مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انتخاب وزيرين جديدين في الحكومة الفدرالية.. “لم تحدث ثورة في القصر”

الوزيران الجديدان: يوهان شنايدر أمّـان وسيمونيتا سوماروغا يتبادلان التهاني بعد انتخابهما من طرف البرلمان الفدرالي زوال يوم الأربعاء 22 سبتمبر 2010 في برن Keystone

شهدت سويسرا يوم الأربعاء حدثا تاريخيا مميزا في حياتها السياسية حيث انتخب البرلمان الفدرالي وزيرة رابعة ضمن التشكيلة الحكومية ليضع سويسرا ضمن كوكبة البلدان التي تحظى فيها المرأة بتمثيل واسع على المستوى الحكومي.

وطبقا لتوقعات المحللين، احتفظ الحزبان الإشتراكي (يسار) والليبرالي الراديكالي (يمين) بمقعديهما المتنافس عليهما في الحكومة. وبدا واضحا أن الأحزاب الممثلة في البرلمان لم ترغب في إعادة توزيع الأوراق قبل عام واحد من الإنتخابات التشريعية.

فقد انتخبت الجمعية الفدرالية (أي غرفتي البرلمان مجتمعتين) يوم الأربعاء 22 سبتمبر خلفين للوزيرين المستقيلين موريتس لوينبرغر وخانس رودولف ميرتس في شخص الإشتراكية سيمونيتا سوماروغا والليبرالي الراديكالي يوهان شنايدر أمّـان.

في المقابل، تعتبر الأغلبية النسائية التي أصبحت تميز الحكومة السويسرية الحدث الأبرز في هذا اليوم الذي وُصف بالتاريخي. ومع أن الصورة المحافظة التي اشتهرت بها الكنفدرالية على مدى القرن العشرين قد تراجعت كثيرا في المرحلة السابقة وخاصة منذ عام 1971 حينما منحت أغلبية عريضة من الناخبين الذكور حق التصويت والترشح على المستوى الفدرالي للنساء إلا أن وصول وزيرة رابعة إلى الحكومة الفدرالية يؤشر لبدء مرحلة رمزية جديدة تفتح المزيد من الآفاق بوجه تمثيل أوسع وأشمل للنساء في شتى مجالات النشاط ومواقع المسؤولية المتقدمة.

الطريف هذه المرة هو أن عاملي الجنس والإنتماء الجهوي (أو المناطقي) لعبا دورا لا يُستهان به في تحديد النتيجة النهائية للتصويت. فقد رشح الحزبان المعنيان مباشرة بالتعويض (الإشتراكي والليبرالي الراديكالي) أربعة من الشخصيات السياسية البارزة والكفؤة مما عسر عملية الإختيار والفرز على بقية المجموعات البرلمانية.

ومع توجه البعض (الإشتراكيون والخضر أساسا) إلى تعزيز الحضور النسائي في الحكومة ليصل إلى أربعة أو خمس سيدات، منح البعض الآخر (يتوزعون على كافة أحزاب اليمين والوسط) اهتماما واضحا بالكانتون الذي ينتمي إليه المرشح من أجل الإبقاء على التوازن في التركيبة الحكومية بين مختلف لغات وجهات البلد. ومع ذلك، نجح المرشحان القادمان من كانتون برن بالحصول على ثقة الأغلبية وأصبحت الحكومة السويسرية تضم في صفوفها – للمرة الأولى في تاريخها – وزيرين من كانتون برن.

تعزيز المكاسب الحكومية

هذه النتيجة تعزّز حظوظ الحزب الإشتراكي والحزب الراديكالي الليبرالي في الحفاظ على “مقعد ثاني” لكل واحد منهما في المستقبل، ويحميا بالتالي نفسيهما من المفاجآت غير السارة خلال الانتخابات العامة المرتقب إجراؤها في خريف 2011.

والمعهود في النظام السياسي السويسري، إلا في حالة حدوث فضيحة كبرى، يقرر وزراء الحكومة بأنفسهم متى ينسحبون من الحكومة. وقد يطول بقائهم فيها كما يبيّن مثال موريتس لوينبرغر الذي قضى 15 سنة عضوا بالحكومة.

وتظل الإمكانية الوحيدة لتعديل تشكيلة الحكومة هي الجلسة الأولى التي يعقدها البرلمان التي تعقب مباشرة الانتخابات التشريعية العامة، وعندما يكون الوزراء في حاجة إلى إعادة انتخابهم من أعضاء البرلمان. لكن هذه التغييرات لم تحدث إلا في حالات نادرة جدا. وخلال العقود الأخيرة، لم يحدث هذا إلا مرة واحدة عندما أجبر الحزب الديمقراطي المسيحي على ترك مقعده الثاني إلى مرشّح عن حزب الشعب.

وعبّر بعض النواب من خلال حوارات أجروها عبر موجات الإذاعة وقنوات التلفزيون عن استيائهم للطريقة التي يختار بها أعضاء الحكومة، مفضلين في نفس الوقت نظاما يسمح باختيار الفريق الحكومي عقب الإعلان عن نتائج اقتراع عام، وأن يظل المنتخِبون في عضوية الحكومة طيلة الدورة التشريعية.

انتصار العنصر النسائي

إذا كانت هذه الإنتخابات قد شكلت إستمرار على مستوى التوازنات السياسية داخل الحكومة، فإنها قد فتحت صفحة جديدة في تاريخ سويسرا رغم ذلك. وبفضل انتخابات الأربعاء 22 سيتمبر2010 أصبحت النساء لأوّل مرة يمثلن الأغلبية داخل الحكومة السويسرية. في حين أن الحكومات التي توجد على هذه الشاكلة في العالم تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة.

فأن تكون سويسرا من الآن فصاعدا واحدة من هذه البلدان، أمر ملفت للإنتباه خاصة وأن هذا البلد يمثل آخر بلد ديمقراطي غربي يمنح النساء حق الاقتراع والترشح، ولم يحدث ذلك إلا سنة 1971.

إنها صفحة قد طويت، وإذا كان موضوع تمثيل النساء قد كان محور الاهتمام خلال انتخاب أعضاء الحكومة في العديد من المرات السابقة، فإن انتخابات سبتمبر 2010 قد أسقطت “محرم” الأغلبية النسائية، وهو ما يمثل ختام مرحلة بدأت سنة 1971، وشهدت تطوّرا بطيئا لقيم تحكمت في الممارسة السياسية داخل سويسرا.

نهاية شرط التوازن بين الكانتونات

في بداية التسعينات، سبق للمواطنين أن وافقوا عل إلغاء البند الدستوري الذي يحظر توفر كانتون واحد على وزيرين في نفس الوقت ضمن تشكيلة الحكومة الفدرالية ومع ذلك ظل هذا الشرط قائما في الأذهان.

في المقابل، كشف انتخاب سوماروغا وأمّـان يوم الأربعاء 22 سبتمبر أن صفحة أخرى قد طويت حيث لم يتضايق البرلمانيون من فكرة انتخاب وزيرين من كانتون برن.

صحيح أن الحكومة ضمت في صفوفها في مناسبتين سابقتين وزيرين من كانتون زيورخ لكن السؤال ظل قائما حول ما إذا كان “الإستثناء” الذي منح إلى الكانتون الأكثر كثافة سكانية وتطورا اقتصاديا يمكن أن يحصل عليه كانتون آخر. واليوم جاء الجواب واضحا وبلا مواربة.

شخصيات كفؤة

أخيرا تبقى مسألة شخصية المرشحين أنفسهم. فقد شدد المحللون والخبراء السياسيون في العديد من المناسبات على أن الإشتراكيين والليبراليين الراديكاليين رشحوا لهذا السباق الإنتخابي شخصيات كفؤة أقامت الدليل على إمكانياتها وقدراتها على المستويين المحلي في الكانتونات أو على المستوى الفدرالي.

الوزير الراديكالي الجديد – الذي قد يكون أقل إشعاعا على المستوى السياسي – أقام الدليل على قدراته كمشرف ومسير صناعي وهي صفة تحظى عادة بالتقدير في سويسرا. وفي اتصال مع swissinfo.ch أكد الخبير السياسي مارك بالسيغر هذا الإنطباع وقال: “لقد قام الحزب الإشتراكي والحزب الليبرالي الراديكالي على مدى عدة أشهر بعملية انتقاء اتسمت بالحرفية العالية والشفافية الكبيرة وأمكن لهم إقامة الدليل مجددا على أنهم يضمون بعض الشخصيات الجيدة جدا في صفوفهم”.

خلاصة القول: الوزيران الجديدان سيستلمان مهامهما متمتعين برأسمال عال من الثقة لكن لا أحد يدري كيف سيستثمرون ذلك ميدانيا وهل سيكون تراكم هذه الخبرات والقدرات الشخصية كافيا لخلق “روح الفريق” ضمن التشكيلة الحكومية، وهي صفة افتقرت إليها بشدة على مدى الشهور الماضية.

ويعتقد مارك بالسيغر أن الأمر سيكون على هذه الشاكلة، ويقول: “أنا متفائل. فالوزيران الجديدان يتوفران على إمكانيات تتيح لهم تعزيز القرار الجماعي للحكومة. ويُعترف لهما عموما بأنهما أصحاب شخصيات إدماجية لا تضع ذواتها في مقدمة الصورة”.

لم تحصل النساء السويسريات على حق الإقتراع والترشّح على المستوى الفدرالي إلا في عام 1971. وبعدها تعزز وجودهن بالبرلمان شيئا فشيئا.

وفي عام 1983 حاول الإشتراكيون اختراق سوار الحكومة الفدرالية، وذلك من خلال ترشيحهم لليليان أوشتنهاغن لأخذ مكان فيلي ريتشارد، لكن البرلمان فضّل التصويت إلى إيليت إيتو ستيش.

وبعد اقل من سنة من ذلك التاريخ، أصبحت إليزابيت كووب من الحزب الليبرالي الراديكالي أوّل إمرأة تفوز بمقعد في الحكومة الفدرالية السويسرية. وبعد إستقالتها سنة 1989، أصبحت الحكومة من جديد مشكلة من الرجال بالكامل.

وفي عام 1993، دخل العنصر النسائي من جديد إلى الحكومة مع فوز الاشتراكية من جنيف روث درايفوس، وكان البرلمان قد رفض في البداية المرشحة الرسمية للحزب الاشتراكي كريستيان برونّير.

وبداية من 1999، رافقت روث ميتسلر، روث درايفوس في الفريق الحكومي، إلى حين خلافة ميشلين كالمي-ريلروث درايفوس سنة 2002، وأصبحت المعادلة آنذاك إمراتيْن مقابل خمسة رجال.

في عام 2003، أقصى البرلمان روث متسلر، وانتخب كريستوف بلوخر لخلافتها، فأصبحت ميشلين كالمي-ري المراة الوحيدة في الحكومة، إلى حين انتخاب دوريس لويتهارد الديمقراطية المسيحية سنة 2006.

مع نهاية 2007، قرر البرلمان الفدرالي عدم التجديد لكريستوف بلوخر، واختار في آخر المطاف إيفلين فيدمر شلومبف مكانه، فأصبحت الحكومة منذ ذلك الحين تعد ثلاث نساء وأربعة رجال.

ومع انتخاب سيمونيتا سومارّوغا يوم الإربعاء 22 سبتمبر 2010، ستصبح سويسرا محكومة لأوّل مرة بتشكيلة حكومية يغلب عليها العنصر النسائي.

لكن هذه الغالبية يبدو انها مؤقتة، مع توقع مغادرة ميشلين كالمي- ري قريبا للحكومة، والإحتمال الغالب بأن لا يتم التجديد لإيفلين فيدمر شلومبف بعد الإنتخابات التشريعية المقبلة خلال عام 2011.

(نقله من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية