مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل ستصبح فرنسا تحت حكم ماكرون أكثر شبهاً بسويسرا؟

Image du Palais Bourbon à Paris
يشهد قصر بوربون، مقر الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة السفلى للبرلمان)، وصول عدد كبير من الوجوه الجديدة. AFP

في تركيبته الجديدة، سيتواجد على مقاعد البرلمان الفرنسي عدد لا بأس به من النواب الذين لا يُعتبرون سياسيين محترفين. في الوقت نفسه، يتبع الرئيس الجديد إيمانويل ماكرون في تركيبة حكومته نهجاً يتخطى الحدود الحزبية. فهل يمثل هذا التحول لدى الجار الفرنسي بالفعل ثورة "على الطريقة السويسرية"؟

من اواضح أن “المجتمع المدني” حقق صعوداً هائلاً في الجمعية الوطنية، بصورة لم تعرفها فرنسا أبداً في السابق. فالساسة المبتدئون يشكلون حوالي 35% من المرشحين والمرشحات في حركة “الجمهورية إلى الأمام، التي أسسها إيمانويل ماكرون. ومما لا شك فيه أن الجمعية الوطنية سوف تضم ما بين 150 إلى 200 (من إجمالي 577) نائباً، لم يتقلدوا منصباً سياسياً أبداً من قبل. “فالسياسة لا يجب أن تظل مهنة”، تصرح أورور بيرجيه ابنة الثلاثين عاماً ومرشحة “حركة الجمهورية إلى الأمام” عن منطقة باريس، في أحد حواراتها الإذاعية مع إذاعة فرنسا الدولية، وتضيف “ربما مارس المرء السياسة على مدى خمسة أو عشرة أعوام، ولكن ليس على مدى أربعين عاماً”.

لا يجب أن تظل السياسة مهنة. ربما يمارسها المرء لمدة خمسة أو عشر سنوات في حياته ولكن ليس لمدة أربعين سنة! أورور بيرجيه، مرشحة عن حركة “الجمهورية إلى الأمام”.

تبعا لذلك، هل يُمكن الحديث بالنسبة للجمعية الوطنية الجديدة عن “برلمان ميليشيات” على الطريقة السويسرية [أي يُمارس فيه النائب عملاً مدنياً بخلاف السياسة، كما يمارس الجندي في سويسرا عملاً مدنياً] (ولو أن البرلمان السويسري أصبح في السنوات الأخيرة احترافياً بصورة متزايدة)؟ ليس بالضبط! فقد تعهد النواب المستقبليون عن حركة “إلى الأمام” بتكريس أنفسهم لحياتهم الجديدة “كممثلين منتخبين للأمة”.

مع ذلك، يُعتبر هذا التغيير هاماً. فالجمعية الوطنية لم تتجدد كلية فقط، بل أصبحت أكثر تعددية. إذ يضم البرلمان الجديد في صفوفه تخصّصات مختلفة أكثر بكثير من السابق، مما يجعله أكثر تمثيلاً للمجتمع الفرنسي. كذلك، فإن “فرنسا التي لا تلين”، وهو حزب يساري يقوده جان ـ لوك ميلينشون، رشح لعضوية البرلمان نواباً لم يكونوا سياسيين محترفين من قبل.

هل ستتشكل حكومة تتخطى الحدود الحزبية؟

بعد الجولة الثانية من الإنتخابات البرلمانية، كان بمقدور إيمانويل ماكرون إجراء تجربة تشكيل حكومة تخضع له تماماً، أي مكونة بنسبة 100% من حركة “إلى الأمام”. ذلك لأن الأغلبية الواضحة التي حصلت عليها الحركة التي أسسها ماكرون لعضوية البرلمان، لم تضطره إلى تشكيل حكومة تشاركه فيها أحزاب اليمين أو اليسار. فلم يكن محتماً عليه البحث عن دعم لا من الجمهوريين ولا من الإشتراكيين: فالفئة الأولى قُهرت في الإنتخابات، والثانية قُضي عليها تماماً.

برغم ذلك، فإن ماكرون ورئيس وزراءه إدوار فيليب لن يقوما بإعادة هيكلة الحكومة كلية. فالفريق الوزاري الذي تشكل في منتصف مايو الماضي كان خليطاً من الوسط واليمين واليسار: فهناك كان بعض أصحاب الثقل السياسي من الإشتراكيين، ووجوه شابة من الحزب الجمهوري (اليمين التقليدي) وأعضاء من حزب الوسط المسمى بـ “الحركة الديمقراطية MoDem” بقيادة فرانسوا بايرو.

“الوصفة السحرية” على طريقة ماكرون

إنه “تغيير جوهري” بحسب اعتقاد الصحفي الفرنسي السويسري فرانسوا أوتيه كما أبداه في مقاله الذي نشر في صحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في لوزان). فلقد انتهى عهد ذلك التبديل القديم بين اليمين واليسار. إذ يتبع ماكرون “نهجاً على الطريقة السويسرية”، حيث يتحتم على القياديين في جميع الأحزاب تعلم التعامل مع بعضهم البعض والوصول إلى تفاهمات، وهذا بهدف التعاون في إنجاح مشروعات تخدم الصالح الوطني”، كما كتب هذا الصحفي الذي عمل من قبل لجريدة “لو فيغارو” الفرنسية.

علينا أن لا ننسى أن هذه السياسة التقاربية تعتمد فقط على إرادة الرئيس الفرنسي، هذا ‘الملك الجمهوري’ فرانسوا نوردمان، سفير سويسرا سابقاً في باريس

هل يصح القول بأن ماكرون هو رسول التفاهم السويسري، أو “الوصفة السحرية”؟ علينا ألا ننسى أن هذه السياسة التقاربية تعتمد فقط على إرادة الرئيس الفرنسي، ، هذا ‘الملك الجمهوري’، كما يوضح فرانسوا نوردمان، سفير سويسرا سابقاً في باريس. “أما في سويسرا فيختلف الأمر، ذلك لأن الحكم القائم على التفاهم يعكس توازن القوى في البرلمان”.

فضلاً عن ذلك، يُذكّر هذا الدبلوماسي المخضرم بأن تلك التجربة الفرنسية بتشكيلها الحكومي الذي يتخطى الحدود الحزبية ليست شيئاً جديداً تماماً: ففي أعوام 1945 و1958 وحتى 1988 حين أعيد انتخاب فرانسوا ميتران وكذلك في عام 2007 حين انتخب نيكولا ساركوزي كان تشكيل الحكومة ممتداً نحو المعسكر المضاد إلى حدٍ ما.

ماكرون “الجيروندي”

“انني جيروندي”، هكذا أعلن إيمانويل ماكرون. جيروندي مثل هؤلاء الذين قاوموا اليعاقبة المتشددين خلال الثورة الفرنسية، حيث كان يطمح هؤلاء الأخيرون إلى تأسيس جمهورية فرنسية شديدة المركزية. وبعد مرور أكثر من قرنين من الزمان أصبح هذا المصطلح (الجيرونديون) شائع الإستخدام، ويعني تحديدا المعتدلين أو المتمسكين بالتعددية الفرنسية.

“يتقبل إيمانويل ماكرون بوضوح فكرة اللامركزية المختلفة، أو بمعنى آخر عدم حتمية وجود منظمة واحدة تخضع لها جميع المناطق”، كما يلخص فرانسوا ديه روغي عن حزب الخضر لصحيفة هافنغتون بوست.

فيما يتعلق بتنظيم الأوقات المدرسية على سبيل المثال، فإن الرئيس يسعى إلى ترك الأمر بيد البلديات كي تعتمد أو لا تعتمد ذاك الإصلاح الذي أدخله الإشتراكيون. وهي حرية تعد نادرة في فرنسا المتسمة بالتشدد اليعقوبي.

أما فيما يتعلق بتنظيم الدولة الفرنسية فيقترح ماكرون إلغاء ربع الوزارات الحالية، وخاصة تلك التي توجد بها هيئات حكم محلي تسمى بالمدن الكبرى، وهذا بهدف دمج الهيكلين معاً. ويطلق ماكرون على هذا المقترح اسم “الحلف الجيروندي بين الدولة وهيئات الحكم المحلي”.

لكن هذا المقترح يظل بعيداً كل البعد عن فكرة الجيرونديين، التي أحياها الفيلسوف ميشيل أونفراي في كتابه الأخير “تحرير الأقاليم من الإستعمار” (“Décoloniser les provinces”). فبينما يوجّه انتقاداً لاذعاً لليعاقبة ويشيد بالتقليد السويسري الإشتراكي الموغل في القدم، يقترح أونفراي ثورة جيروندية: تتمثل في “دمج الأقاليم في دولة جيروندية، تضمن لها الحفاظ على سمتها الكنفدرالية ذات الإقتراعات الشعبية. وعن طريق الكيانات السياسة تُنشيء هذه الدولة قوة مضادة تبدأ من البلدية وتنتهي بالإقليم، وهكذا دواليك.

على كل، إذا كان إيمانويل ماكرون “جيروندياً”، فإن إتصافه بهذه السمة يظل محدوداً.

حركة “إلى الأمام”

فاز حزب “الجمهورية إلى الأمام” بقيادة إيمانويل ماكرون في الجولة الأولى للإنتخابات البرلمانية الفرنسية التي جرت يوم 11 يونيو الجاري  بنسبة 32،32 % من الأصوات الصحيحة، متفوقاً بذلك على الجمهوريين (21،56 %) و”الجبهة الوطنية” اليمينية المتشددة (13،2 %). أما الحزب اليساري “فرنسا لا تلين” فقد حصل على نسبة 11% من الأصوات، بينما لم يحصل الحزب الإشتراكي سوى على 9،5 %. وقد أحجم 51،29  % من مجموع الناخبين عن المشاركة.

بعد الجولة الإنتخابية الثانية، تمكنت حركة “الجمهورية إلى الأمام” وحليفها “حزب الوسط المعروف بالحركة الديمقراطية MoDem” من شغل 361 مقعدا (من إجمالي 577) في الجمعية الوطنية الجديدة. فيما أمكن لليمينيين الحصول على 126 مقعدا، بينما تحصل الحزب الإشتراكي وحلفاؤه من الطيف اليساري على 46 مقعدا. في المقابل، تحصل حزب “فرنسا لا تلين” اليساري على 16 مقعدا، ولم تتمكن “الجبهة الوطنية” اليمينية الشعبوية من الحصول على أكثر من 8 مقاعد.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية