مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اهتمامات أطلسية بمنطقة الخليج

swissinfo.ch

قطع مجلس التعاون الخليجي ومنظمة حلف شمال الأطلسي الخطوة الأولى في طريق شراكة محتملة بدأت في شكل ندوة فكرية احتضنتها العاصمة القطرية مؤخرا.

ولم يتضح خلال يومين من النقاش بين دول “الناتو” ومضيفيهم شكل محدد للعلاقة المنشودة بين الطرفين.

قطع مجلس التعاون الخليجي ومنظمة حلف شمال الأطلسي الخطوة الأولى في طريق شراكة بدأت في شكل ندوة فكرية احتضنتها العاصمة القطرية مؤخرا.

ولم يتضح خلال يومين من النقاش بين دول “الناتو” ومضيفيهم شكلا محددا للعلاقة المنشودة، لكن الفرصة كانت مواتية لإطلاق زوبعة فكرية حول المـآلات المحتملة لما يمكن أن يصبح عليه الوضع عندما تنضج الـرؤى والظروف.

وقد بادر وزير خارجية قطر، الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بالتوضيح أن ندوة (تحولات الناتو والأمن في الخليج) التي نظمتها دولة قطر بالتعاون مع مؤسسة “راند” الأمريكية، “ليست سوى بداية حوار قد يُـفيد الطرفين” وأن “الحديث من الآن عن عضوية خليجية في “الناتو” أمر سابق جدا لأوانه”.

التمدد شــرقــا

وفي المقابل، قال السكرتير العام للسياسات والأمن في منظمة حلف شمال الأطلسي، غونتر التنبرغ لسويس انفو، إنهم لم يأتوا إلى هذه البقعة من العالم “لفرض شيء ما، بقدر ما نسعى إلى معرفة هموم دول المنطقة من أجل تعاون مثمر”، لكن المتحدث لم يُـخف غبطته بالمبادرة القطرية، حتى وإن تغيّـبت عنها المملكة العربية السعودية لأسباب لم يشأ أحد إعلانها.

وكانت إشارة ولي عهد قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي افتتح الندوة إلى “الأهمية الاستراتيجية للمنطقة باعتبارها مستودعا لأكبر مخزون للنفط والغاز في العالم” كافية للتدليل على السبب الذي يدعو منظمة مثل حلف شمال الأطلسي للبحث لها عن موقع قدم هنا، بالإضافة إلى حديثه عن التحديات الأمنية، وفي مقدمتها الإرهاب، وهي عوامل مُـحددة في تمدد عين الناتو شرقا “بعد أن ضرب الإرهاب جهات العالم الأربع من واشنطن إلى مدريد، مرورا بدول الشرق والغرب”، حسب تعريف المشارك التركي احمد اوزومكو.

فكرة قابلة للتطور

لكن، ومع الصبغة الأكاديمية التي ظهرت بها ندوة الدوحة، فإنها قد تتحول إلى “قرار ملموس في قمة إسطنبول المقبلة”، حسب تخمين الأستاذ الجامعي المغربي حسن رحموني، الذي يرى أن “الناتو” يبحث عن تضامن ميداني خارج أوروبا لحصره في التعاون العسكري والاستراتيجي بهدف مُـعلن يتلخص في تطويق الإرهاب، وليس من أجل توسيع العضوية.

لكن رحموني يستطرد قائلا إن “الهدف غير المُـعلن من رغبة الحلف في التمدد، هو احتواء الخطر الآسيوي المقبل”، ويضيف أن الولايات المتحدة هي التي تقود هذا التوجه تحت يافطة مكافحة الإرهاب.

أما الدكتور مصطفى العاني، مستشار الشؤون الأمنية في المعهد الملكي البريطاني للدفاع والأمن، فيرى أن حوار “الناتو” مع جنوب حوض المتوسط قام في أواسط التسعينات “لأسباب جغرافية، وبسبب مشاكل أمنية مثل التهريب بأشكاله”، ويستطرد السيد العاني أن “الحديث عن التوسع الجديد تحكمه فكرة قيام منظومة جديدة تسمى (أوروبا زائد الشرق الأوسط)” على حد قوله.

ويؤكد ذات التوجه سفير إيطاليا لدى “الناتو” ماوريزيو مورينو الذي قال إن “الكلام الآن عن مبادرة جديدة، يأتي لتوسيع الأفق، ولقياس إمكانيات “الناتو” في لعب دور أكبر على مساحة أكبر وفي ظل تحديات أمنية أكبر”، ويتمنى السفير الإيطالي أن تتكرس مناقشات الدوحة في قمة اسطنبول، “حيث أن الفكرة قابلة للتطور”، حسب رأيه.

منا

ورغم أن ولي عهد قطر دعا إلى “نهج تعاوني مع “الناتو” يقوم على الاحترام المتبادل ويبتعد عن الفرض والهيمنة”، وهو ما أكد عليه غينشر أيضا، فإن ذلك في حد ذاته يشي بنوع من التوجس الذي قد يكون وزير خارجية قطر قصده بإشارته إلى “التحليل التآمري لبعض العرب”، وهو ما يجد صداه بالفعل لدى الأكاديمي المغربي حسن رحموني، حيث قال إن “الناتو” أداة لتكريس الهيمنة الأمريكية في المنطقة، ويضيف أن “توجسا عاما يوجد في الوجدان الشعبي العربي من مثل هذه الخطوات، لاسيما وأن قضية فلسطين مازالت عالقة”، ويشترط رحموني لتمرير هذه الأفكار، “حل القضية الفلسطينية أولا، لأن أي عمل غربي سوف يقابل بالريبة”.

ويلخص مشارك فرنسي، فضل الاحتفاظ بهويته، مسار النقاش في الجلسات المغلقة على أنه “حمّـل تناقضا واضحا بين الطرح العربي وبين الطرح الأمريكي”، وهو ما يُـلقي بدوره الضوء على تناقض فرعي آخر بين أعضاء “الناتو” الحاليين أنفسهم.

فعلاوة على “الهيمنة الأمريكية” التي جرى بها لسان أكثر من متدخل، فإن فكرة تكوين جيش أوروبي يعمل بعيدا عن مظلة “الناتو” أطلّـت برأسها من وراء حوار الدوحة.

ويعتقد مصطفى العاني أن “التوسع جنوبا سوف يقلل من تركيز “الناتو” على أوروبا، مما سيبرر فكرة الجيش الإقليمي الأوروبي التي كانت واشنطن قد رفضتها”، ويرى العاني أن الأوروبيين “سيجدون من تحول منظمة حلف الأطلسي إلى منظمة دولية حجة لبعث الجيش البديل الذي يُـحافظ على أمن أوروبا بشكل آخر”.

لكن السيد العاني يستطرد أن فكرة الجيش البديل لم تنضج بعد، رغم أنه يتوقّـع أن تكون قمة اسطنبول في يونيو المقبل حاسمة في هذا الاتجاه.

هواجس أمنية

ويلاحظ حسن رحموني “من خلف الكلمات ومن تحت السطور” كما يقول، أنه “ليس هناك انسجام بين أعضاء “الناتو” عشية قمة اسطنبول”، ويعود رحموني للتذكير بموقف فرنسا “المقاوم للهيمنة الأمريكية على الحلف منذ الستينات”، ثم يستقرئ الحضور الفرنسي المكثف في ندوة الدوحة، محاولا أن يعبر منه إلى خلاف فرنسي أمريكي مزمن، إلا أن مسؤولا فرنسيا حرص على التنويه بأن “قيام القوة الأوروبية ممكن بجيوش محلية، لكن النشاط داخل “الناتو” يجب أن يستمر”.

وبالرغم مما يكتنف هذا الموقف من دبلوماسية إلا أنه جاء متمايزا عن موقف السفير الإيطالي لدى “الناتو” الذي نفي تماما وجود هيمنة أمريكية على منظمة حلف شمال الأطلسي، وقال إن القرارات تُـتّـخذ فيه بالإجماع، مشددا على أن الناتو “تحالف للدول الديمقراطية، ولا يقع تحت التوجيه الأمريكي” حسب تعبيره.

وحول سبب بحث منظمة حلف شمال الأطلسي عن موقع قدم لها في الخليج العربي، في حين أن كثيرا من أعضائها يرتبطون باتفاقيات أمنية ثنائية مع دول الخليج، قال ماوريزيو مورينو، إن ما يحدث الآن “هو محاولة لإيجاد علاقة متعددة الأبعاد، يكون لها أثر أقوى من العلاقات الثنائية الأبعاد”، وأشار إلى وجود “تعاون بين الاتحاد الأوروبي وحلف “الناتو” مع تقسيم للأدوار”.

وفي المحصلة، تظل ندوة الدوحة مجرد “تفريخ للأفكار ودراسة لآفاق التعاون بين الجانبين، مع التركيز على التحولات الاقتصادية والسياسية والأمنية والجيوبولوتيكية”، مثلما يشرح منسق الندوة، السفير القطري محمد جهام الكواري.

في حين يتحدث أمين عام مجلس التعاون الخليجي، حمد بن عبد الله العطية في محاضرته عن “تدويل الأمن في الخليج”، وهو ما يعني أن الهاجس الأمني مسيطر بشكل واضح على طرفي الحوار، بل لعله القادح الأول لفكرة فرّختها ضرورات العولمة التي شملت كل الميادين.

وسواء كانت واشنطن هي التي تقودها أو أن الجميع مضطر للانخراط فيها طوعا، فان منظمة حلف شمال الأطلسي باتت على شفا اختيارات جديدة قد تغيّـر من شكلها ومن مضمونها باتجاه تجاوز حدود أوروبا والأطلنطي لتتحول إلى منظمة أمنية دولية تذوب فيها كل التناقضات الإقليمية، شرقا أو غربا، ومن يدري؟

فيصل البعطوط – الدوحة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية