مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انتخابات .. من أجل الانتخاب!

swissinfo.ch

يخطو الفلسطينيون نحو الديمقراطية تحت وابل من الرصاص الإسرائيلي وضغوطٍ دولية، تُـطالبهم بضرورة إظهار قدر كاف من المسؤولية والشفافية، وذلك في اختبار غير مسبوق لنوايا شعب تحت الاحتلال.

ويبدو أن مختلف تجارب السياسة والديمقراطية التي خضع لها الفلسطينيون، لن تشفع لهم مجدّدا بتجنّب الدخول في قائمة امتحانات لا طائل لها.

لم يكن امتحان الفوضى والاستتباب الذي فُـرض على جماهير الأرض المحتلة وقيادتها إثر رحيل الزعيم ياسر عرفات، سوى مثالا آخر على تلك الضغوط التي ما انفكّـت تُـحال إلى كاهل الفلسطينيين المتعب والمنهك.

وظلّـت حملة التوقعات والتكهّـنات التي أطلقتها قوى إقليمية ودولية بقرب انهيار السلطة الفلسطينية وزوالها المؤكد قائمة، بالرغم من إظهار الفلسطينيين مستوى عال من القُـدرة على نقل هادئ وسلمي للسلطة وسط تلاطم أمواج، ونذر خراب.

مرة أخرى، لم تفلح سيرة الفلسطينيين المتواضعة في التعامل مع دقائق الأمور في استنهاض، ولو مديح واحد أو دعم معنوي مباشر، دون ثمن مُـسبق، وراحت طُـبول الفزع تدقّ من جديد حول ضرورة قيام الفلسطينيين بالتقدّم، لامتحان مستوى جديد.

هكذا لم يجد رئيس الوزراء البريطاني غضاضة في تخصيص مؤتمر حول إصلاح السلطة ومؤسساتها، بل إنه جاهر بأسبابه الحقيقة وراء ذلك في مقر الرئاسة الفلسطينية برام الله، عندما أعلن أن اجتماع لندن مسخّـر لتأهيل الفلسطينيين ليُـصبحوا شركاء سلام حقيقيين.

وهكذا أيضا، جرت إضافة مرحلة جديدة أخرى يتوجّـب على الفلسطينيين عبُـورها وإثبات جدارتهم فيها قبل أن تأخذ المجموعة الدولية في التفكير في إعادتهم إلى خط خارطة الطريق، كما أعلن الزعيم البريطاني شخصيا، أو أنها فرصة أخرى، كما يحلو لرُعاة عملية السلام المجمّـدة تسميتها، أو كما يجدُر مناداتها: محك آخر ليختبر الفلسطينيون أنفسهم عن طريق الآخر، أو ليتم اختبار شرعيتهم بعد أن جرى اختبار شرعية قيادتهم على مدار أربعة عقود في عمر قيادة الرئيس الراحل عرفات.

محك الشرعية

قبل أيام على موعد الانتخابات الرئاسية المنتظرة يوم 9 يناير المقبل، توجّـه أكثر من 140 ألف ناخب للمشاركة في الدورة الأولى من انتخابات بلدية، هي الأولى التي تُـجرى في الأراضي المحتلة منذ نحو 30 عاما.

وبالرغم من أن الجمهور الفلسطيني لم يُـشارك في انتخابات عامة خلال العقود الثلاثة الماضية، سوى لمرة واحدة في انتخابات عام 1996، إلا أن أداء هؤلاء قد فاق كل التوقعات.

وإن لم يكن للدورة الأولى من الانتخابات المحلية هذه، التي جرت في 26 موقعا بالضفة الغربية، دلالات سياسية كبيرة، كونها لم تجر على أساس حزبي، وأنها جرت في مناطق ذات كثافة صغيرة، فإن مجرّد حدوثها في ظل ظروف الاحتلال والضغوط التي يتعرّض لها الفلسطينيون، أمر يحمل دلالات مُـهمّـة.

لقد خاض الفلسطينيون في الأراضي المحتلة من خلال هذه الانتخابات تجربة مُـهمة، تمهيدا للاقتراع المُـنتظر للانتخابات الرئاسية في يناير المقبل، وأكثر من ذلك، أن اختبار الديمقراطية هذا قد مـرّ بسلام.

وسيكون لها، إن لم يكن قد ظهر أصلا، تأثير على مختلف الحركات والفصائل التي تحكم الساحة الفلسطينية، لاسيما حركة فتح المُهيمنة على مُـجمل الحياة الفلسطينية منذ نحو أربعة عقود، وحركة حماس، التي تُـعتبر رأس حربة المعارضة.

وقد سارعت الحركتان، كل بدورها إلى محاولة اقتناص الفوز بالانتخابات البلدية الأولى، وإظهار ما تُـمثله كل منها من قوة ونفوذ على الساحة الفلسطينية، طمعا في حمل هذا الاستحقاق الديمقراطي إلى انتخابات الرئاسة.

ربما كانت تجربة الانتخابات البلدية حالة محدودة، وربما تكون الإشارة إليها في سياق تجربة الديمقراطية الفلسطينية مثالا ناقصا، لكن التراكم الذي تنتمي إليه لا يمكن أن ينحصر في إطار واحد محدّد.

فعملية دفع الفلسطينيين واندفاعهم في آن واحد إلى محك الشرعية المتمثل في تجربة الانتخابات، إنما سيُـحدد شكلَ ومضمونَ السياسية الفلسطينية في مرحلة ما بعد عرفات.

وإذا كان في الأمر من قلق وضغط ومحاولة بسط نفوذ وسيطرة من قبل حركات مُـهيمنة، مثل حركة فتح، فإن القصة تفتح على أبواب إيجابية، أهمها أن آلية الاختيار ستتّـسم عن طريق صندوق الاقتراع.

وربما يقول قائل إن حركة فتح، التي تملك مشروع السلطة الفلسطينية، وهو المشروع الوحيد الملموس على أرض الواقع (توظف أكثر من 130 ألف شخص يعيلون مليون فرد)، إنما تملك ناصية التفرد والتأثير على الجمهور بقوة لا تملكها المعارضة، فإن في القضية أيضا إشارات غير محكية.

استطلاعات الرأي

وأول ما يُـمكن الإشارة إليه، هو استطلاعات الرأي التي لم تُـعط محمود عباس، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومرشح حركة فتح، أكثر من 50% من تأييد الشارع، وهي استطلاعات ربـما كانت قريبة جدا إلى النتيجة المتوقّـعة.

أكثر من ذلك، أن المنافس الأقوى وصاحب الترتيب الثاني في استطلاعات الرأي، هو مصطفى البرغوثي، الذي لا ينتمي إلى أي فصيل أو حركة بعينها، عدا ذلك، فإنه يتقدَّم على مشرحين من أحزاب وكتل أخرى.

وإذا كان غياب حركة حماس المعارضة عن الانتخابات الرئاسية يترك أثاره البارزة على مسيرة الشفافية والديمقراطية الفلسطينية، فإن الحركة لم تغب عن الانتخابات البلدية، وهي لن تغب على الأرجح عن الانتخابات التشريعية المتوقعة.

وعليه، تكون تجربة الشرعية الفلسطينية قد دخلت مرحلة تجديد، لن يكون بوسع الفلسطينيين تخطّـيها، ولا بمقدور الجهات الدولية تجاهلها، حتى وإن كان الانتخاب مجرد انتخابات.

هشام عبد الله – رام الله

جرت أول انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية في 20 يناير 1996.
يضم المجلس التشريعي الفلسطيني 88 مقعدا. وتحتل المرأة 5 مقاعد.
بلغت المشاركة الشعبية في انتخابات 1996 في غزة والضفة الغربية نسبة 79.9%.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية