهل بمقدورهم فرْض حضورهم على طاوِلة مفاوضات الحِوار الوطني، بعيداً عن وصاية الساسة التقليديين؟

فشل المحاولات التوحيدية 

دعوة الخيار الثوري، وِفق ما يرصُده المراقبون، باتت تصطدِم بمجموعة من الحقائق، التي يحاول شباب الثورة إشاحة النظر عنها، ربما خِشية من خُمول حماسهم الثوري. الحقيقة الأولى أن الشباب، وخاصة منهم المستقلون، لم يستطيعوا أن يتوحّدوا في إطار تنظيمي موحّد، بسبب مطامح الزعامة والقيادة، التي أفشلت كثير من المُحاولات التوحيدية.

الحقيقة الثانية، أن صفة الاستِقلالية، أصبحت مفهوماً غائِـم الدّلالة لعدّة أسباب، منها أن الأحزاب السياسية التقليدية والجديدة، عملت على تشكيل مكوِّنات شبابية مُوازية لشبيبتها، تحت مُسمّيات مستقلين من أجل أن تناور بهم على جبْهة الخيار الثوري وتساوِم عليهم على المسار السياسي، من أجل رفع حِصصهم التمثيلية، سواء في مرافِق ومؤسسات الدولة أو الهيئات واللِّجان التحضيرية المُـكلَّفة بالإعداد والتحضير للحِوار الوطني، كما أن الإختِراقات الأمنية والحِزبية السِّـرية وتزايُـد الإستقطابات الدِّينية والجِهوية والمذهَـبية وسط الشباب في الساحات، جعلت المكوِّنات والإئتلافات  الشبابية ترْتاب بعضها ببعض، ما أعاق عملية ائتلافها في إطار موحّد، عدا بعض المحاوَلات التي ما زالت تُـراوِح مكانها، نتيجة لضعف الإمكانات والقُـدرات المادية.

الحقيقة الثالثة: أدّى طول أمَـد الثورة إلى إنهاك الكثير من المُـنخرطين فيها، خاصة المستقلِّـين منهم، الذين فقدوا أعمالهم وجُمِّـدت أنشِطتهم وتوقَّـفت مصادِر أرزاقِهم، وبطبيعة الحال فهذه الوضعية دفعت بالكثير من المُنخرطين في ركْب الثورة إلى مغادَرة ساحات الإحتِجاجات والإعتِصامات، والإنكفاء بعيداً عنها، وهذا الإبتعاد على ارتباط شديد بحقيقة رابعة وهي: تراجُـع البُـعد الوطني في المطالب التي رفع لِـواءها الشباب عندما خرجوا أول مرة لصالِح هيْمنة الأجَنْـدات الحِـزبية والأيديولوجية والمَذْهبية في الساحات.

الإرث السياسي يعوِّق التسوية السياسية

فقد فرضت هذه الأخيرة حضورها داخل خِيار الثورة وتطوّرت إلى احتِكاكات ومُواجهات بين أتْـباع الحوثيين وحزب الإصلاح وبين أتباع هذا الأخير والحِراك أو بينهم وبين المُكوِّنات المستقِلة، الأمر الذي أضعف الرابطة الثورِية الوطنية، وقد كانت المسيرات الإحتِجاجية، التي نُـظِّـمت في الأشهر الأخيرة، المِقيَـاس الواضِح عن دخول الثورة في مرحلة جديدة من التّجاذُبات والأجَـندات الخاصة. فالمسيرة التي كان يدعي لها أو ينظِّـمها حزب الإصلاح، تُـواجه بمقاطعة من بقِية الأطراف والعكْـس، بل وصل الأمر إلى حدِّ القِيام بمنْـع العديد من المسيرات أو اعتِراضها والتشويش عليها أو إعاقتها، على خلفِـيات مذهبية وحِزبية .

الخلاصة، أن التسوية السياسية في اليمن، والتي تحضُـر فيها الإرادة الإقليمية والدولية بقوة وتُهيْـمن عليها الأولويات السياسية وتراضي القِوى التقليدية بالمُحاصصة والتقاسم بين الأحزاب التقليدية وتجاهُل المكوّنات الشبابية، لا يمكن لها حسب مراقبين وخبراء أن تتصدّى للمشكلات المُركّبة والمُزمنة، الإقتصادية والإجتماعية والحقوقية والقانونية، وترسي معالِم الدولة المدنية، والتي كانت وراء اندِفاع الشبان إلى الثورة، ما لم تتخلَّ عن الإرْث السياسي الذي يتصوّر السياسة كمهارة مقصورة على اللاّعبين السياسيين وحدهم، فيما بقية أفراد الشعب يبقون مجرّد متفرِّجين، كما يلوح من خلال التّركيز على المسألة السياسية وإهْمال الأسباب التي أدت إلى اندلاع الإحتجاجات الشعبية وتجاهُـل لطلِيعتها الشبابية.

أعلن مبعوث الأمم المتحدة الى اليمن جمال بن عمر يوم الجمعة 13 يوليو 2012 أن كل الأطراف السياسية بمن فيها المتمردون الزيديون (شيعة) والحراك الجنوبي مدعوة للمشاركة في الحوار الوطني المرتقب في نوفمبر القادم في إطار العملية الإنتقالية في هذا البلد.

وقال بن عمر الذي اختتم مهمة استغرقت أسبوعين في اليمن لوكالة فرانس برس “لقد تم اجراء اتصالات مع كل الاطراف وبينها الحراك الجنوبي والحوثيين (الزيديين) للمشاركة في الحوار الوطني. هناك الآن اتفاق لإعادة إطلاق المرحلة التحضيرية للحوار”.

والحوار الوطني الذي ينص عليه الإتفاق الذي أتاح رحيل الرئيس علي عبد الله صالح في فبراير 2012 بعد سنة من الإحتجاج ضد نظامه “يُفترض أن ينطلق في نوفمبر”، كما أضاف.

وبخصوص احتمال مشاركة الحراك الجنوبي الذي يطالب بالحكم الذاتي أو حتى استقلال الجنوب (الذي اندمج مع الشمال في 1990) قال بن عمر إن “عدة تيارات من الحراك وافقت على المشاركة في الحوار رغم أنها قدمت مطالب” محددة لم يوضح مضمونها.

وأضاف “في المقابل، فان تيارا من الحراك الجنوبي بزعامة سالم البيض (نائب الرئيس السابق) يرفض المشاركة في الحوار”، مؤكدا أن الإتصالات ستستمر معه.

والعملية السياسية الذي تجري تحت إشراف الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي خلف علي عبد الله صالح “سجلت الكثير من التقدم” كما لفت مبعوث الأمم المتحدة محذرا في الوقت نفسه من أنه “لا تزال هناك تحديات” يجب مواجهتها في هذا البلد.

ولا تزال مسالة إعادة هيكلة الجيش عالقة وكذلك شبكة القاعدة التي يجري محاربتها في الجنوب حيث تنشط، لكن استهدفت الجيش والشرطة في صنعاء في الآونة الاخيرة ما أوقع عشرات القتلى.

لكن بن عمر أبدى “تفاؤلا” حيال الإنتقال مع إطلاق الحوار الوطني المرتقب والذي يفترض أن يُخرج البلاد من أزمتها السياسية عبر صياغة دستور جديد والتحضير لانتخابات عامة في 2014.

وفي نهاية مايو أعلنت اللجنة التحضيرية أن الزيديين أعطوا موافقتهم على المشاركة في الحوار.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ. ف. ب. بتاريخ 13 يوليو 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية