مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اليمن.. تفسيرات مُـختلفة لحسابات مُـتناقِـضة

جنود يمنيون يوقفون سيارات يوم 20 مارس 2010 في نقطة تفتيش قرب الحدود المنية السعودية AFP

كشفت الصُّـحف الرسمية أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح تقدّم بطلب إلى المجلس التشريعي، تضمّـن جُـملة من التّـعديلات الدستورية المُـثيرة للخِـلافات والجدل بين الحزب الحاكم، المؤتمر الشعبي العام بقيادة صالح، وبين أحزاب المعارضة الرئيسية المُـنضوية في إطار التكتّـل المعروف باللّـقاء المشترك، وهو ما يُـلقي بمزيد الزّيت على العلاقة المُـشتعلة أصلا بين الطرفيْـن، والذي انعكس على توتّـر مختلف الأوضاع الداخلية وركود الحياة السياسية منذ إجراء الانتخابات الرئاسية والبلدية عام 2006.

ويرى المراقبون أن إحالة التّـعديلات الدستورية إلى السلطة التشريعية من قِـبل الرئيس اليمني، تعني إغلاق باب الحِـوار، الذي كان حتى وقت قريب يُراهن عليه لإخراج البلاد من الأزمات التي تعيشها ويخرج بتراضٍ وتوافقٍ بشأن إصلاحات النظام الانتخابي والتعديلات الدستورية، التي ظلت مِـحوَر الخِـلاف الرئيسي بين الطرفين، وقادت إلى توقيع اتِّـفاق شهر فبراير 2009، الذي نصّ على التمديد للمجلس النِّـيابي لعاميْـن إضافييْـن، ستنتهي في أبريل 2011 بُـغية تمكينه من إقرار التعديلات الدستورية المعنِـية، إلا أنه منذ ذلك الحين، لم يتحقّـق شيء ولم يسجّـل أي تقدّم، عدا تصاعُـد الخلافات بين الفريقيْـن وتبادلهما الاتهامات بعرْقَـلة إنجاح الحِـوار.

فالمعارضة تُـطالب بأن يشمَـل الحِـوار كلّ الأطراف السياسية، بما فيها قادة الحِـراك الذين يُـطالبون بانفِـصال الجنوب، فيما الحكومة تريده أن يكون تحت سقْـف الوِحدة اليمنية وعلى أساس الدّستور من جهة، لكنها في الوقت ذاته، حشدت في ترتيبات الحِـوار، الذي كان من المقرّر له أن يُـجرى الشهر الماضي، مُـختلف ألوان الطيف السياسي، ومنها أحزاب التكتل الوطني المنشقّ أغلبها عن المعارضة المُـنضوية في إطار اللقاء المشترك.

تزايد حدة الخلافات

وتزايدت حِـدّة الخِـلافات بشكْـل ملحوظ بعد إعلان وقْـف حرب صعدة في منتصف الشهر الماضي وبعد ارتفاع حِـدّة الاتهامات الحكومية لأحزاب اللقاء المُـشترك، بأنها مَـن يُـغذّي التمرّد في الشمال ويوجّـه الحِـراك في الجنوب، بغرَض الضّـغط على الحكومة لتقديم تنازُلات سياسية لفائدة المعارضة.

ومنذ إعلان وقف الحرب، بدأت الحكومة باتخاذ عدد من الإجراءات، الهادِفة إلى محاصرة الحِـراك، متّـخذة من أعمال قطْـع الطّـرقات والنهب والقتل، التي تزايَـدت بشكل ملحُـوظ في الأشهر الأخيرة واستهدفت مواطنين من الشمال، مبرِّرا لِـمُـلاحقة المتّـهمين بارتكابهم ممّـن تقول السلطات بأنهم من المُـنتمين إلى قِـوى الحِـراك وقياديِّـين وأعضاء محلِّـيين في أحزاب المعارضة، التي بادرت إلى إدانة مُـلاحقة أعضائها وفرض الحِـصار على المناطق التي ظلّـت مسرحا لقِـوى الحراك.

ومع أن لُـغة الحِـوار كانت هي الطّـاغية على المشهّـد السياسي اليمني قبل انعقاد مؤتمر لندن من قِـبل جميع الأطراف، إلى الحدّ الذي جعل الكثير من المُـتابعين والمراقبين للشأن اليمني يذهب إلى أن مؤتمر لندن المُـنعقد أواخر الشهر الماضي المخصّص لدعم اليمن، سيكون لمحاسبتها وستقترن بضغوط قوية على صنعاء من أجل حملها على تصحيح المناخ السياسي. وذهب بعض قادة المعارضة إلى حدِّ اعتِـبار المؤتمر، مؤتمرا لتأديب الحكومة اليمنية وإرغامها على إصلاح أوضاعها، لاسيما منها ما يتعلق بالمطالب الإصلاحية للمعارضة.

لكن سُـرعان ما تبدّلت الصورة، عندما خرجت الصحافة الرسمية بلُـغة تعنّـف المعارضة وتوصِـفها بأقذع الأوصاف والنّـعوت، مُـعتبرة أن المؤتمر كان نصْـرا حكوميا خيَّـب أمال المُـراهنين على تأديبها، وجعلت من التصريحات الصّـادرة عن الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى الدّاعمة لوِحدة اليمن ومن اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية، وِفقا لِـما ورد على لِـسان السيد جيفري فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى مطلع مارس الجاري أن “ما يجري في اليمن، شأنا داخليا، مواقف مؤيدة للحكومة وإشارات داعمة لها، كي تبسط الأمن والسكينة العامة على كامل تُـرابها الوطني، ولاسيما منها تلك المناطق التي تُـعاني من اضطرابات أمنية.

الهوّة الفاصِـلة بين السلطة والمعارضة

وسجّـل المراقبون تلازُما واضحا بين التأكيد على الدّعم العالمي وبين مُـباشرتها تنفيذ إجراءات صارمة ضدّ الحِـراك، رافقته اتِّـهامات رسمية مُـباشرة للمعارضة بوُقوفِـها وراء الفَـوضى التي تجري في بعض المُـحافظات الجنوبية، تحت مسمّـى الحِـراك.

ويأتي هذا التطوّر ليزيد من الهوّة الفاصِـلة بين السلطة والمعارضة على خلفية العديد من القضايا، خاصة منها ما يتعلّـق بمواقِـف المعارضة التي سجّـلت، حِـيال الملفات المُـلتهبة التي تُـؤرق مضاجِـع السلطة.

فموقِـف المعارضة من المُـواجهات الحكومية مع المتمرِّدين الحوثيين في كلّ الحروب التي اندَلعت، حَكمتهُ قاعدة عَـدوُّ عَـدُوِّي صديقي، والمُـتابع لذلك الموقف منذ اندلاع أولى المواجهات عام 2004، يجد أنه قد انتقل من حالة الحَـذر إلى الغُـموض ثُـمّ إلى إدانة الحرب، وانتهى بالوقوف عند دعْـوة أطراف الصِّـراع إلى الاحتِـكام للدستور والقانون، دون أن تصدر من تلك الأحزاب أي إدانة للتمرّد أو لرفع السلاح من قِـبل المتمرِّدين في وجه السلطات العمومية، على الرغم من الخلافات الأيديولوجية والمَـذهبية بين مكوِّنات أحزاب المعارضة من جهة، وبين المتمرِّدين الحوثيين الشيعة من جهة أخرى، وهذا الموقف فُهِـم منه أنه رِهان صريح على إسقاط الرجل المريض أو على الأقل إجباره على قَـبول المطالب الإصلاحية التي ربّـما قد تمدِّد مرَضَـه إلى ما بعد الانتخابات، وِفقا لِـما أوردته صحافة المعارضة التي طغى عليها الخطاب (الوثوقي) بقُـرب نهاية عهد صالح،.

غير أن وقْـف الحرب في صعدة مع الحوثيين والتفرّغ للقضاء على ما تسمِّـيه الحكومة بمُـثيري الشّـغب والخارجين على القانون، وهي التسمية التي تُـطلِـقها على ما بات يُـعرف بالحِـراك الجنوبي، قد بدّلت المُـعطيات وجعلت الأنظار تتّـجه مجدّدا، ربّـما صَـوْب ترقّـب مُـعطيات جديدة قد تتمخّـض عن هذه التطورات، وتبدو مُـختلفة عن التوقّـعات التي ظلّـت تتنبّـأ بانهِـيارٍ وشيكٍ للدولة.

تخوفات من كوكتيل لأيدويولجيات متضاربة

وتسعى الحكومة، على ما يبدو، إلى تسوية أولوِياتها الداخلية بطريقة حاسِـمة هذه المرّة، مستفيدة من أن أولوية العالَـم الخارجي، على الأقل في الوقت الحالي، هي مُـحاربة القاعدة والحيلولة دون اتِّـجاه الدولة إلى مصيرٍ غامضٍ الملامح ، قد يبدو فيه البديل المرجح تحالف هش لمُـعارضة مكوّنة، حسب هذه الرؤية، من كوكتيل لأيديولوجيات مُـتضاربة، لا يجمعها سوى الشعور بمَـرارة الإقصاء والتهميش، ويوحِّـدها رِهانها على أن الإصلاحات السياسية والدستورية هي المُـنقذ لها، ممّـا تعتبره احتِـكارا لكل وسائل الإكراه المادّي والمعنوي من قِـبل الحزب الحاكم، الأمر الذي يُـبَرِّر لها استخدام كل الأوراق التي ستفضي إلى إضعاف خصْمِـها، وهو ما حذا بالرئيس صالح إلى اتِّـهامها مُـنتصف الشهر الجاري، بأنها تسعى إلى هدْم المعبَـد على الجميع، مُـعرِبا عن أسفِـه على توقيع اتِّـفاق فبراير ثم الإعلان رسميا الجمعة 19 مارس الجاري عن توجيهه خـِطاب التّـعديلات الدستورية إلى السلطة التشريعية.

ويذهب التّـفسير الحكومي إلى أن الخِـشية من صِـراع ورثة الرجل المريض ما بعد رحيله، كانت تطرح نفسها بقوّة، ليس فقط لدى الشارع اليمني، الذي ظلّ يستحضِـر وباستمرار محطّـات صراعات التيّـارات داخل كل تنظيم وداخل كل حزب سياسي من جهة، ويستحضر أيضا كل جوْلات الصِّـراعات بين تلك التنظيمات والأحزاب فيما بينها من جهة أخرى، ووِفقا لذلك التفسير، فإن الخِـشية من صراعات التيارات المُـتحالفة عبْـر مختلف المراحل الحديثة، ليست مُـدركة فقط من قِـبل الداخل اليمني، وإنما أيضا من قِـبل الخارج، الذي يبقى متوجِّـسا من أنه تحالف لاتِّـجاهات أيديولوجية مُـتناقضة، تضُـم خليطا من الإسلاميين والقوميين والماركسيين.

“وضع مأزوم”

لكن في المقابل، لا تقرأ المعارضة في تصعيد السلطة تُـجاهها، إلا ضعفا وارتِـباكا في مواجهة الأوضاع التي تعيشها، نافِـية التّـفسير الذي تقدِّمه المعارضة لموقِـف الخارج منها ومن الإصلاحات السياسية المطلوبة على الصراري، عُـضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني المُـعارض، في تعليقه على ذلك قائلا لـ swissinfo.ch:

“السلطة مِـن بعد مؤتمر لندن، تُـحاول أن تضلِّـل الرأي العام بشأن المطالبات الدولية لها بمُـعالجة الاختلالات، بما فيها الإصلاح السياسي والدستوري، وتحاول أن تقول للرّأي العام المحلّـي بأن الغرب يُـساند سياسات السلطة، وهذا غيْـر صحيح، لأن تلك السياسات هي التي أفْـضت إلى هذه الأزمات التي جعلت الغرب يخْـشى مِـن أن تسقُـط اليمن في الفوضى، مما سيؤثِّـر على مصالح الدول الكُـبرى في المنطقة، وبالذات طريق التِّـجارة الدولية التي تمُـر منها الصادرات النفطية عبْـر خليج عدن وباب المندب”، وأشار الصراري إلى أن السلطة تُـريد أن تستخدم ما يسمِّـيه بـ “الوضع المأزوم”، من أجل الابتِـزاز والضغط على دول المِـنطقة والعالم، متّـهما إياها بأنها حوّلت قضية الإرهاب من قضية المعني بمحاربتها (السلطات اليمنية) إلى ورقة ابتِـزاز لاستقطاب الدّعم والمساعدات الخارجية، لكن المعارض الاشتراكي يرى أن الدول الإقليمية والدول الأخرى باتت تعِـي جيِّـدا مثل هذه التكتيكات، مؤكِّـدا أنها صارت تفرض رقابة شديدة على مجرى تطوّرات الأحداث في البلد وتُـطالب السلطات بإجراء حِـوار وطني شامل من ناحية، وأيضا بإجراء إصلاحات واسعة من ناحية أخرى.

وخلص الصراري في تعلقه لـ swissinfo.ch إلى القول أن سعْـي السلطة لإيجاد خِـلافات وانشِـقاقات في أوساط المعارضة بهدف تفكيكها، رِهان خاطِـئ، مشيرا إلى أن ذلك ليس هو السبيل للخروج من أزماتها، لأنها ستستمِـر ما لم تكُـن هناك حلول ومُـعالجات حقيقية للأزمة.

ومن الواضح، أن كل طرف له تفسيره الخاص لمُـجريات الأمور في البلاد، والغالب على تلك التّـفسيرات على اختلافها، حسابات الرّبح السياسي المشحون بالشعور بالمرارة والألم جرّاء التراكمات الطويلة للإقصاء والنّـفي المتبادَل، الأمر الذي يعني أن الانسِـياق وراء تلك الحسابات دون النّـظر إلى ما يترتّـب عليها من ثمن باهظ تتكبّـده البلاد على جميع الأصعدة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية وحتى المستقبلية، ما قد يفضي إلى أن يخسِـر الكل من تصعيد الخلافات وغلْـق باب الحوار، فيما الأجدى ترتيب البيت الداخلي، بدلا من انتظار مُـبادرة ترتيبه من الخارج.

عبد الكريم سلام – صنعاء – swissinfo.ch

دبي (رويترز) – قال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في مقابلة تلفزيونية مسجلة، تلقّـت رويترز نسخة منها، إن حرب اليمن مع المتمردين الحوثيين بشمال البلاد انتَـهت.

وقال صالح لقناة العربية التلفزيونية في مقابلة تم بثها يوم الجمعة 19 مارس، إن الحرب انتهت، لا توقّـفت فقط أو في حالة هُـدنة.

وتعرّضت صنعاء، التي تسعى جاهِـدة لِـتحقيق الاستقرار في البلاد، لضغوط دولية شديدة لإنهاء الحرب في الشمال والتّـركيز على مُـكافحة تنظيم القاعدة، الذي أعلن جناحه الذي يتّـخذ من اليمن مقرّا له، المسؤولية عن هجوم في ديسمبر الماضي على طائرة ركّـاب متّـجهة إلى الولايات المتحدة.

وتخشى دول غربية وكذلك السعودية من أن يستغِـل تنظيم القاعدة انعِـدام الاستقرار على جبهات متعدّدة في اليمن، لشنّ هجمات في المنطقة وخارجها.

ويقول محلِّـلون إن اتفاق الهُـدنة بين الحكومة والمتمرِّدين لن يدوم، على الأرجح، لأنه لا يعالج شكاوى المتمرِّدين من التّـمييز ضدّهم من قِـبل حكومة صنعاء. لكن صالح قال، إن هناك دلائل إيجابية على التِـزام المتمرِّدين بإنهاء الحرب والمُـتمثلة في إزالة الألغام الأرضية وفتح الطُّـرق وإزالة حواجز الطُّـرق وتسليم الوحدات الإدارية، التي كانوا يحتلّـوها. وأشار أيضا إلى الإفراج عن نحو 175 من جنود الحكومة ومقاتلي القبائل. وقال صالح، إن هذه تُـعتبر دلائل إيجابية تُـبرهِـن على نوايا جيِّـدة بعدم العودة إلى حرب جديدة. وأضاف أنه لن يُـجري حوارا مع الحركة الانفِـصالية بالجنوب، لكنه مُـستعدّ لإجراء محادثات مع العناصِـر المؤيِّـدة للوِحدة.

وقال، إن الحوار سيكون مع العناصر المؤيِّـدة للوِحدة في الجنوب فقط، والتي لها مطالِـب مشروعة، واستطرد قائلا أنه لن يُـجري حوارا مع عناصر انفِـصالية. وتابع أن اليمن يُـجري حوارا مع الذين لديْـهم شكاوى بشأن قضايا معيّـنة من خلال القنوات السياسية.

واتحد شمال اليمن وجنوبه عام 1990، لكن كثيرين في الجنوب، الذي به معظم الصناعات النفطية، يشكون من سيْـطرة الشماليين على الموارِد والتّـمييز ضدّهم.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 19 مارس 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية