مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أزمة “شباط – بن كيران”.. مسرحية رديئة

حميد شباط، الأمين العام لحزب الإستقلال (على اليمين) في حوار مع عبدالإله بنكيران، الوزير الأول المغربي. (صورة من الأرشيف) Null

يعرف المغرب أزمات متعدّدة، تزداد تعقيدا يوما بعد يوم وتهدِّد استقراره ومستقبله، إلا أن أخطرها، تظل أزمة النخبة السياسية المُعبّر عنها بكثافة بالأزمة الحكومية الحالية..

في ظل ما وصل إليه التخاطب بين أطرافها من إسفاف وانحدار اقترن باستخدام لغة وتعابير متردية تنتج مواقف تدفع المواطن دفعا نحو العزوف عن العمل السياسي، كما تزيد من تعقيدات الملفات الإستراتيجية للبلد.

فإلى جانب قضية الصحراء وما تُمثله بالنسبة للمغرب والمغاربة وما تشهده من تطورات تُهدد مصير مغربية الصحراء التي يُطمح إليها، هناك أزمة اقتصادية تستفحل بارتفاع العجز التجاري وتقليص ميزانية الإستثمار وزيادة بالمديونية، وأزمة اجتماعية معبّر عنها بالعاطلين عن العمل، الذين يجوبون الشوارع في مسيرات شِبه يومية.

في خِضم هذه الأزمات، التي تستدعي استقرارا حكوميا وتفاهمات بين الأغلبية والمعارضة، يتوّج حزب الإستقلال مناكفته لرئيس الحكومة، عبدالإله بن كيران، زعيم حزب العدالة والتنمية، بالإعلان عن الإنسحاب من الحكومة، المشارك بها في المرتبة الثانية، ويذهب بعيدا بالمُناكفة ليطلب – والملك موجود خارج البلاد – تحكيما مَلَكيا، مُستندا إلى الفصل 42 من الدستور الجديد، وليُدخِل البلاد في أزمة ليست بحاجة لها، ولتبدأ الهجمات الإعلامية بين الحزبيْن بلغةٍ اتّفق الطرفان على “سوقيتها” واختلفا على مَن بدأ بها.

وبانتظار عودة الملك محمد السادس من فرنسا وتحديد مصير قرار حزب الإستقلال بالإنسحاب من حكومة عبد الإله بن كيران، تصعب القراءة “البريئة” للقرار، الذي جاء تتويجا لمعارضة مُعلنة للحزب منذ أن تولى حميد شباط زعامته في صيف 2012، حيث سارع وبُعيد إبعاد معارضيه داخل الحزب (الذين قادهم عبد الواحد الفاسي، نجل مؤسس الحزب الزعيم علال الفاسي) عن القيادة وخفّف من ضغطهم عليه إلى الإلتفات نحو الحكومة، ليشُنّ عليها حملة أقسى من حملة معارضيها، وكان مطلبه الأول تعديل حكومي يعطي لحزبه مكانته بالحكومة.

ما زال قرار انسحاب حزب الاستقلال، حليف الإسلاميين، من الحكومة المغربية، والذي اتّخذ قبل نحو أسبوع وخلق أزمة سياسية، “موقوف التنفيذ” في انتظار تدخّل الملك، مع “احتمال كبير” للّجوء إلى تعديل حكومي، بدل انتخابات مبكّرة، حسبما أوردت صُحف المغرب يوم الجمعة 17 مايو 2013.

وأيد المجلس الوطني لحزب الاستقلال يوم السبت 1 مايو بأغلبية أعضائه، الانسحاب من الحكومة بقيادة حزب العدالة والتنمية، ليفتح الباب أمام إمكانية إجراء تعديل حكومي أو الذّهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها.

واستجاب حميد شباط، الأمين العام لحزب الاستقلال لطلب من الملك محمد السادس، لإبقاء وزرائه في الحكومة حفاظا على استقرار المؤسسات، حسبما أورد بيان للحزب، في انتظار عودة الملك من زيارة خاصة إلى فرنسا.

ورغم أن القوة السياسية الثانية في الائتلاف الحكومي المغربي المكوّن من أربعة أحزاب، ما زالت مُصرّة على قرارها بالانسحاب من الحكومة، ما لم تتم الاستجابة لطلباتها، يبقى قرار الانسحاب، كما تلاحظ يومية “أخبار اليوم” الصادرة يوم الجمعة 17 مايو، قرارا “موقوف التنفيذ”. وأضافت اليومية أن أمين عام حزب الاستقلال، الذي خلّف قراره “أزمة سياسية” في المشهد المغربي، ما زال ينتظِر “وساطة الملك بفارغ الصبر”.

ويتيح الدستور، حسبما أوردت يومية “ليكونوميست” المقرّبة من الأوساط الاقتصادية، “مَخرجيْن”، إما تعديل حكومي أو انتخابات سابقة لأوانها، لكن اليومية في افتتاحيتها ترجّح أن الخيار الثاني “مُستبعَـد” الحدوث، مُضيفة أنه “من المرجّح أن نكون أمام حكومة بنكيران ثانية، بمشاركة الاستقلال أو بدونه”.

وقال مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، بعد اجتماع وزاري عُقد يوم الخميس 16 مايو، بحضور الوزراء الممثلين لحزب الإستقلال، إن هؤلاء الوزراء “مُستمرّون في أداء مهامِّهم وتحمّل مسؤولياتهم بشكل عادي”.

وقال حزب الاستقلال في بيان صادر يوم الأحد 19 مايو عقب قراره، إن وزراءه سيستمرّون في أداء مهامِّهم العادية وتدبير الشؤون اليومية، إلى حين عودة الملك من فرنسا، والذي رفع إليه حميد شباط، حسب الصحف المغربية، “مذكّرة” تشرح سبب الانسحاب ومطالب الحزب.

وفاز حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي ظلّ لسنوات طويلة في المعارضة، لأول مرّة بالانتخابات النيابية نهاية 2011، بعد التصويت على دستور جديد السَّنة نفسها، خاضت قبله حركة 20 فبراير الاحتجاجية عدّة مظاهرات في خِضمّ الربيع العربي، مطالبة بإصلاحات جِذرية.

ولا يتيح النظام الانتخابي المغربي لأي حزب بالفوز بأغلبية مُطلقة تسمح له بقيادة الحكومة بشكل مُريح، ما يضطر الحزب الفائز إلى التفاوض مع باقي الأحزاب لتشكيل أغلبيته النيابية، من أجل ضمان عملية التشريع والتسيير الحكومي بشكل عادي.

ويشارك في التحالف الحكومي الحالي في المغرب، إلى جانب حزب العدالة والتنمية الإسلامي، كلّ من حزب الاستقلال المُحافظ، وحزب الحركة الشعبية اليميني، وحزب التقدّم والاشتراكية “الشيوعي”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ. ف. ب بتاريخ 17 مايو 2013)

“أيّ إرباك للتجربة.. رجوع بالمغرب إلى منطق التحكم”

في الأثناء، يرى المراقبون أن مطلب شباط كان مُرتبطا بالخلافات داخل حزبه حيث أراد أن يُعاقب معارضيه بإخراجهم من الحكومة ومكافأة أنصاره بإدخالهم لها. لكن شباط صعّد من حملته على حكومة بن كيران، وأضفى عليها بُعدا سياسيا من خلال انتِقاده للسياسة الاجتماعية للحكومة، وهي السياسة التي يُساهم وزراء الحزب بوضعها وصياغتها ويصوّت عليها برلمانيو الحزب، ثم شخصيا، حين نقل هجماته من الحكومة وبرنامجها إلى الوزراء وتوجيه اتّهامات شخصية لهم، تمس بكرامتهم، ثم يُـتوّج ذلك بجمع المجلس الوطني (برلمان الحزب) ويقرّر الإنسحاب من الحكومة ويرفع مذكّرة للملك، يطلب فيها تحكيمه ويُدخِل البلاد في أزمة جديدة، ظهرت انعكاساتها السلبية على مُجمل القضايا التي تشغل البال المغربي.

عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة المغربية، الذي التزم وألزم حزبه بالصمت، قال عندما تكلّم إنه لا توجد أي مشكلة في الحكومة، بل هي مُستمرة في عملها بطريقة عادِية، ولكن هناك مشكل في الأغلبية، وأن “هناك تيار مع الإصلاح وتيار ضدّه” مضيفا أن “أي إرباك للتجربة، رجوع بالمغرب إلى منطق التحكّم ودخول في مغامرة تُساهم في ما يُهدد استقرار وأمن المغرب واستثماراته واقتصاده وقضاياه الإستراتيجية”.

“المسرحية الرديئة”

علي أنوزلا، الكاتب والصحفي المغربي ومدير موقع “لكُم” الإلكتروني، يعتقد أن الحقيقة المسكوت عنها في حرب حميد شباط على حكومة بن كيران، رئيسا ووزراء وبرنامجا تتلخص في أن “شباط وأتباعه يريدون إعادة توزيع “كعكة” الحكومة لتسخيرها لخِدمة مصالحهم الشخصية والحزبية”.

وفي تصريحات لـ swissinfo.ch، اعتبر أنوزلا أن الأزمة مُفتَعلة بل  وصفها بـ “المسرحية الرّديئة”، وتساءل إن كانت تعبيرا شخصيا من طرف الأمين العام لحزب الاستقلال، لإثبات ذاته وفرض شخصيته؟ أم أنها إبداء لاستعداد الحزب لتسخير موقِعه داخل الحكومة لخوْض حرب من الداخل بالوكالة عن جهات سُلطوية يسعى إلى نيْل رضاها؟ أم أنها مجرّد انعكاس لأسلوب شعبوي في إدارة الخلافات السياسية من خلال “المُزايدات” و”لَيِّ الذراع” أم أن كل هذه الاحتمالات تراكمت إلى أن تشابكت خُيوطها، فوَجد صاحبها نفسه في موقِف لا يُحسد عليه، لا هو خارج الحكومة ولا هو مُنسحبا منها.

أنوزلا يربط أيضا بين الجهات التي لها مصلحة بافتعال شباط أزمة مع عبد الإله بن كيران وحزب العدالة والتنمية، ذات المرجعية الإسلامية الذي يقود الحكومة، ويقول إنه يجب أن نبحث عنه في تصريحات حميد شباط نفسه، والذي عندما يخونه لسانه يتّهم حزب العدالة والتنمية بـ “تونسة” و”مصرنة” المغرب، وهذا لم يكن خطاب حزب الإستقلال، وإنما هو انعكاس لخطاب رسمي سبَق الربيع الديمقراطي الذي شهدته مصر وتونس، والذي كان يرى في كلّ ما هو “إسلامي” تهديداً لـ “الإستقرار” ونظيراً لـ “الإرهاب”.

 “القصر هو المستفيد الأول”

في تصريحه لـ swissinfo.ch، يؤكد أنوزلا أن “الأزمة” الحالية أضعفت حزبيْ الإستقلال والعدالة والتنمية، حيث “عبّر الأول عن محدودية استقلالية قراراته ومُناوراته، فيما قبل الثاني السيْر بأغلبية مُكبّلة من جميع الجهات وداخل حذاء أغلبيته حصى كبيرة اسمها حميد شباط تدميه وتزعجه، وعليه تحمّل ألَمها والإستمرار في التعثّر إلى أن يُنهك فتَخور قواه”، على حد قوله.

ويستبعد أنوزلا ذهاب حزب الإستقلال بعيدا في قراره، مضيفا أنها أزمة وأن القصر هو المستفيد الأول منها، بعد أن أثبتت مظاهرها نفوذَه وحاجة الدولة إلى وجوده، لضمان الإستمرارية والإستقرار، في غِنى عن وجود “الأحزاب” وصراعاتها الصّبيانية والفاقِدة للحدّ الفكري الأدنى!

في المقابل، قد تستمر الأزمة وقد يذهب الملك إلى ترك أحزاب الأغلبية الحكومية تُصارع ذاتها، خاصة وأن مرجعية شباط في التحكيم المَلَكي ليست دستورية، إذ استند إلى الفصل 42 الذي يُعطي للملك اختِصاصَ التحكيم في الأزمات الدستورية، لكن أزمة شباط مع بن كيران، أزمة سياسية وليست دستورية، وكان شباط يستطيع، إذا كان يريد فعلا الإنسحاب من الحكومة وإذا كانت لديه سلطة عليهم، الدّفع بوزراء حِزبه لتقديم استقالاتهم، وهو ما لم يفعله.

خيارات صعبة

الملفت في هذا السياق، هو أن ترك القصر أحزاب الأغلبية مستمرة في أزمتها، يعني وضع عبد الإله بن كيران وحزبه وأيضا شباط وحزبه، أمام خيارات صعبة. إذ يتوجب على حميد شباط أن يُجبر وزراء حزبه على الإستقالة ونواب حزبه على سحب الثقة من الحكومة، مع احتمال رفْض وزراء الحزب الستة الإلتزام بقرار شباط وتجميدهم بالحزب، على غِرار ما جرى مع وزير التربية الوطنية في حكومة عباس الفاسي، أحمد اخشيشن (2009) بعد انسحاب حزبه “الأصالة والمعاصرة” (45 مقعدا حينها) من حكومة عباس الفاسي.

لكن شباط يُسيطر على برلمانيي الحزب وسيُقرر سحب ثقتهم من الحكومة، مما يعني فقدان حكومة بن كيران الأغلبية البرلمانية، مما يضع حزب العدالة والتنمية أمام خيارين، إما اللجوء إلى أحزاب أخرى لإكمال الأغلبية أو الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها.

وفي الوقت الحاضر، يتشكل الإئتلاف الحكومي في المغرب من حزب العدالة والتنمية (107 مقعدا)، وحزب الاستقلال (60 مقعدا) والحركة الشعبية (33 مقعدا)، وحزب التقدّم والإشتراكية (18 مقعدا)، أي 218 مقعدا، وهو ما يزيد عن الأغلبية الحكومية المطلوبة (198مقعدا) بـ 20 مقعدا، وفي حال ذهاب مدبّري السياسة المغربية بعيدا وخروج حزب الإستقلال من الحكومة، فسيبحث بن كيران عن مكمّل لأغلبيته بالتجمع الوطني للأحرار (52 مقعدا) أو حزب الأصالة والمعاصرة (47 مقعدا)، اللذان رفض كل منهما أن يكون مجرد “عجلة احتياط” أو أن يرمّم حكومته بأحزاب صغيرة، ما يُبقيها مهدّدة وغير مستقرة.

يبقى الإحتمال الآخر، وهو إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وهو خيار تعلن قيادة حزب العدالة والتنمية استعدادها له وثقتها بأن حصّتها في البرلمان القادم ستكون أكبر من حصتها الحالية، نظرا لأن الحزب حافظ على تواصله مع ناخبيه وثِقتهم به، فيما تَواصَل انعدام الثقة ببقية الأحزاب، وهو ما كشفت عنه الإنتخابات الجزئية التي أجريت مؤخرا وحقّق فيها الحزب تقدّما ملحوظا.

إجمالا، تعتبر أزمة شباط – بن كيران، الأولى من نوعها التي يعيشها المغرب منذ استقلاله. فبالرغم من أن عباس الفاسي سلف شباط قادَ مُعارضة للإشتراكي عبد الرحمن اليوسفي (1998 – 2000) بنفس الخطاب والشعارات، فإن هذه المعارضة لم تصِل إلى ما وصلت إليه معارضة شباط لبن كيران، ربما بسبب اختلافات المرحلة التاريخية وتباين الظروف ومستوى النقاش السياسي ولغته بالبلاد أو لمجرد الإختلاف في الطبائع والشخصية بين اليوسفي وبن كيران من جهة وبين الفاسي وشباط من جهة أخرى.  

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية