مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اليمن: بصيص أمل بالحوار وسط مصاعِـب متفاقمة وأوضاع حرجة

Reuters

حلّـت الذكرى الـ 46 للثورة اليمنية ضد الاحتلال البريطاني، التي فجّـرها مناضلو التّـحرير في الجنوب المحتَـلّ يوم 14 أكتوبر عام 1962 وسط مصاعِـب وتحدِّيات حرِجة غير مسبوقة تُـواجه البلاد وتهدِّد وِحدتها وفي ظل وجود بصيص أمل بإعادة ترتيب البيت الداخلي.

ففي شمال الشمال، وتحديدا في محافظتيْ “صعدة وعمران”، دخلت معارك ما بات يُـعرف بالحرب السادسة مع “الحوثيين” شهرها الثالث، على وقع مزاعم كلّ طرف من طرفَـيْ المواجهات بقُـرب تحقيق النّـصر، وفي جنوب البلاد وبالتزامن مع ذكرى قيام ثورة الـ 14 من أكتوبر، خرج عشرات الآلاف في مسيرة شعبية دعا إليها قادة الحِـراك في الجنوب، مطالبين بفكّ الارتباط بين ما يُـطلِـقون عليه “دولة الجنوب العربي”، و”الجمهورية العربية اليمنية” في الشمال، تحفّـزهم إلى ذلك دعوات القيادات المنفِـية في الخارج، التي يتجاذبها تياران:

الأول، ويمثله علي سالم البيض، نائب الرئيس اليمني بعد قيام الوِحدة وحتى حرب صيف 1994، التي انتهت بهزيمته وإجهاض دعوته للانفصال، والذي جدّد دعوته في هذه المناسبة إلى العوْدة إلى التشطير وعدم القَـبول بأقلّ من فكّ الارتباط.

والثاني، يقوده الرئيس الأسبق لجمهورية اليمن الديمقراطي، الذي دعا فيه مؤخرا إلى التغيير في ظِـلّ الوحدة، انطلاقا من الاعتراف بالقضية الجنوبية، مرجِّـعا ارتفاع سقف مطالب الجنوبيين إلى عدم الاعتراف بوجود القضية الجنوبية، وخاصة محتواها السياسي، الذي نجم عن إقصاء الشريك الجنوبي في الوِحدة في حرب 1994. ومن مقتضيات ذلك، حسب ناصر في مقابلة له مع صحيفة “الخليج الإماراتية”: اللجوء إلى فتح حِـوار جادّ وحقيقي مع قادة الحِـراك ومع مختلف القِـوى الوطنية، ضِـمن مجموعة مُـقاربات وحلول كامِـلة، مُـرضية ومُـقنعة، لأصحاب الحق.

ردّ الرئيس

مع ارتفاع أصوات آلات الحرب في شمال الشمال وأصوات المحتجِّـين المطالبين بالانفصال جنوبا، اعتبر الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في مِـهرجان خِـطابي بمناسبة ذكرى التحرير، أن بلاده تُـواجه صُـعوبات وتحدِّيات بقوله: “إننا نحتفِـل اليوم بثورة 14 أكتوبر، رغم ما يمُـر به الوطن من ظروف صعبة، وأن كل شيء عظيم لابد أن يُـواجه كثيرا من التحدِّيات.. كما أن ثورة سبتمبر وأكتوبر.. تفجّـرت من أجل الانعتاق من الإمامة الرِّجعية في الشمال، والتحرّر من الإستعمار البغيض في الجنوب”.

ومن الواضح، أن أبرز تلك التحدِّيات التي يعنِـيها صالح، هي ما يجري من مُـواجهات مع المتمرِّدين وما يرفعه الحِـراك في الجنوب من مطالِـب باتت تهدِّد وحدة البلاد واستقرارها.

مواجهات تُـثير علامات استفهام

فحرب صعدة تدُور في مِـنطقة ظلّـت تاريخيا معقَـل الأئمة الزيديين، الذين حكموا المنطقة أكثر من ألف سنة وامتد حُـكمهم في فترات تاريخية متفرِّقة إلى مناطق واسعة من اليمن، ولم يُـقضَ على حُـكمهم، إلا بسقوط آخر أسرة هاشمية حكمت شمال البلاد وإعلان الجمهورية عام 1962، ولذلك، يسود اعتقاد لدى العديد من الأوساط الحكومية والشعبية، أن المشروع الخفِـي للمتمرِّدين الحوثيين، ليس إلا “إعادة السّـلطة لمستحقيها، وِفقا للإستحقاق الإلهي”، كما تتمثلها منطلقات المذهب الزيدي، الذي يحصر الإمامة بالعلويين من البطنين الحسن والحسين. وحسب هذا التفسير، ثمة عوامِـل محلية وإقليمية ساعدت على إعادة إحياء ذلك المشروع السياسي.

فداخليا، توسّـعت قاعدة خُـصوم الرئيس صالح بشكل غير مسبوق، والفرصة مواتية لإنهاك حُـكمه. وإقليميا، يعمل المتمرِّدون على استثمار التّـنافُـس الحاصل بين السعودية ودُول الاعتدال من جهة، وبين إيران واستغلال هذا التقاطب الإقليمي، وأنهم يحظَـوْن بدعم هذه الأخيرة، وهو ما ينفيه الحوثيون، الذين يؤكِّـدون أن مَـطالبهم هي العدالة والمساواة، ويقفون موقِـف الدِّفاع ضدّ منعِـهم من ترديد شِـعارهم المعروف، الدّاعي بالموت إلى أمريكا وإسرائيل وبالنصر للإسلام، ولذلك، يخوضون مواجهات شرِسة تُـثير أكثر من علامة استفهام حول إمكاناتهم ومدى قُـدرة الجيش على القضاء على تمرّدهم مع دخول الحرب السادسة شهرها الثالث، وسط مؤشِّـرات يومية تؤكِّـد استمرار هجماتهم، رغم تكبُّـدهم مئات القتلى وأسْـر العشرات منهم.

تنامي المتمردين وغياب السلطة

تحليلات وتفسيرات المُـراقبين المحايِـدين لسِـرّ هذا الصمود، تتعدّد وتتنوّع، منها مَـن يرجِّـعها إلى الدّعم الذي يتلقّـونه من الخارج وإلى تحضيرات واستعدادات مبكّـرة، تعود إلى أزيد من ثلاثة عقود مضت، وأنه بعد المصالحة التاريخية في سبعينيات القرن الماضي بين الجمهوريين وأنصار الملكية الذين كانوا يتمركزون بدرجة رئيسية في صعدة وعمران وبعض المناطق القبيلة القريبة من العاصمة صنعاء، وأن انخراطهم في العملية السياسية لم يقبل به البعض إلا على مَـضَض، ولذلك ظلّـوا يُـهيِّـئون أنفسهم لاستعادة السلطة التي سُـلِـبت منهم، ويرون أن امتِـلاكهم لكمٍّ كبير من الأسلحة، راجع إلى خُـططهم المبكّـرة لمشروعهم ذاك.

بموازاة ذلك، يرى آخرون أن تنامي قُـدرة المتمرّدين، محصِّـلة لغياب الدولة عن المنطقة وتهميشها لها، الأمر الذي عمّـق من عُـزلتها وأدّى إلى إطلاق يَـد المؤسّـسة القبلية والدِّينية، فيها وحولها، إلى ساحة مُـغلقة بعيدة عن مُـراقبة الدولة، فانتعشت فيها الأنشطة غير المشروعة لقُـربها من الحدود السعودية مثل: تهريب السلع والبضائع والأسلحة، حيث ظلّـت تحتضِّـن أشهَـر أسواق السلاح “سوق الطلح”، ولم يُـحظَـر نشاطه إلا في الحرب الخامسة، كما أن الكثير من تجّـار المخدِّرات ينشطون في هذا المربّـع، وِفقا لِـما أكّـده مسؤول بارز في الداخلية اليمنية الأسبوع الجاري.

ويذهب أصحاب هذا الرأي إلى أنه، إذا ما أضيف إلى كلّ ذلك غضّ الطرف من قِـبل الحكومة عن تنامي نشاط السّـلفيين في منطقة عُـرفت تاريخيا بأنها معقَـل الزيدية، فإن كل الظروف والعوامِـل توافَـرت لخلْـق جيش من المحرومين والمهمّـشين – أو ما يُـطلق عليهم زعماء قبليون أصحاب المظالم – ما أفسح المجال للدّعوة المذهبية للحوثيين أن تتغلْـغل في نُـفوس شباب حُـرِم من التعليم أو لم ينَـلْ منه إلا القليل، وانسدّت أمامه الآفاق الاقتصادية والاجتماعية.

ويدعم هذا الرأي، حجة ما تعرضه محطات التلفزيون الرسمية من مشاهِـد للأسْـرى من المتمرِّدين الذين يؤكِّـدون في أحاديثهم، أنهم بقتالهم للقوات الحكومة لا يجسِّـدون سوى إرادة “سيدهم حسين”، بإشارة إلى حسين الحوثي، مؤسس الشباب المؤمن، الذي قُـتل في الحرب الأولى عام 2004، ويرون وِفقا لتعليماته ودروسه، أن إرادته ليست إلا تجسيدا للإرادة الإلهية، حسب ما لقنوه في أدبياته.

صعوبات وتحدِّيات

رأي آخر يرى أن قوة وصمود الحوثيين، ناجمة عن ارتباك خُـطط الجيش، ويرون أنها منذ الحرب الأولى، غلب عليها التخبّـط بسبب ما يعتبرونه خلافات بين ضبّـاط الجيش حول مواجهة التمرّد، برزت منذ الحرب الأولى، بعد أن كان الجيش على وشَـك القضاء على الجيوب الأخيرة للمتمرِّدين عام 2004، إلا أنه بعد إحرازه لتقدّم ملحوظ ضد أوكارهم، ردّ عن ذلك، ومنها فتح الباب مع كل حرب مندلعة للوساطات المحلية تارة، والخارجية تارة أخرى، وكلها كانت تنتهي إلى ضرورة إخلاء مواقِـع الجيش والحدّ من انتشاره في مناطق النفوذ القبلي.

لكن مع كل مرة كانت تتراجع فيها القوات الحكومية، كان المشتبّـه بتعاونُـهم مع القوات الحكومية يتعرضون لانتقام المتمردين، وهو ما أكّـده ارتفاع أعداد ضحايا الانتقام والمختطفين، وعبّـر عنه النازحون جرّاء المواجهات في أحاديثهم لوسائل الإعلام، وبالتالي، أدّت مُـضايقات السكان المحليين، إما إلى انخراط بعضهم في صفوف المتمرِّدين مُـكرَهين أو إلى وقوفهم على الحياد، فيما توجّـب على الجيش أن يتلمس وَحده، جُـغرافيا، مناطق جبلية شديدة الوُعورة لم يألفها من قَـبل، على عكس قاطنيها الذين يمتلِـكون دِراية كافية بكل تضاريسها الوعرة.

من الواضح أنه، مع تعقّـد المُـعطيات على ساحات المعارِك مع المتمرِّدين الحوثيين في الشمال وتعالي أصوات الدّعوات الانفِـصالية في الجنوب، فإن اليمن يُـواجِـه صعوباتٍ وتحدياتٍ لم يُـخفِـها الرئيس اليمني نفسه، وقد أشار إليها، على الرغم من أنه يحظى هذه المرّة في مواجهة التمرّد بدعْـم إقليمي ودولي، عبّـرت عنها مواقِـف كلّ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول عربية فاعِـلة في النظام الإقليمي، كالسعودية ومصر وسوريا وبقية دول الخليج الأخرى، وجميعها اعتبرت أن ما يجري من قِـبل الحكومة اليمنية ضدّ التمرّد، شأن داخلي يندرِج ضِـمن صلاحياتها الدستورية، التي تُـخوِّلها حماية تُـرابها الوطني وفرض سلطة القانون.

والجامِـع بين تلك الدول، على ما يبدو، هو خِـشيتها من انهِـيار الدولة اليمنية، الذي لن يكون لا في صالِـح النظام الإقليمي ولا المصالح الحيوية للدول الكبرى فيها، لكن هذا الدّعم، على ما يبدو، ليس شِـيكا على بَـياض يقدَّم لصنعاء، وِفقا لما أكّـده لـ swissinfo.ch قِـيادي مُـعارض، فضّـل عدم الإشارة إلي اسمه، مستطردا “إنما دعم مشروط بإعادة النظر في كل ما من شأنه أن يُـوقف تدهوُر الأوضاع الداخلية ويستوجب إعادة ترتيب البيْـت الداخلي اليمني، على أساس الانفتاح على جميع مكوِّنات الحقْـل السياسي اليمني، والبدء في حوار مع كل الأطراف، بما فيها قيادات الحِـراك الجنوبي”.

بصيص أمل؟

وربط ذلك المعارِض بين تلطيف خِـطاب الرئيس السابق علي ناصر، بشأن التغيير في ظلّ الوِحدة وبين ما يجري من تحرّك عربي لاحتواء الأوضاع في اليمن، تقوده مصر ويحظى برعاية بقية دول معسكر “الاعتدال” العربية، وحسب ذلك القيادي المعارض، “قامت قيادات من المعارضة، وبعِـلْـم السلطات اليمنية، بجولات سرية سريعة إلى بعض العواصِـم العربية المعنِـية بترتيب عقد المصالحة الوطنية، وتُـجري اتصالات مكثّـفة بين معارضة الداخل والخارج، لجمع شمْـل الإخوة الأعداء على طاولة الحِـوار المُـرتقَـب”، الذي مِـن المُـنتظر أن تستضيفه القاهرة أواخر الشهر الجاري أو مطلع شهر نوفمبر القادم.

عموما، يُـمكن القول أنه، على الرغم من أجواء الحرب المُـخيِّـمة على البلاد في الشمال وما تطرحه الاحتجاجات في الجنوب من تحدِّيات وحدتها، يلُـوح بصيص أمل في الحوار المُـنتظر بعد أن فشِـلت كلّ المحاولات السابقة، وهو تحوّل لو حدث فعلا، وِفقا لحسابات وتطلّـعات المواطنين العاديين، فإنه كفيل بأن يُـنسيهم ويْـلات الحرب الدائرة في الشمال، إن لم يُـنسيهم كل أثار الحروب التي ما زالت تشعل مواجعهم من حين إلى آخر وتعمِّـق انقساماتهم.

عبد الكريم سلام – صنعاء – swissinfo.ch

صنعاء (رويترز) – استغل الانفصاليون بجنوب اليمن ذكرى ثورة ضد القوة المستعمرة السابقة بريطانيا، لتأكيد مطالبتهم بالاستقلال يوم الاربعاء، بينما تعهد الرئيس علي عبد الله صالح بسحق المتمردين في الشمال.

ويواجه صالح تحدييْـن لحُـكمه من المتمردين الحوثيين، وينتمون للطائفة الزيدية الشيعية في الشمال ويخوضون تمردا ضد السلطة المركزية منذ عام 2004 والجنوبيين من اليمن الجنوبية سابقا.

ويشتكي كلاهما من أن الحكومة المدعومة من السعودية والغرب، تهمشه سياسيا واقتصاديا، كما يقول الزيديون إنهم يتعرضون للاضطهاد من قبل متشددين اسلاميين سُـنة اكتسبوا نفوذا من خلال علاقات صالح الوثيقة بالسعودية، التي هي قوة سُـنية.

وقال صالح في احتفال أقيم بمناسبة ثورة عام 1963 ضد بريطانيا في مدينة عدن “إن النصر على عصابة التمرد والارهاب الحوثية في صعدة ومديرية حرف سفيان بمحافظة عمران، قادم”. وأضاف أنهم قوى للتخلف لانهم نسوا الماضي حين لم تكن هناك مدارس او مستشفيات او كهرباء، في اشارة الى وحدة شمال وجنوب اليمن في عام 1990 باعتبارها اكبر مكسب من ثورة الجنوب.

واحتدم الصراع في الشمال منذ بدأ الجيش عملية (الارض المحروقة) في 11 اغسطس. وتقول جماعات الاغاثة، التي منحت دخولا محدودا للمحافظات الشمالية، ان ما يصل الى 150 الف شخص فرّوا من منازلهم.

وقال شهود إن الافا من أعضاء الحركة الجنوبية المعارضة عقدوا اجتماعا حاشدا في بلدة ردفان. وقال موقع المعارضة المسمى “عدن برس”، ان علي سالم البيض، رئيس جنوب اليمن سابقا والذي يعيش في المنفى، خاطب الاجتماع بالهاتف من المانيا.

وقال البيض في كلمة، حصلت رويترز على نسخة منها بالبريد الالكتروني “إننا لن نتراجع عن هدف تحقيق استقلالنا الثاني، مهْـما كلف ذلك من تضحيات ومهْـما طال الوقت”. وأضاف “جاءنا الاحتلال البريطاني من وراء البحار، اما الاحتلال الحالي، فقد كان نتيجة لانقلاب نظام صنعاء على مشروع الشراكة الوحدوية”، في اشارة الى حرب أهلية قصيرة عام 1994.

وتخشى الولايات المتحدة والسعودية، اكبر دولة مصدِّرة للنفط في العالم، من أن يوفر انعدام الاستقرار لتنظيم القاعدة، قاعدة جديدة للعمليات. وتقول السعودية إن عددا من المتشدِّدين المطلوب إلقاء القبض عليهم، فرّوا الى اليمن.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 14 أكتوبر 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية