مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الإنجاز المصرى فى غزة وتبعات المستقبل الفلسطينى

علم فلسطيني يُرفرف يوم 23 نوفمبر 2012 على أطلال مبنى الحكومة الفلسطينية المقالة الذي دمرته الطائرات الحربية الإسرائيلية في العمليات الأخيرة. Keystone

بينما يؤكد قادة حركة حماس فى داخل غزة وخارجها الإنتصار على العدوان الإسرائيلى، وينتظرون رفع الحصار ولو تدريجيا، تسود التعليقات الصحفية الصادرة فى إسرائيل نوعا من خيبة الأمل الممزوجة بانتقادات مختلفة للنتائج التى انتهت إليها عملية "عامود السحاب".

أما فى مصر فهناك قدر من الفخر الرسمى بالإنجاز الذى قاده الرئيس المصرى محمد مرسى، والذى انتهى بوقف المهزلة فى غزة حسب تعبير الرئيس نفسه، والمقصود وقف الضربات الصاروخية الإسرائيلية ومنع التوغل البرى الإسرائيلى فى القطاع وفتح الأبواب مُشرعة أمام رفع الحصار وبقبول إسرائيلي وأمريكى هذه المرة ولو ضمنيا.

طبيعة الإنجاز وعناصره

“الإنجاز المصرى إن اعتمدنا التعبير يتضمن أيضا اعترافا بأن مصر فى عهد حركة الاخوان المسلمين باتت ضامنة لحركة حماس فى أكثر من جانب، أهمهما أثنان؛ الأول وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية على الأراضى الاسرائيلية بما فى ذلك الصواريخ التى تطلقها منظمات أخرى غير حماس. والثانى وقف الحصول على الصواريخ (سواء إيرانية كاملة أو مفككة أو من ترسالة الجيش الليبى فى عهد القذافى) من خارج القطاع خاصة من الأنفاق العابرة للحدود المصرية إلى غزة.

وفى المقابل، فإن مصر تضمن لحماس عدم تجدد الاعتداءات الإسرائيلية بأى شكل، وأن يُرفع الحصار من خلال فتح معبر رفح للأفراد والبضائع بضوابط معينة مع الإسترشاد بالاتفاقية الخاصة بالمعبر للعام 2005، والتى كان الأوروبيون طرفا فيها لمراقبة مرور الأفراد عبر المعبر.

إدارة الازمة .. اقتراب مصرى جديد

الإنجاز المصرى بهذا المعنى له شقان أحدهما تعلق بطريقة إدارة الأزمة، والثانى يتعلق بالمسؤوليات المستقبلية إزاء القضية الفلسطينية. وفى شق إدارة الأزمة كان واضحا أن مصر فى عهد الاخوان سوف تختلف فى لهجتها وفى أسلوب عملها عما كان يحدث فى عهد مبارك سابقا.

فقد كانت البداية ساخنة إلى حد ما، وتمثلت فى سحب السفير المصرى من تل أبيب ولم يكن قد مر على تسلمه منصبه سوى أقل من شهرين، والقيام بعدة خطوات دبلوماسية فى الجامعة العربية ومجلس الأمن وفى الإتصالات مع الرئيس الأمريكى المنتخب أوباما بهدف تعبئة موقف عربى ودولى ضد إسرائيل من جانب ولدعم حماس من جانب آخر تحت شعار “وقف العدوان واستعادة التهدئة”. ورافق ذلك تصريحات رسمية وحزبية حملت معنى التهديد بأن استمرار الإعتداء الإسرائيلى من شأنه أن يؤثر على مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية وربما يُنهى المعاهدة القائمة بين البلدين وما فيها من التزامات تعاقدية مختلفة. ولا شك أن هذا الأسلوب كان جديدا ومؤثرا أيضا. وكشف حجم الاختلاف عن معالجات نظام مبارك السابق.

أما الشق الثانى المتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية فيحمل فى الحقيقة جوانب متضاربة للغاية. فالميل المصرى الجديد بل التأييد والتبنى لحركة حماس بحكم الإنتماء لحركة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولى أدى إلى نوع من الثقة الكبرى فى أن أي تحرك يقوم به الرئيس مرسى وحكومته سيكون تحركا إيجابيا ولا غبار عليه. وتجلى ذلك فى أن مصر تبنت منذ الوهلة الأولى مطالب حماس باعتبارها شروط استعادة التهدئة. وما الشكر والتبجيل الذى قاله قادة حماس سواء خالد مشعل وإسماعيل هنية وغيرهما بحق مصر وقيادتها الجديدة بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار إلا أحد تجليات هذا الأمر.

إشكالية السلاح الإيرانى

إذا ربطنا كل هذه الابعاد مع رغبة الحكم الجديد فى مصر بالإنفتاح على إيران، تبدو إشكالية السلاح الايرانى لغزة جديرة بالانتباه. ففى كلمة إسماعيل هنية بالاحتفال بوقف إطلاق النار تجلت إشادة كبيرة بالسلاح الايرانى وبالأموال الإيرانية باعتبارهما من أسس صمود غزة أمام العدوان. وتضمنت الاشادة أيضا تحية كبيرة لمن وصفهم هنية بالذين ساعدوا وضحوا بالأموال والأنفس من أجل توصيل السلاح الايرانى إلى قطاع غزة. ولما كانت السُبل الوحيدة المتاحة لذلك هى الأنفاق العابرة للحدود بين القطاع وسيناء والتى هى بعيدة عن أعين الدولة المصرية، فمن اليسير الإستنتاج بأن هناك مصريين ساعدوا فى توصيل السلاح الايرانى إلى القطاع.

وهنا تطرح أسئلة عديدة، فهل تم ذلك بعلم من السلطات المصرية أم بدون علم؟ ثم كيف يمكن أن تكون مصر والرئيس مرسى ضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار وفى الوقت نفسه ليست لديها آليات أو ربما نية لمنع الصواريخ والأسلحة الإيرانية إلى القطاع؟ وهل ستكون هناك آليات لضبط حركة الافراد والبضائع عبر معبر رفح إن تم فتحه بضمانات مصرية وحسب، وماذا لو ثبت لاحقا أو على الاقل ادعت إسرائيل أن هناك أسلحة تسربت بالفعل عبر المعبر إلى غزة؟ وكيف ستتصرف مصر؟ .. أسئلة كثيرة وشائكة برسم الانتظار.       

تجاهل السلطة الفلسطينية

 لقد بدا للجميع أن تحرك مصر فى الأزمة استند إلى تجاهل تام للسلطة الوطنية الفلسطينية، والتى جاءت الإستشارات معها ومع رئيسها محمود عباس فاترة ولا معنى لها. صحيح أن أحد عناصر الموقف المصرى دعا إلى إنجاز المصالحة الفلسطينية بعد وقف العدوان الاسرائيلى، لكن الصحيح أيضا أن المؤشرات الظاهرة تنبئ بأن موقف مصر سيكون داعما لشروط حماس فى أن تكون المصالحة الفلسطينية المنتظرة “قائمة على فلسفة المقاومة والصمود”، كما قال بذلك خالد مشعل، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس وليس “فلسفة التسوية والتفاوض” التى تعتمدها السلطة الفلسطينية وتؤيدها فى ذلك حركة فتح.

ومن الواضح أن الفارق بين الأمرين كبير ومن شأنه أن يؤثر على جهود الرئيس عباس فى نيل مكانة دولة مراقب لفلسطين فى الأمم المتحدة، وهى الجهود التى ترفضها كل من حركة حماس وإسرائيل والولايات المتحدة ولكل منهم أسبابه المختلفة بالطبع ولكنهم يتوافقون على النتيجة النهائية أي رفض تام للمسعى الفلسطينى الذي تقوده السلطة برئاسة محمود عباس. وهنا تتجلى واحدة من أبرز مفارقات القضية الفلسطينية فى اللحظة الجارية وهي أن يتوافق الَعدُوان اللدودان ونعنى حماس وإسرائيل وورائها الولايات المتحدة على موقف بذاته ضد الطرف الوحيد الذى يمثل الشرعية الفلسطينية دوليا.

فى الوقت نفسه، لا يوجد تأييد مصرى قوي فى ظل الرئيس مرسى لذهاب السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، باعتبار أن القرار هو قرار فلسطيني بالأساس “وما يتفقون عليه ستؤيده مصر، ولكن بدون أي تدخل من جانبها”، حسب قول الرئيس مرسى فى كلمته أمام جمع من المصلين يوم 16 نوفمبر 2012.

نحو مفهوم جديد للقضية الفلسطينية

من الناحية العملية، يصب الموقف المصري فى صالح حركة حماس، ويُضعف موقف السلطة الفلسطينية، ويُفقد جهودها الدعم والتعبئة التى يمكن أن تقوم بها الدبلوماسية المصرية فى الإطارين الدولي والاقليمي، ومن ثم تبدو النتيجة المرجّحة لجهود الرئيس عباس فاشلة مسبقا.

المثير فى هذا التطور هو أن ملامح الموقف المصرى الجديد من القضية الفلسطينية يرافقه حديث متواتر عن تغيير مفهوم التسوية وعن وطن بديل للفلسطيينين، وعن توسيع قطاع غزة جغرافيا على حساب مساحات واسعة من سيناء المصرية فى ظل “إشاعات” بها ظل من الحقيقة أن مصر سوف تسمح بتوطين الفلسطينيين من غزة فى شمال سيناء. ويأتي كل ذلك فى ظل انفلات أمنى متصاعد فى شمال سيناء رغم جهود القوات المسلحة والشرطة.

مثل هذه التطورت تثير مشاعر متضاربة لدى غالبية المصريين بين ضرورات حماية الوطن وأرضه وحدوده وعدم التنازل عن أي جزء منها، وبين الإلتزامات العروبية التي لا يُمكن الفكاك منها، وفى مقدمتها الدفاع عن فلسطين ومساندة أهلها بكل الطرق والوسائل. لكن يظل التساؤل المطروح هل يكون الإلتزام بالدفاع عن القضية الفلسطينية على حساب الأرض المصرية نفسها أم بإنهاء الاحتلال الاسرائيلى؟

هذا التضارب فى المشاعر الشعبية بدا واضحا تماما فيما نُشر من مزاعم عن “بدء إنشاء مخيمات فى شمال سيناء لاستضافة الفلسطينيين”، حيث تم ربط الأمر حينها باحتمال قيام إسرائيل باجتياح القطاع مما سيؤدى إلى نزوح فلسطيني إلى عمق سيناء، ومن ثم لابد من الإستعداد اللوجستى لهذا الأمر.

“توطين فلسطيني” فى سيناء؟

الفكرة على هذا النحو المبسط لم تكن مقنعة شعبيا رغم طابعها الإنسانى وربما المؤقت، وظلت محل تساؤل وشكوك بشأن رؤية مصر الجديدة فى ظل الاخوان تجاه القضية الفلسطينية، ومما زاد من الشكوك الشعبية قول د. محمد بديع مرشد عام جماعة الاخوان المسلمين بأنه لا يُمانع انشاء مثل هذه المخيمات ولأن هناك مئات الخيام فى الأردن ولبنان ولم يتحدث عنها أحد حسب قوله، منتقدا ما يقال عن ضرورة الإهتمام أكثر بالأوضاع الداخلية لأن ذلك “عيب فى حق المصريين” حسب قوله (في صحيفة “المصرى اليوم” بتاريخ 22 نوفمبر 2012)، وهو ما قد يعني بعبارة أخرى: إن كان هناك فلسطينيون يقيمون فى بلدان عربية مجاورة لاسرائيل فلماذا ننكر الشئ ذاته على مصر وهى الأولى بذلك؟

في الأثناء، يزداد التضارب حين يسمع المرء تأكيد أحد قادة الجيش المصرى السابقين وهو اللواء سامح سيف اليزل أن هناك مخيمات أقيمت بالفعل فى كل من رفح والشيخ زويد لاستقبال وتوطين فلسطينيين، وإن جاءوا فلن يخرجوا منها كما هو الحال فى الأردن ولبنان وغيرهما. هنا لا بد من الإقرار بأن هذا الطرح جديد تماما، ونعنى السماح بتوطين الفلسطينيين فى مصر، ويترافق ذلك مع قصص وأخبار كثيرة بوجود عمليات شراء لمساحات واسعة من الأراضي فى شمال ووسط سيناء بطريقة عُـرفية بين بعض بدو سيناء وبين فلسطينيين من غزة، وأن ذلك قد يكون مقدمة لتطبيق خطة طرحها الجنرال الاسرائيلى جيورا إيلاند في موفى عام 2008 أثناء عدوان إسرائيل آنذاك على غزة فى دراسة نشرها معهد واشنطن لدراسات الشرق الاوسط.

وتقضي الخطة باقتطاع مساحة 600 كم مربع من سيناء وإضافتها لقطاع غزة، وهى مساحة تكفى لبناء مدينة لمليون نسمة، وتطل على البحر ولها ميناء خاص، على أن تحصل مصر مقابل ذلك على مساحة مماثلة أو أقل من صحراء النقب فى إسرائيل، ويتم اقتطاع ما يقرب من 13 % من مساحة الضفة الغربية لإسرائيل، والباقى يمكن ضمه إلى الأردن.

والسؤال المطروح الآن هل اعتمدت مصر الجديدة فى عهد الاخوان مثل هذا الطرح ولو من منظور دينى يرى الأمور بشكل مختلف، حيث لا يتمسك بحماية الأرض والجنسية الوطنية، ويراها أرضا يمكن أن يعيش عليها المسلم أيّا كان انطلاقا من مفهوم الخلافة الإسلامية الذي تعتمده جماعة الاخوان والجماعات السلفية؟ الكثير من المؤشرات الجارية تؤكد الإجابة بنعم كبيرة.

لقد تغيّرت مصر فى الداخل، وتغيرت أيضا فى سياستها الخارجية رغم عدم تبلورها بعد بصورة كاملة. ولكن المؤكد أن إنجاز التهدئة فى غزة، غَيّر كثيرا معطيات القضية الفلسطينية ووضعها على مسار جديد. فحماس، أو فرع الاخوان فى غزة لم يعد معزولا دوليا، ورعاية مصر الرسمية له تفتح الكثير من الإحتمالات ومن بينها “دولة غزة الموسعة”، أو ربما دولة فلسطين الصغرى، وكلاهما – إن تأكد – تغيير جذري لمفهوم القضية الفلسطينية الذى تمسّك به العرب على مدى عقود طويلة.

كشف كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات يوم الخميس 22 نوفمبر 2012 أن وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ومجلس الشيوخ الامريكي هددا الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعقوبات اذا ما توجه، كما هو مقرر يوم 29 نوفمبر 2012، الى الامم المتحدة لحصول فلسطين على صفة دولة غير عضو في المنظمة الدولية.

وقال عريقات لاذاعة صوت فلسطين الرسمية “إن وزيرة الخارجية الامريكية هددت بعدة اجراءات عقابية ضد السلطة الفلسطينية والرئيس عباس اذا تم التوجه الى الامم المتحدة للحصول على مكانة دولة غير عضو في الجمعية العامة للامم المتحدة”.

واوضح “بل انها هددت بما هو اخطر من عقوبات ضد السلطة الفلسطينية، وقالت للرئيس عباس اذا توجهت للامم المتحدة من اجل الحصول على دولة غير عضو ستدمر نفسك سياسيا”.

واوضح عريقات لوكالة فرانس برس “ان كلينتون قالت لعباس انك ستدمر المشروع السياسي الفلسطيني ونطالبك بعدم الذهاب للامم المتحدة حيث اننا سنعمل مع بداية العام القادم على اعادة احياء المفاوضات”.

كما كشف عريقات “ان الرئيس عباس تلقى اليوم رسالة من مجلس الشيوخ الامريكي تهدد بعقوبات ضد السلطة الفلسطينية اذا ما تم التوجه للامم المتحدة ونصت الرسالة انه سيكون تبعات سلبية على هذه الخطوة وعلى علاقاتنا ومساعداتنا المقدمة للشعب الفلسطيني”.

وراى “ان العالم يدرك ان خطوتنا نحو الامم المتحدة هي لتثبيت المشروع الوطني الفلسطيني باقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف على حدود عام 1967 ويضمن الوحدة الجغرافية والسياسية للضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة ولذلك هناك من يعارض خطوتنا”.

وتابع “ستكون اراضي دولة فلسطين المحددة حدودها تحت الاحتلال وفق القانون الدولي والشرعية الدولية”.

وقال “ان هذه الخطوة يجب ان تتعزز بالتوصل الى المصالحة باقرب وقت ممكن وان الانتصار الحقيقي لشعبنا الفلسطيني هو وحدتنا الوطنية وانهاء الانقسام وانهاء الاحتلال”.

وعن العقوبات المتوقعة قال عريقات “انهم يلوحون باغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية وقطع المساعدات المالية وفق قرارات الكونغرس”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 22 نوفمبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية