مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد عام من السيطرة على غزة.. حماس في مفترق طرق

فلسطينيون ينتظرون فتح بوابات الحدود في معبر رفح في جنوب قطاع غزة يوم 1 يوليو 2008 Keystone

فى 15 يونيو الماضى، كان قد مر عام على استيلاء حماس على السلطة فى غزة، أيا كان مسمى ماحدث، وما يبدو الآن هو أن تجربة حكمها للقطاع خلال تلك الفترة لم تفرز نتائج محددة تجعلها راغبة بوضوح فى التخلى عن السيطرة عليه، أو مندفعة بقوة فى اتجاه إقامة "إمارتها" المستقلة على أرضه.

المشكلة أنه بينما تتردد الحركة بين التفكير فى وضع الشريك، أو العمل على شرعنة “البديل”، يزداد انفصال القطاع عمليا عن الدولة الفلسطينية الافتراضية.

لقد سيطرت نظريتان كبيرتان فى تفسير تحرك حماس نحو التهدئة مع إسرائيل، وصرامة قياداتها فى الحديث عن الالتزام بها. تؤكد الأولى على أن الحركة قد أرهقت، وأنها بدأت تدرك أن تجربتها فى غزة تسير نحو طريق مسدود، وأن التهدئة ستقود نحو حوار جاد حول إعادة توحيد السلطة الفلسطينية، بينما تقرر الثانية أن ما حدث ليس أكثر من محاولة لالتقاط الأنفاس، وتحسين الصورة، واكتساب الاعتراف، وربما التفكير فى كيفية مد النفوذ إلى الضفة ذاتها بعد ذلك، وإلى حد الآن لاتوجد عوامل مرجحة بشكل حاسم لأي من النظريتين.

حياة السكان

إن مايجرى داخل القطاع ربما يكون أحد أهم العوامل المرجحة لتوجهات حماس بشأن مستقبل غزة، فقد كان الوصف التقليدى لغزة هو أنها سجن كبير تتسم الحياة فيه بالكآبة والرتابة، فالقطاع مزدحم، ومساحته ضيقة، كما أنه محاصر من كل جانب، ولايوجد به مطار أو ميناء يعملان، كما لاتوجد به وسائل ترفيه شعبية (كقاعات السينما والمسارح والحدائق) سوى ساحل البحر خلال الصيف، وكافتيريا كبيرة كثيرا ما تتعرض للمشاكل، ولاتربطه بالعالم الخارجي سوى معابر مغلقة أو غير منتظمة العمل فى العادة.

لقد أصبح هذا الوضع أكثر سوءا تحت حكم حماس، فى ظل إغلاق شبه دائم للمعابر، وتوترات مستمرة على حدود القطاع مع إسرائيل ومصر، ويذكر بعض من زاروا القطاع مؤخرا، أن الشوارع أصبحت خالية من المارة وكأن ثمة “حظر تجول”، فالقطاع الأكبر من السكان أصبحوا فى “إجازة طويلة”، وأدى عدم توفر الوقود إلى تقليص حركة السيارات، كما أدى سوء حالة الخدمات إلى العودة لأساليب بدائية فى إدارة شؤون الحياة اليومية.

النقطة المثيرة للاهتمام هى أنه لايوجد اتجاه محدد لتحميل المسؤوليات من جانب السكان، فقد يكون من السهل تصور أنه يتم تحميل المسؤولية لإسرائيل أو حتى لمصر، لكن هناك من يؤكد أن معظم سكان القطاع يحملون حماس مسؤولية هذا الوضع، بينما يشير تقدير آخر إلى أن قطاعا ضخما من مؤيدى فتح يحمّلون قيادتهم فى السلطة مسؤولية خذلانهم، إلا أن المؤكد أن قيادات حماس ليست سعيدة بهذا الوضع، وإن كانت تعتقد أنها لم تتح لها فرصة حقيقية للحكم، ولايعلم أحد ما إذا كان ذلك يجعلها أكثر مرونة أم أكثر حنقا.

أمن القطاع

إن التقدير المؤكد حول مسألة الأمن هو أن القطاع قد أصبح أكثر أمنا من ذى قبل، فلم يعد القطاع يشهد حالة الفلتان الأمنى التى اتسم بها دائما، إذ قامت حماس بحل الأجهزة الأمنية القديمة، التى كان عددها يصل إلى 60 ألف فرد، مع تشكيل قوة جديدة تتألف من 13 ألف فرد، استنادا على كتائب القسام والقوة التنفيذية وعناصر غير حماسية، وتمكنت تلك القوة من الحفاظ على النظام العام فى القطاع، لكن تتم الإشارة إلى ما يلي:

1 – أن قوة أمن حماس قد اندفعت فى إتباع أساليب للترويع فى كثير من الأحيان، خاصة تجاه مؤيدى فتح، على نحو أدى إلى الشعور بوجود دولة بوليسية فى غزة، خاصة وأن انهيار القضاء فى المرحلة التالية لعملية الاستيلاء على السلطة جعل مؤسسات الأمن هى الحاكم الفعلى، كما أن بعض الأجهزة ضمت عناصر شديدة التطرف، واختلطت التوجهات الدينية أحيانا بالتوجهات الأمنية، ويشار إلى أنه قد تم التخفيف قليلا من قبضة الأمن.

2 – أن القطاع (بعيدا عن النظام العام) يشهد تناميا يوصف بأنه “خطر للغاية”، لحركات دينية شديدة التطرف، تصل إلى 5 مجموعات صغيرة، بينها عناصر يُزعم أنها تابعة للقاعدة، أو تحمل اسم القاعدة، ويصعب السيطرة عليها، كما يشار إلى تنامى الميول العنيفة لدى قطاع من “شباب فتح” فى غزة، على نحو قد يفتح الباب مستقبلا لحالة فلتان أمنى ثانية، إذا قررت أطراف اللعبة ممارسة ألعاب خطرة، فغزة ليست أرض حماس وحدها.

إن تجربة حفظ الأمن من جانب التيارات الدينية أصبحت مسألة شائعة، نفذتها من قبل حركة طالبان فى أفغانستان، والمحاكم الإسلامية فى الصومال، ويقينا فإن حماس مختلفة، فهناك مؤشرات توحى بأنها قد تخلت عن حلم إقامة “إمارة إسلامية” فى القطاع، بعد أن أدت بعض الممارسات الأولى إلى ردود أفعال غير مواتية، مكتفية بإقامة “إمارة حماسية”.

لكن لاتزال تلك المسألة معلقة، وإذا جرت محاولة أخرى منظمة لاستعادتها، بعيدا عن الأشكال البسيطة الحالية لها، فإنها قد تفتح الطريق لاحتمالات رمادية.

اقتصاد غزة

إن المؤشرات الرقمية تشير إلى كارثة، فأكثر من 80 فى المائة من سكان غزة يعيشون تحت خط الفقر، كما تمثل إمدادات المياه والوقود مشكلة، إضافة إلى عدم توافر مواد أساسية كإسمنت البناء، لكن غزة لاتعاني من “مجاعة”، ولم تشهد ظاهرة طوابير الخبز، وقد ارتبط اقتحام معبر رفح مع مصر – إضافة إلى جانبه المتعمد – بمحاولة المواطنين الفلسطينيين الاستفادة من فوارق الأسعار الرهيبة بين مصر وغزة، بحكم ارتباط اقتصاد غزة بـ “أسعار” الاقتصاد الإسرائيلى.

إن غزة تواجه مشكلة اقتصادية حقيقية تتعلق بانهيار عملية الإنتاج، وتوقف التصدير من المعابر الإسرائيلية، وعدم دخول العمالة الفلسطينية إلى إسرائيل، لكن ليست هناك كارثة مالية. فهناك 78 ألف موظف من العاملين السابقين فى مؤسسات الأمن والخدمة المدنية يتلقون رواتبهم بانتظام عبر البنوك من السلطة الفلسطينية فى رام الله، بشرط عدم الذهاب إلى العمل، فى ظل حد أدنى للمرتبات يبلغ 400 دولار.

كما يشار إلى أن حركة حماس قد تلقت فى الفترة الماضية حوالى 200 مليون دولار من إيران، وحوالى 50 مليون دولار من قطر، قامت بالإنفاق من خلالها على القطاع، يتضمن ذلك قوات الأمن ورواتب حوالى 20 ألف موظف قامت بتعيينهم فى المؤسسات المدنية، ويشير بعض مسؤويى حماس علنا إلى أن هناك “مصدران آخران” للدعم المالى.

يضاف لذلك الضرائب التى تفرض على الخدمات العامة، وتلك الظاهرة المثيرة التى يتم من خلالها فرض جمارك على السلع المهربة من الأنفاق التى يتم حفرها أسفل خط الحدود مع مصر، والتى يرتبط كثير منها حاليا بعمليات نظامية، وليس “بيزنس عائلى” كما كان الحال من قبل. والحصيلة: هناك أموال فى غزة.

احتمالات المستقبل

فى ظل هذا الوضع، توجد تقييمات متباينة لمستقبل القطاع، بافتراض أن الأوضاع الداخلية يمكن أن تدفع فى اتجاه أو آخر، فهناك حالة ركود داخلية مقلقة لقادة حماس، إذ أنها تثير كل أشباح الفشل، ووضع أمنى مستقر، لكن بثمن كبير، وليس إلى مالانهاية، واقتصاد يقاوم الحصار لكنه لايقيم “إمارة”، فكل شئ يدفع فى اتجاهين.

إن هناك إجماع داخلى بين المواطنين فى غزة على أنه لابد من المصالحة، وأن الانفصال ليس خيارا، لكن المشكلة أنه كلما طال مدى حكم حماس، كلما تكرس الانفصال كأمر واقع، فعادة ما تبدأ جماعات ذات مصالح انفصالية فى الظهور، كما تزداد القضايا التى ينبغى التفاهم حولها تعقيدا، وقد تفقد كل النوايا الخاصة بما يقال حول إعادة المقرات وإعادة الدمج وغيرها، معناها، وقد يبدأ سكان الضفة الغربية ذاتهم فى تشكيل توجهات سلبية تجاه قطاع غزة، ويؤكد مراقبون أن بعضا من كل ذلك قد بدأ فعلا.

إن العوامل المرجحة ربما ستأتى من اتجاهات أخرى، كمدى قوة فهم الالتزام الدينى لحركة لديها – مثل كل الحركات الدينية في المنطقة – مفهوم خاص للوطن، إضافة إلى العوامل الخارجية المتعلقة بحلفاء على استعداد للتمويل، وقيادات تعمل فى مفترقات طرق عديدة، مع تأثيرات متباينة لاتجاهات معاكسة: مصرية ترغب فى عودة القطاع إلى الدولة، وإسرائيلية لن تقوم أبدا بهدم سلطة حماس، رغم أنها ستستمر فى معاقبتها.

إن تدارك هذا الوضع يحتاج إلى حكمة، لايوجد أيضا تقدير حول مدى توافرها فى الداخل الفلسطينى، ومن يتابع تفاصيل ماجرى فى الحوارات الوطنية بين الفصائل الفلسطينية فى القاهرة أو الرياض أو صنعاء، قبل أن تصل السنغال، يمكن أن يشكل رأيا حول مستقبل “الحكمة” الفلسطينية، لكن المؤكد أنه إذا تركت الأمور على ما هي عليه عاما آخر، فإنه عندما ستأتى الذكرى القادمة لأحداث غزة، فى 15 يونيو 2009، ستكون عوامل كثيرة قد بدأت تدفع فى اتجاه واحد هذه المرة!

د. محمد عبد السلام – القاهرة

غزة (رويترز) – سعى اسماعيل هنية الزعيم الكبير بحركة حماس يوم الخميس 3 يوليو 2008 الى تهدئة التوتر مع مصر بعد يوم من اشتباك الشرطة المصرية مع مئات من الفلسطينيين الذين حاولوا اقتحام معبر رفح الحدودي وقالت مصر من جانبها انها لن تتحمل المزيد من محاولات الاقتحام.

وقال هنية الذي يرأس حكومة حماس التي تسيطر على قطاع غزة ان كل ما حدث كان تلقائيا وليس مخططا ولم يكن من المقصود أن يحدث.

وقال المتحدث باسم الحكومة المصرية مجدي راضي لرويترز يوم الخميس 3 يوليو ان ما حدث هو “تصرف غير مسؤول” من جانب “قلة غير مسؤولة”، وأضاف “مصر تتحلى بمزيد من الصبر تجاه التعامل مع هذه التصرفات لكن للصبر حدودا.”

وأضاف أن القاهرة ستتعامل مع محاولات اقتحام الحدود بحسم حين تزيد عن حدها.

واستخدمت قوات الأمن المصرية يوم الاربعاء مدافع مياه ضد الفلسطينيين المتجمهرين في المعبر واضطرت قوات الامن التابعة لحماس الى كبح جماح الحشد الذي تدافع لاجتياز المعبر أثناء فتحه لفترة قصيرة.

وألقى بعض الفلسطينيين الحجارة على القوات المصرية وشكوا أيضا من عدم تسريع حماس لمرورهم الى مصر وهي نقطة الاتصال بالعالم الخارجي بالنسبة لأغلب أهل غزة الذين تمنع اسرائيل خروجهم عن طريق البر أو البحر أو الجو.

وعلقت السلطات المصرية العملية بعد الاشتباكات يوم الأربعاء لكنها أعادت فتح المعبر يوم الخميس للسماح لمئات من الفلسطينيين الذين تقطعت بهم السبل في أراضيها بالعودة الى قطاع غزة.

وقال مسؤول في المعبر لرويترز ان 550 فلسطينيا مروا يوم الخميس من مصر الى قطاع غزة من المعبر. وأضاف أنهم طلاب في جامعات مصرية وعربية ومرضى تماثلوا للشفاء وعاملون في الخارج عادوا لقضاء عطلة مع ذويهم.

وقال هنية ان الاشتباكات عند المعبر أثارها أناس أغضبهم الحصار الاسرائيلي لغزة. وأضاف أن الفلسطينيين ومصر لديهم كثير من المصالح المشتركة وبينها الهدنة التي توسطت فيها القاهرة بين حماس واسرائيل وجهود المصالحة بين الحركة الاسلامية وحركة فتح بزعامة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 3 يوليو 2008)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية