مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انفتاح “دستوري” على الأجانب

تضمن الدستور الجديد لكانتون فو تضمن مزيدا من الإنفتاح على الجاليات الأجنبية والطوائف الدينية المقيمة فيه Keystone

من المتوقع أن تؤدي مصادقة الناخبين في كانتون فو على مشروع الدستور المحلي الجديد إلى تعزيز فرص اندماج الأجانب المقيمين فيه.

ومن بين أهم نقاط التجديد، منحهم حق التصويت في الإنتخابات البلدية وفتح المجال لإمكانية الإعتراف القانوني بمزيد من الطوائف الدينية.

من المفترض أن لا تثير نتائج تصويت محلي في إحدى كانتونات سويسرا الستة والعشرين آهتماما استثنائيا. إذ لا يمثل إجمالي عدد الناخبين المسجلين في كانتون فو (326 456 شخص) ولا نسبة المقترعين التي لم تتجاوز 44.36% (أي 160768 شخص) محور اهتمام ورصد إعلامي مثير أو خطير.

لكن الحدث المتمثل في مصادقة حوالي 56 في المائة من الناخبين في هذا الكانتون الملاصق لجنيف على مشروع الدستور الجديد لكانتون فو استقطب الإهتمام داخل سويسرا لأسباب متعددة.

أوّلها، تزامن الحدث مع قيام العديد من الكانتونات الأخرى بمراجعات جذرية لدساتيرها المحلية التي يعود تاريخ المصادقة عليها إلى القرن التاسع عشر. وهو ما يدفع العديد من السويسريين إلى متابعة ما يُـعرض من مقترحات جديدة وما يتمّ إدخاله من تغييرات على الدساتير المحلية في بقية أنحاء البلاد.

ثانيها، الأهمية الخاصة التي يعلقها معظم السويسريين على دساتيرهم المحلية لأسباب تاريخية مرتبطة بمرحلة التحاق كل كانتون بالكونفدرالية ولأسباب عملية تتعلق بكيفية تنظيم الحياة اليومية وتحديد أسلوب تسيير الحياة السياسية وعمل مختلف المؤسسات في كل كانتون في إطار ما يتيحه النظام الفدرالي من مشمولات واسعة في هذا المجال.

ثالثها، الجدل الواسع الذي ترافق مع عملية إعداد مسودّة الدستور الجديد بين مختلف التيارات الفكرية والقوى السياسية والإجتماعية منذ انتخاب أعضاء الهيئة التأسيسية في 7 فبراير من عام 1999 إلى عشية موعد التصويت الشعبي على نص الدستور الجديد في 23 سبتمبر من عام 2002.

مزيد من الحقوق .. وجدل

على الرغم من أن الكونفدرالية تحتضن ما يناهز مليوني أجنبي فوق أراضيها إلا أن القضايا المتعلقة بالأجانب في سويسرا لا زالت مادة مثيرة للجدل والمواقف المتباينة.

وفي هذا السياق، أثارت الفصول الجديدة التي تضمنها دستور كانتون فو المتعلقة بالمساعدة على اندماج الأجانب في المجتمع وتيسير حصولهم على الجنسية السويسرية ومنحهم حق التصويت في الإنتخابات البلدية سيلا من المساجلات كاد أن يهدد بنسف المشروع برمته في الأيام الأخيرة من الحملة الإنتخابية.

فقد خصص الدستور الجديد فصله الثامن والستين بأكمله لمسألة “إدماج الأجانب والتجنيس” ونص في الفقرة الأولى من البند الثامن والستين على أن “الدولة – المقصود هنا سلطات حكومة الكانتون – تسهل استقبال الأجانب وأضاف في الفقرة الثانية من نفس البند توضيحا جوهريا ينصّ على أن “الدولة والبلديات تساعد على إدماجهم في إطار الإحترام المتبادل للهويات وللقيم التي تتأسس عليها دولة القانون”.

أما الفصل التاسع والستون، فقد اتجه لمسألة الحصول على الجنسية السويسرية التي لا زالت الإجراءات البيروقراطية المصاحبة لها تمثل عقبة كأداء أمام أعداد متزايدة من الأجانب المقيمين في سويسرا ، وأدخل إصلاحات جوهرية على العملية التي أصبحت “سريعة ومجانية” طبقا للفقرة الثانية من هذا الفصل.

أما التطور الذي أجمع المراقبون على وصفه بالتاريخي فتمثل في منح الدستور الجديد الأجانب المقيمين في سويسرا عشر سنوات على الأقل (من بينها ثلاثة أعوام في كانتون فو) حق المشاركة في الإنتخابات على المستوى البلدي بالترشح والتصويت.

وعلى الرغم من أن عملية التصويت لم تتسم بحماسة شعبية كبيرة، حيث لم يشارك فيها إلا حوالي 44 في المائة من الناخبين إلا أن موافقة أغلبية المقترعين على هذه الإصلاحات يعني بالضرورة حدوث تغيير جوهري في العقليات بما يعكس آثارا إيجابية للتنوع الثقافي والسكاني الذي أصبح يطبع كانتون فو على غرار معظم المناطق السويسرية.

إزالة الفوارق

وبما أنه من غير المتاح في هذا السياق استعراض كل التحويرات الجديدة المهمة التي تضمنها نص الدستور الذي سيبدأ العمل به في الرابع عشر من شهر أبريل 2003 أي بعد مائتي سنة بالضبط على انضمام الكانتون إلى الكونفدرالية، لا مفر من التوقف عند الفصل الثامن المخصص للكنائس والمجموعات الدينية.

فقد حسم هذا الفصل الذي اشتمل على أربعة بنود جملة من القضايا التي أدت في السابق إلى مواجهات عقائدية وعنيفة أحيانا بين أغلبية بروتستانتية من السكان وأقلية كاثوليكية في كانتون فو.

فمن جهة أكد الدستور أن “الدولة تراعي البعد الروحاني للكائن البشري” وأنها “تأخذ بعين الإعتبار مساهمة الكنائس والمجموعات الدينية في الرابطة الإجتماعية وفي نقل القيم الأساسية”. كما نصّ مجددا على خاصية يتميز بها كانتون فو في سويسرا، أنه لا فصل بين الدولة والكنيسة، أي أن السلطات تتكفل بتخصيص مبلغ محدد من ميزانيتها السنوية لتغطية تكاليف ممارسة الشعائر وتسديد أجور رجال الدين للديانتين الرئيسيتين في الكانتون أي البروتستانتية والكاثوليكية.

ومن جهة أخرى تم التنصيص في الوثيقة النهائية للدستور على المساواة الفعلية والكاملة في تعامل السلطات المحلية مع الكنيستين البروتستانتية والكاثوليكية واعتبارهما “مؤسسات قانون عام ذات شخصية معنوية”، وهو توصيف تترتب عليه في سويسرا العديد من الإمتيازات والحقوق المادية والمعنوية لرجال الدين وللمؤسسات التابعة للكنيستين.

الجالية المسلمة أمام تحد جديد

هذا الحسم الدستوري الواضح لكيفية التعامل مع أعرق مؤسستين دينيتين ممثلتين لأغلبية السكان في الكانتون ترافق مع منح الجالية اليهودية المستقرة فيه صفة “مؤسسة للنفع العام” ومع فتح الباب بوجه منح نفس الصفة للمزيد من المجموعات الدينية المتواجدة في الكانتون.

فقد نص البند 171 من الفصل الثامن من الدستور الجديد على أنه يمكن للدولة أن تعترف بنفس الصفة (أي مؤسسة للنفع العام) لمجموعات دينية أخرى وأشار إلى أنه سيتم الأخذ بعين الإعتبار “لمدة إقامتهم ودورهم في الكانتون”. أما البند 172 من نفس الفصل فقد شدّد في فقرته الثالثة على أن قرار الإعتراف مرتبط بالخصوص بـ” احترام المبادئ الديموقراطية والشفافية المالية”.

ويبدو اليوم أن موافقة أغلبية ناخبي الكانتون على نص الدستور الجديد تفتح الباب لمرحلة جديدة من مشاركة عشرات الآلاف من الأجانب المقيمين فيه في مختلف مناشط الحياة السياسية المحلية والإجتماعية والثقافية والجمعوية.

كما قد يتيح آعتماد الدستور الجديد أيضا للجالية المسلمة إمكانية تسجيل سابقة تاريخية في الكونفدرالية من خلال الحصول في مستقبل الأيام على اعتراف قانوني بالدين الإسلامي من خلال هيئة موحدة ومنتخبة تمثل جميع مكوناته (العربية المشرقية والمغاربية والألبانية والتركية والصومالية والبوسنية وغيرها) لدى السلطات المحلية وتستجيب لمقتضيات القوانين التطبيقية لما جاء في بنود الدستور التي يتوجب على الحكومة إصدارها في ظرف لا يتجاوز خمسة أعوام.

كمال الضيف – سويس إنفو

سمح تجديد الدستور المحلي لكانتون فو بتحديث العديد من فصوله وإيجاد حلول مبتكرة لجملة من القضايا المستجدة مثل مسألة اندماج الأجانب والإعتراف بمختلف الطوائف الدينية وعطلة الأمومة وصلاحيات الحكومة المحلية والتعاون الإنساني مع بلدان الجنوب.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية