مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مستقبل جماعة العدل والإحسان المغربية يثير التساؤلات

يوم الجمعة 14 ديسمبر 2012، شيع عشرات الآلاف من المغاربة الشيخ عبد السلام ياسين إلى مثواه الأخير في الرباط Keystone

أعادت وفاة الشيخ عبد السلام ياسين، مرشد جماعة العدل والإحسان المغربية ذات المرجعية الإسلامية، طرح سؤال أقوى الجماعات والتيارات السياسية في البلاد، سواء فيما تعلق بقدرتها على تدبير الجماعة لخلافة مؤسسها أو تدبير فعلها السياسي وهي جماعة حتى الآن محظورة رسميا وشبه محظورة عمليا رغم حضورها الفاعل والقوي في كافة التظاهرات الكبرى التي تشهدها المملكة.

الشيخ عبد السلام ياسين الذي أطلقت عليه الجماعة لقب “الإمام” بعد وفاته، أسلم الروح يوم الخميس 13 ديسمبر 2012 عن 84 عاما، وأقرت الشخصيات السياسية الرسمية والحزبية والفكرية المغربية احتراما وتقديرا كبيرا للشيخ الذي صمد على مواقفه وتمسك بمبادئه رغم ما لحقه وجماعته من ضيم، اعتقالا أو إقامة إجبارية، ونأى في الوقت نفسه بنفسه وجماعته عن العنف.

وقبل أن يواري عشرات الألوف، من مريديه وأنصاره، جثمان الشيخ الى مثواه الأخير من جامع السنة القريب من القصر الملكي إلى مقبرة الشهداء في جنازة على امتداد 2 كيلومتر ونصف، تردد السؤال عن خليفة الشيخ مرشدا عاما للجماعة التي كشفت الجنازة عن قوتها في التعبئة والتنظيم والإنضباط، ورشح اسم الشيخ محمد العبادي أكبر اعضاء مجلس الإرشاد سنا إلى جانب أسماء أخرى.

فتح الله ارسلان الناطق الرسمي باسم الجماعة نفى، وبحضور الشيخ العبادي، ما ورد في هذه التقارير، وقال لـ swissinfo.ch: “إن ما تردد جاء بناء على النظام القديم للجماعة الذي ينص على تولى أكبر اعضاء مجلس الإرشاد سنا، لمهمة المرشد، لكن النظام الجديد يقول بانتخاب مجلس شورى الجماعة لمرشدها بانتخابات ديمقراطية”. 

ارتبطت جماعة العدل والإحسان بالشيخ عبد السلام ياسين الذي أصبح شخصية عامة ضمن المشهد السياسي المغربي بعد رسالته الشهيرة ‘الإسلام أو الطوفان’ التي بعث بها سنة 1974 إلى الملك الراحل الحسن الثاني وكان من تداعياتها اعتقاله ثلاث سنوات وستة أشهر من دون محاكمة، أدخل في فترة منها بالإكراه إلى مستشفى الأمراض العقلية والأمراض الصدرية.

في سنة 1981 أعلن ياسين عن تأسيس ‘أسرة الجماعة’ التي أصبحت فيما بعد جماعة العدل والاحسان وأصدر مجلة ‘الجماعة’ ثم صحيفتي ‘الصبح’ و’الخطاب’ وقد تعرضت كلها للتضييق والمنع والمصادرة ثم دخل ياسين السجن مرة أخرى (لمدة عامين) بسبب مقال ‘قول وفعل’، الذي انتقد فيه الملك الحسن الثاني حول ادعاء دعم ومساندة الدعوة والدعاة، وبعد خروجه من السجن في ديسمبر 1985، تواصل حضور أجهزة الأمن ومحاصرتها لبيته إلى حين فرض الإقامة الإجبارية عليه يوم 30 ديسمبر 1989 التي استمرت لأزيد من عشرة أعوام.

قبل رفع الاقامة الإجبارية عنه بشهور قليلة، وجه ياسين إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس في 28 يناير 2000 ‘مذكرة إلى من يهمه الأمر’ شبيهة بتك التي وجهها إلى والده الحسن الثاني، لكن بلهجة أخف وتحمل ودا وهداية حثه فيها على ‘رد المظالم والحقوق التي انتهكت في فترة حكم والده’.

رفعت الإقامة الإجبارية عن عبد السلام ياسين في أواسط شهر مايو 2000، قام على لإثرها بزيارات شملت مختلف مدن المغرب شمالا وجنوبا شرقا وغربا استمرت أسابيع التقى أثناءها بأعضاء جماعة العدل والإحسان التي كانت تشكل آنذاك فعلا سياسيا بالمشهد السياسي المغربي، إلا أنها امتنعت عن المشاركة في المسلسل الإنتخابي بالبلاد ‘لعدم ثقتها بنزاهة وديمقراطية’ هذه الإنتخابات من جهة وبسبب تحفظها أيضا على الدستور والقوانين المنظمة للإنتخابات.

من الصعب تقدير الحجم التنظيمي للجماعة لكن قوتها تظهر من خلال النشاطات الجماهيرية، وخاصة في التظاهرات والمسيرات التي تتعلق بالقضايا الإسلامية كالقضية الفلسطينية والإحتلال الأمريكي للعراق، حيث باتت منذ بداية الألفية الثالثة القوة الرئيسية في هذا الصنف من التظاهرات.

كانت الجماعة أحد المكونات الرئيسية لحركة 20 فبراير الإحتجاجية التي طالبت بإصلاحات جذرية في السياسة والاقتصاد في سياق حراك الربيع العربي، وأدى خروج الجماعة من الحركة في نوفمبر 2011 إلى تراجع زخم التظاهرات في الشارع المغربي، وبدلا من مشاركة مئات الألوف باتت المشاركة تقتصر على مئات الاشخاص.

حسب أوساط الجماعة، شارك أكثر من 300 ألف شخص في تشييع جنازة الشيخ عبد السلام ياسين يوم 14 ديسمبر 2012 في ظل انضباط وتنظيم محكم. في الأثناء، أشارت بعض المصادر إلى أن السلطات تمنت على الجماعة عدم الحشد في الجنازة لضمان أمنها كما تحدثت تقارير عن منع السلطات ناشطي الجماعة في عدد من المدن من مغادرتها للمشاركة بالتشييع في الرباط.

مؤسسات “جماعية”

لا شك في أن مسألة اختيار مرشد عام جديد للجماعة ليست بالأمر الهين، فالشيخ ياسين لم يكن مرشدا عاما أو مؤسسا للجماعة فقط، بل كان زعيما روحيا ومحل تقدير كبير لدرجة التبجيل لدى مُريديه، كما شكل صموده أمام ما تعرض له على مدى عشرات السنين من اعتقال نبراسا لهم إضافة إلى ثقافته الواسعة وقدرته على التبشير بأفكاره وتواضعه.

وفي معرض التعليق على احتمال ترشيحه للمنصب، قال الشيخ محمد العبادي: “أنا مجرد رجل بسيط ولا أتوفر على مؤهلات الزعامة، والجماعة لا تقيم وزنا لمسألة القيادة بقدر ما تجعل من أمور الدين والتقرب إلى الله انشغالها الأساسي”، مشيرا إلى أن مجلس الشورى يختار المرشد الجديد من بين أعضائه وفق الإجراءات القانونية التي تخضع لها الجماعة. ومن جانبه، أوضح القيادي فتح الله ارسلان أن الجماعة تعمل مؤسساتيا بنظام يقوم على مبدإ الشورى والإدارة الجماعية، وأنها تقوم بتطوير أجهزتها التنظيمية دوريا كل خمس سنوات.

مع ذلك، لم تكن الصعوبة المرتبطة بمسألة اختيار خليفة الشيخ ياسين، بادية على قيادات الجماعة الذين حرصوا على تجاهل الموضوع أمام الرأي العام، وعزا البعض ذلك إلى أن سؤال الخلافة كان مطروحا على قيادات الجماعة وبناء على توجيهات من الشيخ ياسين، منذ عدة شهور وأن تداوله كان يجري في نطاق ضيق حتى يتم الإنتقال بسلاسة ودون أية انعكاسات سلبية على أداء الجماعة خلال المرحلة القادمة التي تحمل معها أيضا أسئلتها الملحة والمؤرقة.

غموض لا يُريح أحدا

بُعيد الاعلان عن وفاة الشيخ ياسين، اتجهت الأنظار نحو القصر الملكي وأيضا نحو حكومة عبد الإله بن كيران زعيم حزب العدالة والتنمية وشريك الجماعة بالمرجعية الإسلامية، بانتظار ما سيصدر عن الجهتين من إشارات تساعد على الإجابة عن سؤال مستقبل الجماعة بالمشهد السياسي المغربي.

الإشارات المرتقبة لم تأت من القصر أو من رئيس الحكومة الذي جاء للعزاء في منزل الشيخ. فرغم إعلانه عن هذا الحضور، لم يشارك بن كيران أو أي من وزرائه في مراسم جنازة الشيخ باستثناء وزير العدل والحريات مصطفى الرميد في ظل تسريبات زعمت أن المراجع العليا طلبت من بن كيران عدم المشاركة والتنويه إلى أن تعزيته كانت بصفته “الشخصية والحزبية”.

لقد كان من المحتمل أن تساعد الإشارة المنتظرة من الدولة، على تحفيز جماعة العدل والإحسان على التفكير في الإنخراط بالعملية السياسية المغربية، والإنتقال من حالة الجماعة المحظورة أو شبه المحظورة إلى حزب سياسي قانوني.

الدكتور محمد ظريف، الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية كان “يأمل بأن يُبادر القصر الملكي إلى تكليف أحد ممثليه الرسميين، ولِمَ لا الأمير مولاي رشيد، شقيق العاهل المغربي، لحضور مراسيم تشييع جنازة الشيخ ياسين لأن المبادرة ستكون ولاشك محط تثمين وإشادة من جميع الأطياف والفرقاء السياسيين، لكونها ستشكل عاملا هاما لتدشين عهد جديد في علاقة جماعة العدل والإحسان مع المؤسسة الملكية”.

وحسب  رأي ظريف، فإن بإمكان المبادرة – لو حصلت – أن “تقطع مع عهد قد ولّى ومرحلة قديمة لتبدأ مرحلة جديدة، خاصة أن المغرب ولج بالفعل عهدا جديدا بدستور جديد وفق تصورات تدفع إلى تكريس خيار التعددية السياسية وثقافة الإختلاف بين الفاعلين السياسيين بالبلاد”، لكن المبادرة لم تحدث وظل سؤال المشاركة السياسية للجماعة وإزلة الغموض في علاقتها بالفعل السياسي والتحول إلى حزب عادي مطروحا.

من جهته، يرى توفيق بوعشرين، رئيس تحرير صحيفة “أخبار اليوم” أن “هذا الغموض ليس في مصلحة أحد. فهو يعزل الجماعة عن عموم المغاربة الذين يتطلعون إلى التغيير، وخاصة الطبقات المتعلمة والوسطى والتي لا يمكنها أن تقفز مع الجماعة في الظلام”، ويُشدد على أن هذا الغموض لا يستفيد منه “إلا صقور السلطة الذين لا يريدون للجماعة أن تندمج في اللعبة السياسية وأن تاخذ مكانها الذي تستحقه في الحقل السياسي، على غرار حزب العدالة والتنمية الذي تجمعه قواسم مشتركة كثيرة مع الجماعة.”

العدل والإحسان “لا ترفض العمل السياسي”

جماعة العدل والإحسان لديها، رسميا على الأقل، رؤية أخرى، حيث لا يرى القائمون عليها في وفاة الشيخ عبد السلام ياسين، عاملا لتبديلها أو الإنقلاب عليها. وفي هذا السياق، يشير حسن بناجح، عضو الدائرة السياسية ومدير مكتب الناطق الرسمي للجماعة إلى أنه ليس هناك جديد في موقف الجماعة ورؤيتها تجاه شكل التفاعل مع المشهد السياسي للمغرب والتحول الى حزب سياسي.

الجماعة ومنذ تاسيسها بداية ثمانيات القرن الماضي تمسكت بالطابع السلمي والمدني ولم تنزلق إلى العنف أو استعمال السلاح أو تأسيس جناح عسكري وتشبثت باستقلاليتها وعدم تبعيتها للخارج، فلم تنضم إلى حركات إسلامية عالمية، وابتعدت عن الاستعانة بالخارج كما حافظت على علنية نشاطها ومواقفها وتحركاتها، ورغم الضغوطات والملاحقات لم تنزل تحت الأرض والعمل السري المحفوف بالمخاطر والمنزلقات.

واذا كانت هذه نقاطا إيجابية عادة ما تُسجّل للجماعة، فان موقفها من الملكية وإمارة المؤمنين من جهة ورفضها التعاطي مع الدستور ونبذها للمسلسل الإنتخابي المغربي من جهة أخرى ظلت حاجزا يحول بينها وبين السلطات ويمنعها من الولوج الى الخارطة الحزبية الرسمية للبلاد.

وفي تصريحات إلى swissinfo.ch، أوضح بناجح أن قضية تأسيس الأحزاب بالمغرب ليست رهينة برغبة مجموعة سياسية معينة وفق ما تعتقده وتؤمن به من أفكار أو أنها تخضع لإجراءات قانونية واضحة قائمة على تأسيس دستوري بل هي “منحة” تتفضل بها السلطات على من تشاء في الوقت الذي تشاء وبالطريقة التي تشاء.

في هذا السياق، يُذكّـــر حسن بناجح بتعامل السلطات المغربية مع “حزب البديل الحضاري” الذي حظرته رغم حصوله على الترخيص القانوني ومشاركته بالعمليات الإنتخابية كما يُشير إلى منع السلطات لـ “حركة الأمة” من النشاط السياسي كحزب معترف به رغم توفره على كل الشروط القانونية وإلى إصرار وزارة الداخلية على استصدار حُكم يُلغي حكما سابقا يمنح الحركة الحق في النشاط كحزب سياسي.

وأضاف بناجح لــ “swisssinfo” أن موقف السلطات وتعاطيها مع حزب البديل الحضاري وحركة الأمة وهما حزبان اتبعا سلوكا قانونيا وطبقا الإجراءات التي ينص عليها قانون الأحزاب “يؤكد قناعتنا أن المشكلة ليست مشاركة الجماعة بالعمل السياسي بل بالسلطات التي لا زالت تتحكم بالمشهد السياسي”، مضيفا أن “جماعة العدل والإحسان لا ترفض العمل السياسي بل هي في صُلبه”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية