مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

برامج الـ “توك شو”.. ظاهرة أم ملعوب حكومي؟!

عمرو أديب في برنامجه الحواري المباشر "القاهرة اليوم" swissinfo.ch

أرجع خبيران مصريان متخصصان في الإعلام التفاف المشاهد المصري حول البرامج الحوارية المفتوحة التي تقدمها عدد من الفضائيات إلى تراجع الإعلام الحكومي عن القيام بدوره كما ينبغي واكتفائه بلعب الدور الدعائي المباشر للنظام، فضلا عن فقدانه الثقة فيما يقدِّمه من برامج.

وهو ما يدعمه على الجانب الآخر الجرأة الشديدة التي امتازت بها الفضائيات وارتفاع سقف الحرية للحدّ الذي لم يألفه المشاهد المصري.

كانت ظاهرة إقبال المشاهد العربي عمومًا، والمصري خصوصًا، على متابعة عددٍ من البرامج الحوارية المباشرة (Talk Show)، قد لفَـت انتباه عدد من الخبراء والمحلِّـلين الإعلاميين، وهو ما حدا بسويس إنفو لمقابلة الخبير الإعلامي الدكتور محمود خليل، أستاذ ورئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة ووكيل كلية الإعلام بجامعة 6 أكتوبر، والمحلل الإعلامي محمد الباز، المدرّس المساعد بإعلام القاهرة ورئيس تحرير جريدة “الخميس”، للوقوف على أسباب وأبعاد ونتائج هذه الظاهرة.

ومن هذه البرامج التي تحظى بدرجة مشاهدة عالية، مصريًا وعربيًا، برنامج (القاهرة اليوم)، الذي يقدِّمه الإعلامي عمرو أديب على قناة أوربِت، وبرنامج (العاشرة مساء)، الذي تقدمه الإعلامية منى الشاذلي على قناة دريم، وبرنامج (البيت بيتك)، وخاصة الفقرة التي يقدّمها الإعلامي محمود سعد، وبرنامج (90 دقيقة) الذي يقدمه الإعلامي معتز الدمرداش، وبرنامج (الحقيقة)، الذي يقدمه الإعلامي وائل الإبراشي.

تراجع الإعلام الحكومي!

يستهِـل الدكتور محمود خليل حديثه بالقول: “إن أغلب الناس يلتفّـون حول الإعلام المُـضاد للحكومة، لأن الإعلام الحكومي فقَـد ثقة الناس بعد عقود من الدِّعاية المباشرة والفجّـة للنظام، بينما الأزمات تتوالى والمشاكل تتزايد، فمن بطالة تأكل الشباب، إلى غلاء فاحِـش يحرق البيوت والأسر، إلى وأدٍ للحريات وتكميم للأفواه، كل هذه العوامل أدّت لتراجع دور الإعلام الحكومي وفقدان الثقة فيه”.

ويُـضيف خليل في تصريحات خاصة لسويس إنفو أنه من المستحيل أن تظل تَـكذِب على الناس طِـوال الوقت، ومن ثمّ، فقد وجد المواطن العربي، والمصري على وجه الخصوص، في البرامج السياسية ذات اللّـون المعارض والنقدي للحكومة، والتي تقدمها الفضائيات، البديل والمتنفّـس لِـما يلقاه يوميا وعلى مدار الساعة من مُـعاناة أثقلت كاهله، ولهذا فقدْ التفّ حولها الناس لإحساسهم بأنها أكثر مِـصداقية مما يقدِّمه التلفزيون الحكومي، معلِّـلاً ارتفاع نِـسبة مشاهدة برنامج “البيت بيتك”، رغم أنه بالتلفزيون الرسمي، لكونه برنامجًا خدميًا.

وفي تفسيره لحِـرص العديد من المسؤولين بالحكومة على الظهور في هذه البرامج الساخنة، يقول خليل: “إنهم يُـدركون جيِّـدًا أن هذه البرامج تتمتّـع بمصداقية عالية لدى المشاهدين، ومن ثمّ، فإنهم يحرِصون على طرح مبرِّراتهم وتقديم تفسيراتهم ووِجهات نظرهم لما اتّـخذوه من قرارات أن يلمسونه من اعتراضات وانتقادات لسياساتهم”.

وفي مجال مقارنته بين برامج الفضائيات المعارضة وبرامج القنوات الحكومية، يوضِّـح خليل أن المُـذيع في القنوات الرسمية لا يستطيع محاورة المسؤول جيدًا، كما لا يستطيع وضع المسؤول في قفَـص الاتِّـهام أمام المشاهد، لأنه في النهاية موظّـف لدى الحكومة، ومن ثمّ فإن البرنامج يفقِـد أهميته ومشاهديه، في الوقت الذي ترفع فيه الفضائيات هذه الحساسية وتكسِـر حاجِـز الخوف لدى المذيع، فتأتي ردود المسؤول إلى حدٍّ كبير مُـقاربة للواقع الذي يعيشه الناس.

البداية.. “رئيس التحرير”!

واعتبر خليل أن تجربة الإعلامي الكبير حمدي قنديل في برنامجه الأشهر “رئيس التحرير”، كانت الرائدة في هذا المجال، قبل منعه، وهو ما يجعله الأب الشرعي لبرامج الـ “توك شو”، التي تمتلِـئ بها الفضائيات العربية، مؤكِّـدًا أن نجاحه كان مُـضاعفا، لأنه عمِـل بالتلفزيون الحكومي المصري وانتزع حرية منه في وقت كان من الصّـعب الحصول عليها.

وردّا على سؤال لسويس إنفو حول ما إذا كانت هذه البرامج السياسية الساخنة قد استطاعت أن تقدّم نفسها كبديل للأحزاب السياسية “الكرتونية” في مصر، والتي يتجاوز عددها 21 حزبًا، قال خليل: “لا يمكن أن نقول هذا، لأنها ليست كذلك على أرض الواقع، فهي مجرّد قناة فضائية جريئة تقدّم ما لا يمكن أن يقدمه التلفزيون الحكومي”.

واستدرك خليل قائلاً: “حتى هذا الدّور المعارض الذي كانت تقوم به هذه الفضائيات، فإنه مُـعرّض للخطر، خاصة بعد توقيع وثيقة “البث الفضائي” الأخيرة بين وزراء الإعلام العرب”، مدلِّـلاً على صِـدق توقّـعه بتراجع هذه البرامج وهذه الفضائيات خطوات للخلف خلال الشهر المنصرم، وضرب مثالاً لذلك ببرنامجي “90 دقيقة” و”العاشرة مساءً”، واللذين باتا يقدّمان فقرات خفيفة، مع تخفيض درجة النقد للحدّ الأدنى.

وأضاف خليل: “إذا كان هذا التراجع قد حدث بمجرّد أن تمّ الحديث عن الوثيقة فقط، فماذا يُـمكن أن يحدُث عندما يبدأ تنفيذها فعليًا؟ لا شك أن سقف الحريات سينخفِـض كثيرًا ومستوى الجرأة سيتراجع كثيرًا، ولا نستبعِـد أن تفقد هذه الفضائيات وهذه البرامج شيئا فشيئا بريقها ومن ثمّ جمهورها، لتُـصبح كغيرها من البرامج والقنوات الرسمية!!

وأرجع خليل هذه الجماهيرية العالية التي حققتها برامج الـ “توك شو”، التي تذخر بها الفضائيات العربية، رغم ارتفاع مستوى الفقر والبطالة وتدنّـي الأجور والرواتب، إلى انتشار ما يُـسمى بـ “الوصلة” (اشتراك عدد كبير من الأسَـر في خِـدمة الأطباق اللاقطة نظير مبلغ شهري زهيد لا يتجاوز 3 دولارات)، مشيرًا إلى أن التكنولوجيا لعِـبت دورا كبيرا في ذلك، في وقت افتقد فيه الناس الثقة في القنوات الحكومية.

تجربة فاشلة .. وهذه الأسباب!

ويتّـفق المحلل الإعلامي محمد الباز مع الخبير الإعلامي محمود خليل فيما ذهب إليه ويضيف: أن “البرامج السياسية بدأت صحوَتها ومعارضتها للنظام الحاكم وللحكومة منذ الانتخابات البرلمانية التي أجرِيت عام 2005، حيث كانت كاشفة لكل ما يحدُث وناقلة له مباشرة، واستفادت من ارتفاع منحنى الجُـرأة الإعلامية، فقدّمت مادّة خصبة للناس، مما أدّى في النهاية لالتفاف الجمهور حولها.

ويقول الباز في تصريحاته لسويس إنفو: “مع هذه الثورة الإعلامية التي حدثت ومع زيادة محدودة في الحريات الإعلامية، باتت هذه البرامج مُعادلا موضوعيا للصّـحف المعارضة، الخاصة أو الحزبية أو المستقلة، لنشر مادّة من المُـفترض أنها لا يمكن نشرها في الصحف الحكومية أو في التلفزيون الحكومي، مما كان لها أثر كبير في التأثير على الجمهور من خلال معارضتها النظام السياسي، وهذا محبوب عند الجمهور المصري، خاصة مع الارتفاع الجنوني في الأسعار وبعض الأحداث الأخرى الأكثر سخونة.

وأكّـد الباز أن البرامج السياسية على الفضائيات بالفعل أحرجت التلفزيون الحكومي وسرقت المشاهدين منه محاولات الأخير مجاراتها بتقديم عدد من البرامج المشابهة مثل “حالة حوار” للإعلامي الدكتور عمرو عبد السميع، و”في الممنوع” للإعلامي القدير مجدي مهنا (توفي)، غير أن التلفزيون الرسمي فشل في ذلك لأنه محكوم بسياسة معيّـنة وخط أحمر لا يمكن تجاوزه، وهو ما جعل هذه البرامج تفقِـد بريقها بسُـرعة أمام سقف الحريات المرتفع في الفضائيات أمام هذه البرامج التي يقدمها.

45% يفضِّـلون الفضائيات

وفي السياق ذاته، كشفت دراسة أعدّتها الدكتورة نجوى الفوال، رئيسة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن حوالي 45% من الشباب المصري يفضِّـلون متابعة الفضائيات على القنوات الأرضية، معتبِـرة أن السِـرّ في هذا يعود إلى “المساحة الكبيرة من الحرية والقدر الوافر من الجُـرأة” التي تتمتع بها المواد والبرامج التي تقدمها الفضائيات، التي استطاعت أن تسرق المشاهد المصري، وخاصة شريحة الشباب.

ورجّـحت عيِّـنة البحث – الذي نشر نتائجه موقع مصراوي – من الشباب الفضائيات من حيث تقديمها للجديد بنسبة 38.6% ومن حيث تميز برامجها بالجدّية أكثر من المحطّـات الأرضية بنسبة 24.5%، ثم التعرّف من خلالها على أخبار العالم بنسبة 23.6%، ثم تقديمها للأفلام الجيِّـدة بنسبة 20.7%، وتقديمها للمعلومات الثقافية بنسبة 19.9%، واهتمامها بالبرامج والمباريات الرياضية بنسبة 18.4%.

وفيما يتعلّـق بنوعية القنوات الفضائية العربية المفضّـلة، قالت الدراسة، إن قناة الجزيرة جاءت في المقدّمة بنسبة 60.4% تليها قناة MBC بنسبة 38.7%، ثم ART في المرتبة الثالثة بنسبة 32.4%.

وفي الخِـتام، وعلى الرغم من أن هذه البرامج استطاعت في فترة زمنية بسيطة أن تجذب ملايين المشاهدين العرب والمصريين على وجه الخصوص وأن تأخذهم مُـعظم الوقت، إن لم يكن طوال الوقت من القنوات الأرضية، بل والفضائية الحكومية، فإن كثيرا من الخبراء والمتابعين يأخذون على هذه الفضائيات عُـموما وعلى برامج الـ “توك شو” منها على وجه الخصوص أنها: ترتبط باسم مقدّمها أو مقدمتها، فبرنامج “90 دقيقة” ارتبط بـ “معتز الدمرداش” و”القاهرة اليوم” ارتبط بـ “عمرو أديب” و”البيت بيتك” ارتبط بـ “محمود سعد”، كما يوجد تشابُـه يكاد يصل إلى حدّ التطابق بين موضوعاتها وضيوفها، وكأنها قد تم استنساخها في وقت واحد.

همام سرحان – القاهرة

يحيى أبو زكريا، كاتب وصحفي جزائري مقيم في السويد يقول: “الاستنساخ سيد الموقف. فبرنامج “الاتجاه المعاكس” بقناة الجزيرة، يقابله برنامج “مواجهة” بقناة أبو ظبي، وبرنامج “أكثر من رأي” بالجزيرة يقابله “تحت الرماد” بقناة العالم، و”للنساء فقط” يقابله “كلام نواعم” في M.B.C، و”مراسلو الجزيرة” بقناة الجزيرة يقابله “محطات” بقناة العربية، وبالمحصلة يجد المرء وهو يدقق ويمحص البرامج السياسية والخبرية في مُـجمل القنوات العربية واحدة، مضمونا وشكلا أحيانا. (في مقال له على الإنترنت بعنوان “الفضائيّات العربيّة ما لها وما عليها”).

الإعلامية سوزان حرفي، المذيعة بقناة المحور المصرية، قالت: “التلفزيون المصري صاحب خبرة كبيرة ويمتلك مادة ثرية بحكم ثقل مصر السياسي والاقتصادي، وباعتبارها قاعدة رئيسية لأي تحرك سياسي إقليمي ودولي، ولكن الأمر يحتاج لإتاحة الفرصة لمعدّي برامج يمتلكون الخبرة الصحفية والتلفزيونية من خارج التلفزيون، وإتاحة أكبر قدر من الحرية في تناول القضايا السياسية”، معتبرة أن “القنوات الفضائية أصبحت أكثر جرأة في تناول القضايا السياسية رغم حساسيتها”. (الشرق الأوسط 12 أغسطس 2003 – العدد 9023).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية