مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد الانقلاب العسكري.. “انقلاب سياسي” في نواكشوط

ستة أشهر فقط هي الفاصل الزمني، الذي بات يفصل الموريتانيين عن نهاية المرحلة الانتقالية، التي تعهّـد المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية بتسليم السلطة بعدها للمدنيين.

لكن المسار الديمقراطي الانتقالي عرف مؤخرا أعنف هزّة يمُـر بها منذ استيلاء الجيش على مقاليد الحكم في نواكشوط صبيحة 3 أغسطس عام 2005، في انقلاب عسكري أبيض.

فبعد أن مرت المراحل التحضيرية للمسلسل الانتخابي، الذي طالما حلم به الموريتانيون شفّـافا ونزيها آملين أن يقودهم إلى استقرار سياسي، طالما افتقدوه في ظل تتابع المحاولات الانقلابية، التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية.

مرت هذه المراحل إذن، دون أن تسجّـل خروقات أو يلاحَـظ تلاعب يؤثر في تطبيع العلاقة الحميمة بين الجيش والطبقة السياسية، واستمر شهر العسل بين الحكام العسكريين والطبقة السياسية في هدوء وسكينة، مع قليل من الخلافات وكثير من المحاباة، انتظارا للوصول إلى نهاية النفق.

وبعد أن اطمأن الجميع إلى أن الجيش جادّ في تنفيذ التزاماته، التي قطعها على نفسه عشية استيلائه على السلطة، بعدَم التدخّـل في العلمية السياسية، ومنع أعضاء المجلس العسكري والحكومة الانتقالية من المشاركة في الانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية، التي ستشهدها البلاد خلال الأشهر الستة القادمة، والإحجام عن دعم أي طرف فيها، جاءت الأنباء خلال الأيام الماضية لتأكّـد أن رئيس المجلس العسكري الحاكم في البلاد، العقيد اعل ولد محمد فال وبعض كبار معاونيه، التقوا بشخصيات سياسية وتقليدية وطلبوا منها الانسحاب من الأحزاب السياسية التي تنتمي إليها، وتشكيل لوائح مستقلة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية والبلدية في نوفمبر القادم، وذلك، بُـغية خلق كُـتلة مستقلّـة في البرلمان، تتمتّـع بالأغلبية المسيطرة وتحُـول دون حُـصول أي من الأحزاب الموجودة على أغلبية برلمانية، ومن ثم تشكيل حزب سياسي جديد من هذه الأغلبية “المستقلة”، يعهد إليه بحكم البلاد، ويُـبقي السلطة الفعلية في قبضة المؤسسة العسكرية، وبدا الأمر للوهلة الأولى وكأنه عملية انقلاب سياسي على المسار الانتقالي، بعد أن نجحت عملية الانقلاب العسكري في بسط السيطرة على الأمور ميدانيا.

“هذه المعلومات أربكت الساحة السياسية وأعادت البلاد إلى المربع الأول خلال الأيام الأخيرة لحكم نظام ولد الطايع”، على حد تعبير بيان أحزاب المعارضة، وشكّـل حصول الأحزاب السياسية على تصريحات مباشرة لبعض الشخصيات السياسية التي التقت رئيس الدولة، واعترافهم بالتعليمات التي تلقَّـوها منه، الضربة القاضية التي أدّت إلى انهيار جسر الثقة بين الطرفين وإدخال البلاد في جوّ من الشحناء السياسية، لم تعرفه منذ غادر ولد الطايع الحكم قبل ثلاثة عشر شهرا.

حزب ولد الطايع أكبر المتضررين

أكبر المتضرّرين من تدخّـلات السلطات الانتقالية في العملية الانتخابية، هو الحزب الجمهوري الحاكم سابقا في البلاد، والذي مثل كوادره ورموزه 90% من الشخصيات التي تمّ استدعاؤها للقصر “الرمادي” في نواكشوط، وطلب منها التخلّـي عن حزبيَّـتها لصالح كُـتلة المستقلين.

وقد وصف أمينه العام سيدي محمد ولد محمد فال، الذي التقى رئيس المجلس العسكري، ما حصل من لقاءات الرئيس بشخصيات سياسية، أمرها بالانسحاب من الأحزاب السياسية، بأنه تدخُّـل سافر في المسار الانتقالي ويُـهدد بانهيار العملة السياسية برمَّـتها، واتّـهم المجلس العسكري بالسعي لتمزيق الحزب الجمهوري، باعتباره حزب الرئيس السابق ولد الطايع، مُـضيفا أنهم في مؤتمرهم الأخير قرّروا القطيعة نهائيا مع الماضي – في إشارة إلى إبعادهم لولد الطايع من رئاسة الحزب – وتأييد برنامج المرحلة الانتقالية”.

وأضاف: “هذه التصرّفات الخطيرة قد تؤدّي إلى انهيار مسار ساهمنا جميعا في إضفاء الشرعية عليه”، مؤكّـدا أن برلمانيي الحزب الجمهوري وسياسيَـيه دافعوا على النظام العسكري وعملوا على تلميع صورته في الداخل والخارج، فكان جزاءهم أن يسعى المجلس العسكري لتحطيمهم والضغط على كوادرهم للتخلي عنهم في هذه المرحلة الحرجة.

ولم تستبعد عناصر قيادة في الحزب الجمهوري، أن يتَّـخذ الحزب قرارا بمقاطعة الانتخابات القادمة، إذا ما استمر المجلس العسكري في تدخُّـله في السلطة، كما ندّد حزب التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة، أحد أبرز أحزاب الأغلبية السابقة التي كانت تساند ولد الطايع، بهذا التدخُّـل، الذي وصفه بالخَـرق السَّـافر للميثاق الذي يربط المجلس العسكري والحكومة الانتقالية بكافة الفعاليات السياسية والشركاء الدوليين.

أحزاب المعارضة تهدّد بالتصعيد

أما “ائتلاف قوى التغيير”، الذي يضم 11 حزبا سياسيا، مُـعظمها كانت تُـعارض الرئيس السابق ولد الطايع، فقد اعتبر أن العملية تستهدف إضعاف الأحزاب السياسية في البلد والقضاء عليها، مؤكّـدا أن الوضع الرّاهن ينذر بانفجار سياسي غير محمود العواقب، ووصف مسعود ولد بلخير، الرئيس الدوري للائتلاف ما يحدث بأنه “زلزال سياسي تسبب فيه من زعَـموا أنهم مجلس عسكري للعدالة والديمقراطية”، وهدّد بأن الأحزاب المُـنضوية تحت لواء الائتلاف، لن تسكت على ذلك ولن تقبل به مَـهما كلّـف الثمن، مُـلَـوَحا بأنهم سيستخدمون كافة الأساليب المُـتاحة من مقاطعة الانتخابات وتظاهر واحتجاج، ودعا اللجنة المستقلة للانتخابات لتحمل مسؤوليها تُـجاه هذه الخروقات، التي قال إنها “انقلاب سياسي لا يقل خطورة عن انقلاب 3 أغسطس 2005، الذي أطاح بالنظام السابق”.

وقال قادة هذه الأحزاب في بيان مشترك أصدروه: “حين يتدخّـل المجلس العسكري وحكومته، وعلى مستويات متعدّدة، في توجيه الناس والفاعلين، سياسيا وانتخابيا، فإنه يُـصبح طرفا له هدف في المنافسة، وله بالتالي أعداء فيها، وهو بذلك يُـخلُّ بالميثاق بينه وبين الشركاء السياسيين”.

ومما زاد الطين بلة ورفع درجة التوتر السياسي، رفض رئيس المجلس العسكري استقبال قادة الأحزاب السياسية الأحد عشر، المنضوية تحت لواء ائتلاف قوى التغيير، بحجة أن أجندته مشحونة ووقته لا يسمح له بتخصيص وقت للقاء هؤلاء القادة السياسيين، وهي حجة وصفها رئيس “الإئتلاف” بأنها واهية، مؤكّـدا أن رئيس المجلس العسكري “مشغول باستقبال الشخصيات السياسية، التي تتلقّـى منه الأوامر بالانسحاب من الأحزاب السياسية والانضمام إلى مبادرات المستقلين”.

أما “التجمع الموريتاني من أجل التغيير”، وهو تكتُّـل سياسي للمعارضة الموريتانية في الخارج، ويتَّـخذ من كندا مقرا له، فقد وصف الحاكم العسكري لموريتانيا بأنه “أحد أساطين النظام البائد”، واعتبر أن ما يحدث حاليا من تدخل للرئيس وبعض أعضاء المجلس العسكري في العملية السياسية، هو “عودة من حليمة إلى عادتها القديمة، في الكشف عن المخطط الحقيقي للانقلاب على الوعود والخروج على الحياد والعود على البدء، وذلك بالإيحاء للبعض بالترشح كمستقلين، والالتزام بدعمهم لسحب البساط أمام الأحزاب السياسية والتعويض عن حكومة انتقالية، بحكومة ظل يتحكّـم الجيش في صياغة قراراتها وانتخاب مجالس تشريعية من الببغاوات، التي لا يربط بينها إلا التبعية للعسكر”,

“أمر قضي بليل”

هكذا كشف العسكر في موريتانيا عن نوايا، اعتبرها الكثيرون مبيتة، فما إن تجاوزا عتبة الاعتراف الدولي – حسب تصريح أحد السياسيين – وأزاحوا عن كاهلهم شبَـح الحصار والمقاطعة الدولية والإقليمية، بعد وصولهم إلى السلطة عن طريق القوة عبر استقطابهم للطبقة السياسية الداخلية، والجماهير المتعطّـشة للديمقراطية والعدالة، بوعود طوباوية وبرامج ترقى إلى الحد الأدنى من طموحات الشعب الموريتاني، حتى شرعوا في تصرّفات اعتبرتها الأحزاب السياسية قلبا لظهر المجَـن للتعهُّـدات الطوباوية التي أطلقوها عشية استيلائهم على السلطة وبدءوا في بناء نظام سياسي، قوامه أركان النظام السابق من أطُـر، قبلية واجتماعية تقليدية، فضلا عن أصحاب رؤوس الأموال وكبار التجّـار، يضمن لهم الاسمرار في السلطة، حتى ما بعد المرحلة الانتقالية، من خلال رئيس للجمهورية وبرلمان تحت قبْـضتهم، وكان تشريع الترشحات المستقلة قد سبّـب في الأشهر الماضية خلافات طفيفة بين الأحزاب السياسية، التي طالبت بحظره، والسلطات الانتقالية التي اعتبرته حقا ديمقراطيا لا سبيل إلى مصادرته، وظن الجميع حينها أن العسكر، إنما يسعون من وراء ذلك للتكفير عن خطإ، رفض حزب للإسلاميين، من خلال فتح باب الترشحات المستقلة أمامهم.

وهدأت العاصفة بعد أن قبلت الأحزاب بإقرار الترشحات المستقلة، ليتّـضح بعدها أن تشريع تلك الترشحات هو “أمر قضي بليل”، تمهيدا لخلق كُـتلة مستقلة تُـهيمن على البرلمان والمجالس البلدية، وتشكّـل نواة لتشريع “انقلاب سياسي”، يجعل من مُـغادرة العسكر للسلطة أمرا صوريا ليس إلا.

واليوم، وأمام الصَّـمت الرسمي تُـجاه هذه التطورات الخطيرة، ورفض المجلس العسكري والحكومة الانتقالية التعليق عليها، وتوارد الأنباء تباعا من القصر الرئاسي عن عشرات الوجهاء والسياسيين الذين تقاطروا عليه لتلقي الأوامر المناسبة، حسب الأحزاب السياسية، أو للاستشارة عن الخيار السياسي، الذي ينبغي أن يسلكوه، حسب مصادر مُـقرّبة من الرئاسة، يبقى الطقس السياسي في موريتانيا مضطربا وقاتما، في انتظار ما ستحمله الأيام القليلة القادمة من تطورات، يخشى الكثيرون أن تُـعيد البلاد إلى دوّامة الاضطرابات السياسية التي عرفتها خلال الفترة الأخيرة من حكم الرئيس السابق.

محمد محمود أبو المعالي – نواكشوط

موريتانيا جمهورية إسلامية لا تتجزأ، ديموقراطية واجتماعية.

تضمن الجمهورية لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل والعرق والجنس والمكانة الإجتماعية.

يعاقب القانون كل دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي.

الشعب هو مصدر كل سلطة.

السيادة الوطنية ملك للشعب الذي يمارسها عن طريق ممثليه المنتخبين وبواسطة الإستفتاء لا يتقرر أي تنازل عن السيادة جزئيا كان أو كليا إلا بقبول الشعب له. يكون الإقتراع مباشرا أو غير مباشر حسب الشروط المنصوص عليها في القانون، وهو عام على الدوام متساو، وسري.

يعتبر ناخبا كل من بلغ سن الرشد من مواطني الجمهورية ذكرا أو أنثى ويتمتع بحقوقه المدنية والسياسية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية