مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بحثٌ عن أمن البشر وتـمسكٌ بــ “أهداب الأمل”

الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية السيدة إيرين خان لدى تقديمها لتقرير المنظمة لعام 2006 يوم 23 مايو الجاري في لندن Keystone

"أمل، نفاق، شـلل، ازدواجية، وُعود لم تتحقق": كلماتٌ جوهـرية قدمت بها منظمة العفو الدولية تقريرها لعام 2006 يوم 23 مايو الجاري في مقرها بلندن.

ووصفت المنظمة 2005 بـ”عام المتناقضات”، إذ رغم الانتكاسات التي عانتها حقوق الإنسان منذ 5 أعوام في إطار الحرب على الإرهاب، “بدا أن رياح التغيير قد أقـبلت في الأفـق”.

“اتسم عام 2005 ببروز بعض بشائر الأمل بالرغم من مظاهر النفاق والخداع والوعود التي لم تتحقق من جانب الحكومات”. هذه هي قناعة منظمة العفو الدولية التي قدمت يوم 23 مايو في مقرها بلندن تقريرها السنوي لعام 2006 حول حالة حقوق الإنسان في 150 بلدا وإقليما.

فمن جهة، استنتج أعضاءُ المنظمة حول العالم أن بعض الحكومات والجماعات المُسلـَّحة هاجمت المدنيين وارتبكت انتهاكات “جسيمة” لحقوق الإنسان. كما نوهوا إلى أن “الحكومات القوية لم تتورع عن التلاعب بالمؤسسات الدولية وتطبيق معايير مزدوجة”، مؤكدين أن ما يوصف بـ”الحرب على الإرهاب” تُخلف المزيد من ضحايا التعذيب والاعتقال “دون وجه حق”.

في المقابل، سجلت منظمة العفو الدولية “بعض التقدم” في التصدي لتلك الممارسات، وتجسـّد في “النجاحات في النضال ضد الإفلات من العقاب، وإنشاء مجلس حقوق الإنسان الجديد في إطار الأمم المتحدة، فضلاً عن تنامي المقاومة في أوساط الرأي العام للاعتداءات على حقوق الإنسان”.

وتعتبر منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان هذه التطورات “فرصة حقيقية للتغيير يجب أن يتمسك بها نشطاء حقوق الإنسان والحكومات والمؤسسات”.

“نصف الكأس ممتلئ”

وتميزت مقدمة التقرير بعنوان “نظرة على أحداث العالم: كأس نصفه ممتلئ”، بقلم الأمينة العامة للمنظمة السيدة إيرين خان، بنفس النبرة التفاؤلية.

فبعد الإشارة إلى “تناثر الوعود التي لم تتحقق ومظاهر عجز القيادات على ساحة حقوق الإنسان، قالت السيدة خان “إن نظرة أدق على أحداث عام 2005 تدعوني للتمسك بالأمل، إذ بد تبعض الدلائل الواضحة على أن نقطة التحول بدأت تلوح بعد خمس سنوات من الانقضاض على حقوق الإنسان تحت ستار مكافحة الإرهاب”.

وذكرت في هذا الصدد كشف وسائل الإعلام لما وصفته بـ”أساليب الرياء والخداع” التي تتبناها تلك الحكومات، وتصدي نشطاء حقوق الإنسان لتلك الممارسات وتفنيدها بعضها من قبل المحاكم.

ومن الأسباب الأخرى التي تدعو إلى التفاؤل حسب السيدة خان تراجع عدد الصراعات الدائرة في العالم وقدرة المجتمع الدولي على “إدارة الصراع”، ومنع نشوبه، ومبادرات إحلال السلام، وبدأ إصلاح مؤسسات الأمم المتحدة لتدعيم جهاز حقوق الإنسان الدولي “رغم محاولة عدد من الحكومات تعطيل التقدم إما بسبب استخفافها بالأمر أو الرغبة في إفساده”.

تلميذان نجيبان .. في الانتهاكات

بعد أن حمَّلت منظمة العفو الدولية في تقريرها لعام 2005 الولايات المتحدة الأمريكية أكبر جزء من المسؤولية عن تدهور حقوق الإنسان حول العالم، عادت المنظمة في تقريرها الجديد لتهاجم واشنطن بلهجة حادة وصريحة.

وشملت الانتقادات اللاذعة للولايات المتحدة جملة من الانتهاكات التي تطرق إليها التقرير في 13 فقرة، من أبرزها: اعتقال حوالي 500 شخص من 35 جنسية (حسب تقديرات منظمة العفو الدولية) في قاعدة غوانتانامو الأمريكية في كوبا دون تهمة أو محاكمة، و”اللجان العسكرية” التي شرعتها المحكمة العليا الأمريكية في نوفمبر 2005 وأنـُشئت بأمر رئاسي لمحاكمة الأجانب المشتبهين بالتورط في نشاطات إرهابية، وحالات اعتقال آلاف الأشخاص “لأسباب أمنية” دون تهمة أو محاكمة في العراق وأفغانستان، والاحتجاز في مراكز سرية في بلدان مختلفة خارج إطار الحماية القانونية وفي ظروف تـُعد من قبيل “الإخفاء”.

فضلا عن ممارسات التعذيب وسوء المعاملة خارج الولايات المتحدة، ذكر التقرير من بينها “استخدام الكلاب لبث الخوف في نفوس المحتجزين، وإرغامهم على البقاء في أوضاع مؤلمة، وتعريضهم لدرجات حرارة أو برودة شديدة، وحرمانهم من النوم، وحبسهم في عزلة”.

ولم يكن تقـييم المنظمة لأداء لندن، حليفة واشنطن، في مجال حقوق الإنسان أهون، إذ انتقدت بشدة سجل المملكة المتحدة في 13 ملفا. وقالت “إن الحكومة استمرت في تقليص حقوق الإنسان الأساسية، وسيادة القانون، واستقلال القضاء من خلال أساليب شتى، من بينها الاستمرار في محاولة تقويض حظر التعذيب في الداخل والخارج”.

ما قل ودل .. عن سويسرا

أما الجزء المخصص للتقرير عن الانتهاكات في سويسرا، فجاء مقتضبا وشمل ثلاثة محاور: العنصرية والمعاملة السيئة واستخدام القوة المفرطة على أيدي الشرطة، واللجوء، والعنف ضد المرأة. ويمكن القول إن سويسرا اعتادت الآن على هذه الانتقادات التي كررتها المنظمة في السنوات الأخيرة.

لكن المنظمة أبدت هذا العام قلقا غير مسبوق حول مشروع تشديد القانونين الفدراليين حول اللجوء والأجانب اللذين من المُفترض أن يصوت عليهما الناخبون السويسريون في استفتاء شعبي يوم 24 سبتمبر القادم.

ووجهت المنظمة اللوم لسويسرا بسبب “المصير اللاإنساني” الذي تخصصه للأشخاص الذين رُفضت طلبات لجوءهم، معتبرة الإجراءات المقترحة “انتهاكا لمعاهدات جنيف حول اللجوء”، ومعربة عن خشيتها من تفاهم الوضع في حال مصادقة الناخبين على التعديلات.

ويذكر أن نص قانون اللجوء الجديد يقترح عدم البث في طلبات اللجوء التي قدمها أشخاص لا يحملون وثائق هوية، كما يحدد فترة الطعن في القرار في خمسة أيام فقط. ذلك فضلا عن الغاء المساعدات الاجتماعية للاجئين المرفوضين، وامكانية حبس من يرفضون مغادرة التراب السويسري لمدة قد تصل إلى عامين.

العالم العربي: أهوال مستمرة وبصيص أمل..

وفيما يخص منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نوه تقرير منظمة العفو الدولية إلى بعض القوانين والسياسات الجديدة التي “أدت إلى فتح أبواب الأمل أمام النساء في الكويت والمغرب”.

لكن قائمة الانتهاكات الطويلة التي وثقها التقرير في معظم الدول العربية تكاد تُنسي القارئ في أبواب الأمل تلك، إذ أشار مثلا إلى “استمرار العراق في الانزلاق إلى هوة العنف الطائفي”، و”سقوط الوضع في إسرائيل والأراضي المحتلة من قائمة الاهتمامات الدولية”، و”استمرار أهوال التعذيب والاعتقال التعسفي والمحاكمات الجائرة في كثير من البلدان”.

ففي العراق، ركز التقرير مثلا على الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات المسلحة التي تقاتل القوات متعددة الجنسيات وقوات الأمن العراقية. وتعتبر منظمة العفو الدولية تلك الجماعات “مسؤولة عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان” إذ سقط مئات القتلى والجرحى من المدنيين العراقيين على يدها، وعن اختطاف عشرات العراقيين والأجانب وقتل بعض منهم، أغلبهم مدنيين.

وفي السودان، تناول التقرير استمرار الصراع في إقليم دارفور وحالات الاعتقال التعسفي، والتعذيب، واستخدام القوة. كما تطرق إلى القيود على حرية الصحافة وأوضاع النازحين في العاصمة الخرطوم والمناطق المحيطة بها. ونوهت منظمة العفو الدولية إلى “استمرار تعرض النساء والفتيات للاعتداءات الجنسية والاختطاف على أيدي الميليشيات المتحالفة مع الحكومة وكذلك على أيدي القوات الحكومية أحيانا”.

أما في إسرائيل والأراضي المحتلة، فتوقفت منظمة العفو الدولية عند أعمال القتل والهجمات التي يرتكبها كل من الجيش الإسرائيلي والجماعات الفلسطينية المسلحة. ثم تطرقت لملفات عدة من بينها اعتقال إسرائيل لمئات الفلسطينيين والإفراج عن كثير منهم دون توجيه أية تهمة إليهم. ونوهت في هذا السياق إلى أن المحاكمات “لم تف أمام المحاكم العسكرية في كثي رمن الحالات بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة”.

كما تناولت قضية سجن المعترضين على أداء الخدمة العسكرية بدافع الضمير وانعكاسات توسيع المستوطنات وبناء الجدار الفاصل. وأكد التقرير أن استمرار القيود المفروضة على تنقل الأفراد والسلع ظل السبب الرئيسي في تفشي البطالة والفقر في الأراضي المحتلة، مذكرة أن زهاء 50% من الفلسطينيين يعيشون تحت عتبة الفقر، وأن هدم منازل الفلسطينيين وتجريف أراضيهم استمر على أيدي القوات الإسرائيلية.

وفي تقييمها لأداء السلطة الفلسطينية في مجال حقوق الإنسان خلال عام 2005، أشارت منظمة العفو الدولية إلى “تزايد انعدام القانون وحالات الإفلات من العقاب، وإلى حوادث الاختطاف والقتل دون وجه حق”، واستهداف من يـُتهمون بـ”التعاون” مع إسرائيل. ومن بين القضايا الكثيرة التي تناولها التقرير حالات العنف ضد المرأة الفلسطينية والعنف عموما في محيط الأسرة والمجتمع جراء تصاعد العنف الخارجي.

من المشرق إلى المغرب

وفي كل من سوريا والأردن ومصر، شدد تقرير منظمة العفو الدولية على حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان في هذه البلدان “في سياق الحرب على الإرهاب”. فضلا عن جملة من الممارسات، بدأ من قمع حرية التعبير إلى التمييز والعنف ضد المرأة، مع الإِشارة إلى إفراج سوريا عن سجناء سياسيين في 30 مارس 2005 بموجب عفو رئاسي.

وفي لبنان، جرد تقرير المنظمة حالات القتل التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وكان من بين ضحايا الصحفي سمير قصير الذي كان يعرف بانتقاده لانتهاكات حقوق الإنسان في كل من لبنان وسوريا. كما تناول التقرير قائمة من القضايا التي تثير انشغال المنظمة الحقوقية ومن بينها حالات الاختفاء ورفض السلطات اللبنانية لممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر بزيارة جميع السجون دون عوائق.

وفي منطقة الخليج العربي، استنتجت المنظمة أن المملكة العربية السعودية واليمن وقطر ارتبكت أيضا انتهاكات “في إطار الحرب على الإرهاب”. وأعربت عن انشغالها عن وضع وحقوق اللاجئين أو الأجانب وحقوق المرأة في كل من المملكة السعودية واليمن والكويت وقطر. في المقابل، أشاد التقرير بحصول المرأة الكويتية على الحق في الاقتراع وتولي مناصب سياسية بعد دخول قانون انتخابي جديد حيز التطبيق في 16 مايو 2005. أما الاعتقالات لأسباب سياسية فتُمارس تقريبا في كافة بلدان الخليج العربي حسب المنظمة.

أما في المغرب العربي، كان تقييد حرية التعبير القاسم المشترك بين المغرب الأقصى والجزائر وتونس وليبيا. كما أشار التقرير إلى أن انتهاكات في سياق الحرب على الإرهاب حدثت في كل من المغرب والجزائر. ومُقابل تعداد ممارسات سلبية كثيرة في كافة بلدان المنطقة، نوه التقرير إلى بعض التطورات الإيجابية.

ومن أبرزها مواصلة الحكومة الليبية للإصلاحات في مجال حقوق الإنسان مثل إلغاءها رسميا لمحكمة الشعب في يناير 2005، وانتهاء “هيئة الإنصاف والمصالحة” في المغرب، التي وصفها التقرير بـ”هيئة رائدة لم يسبق لها مثيل في المغرب، وأول لجنة لإقرار الحقيقة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، من عملها في نوفمبر 2005، وتقديمها للملك محمد السادس تقريرا يتضمن النتائج التي توصلت إليها منذ إنشاءها في يناير 2004 بهدف التدقيق في انتهاكات حقوق الإنسان التي شهدها المغرب خلال ما يعرف بـ”سنوات الرصاص”، أي بين 1956 و1999.

كما أكد التقرير أن جبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية عن المملكة المغربية “التزمت بالحظر التام لاستخدام الألغام المضادة للأشخاص من خلال توقيع “صك تعهد بنداء جنيف”، وهي منظمة إنسانية دولية معنية بإقناع الهيئات المسلحة غير الرسمية باحترام المواثيق الإنسانية”.

ورغم الحجم الضئيل للتطورات الإيجابية مقارنة مع الكم الهائل من الممارسات السلبية حول العالم بأسره، تؤكد منظمة العفو الدولية أنها تواصل البحث عن أمن البشر وتتمسك بـ”اهداب الأمل” لضمان حقوق الإنسان. وقد يكون بصيص الأمل ذاك أقوى مُبرر لبقاء مثل هذه المنظمة على قيد الحياة..أمام الواقع المُظلم لحقوق الإنسان.

سويس انفو – إصلاح بخات

حسب تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2006:
بحلول 2005، ألغت 122 دولة عقوبة الإعدام في القانون والممارسة.
في عام 1977، السنة التي استأنفت فيها الولايات المتحدة الأمريكية استخدام عقوبة الإعدام ودعت فيها منظمة العفو الدولية إلى عقد مؤتمر دولي حول عقوبة الإعدام حقق إنجازاً كبيراً، كانت 16 دولة فقط قد ألغت عقوبة الإعدام.
هناك دولة واحدة ما زالت تُعدم المذنبين الأطفال في عام 2005.

ورد في تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2006:

في عام 2005، اعترفت الإدارة الأمريكية باستخدام عمليات “الترحيل السري”. وهي ممارسة نقل أشخاص قسراً وبدون اتباع الإجراءات القانونية من دولة إلى أخرى يتعرضون فيها لخطر الاستجواب تحت وطأة التعذيب أو سوء المعاملة. وعمليات الترحيل السري غير قانونية بموجب المعاهدات الدولية التي تشكل جميع الحكومات الأوروبية أطرافاً فيها.
2005 هو العام الذي كُشفت فيه أدلة تورط الحكومات الأوروبية في عمليات الترحيل التي تقودها الولايات المتحدة.

1000 تقريبا هو عدد الرحلات الجوية السرية المرتبطة مباشرة بالسي آي إيه والتي استخدمت الأجواء الأوروبية بين العامين 2001 و2005، والتي ربما كان بعضها ينقل سجناء.
المئات، هو العدد التقديري للأشخاص الذين ربما تعرضوا لعمليات ترحيل سري حول العالم.
6، هو عدد الدول الأوروبية الضالعة في ترحيل سري لـ 14 شخصاً إلى دول تعرضوا فيها للتعذيب.
1، هو عدد الدول الأوروبية التي أصدرت مذكرات توقيف بحق موظفين في السي آي إيه اشتُبه بإقدامهم على خطف سجناء لترحيلهم سراً.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية