مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد المؤتمر السادس للحركة.. المبايعة لـ “مملكة” فتح

يوم 8 أغسطس 2009، أعيد انتخاب محمود عباس من طرف المشاركين في المؤتمر السادس رئيسا لحركة فتح برفع الأيادي Keystone

ثمة تعبير واحد لم يُـغادر قاموس حركة فتح في مؤتمرها السادس، الذي تم الترويج له ليكون "يوم الحساب والمُـساءلة".. إنه تعبير المُـبايعة.

ولعلّ وقوف أعضاء المؤتمر، ماعدا واحدا، لمُـبايعة الرئيس محمود عباس رئيسا وقائدا عاما للحركة، إنما يعكِـس انتصار التقاليد على الجديد، إذ سجّـلت نتائج انتخابات اللّـجنة المركزية للحركة، خروج قيادات تقليدية ودخول 14 شخصية جديدة، فإن النقاشات الحامية والاتِّـهامات المُـتبادلة داخل جلسات المؤتمر الطويلة، كانت تتوقّـف في كل مرّة مع تدخّـل عباس وإعادة الأمور إلى نِـصابها “الفتحاوي”، بل إن الدّعوات القوية لمحاسبة القيادة السابقة لفتح، وهي أيضا قيادة السلطة الفلسطينية، لم تفلِـح في إجبار اللجنة المركزية على تقديم تقرير مالي وسياسي لينتهي الأمر باعتماد خطاب الرئيس عباس لدى افتتاح المؤتمر، وثيقة أساسية وبديلا عن تقرير المركزية.

ولم ينحصر حضور عباس القوي في حسم الأمور الأساسية، بل تعدّاه إلى الإجراءات التنظيمية. حرس الرئيس الخاص، كان صاحب الأمر في الترتيبات الأمنية، وقام طاقم خاص من مكتب الرئيس بأعمال الإدارة والتنظيم للمؤتمر ولعملية الانتخابات، وحرص عباس على الإقامة في بيت لحم، مكان انعقاد المؤتمر، ولم يغادرها.

وفي حين كان ينتظر خروج المؤتمر بتوصيات واضحة ومحدّدة، تتعلق بمسؤولية الانقِـسام الداخلي وسيطرة حماس على قطاع غزة وفشل المفاوضات مع إسرائيل في تحقيق أي تقدّم يُـذكر، فإن المؤتمر قرّر ترحيل اتّـخاذ قرار في هذه المسائل المصيرية، إلى القيادة الجديدة.

وقد حظي خطاب عباس، الذي أعاد فيه التأكيد على سياسته العامة كرئيس للسلطة، على إجماع شبه كامل بين أعضاء المؤتمر، الذي ناهز الألفين. لم يجد عباس أدنى صعوبة في إدارة دفة المؤتمر، الذي كان يتوقّـع كثيرون أنه سيخرج بانشِـقاق، لاسيما خلافه مع عضو اللجنة المركزية الأسبق وأمين سرها فاروق القدّومي، أحد أهم القيادات التاريخية الفلسطينية.

كان عباس قد حسَـم المسألة عشية انعقاد المؤتمر، عندما أقنع ابو ماهر غنيم، حليف القدومي في الشّـتات، بالعودة إلى الوطن والمشاركة في المؤتمر. ولم يفُـت على عباس ولا على المؤتمرين مكافأة أبو ماهر غنيم، بأن منحوه أعلى الأصوات وتَـوّجوه الرّجل الثاني غير المُـعلن في الحركة.

مُـنتصرون وخاسِـرون

بالرّغم من اتِّـهامات وطُـعون في نزاهة الانتخابات، صدرت عن أعضاء في الحركة، فإن نتائج انتخابات اللجنة المركزية لن تتغيّـر بعد الإعلان عنها رسميا بموافقة عباس. ولعل تراكمات السنوات العشرين الأخيرة، منذ انعقاد المؤتمر الأخير، قد تركت تداعيات انعكست على عدد المرشّـحين الكبير وتحديد العُـضوية وردود الفعل على النتائج.

وقد ردّ العديد دعوات، مُـعلنة وغير معلنة، بالعدول عن الترشح، وجّـهها عباس ومسؤولون آخرون للعشرات الذين ترشّـحوا للانتخابات المركزية، إذ بلغ عدد المرشحين نحو 100 تنافسوا على 18 مقعدا، في حين يعيِّـن الرئيس أربعة آخرين. وتقدّم أكثر من 600 شخص للتنافس على 80 مقعدا من أصل 120 في المجلس الثوري (يعيِّـن الرئيس، والمركزية الباقي).

وفي المقابل، اشتكى مئات من كودار حركة فتح من إقصائهم من عضوية المؤتمر العام، في حين جرى التشكيك في نزاهة عملية اختيار العضوية، بالرغم من أن الإجراءات التحضيرية والترتيبات التي نفّـذتها اللّـجنة التحضيرية ولجنة العضوية، على مدار العامين الماضيين.

وقد أدّت هذه الأجواء، التي أضيفت إلى تراكُـمات العقدين المنصرمين، إلى خلق حالة من التشكيك خارج المؤتمر وحالة من الاستقطاب الكبير داخل المؤتمر، لاسيما وأن لا أحد يعرف بالتحديد إذا ما كان المؤتمر السابع سينعقـد أو في أية ظروف.

ولعل محمد دحلان، الرّجل المثير للجدل وأحد أهم المنتصرين في انتخابات المؤتمر السادس لحركة فتح، والذي راهن كثيرون على خسارته معتقِـدين أن تهمة مسؤوليته عن سقوط غزة بين يديْ حماس، كفيلة بإخراجه من اللُّـعبة السياسية الفلسطينية.

ويعتبر دحلان وجبريل الرجوب، وهما القائدان السابقان لجهاز الأمن الوقائي القوي في الضفة الغربية وغزة، من الطامحين لزعامة حركة فتح، وبالتالي، التنافس على زعامة الفلسطينيين مستقبلا، لكن ذلك لا يلغي أبدا مكانة مروان البرغوثي، أمين سِـر الحركة في الضفة الغربية، الذي تعتقله إسرائيل منذ سبعة أعوام، بعد أن حاكمته بالسجن المؤبد خمس مرات.

وبالرغم من شعبية البرغوثي، داخل وخارج فلسطين، إلا أن مناصريه ومؤيِّـديه في انتخابات اللجنة المركزية الأخيرة، لم يُـسعِـفهم الحظ، بل أن الحديث يجري داخل أروقة فتح عن انتهاء جناح البرغوثي. وقد ترشح كلّ من القيادييـن المحلييـن، قدورة فارس ومحمد الحوراني وحسام خضر، وهم من مؤيِّـدي البرغوثي، دون أن ينجح أيٌّ منهم.

أما الخاسر الأكبر في الانتخابات، فهو أحمد قريع (أبو علاء)، مهندس اتفاق أوسلو ومسؤول التعبئة والتنظيم لحركة فتح، الذي أشرف بشكل رئيسي على اختيار أعضاء المؤتمر وعلى التحضير له. وقبل وقت قصير جدا، كان يُـنظر إلى قريع على أنه الرجل الثاني في الحركة.

وهناك أيضا من كِـبار الخاسرين، نبيل عمرو، سفير فلسطين لدى مصر وممثلها في الجامعة العربية. ويعتبر عمرو من أهم المتحدِّثين باسم حركة فتح ومن أشدّ المنتقِـدين لحركة حماس، لكن ذلك جميعا ورغم قربه من الرئيس عباس، لم يسعفه في الفوز بمقعد في لجنتها المركزية.

ما بعد المؤتمر

على مدار السنوات الأخيرة وُجِّـهت لحركة فتح انتقادات شديدة، بلغت ذِروتها مع سيطرة حماس على قطاع غزة، ولا زالت الحركة مطالبة بعد انفضاض مؤتمرها العام من التقدّم بموقف واضح إزاء الانقسام الذي ترك تداعيات كثيرة على المشهد العام الفلسطيني.

ويرى المحلِّـل السياسي محمد هواش أن حركة فتح، وبعد أن استعادت وِحدتها وخرجت قوية من المؤتمر العام السادس، فإنها ستكون مهيّـأة أكثر لخوض مجموعة من المعارك السياسية، التي يتوجّـب عليها مُـواجهتها. وقال هواش في حديث لـ swissinfo.ch “لدى فتح الآن أساس أكبر من التوحد والقوة، مما سيتيح لها مجال العمل بمرونة وسهولة أكثر من السابق”.

لكن الأمور لن تكون بمثابة شهر عسَـل، بل إن ما ينتظر فتح بعد مؤتمرها، لا زال صعبا وقاسيا ويترتّـب عليه اتِّـخاذ قرارات حاسمة. ويقول هواش، إنه بالرّغم من التأييد شِـبه المُـطلق الذي حصل عليه عباس من المؤتمر، فإنه لن يستطيع تجاهُـل اللجنة المركزية الجديدة والقوية.

وسيكون على عباس وزملائه في اللّجنة المركزية الجديدة لحركة فتح، خوض معركة الحوار الوطني مع حماس، التي ما زالت تتمتّـع بقوة وصلابة وتُـؤثر في الساحة الفلسطينية الخارجية والداخلية، إضافة إلى إثبات موقف قوي إزاء العملية السياسية مع إسرائيل، لاسيما الموقِـف من عدم العوْدة إلى المفاوضات مع حكومة بنيامين نتانياهو الإسرائيلية، إلا بشرط وقف الاستيطان.

ومن شأن هذه المسألة أن تلقي بظلالها على العلاقة مع حماس أيضا، التي تتهيّـأ لعقد صفقة تبادل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين مع إسرائيل، مقابل إطلاق سراح الجندي المختطف في غزة جلعاد شاليط، وهي صفقة إن تمّـت، من شأنها أن تجدّد قوة حركة حماس أمام قوّة فتح الجديدة.

ويعتقد الكاتب عبدالله عواد، المقرّب من حركة فتح وهو أحد الذين لم يحظَـوا بعضوية المؤتمر العام الأخير، بالرغم من انتمائهم للحركة، أن نتائج مؤتمر فتح الأخيرة، “ليست سوى مجرّد هروب إلى الأمام للحركة من الهزائم التي لحِـقت بها خلال السنوات الماضية”.

وكتب عوّاد في صحيفة الأيام، الصادرة في رام الله والمقرّبة من فتح أيضا يقول “فشلت فتح في انتخابات المجلس التشريعي واعترفت بفشلها، وفشلت في اختبار القوّة مع حماس في غزة وفشلت في اختبار المال في الضفّة، ولم يجرُؤ أحد على التوقّـف عند هذه الهزائم التي مُـنيت بها فتح، وكأنها هزائم مسؤولة عنها قيادة الصومال، ولا علاقة لقيادة حركة فتح بها”.

وأضاف أن “القفز عن الهزائم إلى الأمام، هو خطوة في الهواء لن تستمر طويلا، وهكذا، حين تلامس الأرض، تجد نفسها أمام مأزق أكبر من السابق”.

هشام عبدالله – رام الله – swissinfo.ch

أعلن يوم الأربعاء 12 أغسطس 2009 في بيت لحم بالضفة الغربية عن النتائج الرسمية لانتخابات اللجنة المركزية للمؤتمر السادس لحركة فتح، التي فاز فيها تسعة عشر عضوا (بسبب تساوي مرشحين في الأصوات)، وجاءت النتيجة النهائية على النحو التالي:

1. أبو ماهر غنيم: 1368 صوتا
2. محمود العالول: 1102 صوتا
3. مروان البرغوثي: 1063 صوتا
4. ناصر القدوة: 964 صوتا
5. سليم الزعنون (أبو الأديب): 920 صوتا
6. جبريل الرجوب: 908 أصوات
7. توفيق الطيراوي: 903 أصوات
8. صائب عريقات: 863 صوتا
9. عثمان أبو غربية: 854 صوتا
10. محمد دحلان: 853 صوتا
11. محمد المدني: 821 صوتا
12. جمال محيسن: 733 صوتا
13. حسين الشيخ: 726 صوتا
14. عزام الأحمد: 690 صوتا
15. سلطان أبوالعينين: 677 صوتا
16. الطيب عبد الرحيم: 663 صوتا
17. عباس زكي: 642 صوتا
18. نبيل شعث: 641 صوتا
19. محمد اشتيه: 641 صوتا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية