مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

برلمانيون عائدون من غزة يُطالبون بلجنة تحقيق دولية مستقلة وغير منحازة

ثلاثة من أعضاء الوفد البرلماني (من اليمين إلى اليسار: أنطونيو هودجرس وجون شارل ريال وكارلو سوماروغا) في لقاء مع الصحافة في مطار جنيف إثر عودتهم من غزة يوم 27 يناير 2009 swissinfo.ch

عاد بعد ظهر الثلاثاء 27 يناير إلى جنيف وفد برلماني سويسري مكون من أربعة نواب عن أحزاب الخضر واليسار بعد أن قضى 3 أيام في قطاع غزة للإطلاع على واقع الدمار الذي لحق بالقطاع ومحاولة تكوين فكرة عن حصيلة ما خلفته الحرب الإسرائيلية على غزة والتي استمرت لأكثر من ثلاثة أسابيع وخلفت أكثر من 1300 قتيل وحوالي 6 ألاف جريح أغلبهم من الأطفال والمدنيين عموما.

وعبر الوفد البرلماني السويسري عن تأثره لما شاهده من دمار وما استمع إليه من شهادات بخصوص قتل متعمد لمدنيين. ويرى النواب الأربعة أن سويسرا – باعتبارها راعية لمعاهدات جنيف – ينتظر منها أهالي القطاع الكثير لكشف الحقيقة وتقديم الجناة للعقاب.

“زلزال لم يبق لا الحجر ولا الشجر”

الفريق البرلماني المكون من كارلو سوماروغا وجون شارل ريال من الحزب الاشتراكي السويسري، وجوزيف زيزياديس من الحزب السويسري للعمل في كانتون فو، وأنطونيو هودجرس من حزب الخضر، كان مرفوقا في زيارته إلى غزة بممثلين عن عدد من المنظمات الحقوقية والإنسانية العاملة في جنيف من ضمنهم أنور غربي رئيس جمعية “حقوق للجميع” والذي لخص ما شاهده الوفد هناك بمخلفات “زلزال لم يبق لا الحجر ولا الشجر”.

وأوضح السيد غربي بأن الزيارة شملت زيارة المستشفيات والأحياء المختلفة والمخيمات التي تعرضت للقصف. كما تمت مقابلة عائلات تعرضت لفقدان أعداد من افرادها في هذا القصف مثل “عائلة السموني التي نجت منها طفلة واحدة بعد أن قتل أمام أعينها حوالي 30 فردا من عائلتها بدم بارد من قبل الجنود الإسرائيليين”.

كارلو سوماروغا عبر لنا عن انطباعه بقوله “بعد عودتي الى جنيف لا زلت متأثرا جدا لما شاهدته في غزة: تحطيم لأحياء بكاملها عن طريق الجرافات بعد أن تعرضت للقصف. شهادات أطفال ونساء حول الهلع الذي عاشوه بحيث لم يكونوا يعرفون ما هو الأسلم هل البقاء داخل المنازل التي كانت تتعرض للقصف، أم الخروج للشارع الذي كان عرضة للقصف بقنابل الفوسفور وحيث يتعرض الرجال والنساء والأطفال للقتل من مسافات قريبة وسط ضحكات الجنود الإسرائيليين. ومتأثرون جدا أيضا لهذه الرغبة في تحطيم كل ما هو بنية تحتية عمومية حتى المعامل الصغيرة. وما شاهدناه مريع للغاية خصوصا تلك الرغبة في خلق الفوضى والهلع ومنع قطاع غزة من أي تقدم خلال السنوات القادمة وهذا ما يبقى عالقا في الأذهان بعد هذه الزيارة”.

مسؤوليتنا في التوصل للحقيقة

الرسالة التي عاد بها الوفد البرلماني السويسري من غزة لخصها السيد كارلو سوماروغا في “نقل نداء الاستغاثة الذي يوجهه سكان القطاع والمنظمات المستقلة المدافعة عن حقوق الإنسان هناك، وهو ضرورة البحث عن الحقيقة. وهذه الحقيقة يتطلب الأمر أن يتم التعرف عليها من خلال جمع الشهادات والصور وتحويل ذلك للمحاكم ذات الصلاحية لمحاكمة الانتهاكات سواء المتعلقة بحقوق الإنسان أو بالقانون الإنساني الدولي”.

وعما إذا كانت الانتهاكات التي ارتكبت تأخذ اسم جرائم حرب او جرائم ضد الإنسانية يقول السيد سوماروغا “هناك شكوك كبيرة في عين المكان في ارتكاب جرائم حرب خطيرة، ولكن على المحاكم تحديد ذلك. وبالإمكان أن يتم ذلك أمام محاكم سويسرية إذا ما تم إعداد ملف بخصوص شخصيات تمر عبر التراب السويسري ممن شارك في هذه الحرب من أعلى مناصب القيادة حتى الجندي البسيط الذي اطلق النار على طفل او على امرأة او مدني. وما يمكن قوله هو أن هناك منظمات مدنية تقوم بجمع كل الدلائل التي لها علاقة بجرائم حرب وذلك بواسطة آلات التصوير والكاميرات. وما ننتظره هو القيام بتحقيق مستقل وغير منحاز”.

زميله جوزيف زيزياديس من الحزب السويسري للعمل في كانتون فو، بدا أكثر تصميما على تسمية ما حدث في غزة بأنه “ليس عبارة عن حرب مقاتل ضد مقاتل، بل حرب مقاتلين ضد مدنيين”.

ويرى السيد زيزياديس أنه “عندما نقول لأشخاص اخرجوا من منازلكم أو أن نهدمها بالمتفجرات، ثم يتم قتل هؤلاء الأشخاص الذين تم إخراجهم، وهناك من تم هدم المنازل فوق أهلها بدون توجيه الأمر لهم بالخروج. هذه تصرفات غير مقبولة وعلى المجموعة الدولية أن تعاقب مرتكبيها”.

سويسرا يُنتظر منها الكثير

ما ينتظر من سويسرا حسب السيد كارلو سوماروغا “هو أن تلعب دور المحاور في زمن تعذر الحوار”، كما ينتظر منها أيضا “أن تعي لحجم ومستوى المعاناة التي يمر بها سكان غزة”.

أما السيد جوزيف زيزياديس فيرى أن سويسرا “تحظى بصورة جيدة في المنطقة بحكم كونها البلد الغربي الثاني الذي لم يُوقف مساعداته الإنسانية، ولكونها البلد الذي يواصل التحاور مع ممثلي حماس ومع باقي الأطراف في المنطقة”، ولكنه يعتبر أن “ما يُنتظر من سويسرا أيضا هو أن تذهب إلى أبعد مما ذهبت إليه بوصفها راعية معاهدات جنيف. إذ يرى الفلسطينيون أن عليها مسؤولية إنسانية للحديث جهرا عما يتم هنا ولإقامة لجنة دولية لتقصي الحقائق، لأن ما تم هناك هو بمثابة جرائم حرب وأن هذه الجرائم يجب أن يعاقب مرتكبوها. وهذا ما طُلب منا نقله لسويسرا بوصفنا آخر سويسريين يزورون المنطقة”.

وبما أن سويسرا من الدول الغربية القليلة التي لا زالت تتحاور مع ممثلي حركة حماس يقول السيد جوزيف زيزياديس “رسالتنا لحماس كانت هي نفسها الموجهة لجميع الأطراف أي احترام معاهدات جنيف والقانون الدولي، ولكن لا يمكن قول نفس الشيء عندما نتقابل مع حماس أو عندما نتقابل مع إسرائيل لأن الأمر يتعلق من جهة بقوة قتالية كبرى بينما يتعلق الأمر من الطرف الآخر بمقاومة”. وذكّر السيد زيياديس في هذا الصدد بانه “عندما احتل الألمان فرنسا ظهرت المقاومة الفرنسية، وعندما يتم طرد الفلسطينيين من أراضيهم فإن ذلك خلق مقاومة منذ 60 عاما خلت”.

وأضاف جوزيف زيزياديس “بوصفي مسالما لا يسعني قبول أن يتم إطلاق صواريخ ولكن هؤلاء يعانون من احتلال دام أكثر من ستين عاما. ولا يمكن وضع حد لمشكل الصواريخ إذا لم يتم وضع حد للحصار وتأمين حدود آمنة”، على حد تعبيره.

مطالب واضحة للحكومة الفدرالية

وقد أجمع البرلمانيون العائدون من غزة على تحديد ما يجب نقله للسلطات السويسرية وهو ما يلخصه السيد سوماروغا بقوله “في اتجاه السلطات الفدرالية سنطالب بالعمل على رفع الحصار على غزة، لأن هذا الحصار هو السبب الرئيسي اليوم في تواجد الأنفاق وفي تعاظم العنف من أجل التخفيف من خناق هذا الحصار وبالأخص الحصار الإنساني لأن ما يدخل من مساعدات إنسانية لا يكفي وهذا بسبب العراقيل التي يخلقها الإسرائيليون. والشيء الثاني هو العمل على تشكيل لجنة التحقيق الدولية المستقلة وغير المنحازة والتي عليها التحقيق في كل الانتهاكات المتعلقة بالقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي من قبل الأطراف المشاركة في الصراع. وأخيرا العمل على وقف التعاون العسكري بين سويسرا وإسرائيل لأنه لا يمكن أن نواصل التعاون مع دولة هي في حرب مع آخرين”.

جوزيف زيزياديس أضاف من جهته أن الخطوة القادمة هي “مقابلة وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي ري لإطلاعها على ما شاهدناه هناك حتى وإن كانت لا تشاطر مواقفنا كلية لأن ما قمنا به على اختلاف انتماءاتنا لا يتعلق بموقف سياسي بل عبارة عن عمل إنساني ومحاولة لحل صراع مزمن”.

“السير وراء السياسة الإسرائيلية نهج خاطئ”

وعن نظرة سكان قطاع غزة وتقييمهم لصمت الغرب رغم كل هذه الدلائل التي نقلتها وسائل الإعلام من انتهاكات واستهداف للمدنيين والأطفال يقول السيد جوزيف زيزياديس “أعتقد أننا نسير في طريق خاطئ من كل النواحي الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية. فنحن اليوم لا نولي أي اعتبار للعالم العربي وهذا بسب اتباع سياسة إسرائيل حرفيا وكأنها السياسة الصحيحة الوحيدة في المنطقة. لذلك نلاحظ أن العالم العربي اليوم في غليان ولذا علينا أن نستمع لهذا الغليان وان نعترف بأننا أخطأنا الطريق ويجب تصحيح المواقف وفتح حوار مع كل الشركاء في المنطقة. فالسياسة الإسرائيلية الحالية هي التي تقود اوروبا والعالم الغربي نحو خسارة كبرى. وهذا الصوت الآتي من العالم العربي يجب أن نصغي له هذه المرة وهذا ما سأعمل على إسماعه هنا”.

أما أنور الغربي فقد عاد بانطباع آخر إذ يرى أن سكان القطاع لم تعمل هذه الحرب إلا على “تعميق حرصهم على التعلق بأرضهم والبقاء فيها رغم كل ما حدث”.

محمد شريف – سويس انفو – جنيف

عاد الوفد البرلماني السويسري، الذي ضمّ كلاّ من كارلو سوماروغا وجوزيف زيسياديس وجون شارل رييل وأنطونيو هودجرس، يوم الثلاثاء 27 يناير إلى جنيف بعد زيارة استمرت ثلاثة أيام (من 23 إلى 27 يناير) إلى قطاع غزّة.

في بيان أصدره فور عودته، أعرب الوفد البرلماني عن اقتناعه بضرورة التوصّـل إلى الحقيقة حول أحداث النزاع، واعتبر أنه لا مفرّ من أن يُـحاسب المسؤولون من الجانبين (أي إسرائيل وحماس) عن أعمالهم، وشدد النواب الأربعة على أنه لن يكون هناك سلام دائم، بدون عدالة، وأكّـدوا على أن لسويسرا، بحُـكم حيادها وتقاليدها الإنسانية، دورٌ يجب أن تلعبه في هذا الاتجاه. عمليا، دعا الوفد البرلماني، الحكومة السويسرية إلى:

– التدخّـل من أجل الرفع الفوري للحصار، الذي تتعرض له غزّة، مع منح الأولوية للمساعدة الإنسانية،

– المساهمة النشطة للمسارعة بتشكيل لجنة تحقيق دولية نزيهة تقوم بتحديد انتهاكات القانون الدولي من جانب أطراف النزاع وجرائم الحرب المحتملة، التي تمّ ارتكابها.

– أن تحصُـل سويسرا على إجراء عملية تقييم للأضرار المادية الناجمة عن النزاع وأن يتحمّـل المسؤولون عنها عملية الإصلاح.

– أن تتوقّـف سويسرا عن أي تعاون عسكري مع إسرائيل، إلى حين اختتام التحقيقات حول انتهاك القانون الدولي.

أنطونيو هودجرس
نائب في مجلس النواب عن حزب الخضر منذ عام 2007 بعد أن مثل الحزب على مستوى جنيف لأكثر من 10 سنوات، كما ترأس فرع جنيف لحزب الخضر ما بين عامي 2006 و2008. من المشاركين في العديد من البعثات الدولية لدعم السلام والديمقراطية، خصوصا في دول أمريكا اللاتينية.

جون شارل ريلي
نائب في مجلس النواب عن الحزب الإشتراكي وعضو لجنة السياسة الأمنية ولجنة العفو وإعادة التأهيل بالبرلمان السويسري. هذا الطبيب منخرط في العديد من الأعمال الخيرية والتطوعية، سواء المتعلقة بميدان الصحة أو بعملية الاندماج الاجتماعي، وبالاخص بالنسبة للعمال الأجانب.

كارلو سوماروغا
نائب في مجلس النواب عن الحزب الإشتراكي من جنيف وعضو لجنة العلاقات الخارجيةواللجنة القانونية ولجنة العدالة بالبرلمان الفدرالي. رئيس لجنة الدفاع عن المستأجرين وممثل الحزب الإشتراكي في مؤتمر الإشتراكية الدولية.

جوزيف زيسياديس
نائب في مجلس النواب عن حزب العمل السويسري من كانتون فو وعضو لجان الاقتصاد والمؤسسات السياسية بالبرلمان الفدرالي. وزير سابق للشرطة والعدل والمسائل العسكرية في الحكومة المحلية لكانتون فو ما بين 1996 و1998. شارك في تحرك رمزي لكسر الحصار عن غزة ضمن رحلة على سفينة “الكرامة” رفقة برلمانيين أوروبيين في نوفمبر 2008.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية