مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

برن في مواجهة جبهة أوروبية مُـوحّـدة وأكثر تماسكا من قبل

بعد التحاق عشر دول جديدة بالإتحاد الاوروبي سنة 2004، أصبح من الضروري إحداث آليات جديدة لتيسير اتخاذ القرار، وتنسيق المواقف على الساحتيْن الأوروبية والدولية. Keystone

مع حلول غرة ديسمبر 2009، يبدأ العمل رسميا بمعاهدة لشبونة التي تحدد الهيكلة الجديدة للإتحاد الأوروبي.، وينتظر أن تؤدي هذه الخطوة إلى تعقيد مهمة الدبلوماسيين السويسريين الذين سيكونون مجبرين في المستقبل على التعامل مع مؤسسات إضافية، وعلى التكيّف مع طرق عمل جديدة.

ويوم الخميس 19 نوفمبر 2009، اختار رؤساء ورؤساء وزراء البلدان السبعة والعشرون خلال اجتماع مشترك لهم الوزير الأوّل البلجيكي هيرمان فان رومبوي، كرئيس أوّل وقار للمجلس الأوروبي، كما اختاروا البارونة البريطانية كاترين آشتون ممثلة عليا للعلاقات الخارجية للإتحاد. وقد حيّت الصحافة السويسرية الحدث واعتبرته “اختيارا توافقيا”.

هذان التطوّران المهمان تنص عليهما معاهدة لشبونة، ويهدفان إلى تيسير عمل الإتحاد، وإضفاء مزيد من الديمقراطية على مؤسساته من أجل تعزيز حضوره وإشعاعه على الساحة الدولية.

أوروبا.. “على الطريقة السويسرية”

من هذا المنطلق، يعلّق المحامي السويسري جون روسّوتّو، المتابع بدقة شديدة للعلاقة بين الإتحاد الأوروبي والكنفدرالية: “من المفترض أن تلقى التغيّرات التي تنص عليها معاهدة لشبونة الترحيب من برن، ومن المفترض أن يتلقص الآن القصور في الممارسة الديمقراطية الذي كانت تعاني منه مؤسسات الإتحاد”.

بالإضافة إلى ذلك، سوف يتسع دور البرلمان الأوروبي، الذي هو إحدى المؤسسات الصانعة للقرار، إلى أزيد من أربعين مجالا جديدا، بدءً من الشؤون الداخلية والقانونية إلى قضايا البيئة، مرورا بقطاع البحث العلمي، وسوف يتمتّع البرلمان بأهمية أكبر”.

ويضيف روسّوتّو: “وبغض النظر عما بين المؤسستيْن من اختلاف، سوف يتحوّل البرلمان الأوروبي إلى ما يشبه البرلمان الوطني، إلى جانب مجلس وزراء البلدان السبعة والعشرين، الذي بدوره يشبه الغرفة العليا على شاكلة مجلس الشيوخ (في سويسرا). وحتى في مجالات، كالمجال الضريبي، حيث تظل صلاحيات البرلمان الاوروبي محدودة جدا، فإن استشارة البرلمان سوف يتم تعزيزها”.

من ناحية اخرى، سيصبح للبرلمانات الوطنية إمكانية المشاركة في اتخاذ القرار داخل الإتحاد (وهو ما يُشبه إلى حد ما الوضع القائم بالنسبة للكانتونات في سويسرا) لكن يبقى من الضروري فتح الباب أمام إمكانية إطلاق “المبادرات الشعبية”، واستلهام ذلك من الديمقراطية المباشرة، النظام السياسي المعمول به في سويسرا. لكن هل تسهّل هذه التغيرات فعلا مهمة برن؟ يجيب روسّوتّو: “لا، لا أعتقد ذلك حقيقة”.

مخاطبون جدد.. وتوقعات غير مريحة

ولا يفوت المحامي السويسري الإشارة إلى أن معاهدة لشبونة التي تضع قيودا على صلاحية البلدان الأعضاء في الإتحاد سوف تجبر برن على التعامل مع البرلمان الأوروبي، الذي يتميّز بمرونة أقل، هذا في الوقت الذي لا يبدو فيه أن برن مهيّأة ومستعدة للعمل بشكل موسّع مع هذه المؤسسة”.

من ناحية اخرى، المعروف أيضا ان البرلمان الأوروبي، كان دائما من انصار إندماج أوروبي أعمق بالمقارنة مع ما تميل إليه البلدان الاعضاء، ومن هنا، يقول الخبير السويسري: “يجب أن ننتظر صعودا قويا لفكرة توحيد القواعد المعمول بها خاصة في مجال اللجوء، والهجرة، والتعاون القضائي. ولن يكون بإمكان سويسرا تجاهل ذلك، لانها أصبحت عضوا في فضاء شنغن، ومشاركة في اتفاقية دبلن. وبذلك سوف تجد سويسرا نفسها مندمجة في الفضاء الأوروبي ربما أكثر مما كانت تأمل”.

وبالإضافة إلى البرلمان الأوروبي، والمفوّضية الأوروبية (التي سيتم تجديد أعضائها خلال الأسابيع القامة)، سيكون على سويسرا أيضا التعوّد على التعامل مع الفاعليْن الجديديْن على الساحة الأوروبية، واللذيْن تم اختيارهما يوم الخميس 19 نوفمبر خلال جلسة خاصة للمجلس الأوروبي، وهما الرئيس القار للإتحاد الاوروبي، والمسؤولة الجديدة عن السياسة الخارجية في الإتحاد.

وفي هذا السياق، يؤكّد روسّوتّو أنه “ليس بإمكان سويسرا تجاهل رئيس المجلس الأوروبي الجديد، حتى وإن ظل تأثيره محدودا على سلطات مؤسسات الإتحاد الأخرى لحداثة عهده بمهامه. وهذا الأمر سوف يجبر برن على إنشاء نقطة اتصال إضافية، إلى جانب الرئاسات الدورية للمجالس الوزارية القطاعية المختلفة، فضلا عن رئاسة البرلمان الأوروبي، والمفوّضية الأوروبية”. وهي ثلاث مؤسسات تختلف طرق عملها، وسيكون التعامل معها غير مريح بالنسبة لسويسرا.

وهناك أيضا الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية، الذي سيقود هيئة دبلوماسية أوروبية مشتركة متركبة من موظفين أوروبيين ودبلوماسيين من الدول الأعضاء، التي يتعين عليها البحث باستمرار عن توازن بين مصالح البلدان السبعة والعشرين، وإقناع نواب البرلمان الأوروبي، والمفوّضية الأوروبية، التي سوف تتولى المسؤولة الجديدة عن العلاقات الخارجية بالإتحاد مهمة نائبة الرئيس فيها.

في مواجهة جبهة موحدة

ما يخشاه إذن جون روسّوتّو، نتيجة لهذا التحوّل هو “أن تصبح عملية اتخاذ القرار داخل الإتحاد بطيئة ومعقّدة جدا” من جهة، وأن “تظل العديد من الملفات التي تحظى بأولوية لدى برن معلقة بدون حسم لفترة طويلة” من جهة أخرى، ومن شأن هذا كله أن يزيد في تعقيد الأمور، على مستوى تعاطي سويسرا مع الملف الأوروبي عموما.

بدون أدنى ريب، يرى جون روسّوتّو، أن التعاون بين الإتحاد الأوروبي وسويسرا سوف يصبح في المستقبل صعبا، مما سيجعل الكنفدرالية في مواجهة “جبهة أوروبية موحدة أكثر من ذي قبل”. الأكيد أن برن استفادت في المرحلة الماضية من سياسة “فرّق تسد” التي سمحت لها إلى حد الآن “بحماية مصالحها بشكل فعّال”، لكن سيكون من الصعب تنفيذ هذه السياسة في مستقبل الأيام.

swissinfo.ch – طانغواي فيهوشل – بروكسل

(ترجمه من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

خلال ندوة نظمها المعهد الأوروبي التابع لجامعة جنيف أشارت ميشلين كالمي -ري إلى تزايد المطالب الخاصة الموجهة إلى سويسرا من كل بلد من البلدان السبعة والعشرين الأعضاء في الإتحاد الأوروبي.

قبل أن تضيف: “إن نهج العلاقات الثنائية ليس طريقا مفروشا بالورود، وأصبح مع مرور الوقت شديد التعقيد. وهناك خطر للإنشغال بالقضايا التفصيلية، وتغيب عنا الرؤية الشاملة للوضع”.

وقالت الوزيرة محذّرة: “لا يزال بإمكاننا الدفاع عن مصالحنا، لكن الأمور بصدد التغيّر بسرعة شديدة“.

أمر مؤكد: بالنسبة لكريستين كدّوس، مديرة مركز الدراسات القانونية الأوروبية بجامعة جنيف: “تقاسم الأدوار على مستوى العلاقات الخارجية للإتحاد الأوروبي بين رئيس المجلس الأوروبي، ورئيس المفوّضية الأوروبية، والممثل الأعلى للإتحاد لن يسهّل في المستقبل مهمة الدبلوماسيين السويسريين”.

ولتوضيح ذلك، تضيف النقاط التالية:

تنسيق السياسات: إنشاء مهمة الممثل الأعلى للعلاقات الخارجية وللأمن المشترك لبلدان الإتحاد الأوروبي، وهي الوظيفة التي من المفترض أن توحّد المهام المنوطة الآن بكل من الممثل الأعلى للإتحاد الحالي الإسباني خافير سولانا، والمفوّضة الأوروبية للعلاقات الخارجية، النمساوية، بنيتا فريرّو-فالدنر، وهذا التغيير الهيكلي يهدف إلى تعزيز التنسيق على مستوى العلاقات الخارجية للإتحاد الاوروبي.

إستفهامات مطروحة: لكن هذه التغييرات مع ذلك تطرح أكثر من سؤال، إذ انها لا تبيّن بالقدر الكافي حدود دور كل مؤسسة من المؤسسات الثلات المعنية بالعلاقات الخارجية للإتحاد.

الممثل الأعلى: تتمثل مهمته مستقبلا في الإشراف على السياسة الخارجية، وقضايا الأمن المشترك، ويراس مجلس وزراء خارجية البلدان الاعضاء، فضلا عن قيامه بمهام تتعلق بالعلاقات الخارجية ضمن المفوّضية الاوروبية.

رئيسُ المجلس الأوروبي: بدوره يقوم بتمثيل الإتحاد على مستوى رؤساء الدول ورؤساء الوزراء في ما يتعلق بقضايا العلاقات الخارجية والامن المشترك، من دون المساس بصلاحيات ومهام الممثل الأعلى للإتحاد.

المفوّضية الأوروبية: هي الاخرى تقوم بتمثيل الإتحاد أمام العالم الخارجي، باستثناء مجالي السياسة الخارجية والامن المشترك، وكذلك بعض المجالات الأخرى التي استثنتها معاهدة لشبونة.

التوترات: هناك إمكانية، ولا يجب الإستهانة بها، لحدوث تضارب وربما توتر في المستقبل بين رئاسة المجلس الأوروبي، ورئاسة المفوّضية الاوروبية. وربما أُخذ هذا الأمر في الإعتبار بالأمس عندما تم اختيار من يتولى هذه المهام الجديدة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية