مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

إخوان مصر بين “الخيار التركي” و”الكارثة الجزائرية”

قبل صدور بيان القوات المسلحة، أجرى الرئيس المصري محمد مرسي لقاء مع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بحضور رئيس الوزراء هشام قنديل (صورة وزعتها الرئاسة المصرية يوم 1 يوليو 2013) Keystone

يبدو أن مصير حكم الأخوان المسلمين في مصر قد خُتِمَ وانقضى الأمر. وهو يتراوح الآن بين قدرين: إما فترة انتقالية بإشراف الجيش على النمط التركي ما قبل الأردوغاني، أو حرب أهلية ضروس على النمط الجزائري.

الخيار الأول طرح نفسه بقوة بعد أن دخل الجيش على خط الأزمة، وبقوة وسرِّية مفاجئين، ما أوحى أن المؤسسة العسكرية كانت تعرف سلفاً الحجم الضخم للتظاهرات ضد الإخوان المسلمين في البلاد.

وهذا كان واضحاً من إشارة بيان وزير الدفاع السيسي إلى أن الجيش يملك “خطة طريقة لمرحلة ما بعد الأزمة”. وبالطبع، مثل هذه الخريطة الدقيقة لايمكن أن تُولد بين ليلة وضحاها، بل هي تتطلب وقتاً مديداً وتخطيطاً بعيد المدى.

هذه النقطة الأخيرة بالتحديد، هي التي تجعل المرحلة الحالية من تجربة الإسلاميين المصريين في عملية الإنتقال إلى الديمقراطية، شديدة الشبه بالتجربة التركية.

التجربة التركية

ففي عام 1997، حين وصل زعيم الإسلاميين الأتراك نجم الدين أربكان إلى السلطة محمولاً على أكتاف الناخبين المسلمين (المؤمنين كما الحزبيين)، مارس نفس السياسة التي يمارسها الآن الإخوان المسلمون المصريون تقريبا ، أي محاولة أسلمة الدولة بسرعة، وخلق شرخ في الإجماع الوطني حول وسائل الإنتقال إلى الديمقراطية، والتحرُّك لإدماج الدولة في حزبه الإسلامي بدل العكس.

أخوان مصر فعلوا الشيء نفسه: فهم اعتقدوا أن الفوز بنصف أصوات المصريين أمر كاف بالنسبة إليهم لإسباغ الشرعية على عملية سيطرة تنظيمهم شبه السري على بنية الدولة العلنية ومؤسساتها وبيروقراطياتها، فضربوا عرض الحائط بمفهوم الإجماع الوطني الخطير والحاسم في المراحل التأسيسية الجديدة للدولة – الأمة، وفشلوا في تقدير حجم المعارضة التي قد تنشأ ضدهم من قِبَل الدولة والمجتمع ضد عملية الأخونة هذه.

في تركيا، أدى ذلك إلى انقلاب الجيش على أربكان، وإقصاء الإسلاميين عن السلطة لخمس سنوات كاملة. ولم تنته هذه العزلة إلا بعد أن فهم الإسلاميون الأتراك أن “الولاء والبراء” لتنظيمهم يجب أن يتحوّل في السلطة إلى ولاء للدولة وللعملية الديمقراطية، وهذا ما أفرز التجربة الأردوغانية الحالية.

المزيد

المزيد

خيارات الخروج من المأزق الراهن.. محدودة!

تم نشر هذا المحتوى على هذا البيان الذي جاء فيه أنه إذا لم تتحقق مطالب الشعب خلال المهلة المحددة، فسيكون لزاماً على قيادة الجيش أن تعلن عن “خارطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها”، بمشاركة جميع الأطياف والاتجاهات الوطنية المخلصة، دون إقصاء أو استبعاد لأحد.. زاد المشهد السياسي اشتعالاً، حيث هلل له المعارضون معتبرين أنه دليل على انحياز الجيش للمتظاهرين المطالبين برحيل الرئيس محمد…

طالع المزيدخيارات الخروج من المأزق الراهن.. محدودة!

خريطة الجيش

في هذا السياق، يبدو أن الجيش المصري – من خلال البيان التحذيري الذي أطلقه ضد الإخوان بضرورة تسوية الأزمة خلال 48 ساعة – يُخفي في كمّه هذا الحل التركي السابق، أي انتزاع السلطة المنتخبة من أيدي الإخوان، والإشراف على مرحلة انتقالية جديدة تتضمن انتخابات رئاسية قد ينجح فيها مجدداً مرشح الإخوان، لكن بعد أن يكون قد فهم الدرس أن يكون أردوغانياً لا أربكانيا.

والحال أن هذا التطور سيكون في مصلحة جماعة الإخوان نفسها، التي يمكنها حينذاك أن تخرج من إسار قوقعاتها التنظيمية السرية المغلقة إلى رحاب العمل الجماهيري الأوسع الذي جعل حزب العدالة والتنمية التركي يضم في صفوفه 8 ملايين عضو من مختلف المشارب والتيارات، ويفوز في آخر انتخابات عامة بأصوات 30 مليون تركي ثلاثة أرباعهم من غير الإسلاميين.

كما أن هذا التطور من مصلحة عملية الإنتقال إلى الديمقراطية نفسها، لأنه سيوفِّر فرصاً أفضل بكثير لبلورة إجماع وطني حول برامج النهوض الإقتصادي – الاجتماعي والسياسي الصعب، لا بل المستحيل إذا ما استمر الإنقسام والاستقطاب الحاليين في مصر بفعل سياسات الإخوان الإنغلاقية.

الخيار الجزائري

لكن، ماذا لو رفض الإخوان قبول هذه الصيغة التركية، وقرروا مجابهة الجيش وملايين المعارضين بحجة الدفاع عن الشرعية الانتخابية؟

هنا ستفتح الأبواب على مصراعيها أمام الخيار الجزائري الذي برز في أوائل التسعينيات، والذي فجّر حرباً أهلية دموية دامت أكثر من عشر سنوات. وهذا حدث حين ردت التيارات الإسلامية المتطرفة على تحرّك الجيش لوقف العملية الإنتخابية التي صبت لمصلحة الإسلاميين بتفجير أعمال العنف، وجرّت معها إلى المعمعة التيارات الإسلامية المعتدلة، وكانت الحصيلة: مئات آلاف القتلى والجرحى، وعدم تمكُّن الجزائر حتى الآن من إرساء صيغة مستقرة للحكم تحظى بالمقبولية الشعبية.

هذا الخيار الجزائري سيبرز إذا ما بادر الجهاديون المصريون إلى تنفيذ تهديداتهم باستخدام “الحديد والنار” لحماية شرعية مرسي. إذ حينها لن يُفرِّق الجيش المصري ولا نصف الشعب، الذي يلوذ الآن بشعار “تمرد”، بين الجهاديين والإخوان، وستكون المسألة مسألة وقت قبل أن تعود مصر إلى عهد سلطوي – عسكري – أمني جديد أشد وطأة من نظام مبارك.

قد يقال هنا إن الحديث عن حرب أهلية في مصر ليس واردا، لأن هذا البلد استقرت فيه بنية الدولة منذ سبعة آلاف سنة ومجتمعه متناسق وشبه متماسك. وهذا صحيح. لكن الصحيح أيضاً أنه في التاريخ هناك دائماً “مرة أولى”. حدث هذا في كل الحروب الأهلية التي وقعت “للمرة الأولى” في الولايات المتحدة وانجلترا وألمانيا وروسيا وغيرها، ولذا لا يجب استبعادها الآن في مصر.

بيد أن هذا يجب أن ينتظر حصيلة السباق الراهن بين “الخيار التركي” و”الخيار الجزائري” في مصر. وهو سباق خطير، خطير، حقا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية