مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد دعم “الوسيط الدولي” لأجندة الإنقلابيين.. الأزمة الموريتانية إلى أين؟

AFP

رغم أن القذافي لا يُـؤمن بالديمقراطية الانتخابية ولا بالتعدّدية الحزبية، ويروِّج منذ أربعين سنة لِـما يسمِّـيه فكرة "الديمقراطية المباشرة" وحُـكم "اللجان الشعبية"، إلا أن ذلك لم يمنَـع المنظومة الدولية، ممثّـلة في خمس من كُـبريات المنظمات العالمية والإقليمية والقارية، من اختياره وسيطا لحل الأزمة السياسية في موريتانيا، والناجمة أصلا عن الانقلاب العسكري الذي أنهى حِـقبة غير طويلة من الحياة الديمقراطية الانتخابية في البلد.

وتبعا لذلك جاء القذافي إلى موريتانيا حامِـلا معه أفكاره وأطرُوحاته التي تبخس الديمقراطية التعدّدية الحزبية، ونسفه أحلام المتشبثين بها، ويرى فيها تخلّفا فكريا وتقليدا أعمى للغرب.

وعلى طريقته المعهودة، خطب القذافي في فرقاء الأزمة السياسية الموريتانية قائلا “إن الأزمة قد انتهت والحل الأمثل لها هو ما اقترحه العسكريون من الانتخابات التي ستجرى في السادس من يونيو القادم”.

فكان أن ردّ قادة “الجبهة الوطنية للدّفاع عن الديمقراطية” المناوئة للانقلاب، بالإنسحاب من الاجتماع الذي كان القذافي يخطب فيه، وأعلنوا بعد لقاء مع الرئيس المعزول سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وبتنسيق مع زعيم المعارضة الديمقراطية أحمد ولد داداه، المؤيد للانقلاب، أن الوساطة الليبية قد فشلت وانتهى دور العقيد القذافي، وعلى المجتمع الدولي أن يبحث عن حلّ بديل.

القذافي أقنعته الأجندة أم ظروف الزيارة؟

القذافي، الذي استدعى أطراف الأزمة إلى ليبيا قبل قدومه إلى نواكشوط ليستمع منهم، جاء إلى موريتانيا وجمع فرقاء الأزمة في صـلاته السنوية المعهودة بمناسبة الاحتفالات بعيد المولد النبوي الشريف، ثم أعلن أن الأجندة التي تقدّم بها الحاكم العسكري الجنرال محمد ولد عبد العزيز، تمثل حلا مقبولا للأزمة السياسية، وهي الأجندة التي تقوم على مبدإ تنظيم انتخابات رئاسية في السادس من يونيو القادم، يقدِّم الجنرال ولد عبد العزيز استقالته من الحُـكم قبلها بخمسة وأربعين يوما ويتولّى خلالها تسيير شؤون البلاد رئيس مجلس الشيوخ، ويفتح الباب أمام جميع الرّاغبين في الترشح لتلك الانتخابات.

هذه الأجندة التي بدت مُـقنعة للقذافي، خصوصا وأنه دخل نواكشوط في وقت كانت فيه الجرّافات تزيح المتاريس التي تحمي مبنى السفارة الإسرائيلية في نواكشوط، وطاقم السفارة يغادر الأراضي الموريتانية، بعد أن قرّر الجنرال ولد عبد العزيز طردهم من نواكشوط قبل وصول الزعيم الليبي إليها، بل وأكثر من ذلك، يجري الحديث عن قرار بتحويل مبنى السفارة الإسرائيلية إلى مقرّ لجمعية القذافي الخيرية في نواكشوط، وهي كلها أمور يرى المراقبون أنها ساهمت في إقناع القذافي بدعم طرح قادة الانقلاب، خصوصا إذا تذكّـرنا أن مطلب إغلاق السفارة الإسرائيلية بنواكشوط، ظلّ مطروحا من طرف القذافي وكان السبب في توتّـر علاقاته مع الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.

مناهضو الانقلاب.. أتعاب على أتعاب

لكن، ما لا يمكن تجاهله هنا، أن القذافي لم يأت إلى موريتانيا بمحضِ الصُّـدفة ولم يتدخّـل في أزمتها السياسية وسيطا متطفِّـلا، وإنما جاء بتكليف من مجموعة الاتِّـصال الدولية، التي تضم إضافة إلى جانب الاتِّـحاديْـن، الإفريقي والأوروبي، كلاًّ من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمة العالمية للفرانكفونية، فضلا عن كونه رئيسا للاتحاد الإفريقي، هذا الاتحاد الذي اتخذ منه العالم قناةً للتّـعامل مع الملف الموريتاني منذ انقلاب السادس من أغسطس عام 2008، وبالتالي، فإن موقف القذافي الدّاعم لأجندة انتخابات السادس يونيو، التي أقرّها الحكّـام العسكريون، لا يمكن للمراقب العادي إلا أن يحسب لها ألف حساب. فالرجل بما يمثله من منظمات انتدبته، قد اتّـخذ قراره وحسم أمره وأعلن أن الحلّ فيما اختاره العسكريون، وأن عودة الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله إلى السلطة، لم تعد مطلبا واردا.

وإذا كان هناك اعتقاد في أن بعض المنظمات الأعضاء في “مجموعة الاتِّـصال الدولية حول موريتانيا” لن تقبل بما أقرّه القذافي من اعتماد لأجندة المجموعة الانقلابية الحاكمة، إلا أن مهمّـة معارضي الانقلاب في الداخل والخارج زادت تعقيدا على تعقيد، خصوصا وان القذافي تعهّـد بأن يراقِـب الاتحاد الإفريقي الانتخابات الرئاسية القادمة في موريتانيا، وقال إنه لا مجال لفرض عقوبات على موريتانيا بعد تلك الانتخابات.

وإذا ما تمكّـن من الوفاء بالتزامه واستطاع أن يعدل من موقِـف الاتحاد الإفريقي المتشدّد ضد المجلس العسكري الحاكم، ليُـصبح مراقبا لانتخابات أقِـرّت من جانب واحد، فإنه يمكن القول حينها أن الانقلابيين في نواكشوط حقّـقوا اختراقا كبيرا في موقف المنظومة الدولية المتصلب ضدّهم، والتي فوضت الاتحاد الإفريقي في الملف الموريتاني وأعلنت مباركتها لكل خطواته تجاه موريتانيا، بما في ذلك العقوبات التي أقرّها مجلس الأمن والسِّـلم الإفريقي على الحكام العسكريين ومؤيِّـديهم من المدنيِّـين، وهي العقوبات التي قال رئيس الاتحاد الإفريقي وهو يغادر نواكشوط، “إنه لا مجال للحديث عنها بعد أن تنظم الانتخابات القادمة”.

فهل يمكن القول أن القذافي عقَّـد الأزمة الموريتانية أكثر مما هي معقّـدة، أم أنه فتح ثَـغرة كبيرة في طَـوق الرّفض الدولي للواقع الموريتاني الجديد المفروض بقوّة الانقلاب، وبالتالي، فقد مهّـد الطريق أمام موريتانيا بحكّـامها الجدد، للعودة إلى المحافل الدولية، دون عقبات أو عقوبات؟

النفوذ اللِّـيبي في إفريقيا..

لو عدنا قليلا إلى الوراء لنتذكر كيف قام الاتحاد الإفريقي الذي فوّضه العالم مسؤولية الملف الموريتاني وفوض قيادته للزعيم الليبي معمر القذافي، سنجِـد أن هذا الإتحاد قام أصلا بمبادرة ليبية على أنقاض منظمة الوحدة الإفريقية، وكل الخطوات التي قطعتها هذه المنظمة حتى الآن، كانت باقتراح أو دعم مباشِـر من ليبيا، التي تسعى لأن تُـصادق هذه المنظمة الإقليمية قريبا على دستور “الولايات المتحدة الإفريقية”، بعد أن نقل القذافي حلمه من إقامة “الوحدة العربية” المتعذّرة إلى “الوحدة الإفريقية” المنشودة، وبالتالي، فإنه حين نتحدّث عن نفوذ ليبي ودور مِـحوري للقذافي في شؤون الاتحاد الإفريقي، وهو لم يتولَّ رئاسته بعدُ، أفَـلا يُـمكن أن نتنبّـأ له بنفوذ أكبر وهو يقود هذا الإتحاد اليوم؟

وعلى ضوء مُـعطيات هذه القراءة، يتنفّـس عسكريو موريتانيا وأنصارهم الصُّـعداء، ويعتقدون أنهم استطاعوا اختِـراق الموقِـف الدولي من أقوى حلقاتِـه (الاتحاد الإفريقي)، بل وأكثر من ذلك، يتطلعون إلى دور ليبي داعِـم لهم في المحافل الدولية الأخرى، حين تتولّـى ليبيا في الأسابيع القادمة رئاسة مجلس الأمن الدولي، ويروْن أنه لا مجال للحديث عن رفضٍ دولي للانتخابات القادمة، إذا كان الاتحاد الإفريقي يُـراقبها ويُـقرّ بنتائجها.

أما معارضو الانقلاب، فيراهِـنون على أن المجتمع الدولي لن يقبَـل ما أقرّه القذافي من جانب واحد، ويجزِمون بأن المنظمات الدولية والقِـوى الإقليمية مصمِّـمة هذه المرّة على إفشال انقلاب موريتانيا، باعتبار ذلك رسالة واضحة لكل الأفارقة بأن عصر الانقلابات قد ولّـى إلى غير رجعة.

ويقول أنصار “الجبهة الوطنية للدِّفاع عن الديمقراطية”، إن موقف القذافي لا يعبِّـر عن موقف الاتحاد الإفريقي، ويتّـكِـئون على ما سمعوه ولمسوه لدى بعض قادة الدول الإفريقية، وكل من رئيس لجنة الاتحاد الإفريقي جون بينغ، ومفوض السلم في الاتحاد رمضان لعمامرة، من تعنّـت ضد الانقلاب ورفض مُـطلق له، فضلا عن موقِـف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، رغم تفاوُت في لهجات الرّفض وآليات التّعاطي.

فالاتحاد الأوروبي كمنظومة إقليمية، ما يزال مصمِّـما على رفض التّـعاطي مع السلطات المُـنبثقة عن انقلاب السادس من أغسطس الماضي، وإن كانت بعض دول هذا الاتحاد عبّـرت عن مواقف تحمل الكثير من المُـرونة حِـيال حكّـام نواكشوط الجدد، سواء عن طريق سفراء تلك الدول في نواكشوط أو تصريحات وتصرّفات بعض وزرائها، كإسبانيا وفرنسا وألمانيا.

أما الولايات المتحدة الأمريكية، فتبدو حتى الآن الأكثر تشدّدا في رفض الانقلاب والتعامل مع الانقلابيين، ويُـصر دبلوماسيوها في نواكشوط على التّـعاطي مع الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، باعتباره الرئيس الشرعي لموريتانيا.

ماذا بعد زوْبَـعة القذافي؟

وبين هذه المواقف المُـتباينة، يحبِـس فرقاء الأزمة السياسية في موريتانيا أنفاسهم، انتظارا للاجتماع المُـرتقب لمجموعة الاتِّـصال الدولية حول موريتانيا قبل نهاية شهر مارس الجاري، لمعرفة ما إذا كانت المنظومة الدولية ستضرب بموقف وسيطها معمر القذافي عرض الحائط وتواصل في أجندتها المتشددة حيال انقلابيي موريتانيا، أم أن رئيس الاتحاد الإفريقي سيكون قادرا على زعزعة الموقف الدولي أو شقه ـ على الأقل ـ وهو ما يجد سنَـدا له في مواقف بعض المنظمات الإقليمية، التي عارضت منذ البداية فرض عقوبات على موريتانيا ودعت لاعتماد الحوار والعمل السياسي، كأساس لحلّ الأزمة الموريتانية، وفي مقدمة هذه المنظمات، جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

وإلى أن يتبيّـن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من موقِـف المجموعة الدولية حيال تطوّرات ملف الوساطة الليبية، يبقى كل فريق من فرقاء الأزمة يعمل على شاكلته ويغنِّـي على ليلاه. فالعسكريون ماضون قُـدما في تنظيم الانتخابات، دون اكتراث برفض أنصار الرئيس المخلوع لها، وقد شرعوا بالفعل في الترتيبات الممهّـدة لتنظيم تلك الانتخابات، التي صرّح رئيس المجلس العسكري الحاكم الجنرال محمد ولد عبد العزيز بأنه “لا رجعة عنها”، رغم إعلان حليفه السابق زعيم المعارضة أحمد ولد داداه مقاطعته لتلك الانتخابات ورفضه لنتائجها مُـسبقا.

أما الجبهة الوطنية للدِّفاع عن الديمقراطية المؤيدة للرئيس المخلوع، فإنها تواصل إصرارها على رفض الاعتراف بالسلطات الانقلابية وتتشبّـث بحل وحيد ترى أنه لا مناص منه لفكّ عقدة الأزمة المستعصية، وهو فشل الانقلاب وعودة ولد الشيخ عبد الله إلى سدّة الحكم، وحينها يكون لكل حادث حديث.

محمد محمود أبو المعالي – نواكشوط

نواكشوط (رويترز) – شدد الوزير المستشار لدى رئاسة المجلس العسكري الحاكم في موريتانيا محمد ولد أمين على ان بلاده “ترفض بشدة التدخل الخارجي في شؤونها”، داعيا خصوم المجلس العسكري الى وقف الحملات الاعلامية واحترام القانون.

وقال ولد امين خلال مؤتمر صحفي عقده في مباني رئاسة المجلس العسكري يوم الثلاثاء 17 مارس 2009، إن “الانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من يونيو القادم، سيشرف على مراقبتها الاتحاد الافريقي وتجمع دول الساحل والصحراء، اضافة الى اتحاد دول المغرب العربي”، ولم يشر الى دعوة مراقبين غربيين. وقال ولد امين إن “رئاسة الدولة تُـدين حادث الاعتداء على الصحفيين يوم الاثنين 16 مارس، وتعتذر لهم”.

وبخصوص اعتقال الصحفي ابو العباس ولد ابرهام، قال ولد امين إن المجلس يدين الاعتقال وانه ليس لدى الرئاسة أي علم به وسيتم فتح تحقيق في الموضوع، وأشار الى أن الملف لدى القضاء حاليا وهناك اجراءات قضائية عادية يتعين المرور بها حسب قوله.

وكانت الشرطة الموريتانية قد فرقت بالقوة مساء الاثنين 16 مارس عشرات الصحفيين الذين كانوا يحتجون أمام مقر الامم المتحدة في نواكشوط تضامنا مع ولد أبرهام، الذي اعتقل بسبب نشره لمقال ينتقد الحكام العسكريين في موريتانيا عبر صحيفة “تقدمي” الالكترونية. واستخدمت الشرطة الهراوات والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، فيما تعرض ثلاثة من الصحفيين للضرب على يد عناصر الشرطة.

وقال الصحفي عبد الله ممين، رئيس مبادرة الدفاع عن الصحفيين “إن تصريحات مستشار رئيس الدولة بشان قمع الصحفيين واعتقال الصحفي ابو العباس ولد ابرهام، مشجعة للأوساط الصحفية، خاصة اعتباره الإعتقال مُـدانا ونفي أي علم به لدى رئاسة الدولة”. وشدد ممين على أن “هذه الخطوة سابقة طيبة في مقابل سابقة قمع الصحفيين السيئة”، حسب تعبيره.

ودعت مبادرة الدفاع عن الصحفيين إلى وقفة تضامن مع الصحفي أبو العباس ظهر يوم الاربعاء 17 مارس في مباني وزارة الإعلام على أن تكون “تلك الوقفة حكرا على الصحفيين تجنبا لتوظيفها سياسيا من قبل بعض الجهات”، بحسب رئيس المبادرة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 17 مارس 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية