مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد فرض حجز على أموال بن علي وأقاربه.. برن تنتظر تحرك العدالة التونسية

تجند الجالية التونسية في سويسرا ساهم في التسريع باتخاذ قرار تجميد أموال الرئيس المخلوع Keystone

أقدمت برن مؤخرا على فرض حجز فوري على الأصول المالية التي يُحتمل أن تكون أودعت من طرف الرئيس التونسي بن علي المخلوع وأقاربه ومن جانب الرئيس غباغبو الذي لم يُجدّد انتخابه في كوت ديفوار في المصارف السويسرية. في المقابل، لا يتوقع مارك بيت، الخبير في محاربة الفساد والرشوة، أن يتم العثور - في حالة بن علي - على أصول مالية كبيرة مُودعة في سويسرا.

وكانت رئيسة الكنفدرالية ووزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي – ري قد أوضحت أمام الصحافة  يوم الأربعاء 19 يناير 2011 أن “هذه الإجراءات (التي اتخذتها برن) تسير في اتجاه تشجيع الدولتين من أجل تقديم طلب مساعدة قضائية في المجال الجنائي”. ويتعلق الأمر أيضا بتفادي تحول الساحة المالية السويسرية إلى وكر لتخزين الأموال المختلسة من الشعبيْن المعنيين.

من جهة أخرى، أضافت رئيسة الكنفدرالية أنه “بالنظر لتطور الأوضاع في تونس، رأت الحكومة الفدرالية أنه يجب التحرك بسرعة واتخاذ كل الإجراءات  لتفادي وقوع ذلك”.

 

ومهما يكن من أمر، فإن مارك بيت، القانوني والخبير في قضايا محاربة الرشوة على المستوى العالمي يشكك في أن تكون عائلة بن علي قد أودعت كميات كبيرة من الأموال في سويسرا.

swissinfo.ch: ما هو تقييمكم للقرار الذي اتخذته الحكومة السويسرية؟

مارك بيت: أعتقد بأنه كان قرارا صائبا. إذ أنه في الوضع الحالي لا يمكن للحكومة الفدرالية أن تتخذ خطوات أخرى غير ذلك. وإذا ما كانت هناك أموال مُـودعـة من محيط بن علي في المصارف السويسرية فعلى هذه البنوك أن تحتجزها من الداخل. وقد تطلب الأمر التحرك بسرعة قبل أن يتم سحب تلك الأموال.

اللهم إلا إذا كانت قد سُحبت بالفعل …

مارك بيت: من الممكن أن يكون ذلك قد حصل. فهذا النظام كان يُنظر له منذ مدة على أنه نظام مقبول. ورغم معرفة الجميع بأنه نظام ذو مشاكل ومتعاط للرشوة، لكنه كان يحظى بدعم فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. لقد كان لزاما أن تتم إدانته مبكرا ولكن هذه الخطوة السياسية لم يجرؤ أحد على اتخاذها، أما اليوم وبعد ذهاب الرئيس تفطن البعض لضرورة فرض حجز على الأموال.

ولكن كيف يمكن لمصرف أن يرفض لرئيس دولة أو شخصية سياسية إيداع أمواله فيه؟

مارك بيت: يجب على البنك أن يقوم بتحليل وضعية من نطلق عليهم تسمية “الشخصيات التي لها بُعد سياسي” أو ما يُعرف اختصارا بـ PPE. هذا لا يعني أن شخصية سياسية ليس بإمكانها فتح حساب بنكي، لكن يجب القيام بتحليل للمخاطر التي يمكن أن تنجم عن التعامل مع شخصية من هذا القبيل.

يضاف الى ذلك أن المشكلة الكبرى التي تعاني منها المصارف وباقي المؤسسات العاملة في الساحة المالية، هي صعوبة التعرف بالضبط على من هو المالك الفعلي للأموال. إذ من السهل جدا إضفاءُ طابع الشرعية على مصادر أموال ولكن بعد أبحاث معمقة فقط يمكن للبنك أن يكتشف أنها ملك لإحدى هذه الشخصيات ذات البعد السياسي.

إذن هناك مشكلتان، أولا: “هل هذه الشخصية خطيرة لحد أنه لا يجب أن نقبل منها أي شيء؟”، وثانيا: “كيف يمكن معرفة ما إذا كانت هذه الأموال ملكا لإحدى هذه الشخصيات ذات البعد السياسي؟”.

ما الذي قامت به سويسرا لتجاوز هاتين العقبتين؟

مارك بيت: لقد تحسنت الأوضاع منذ مدة بفضل سن قانون جديد يُلزم سويسرا بمساعدة الدول التي فيها نظام قضائي لا يقوى على القيام بالإجراءات الضرورية لاستعادة تلك الأموال المُهربة. والسؤال المطروح هل تدخل تونس في نطاق هذه الدول؟ أشك في ذلك لأن تونس تتمتع بنظام قضائي. أكيد أن الأمر يتطلب بعض الوقت لأن هناك صراعا بين الأجنحة، ولهذا السبب سارعت سويسرا إلى فرض حجز على الأموال والممتلكات لأن ذلك سيسمح بكسب مزيد من الوقت لكي تتمكن العدالة التونسية من إعداد طلب مساعدة قضائية (من السلطات السويسرية).

بالفعل، تم فرض حجز على الأصول المالية والممتلكات لثلاث سنوات، فهل هذه المدة كافية؟

مارك بيت: من الصعب الجواب على ذلك لأن الأمر يتوقف على مدى قدرة الدولة (المعنية) على إعداد الإجراءات خلال ثلاثة أعوام، لكنني أعتقد أنه في حال الشروع في القيام بالإجراءات يمكن تمديد فترة الحجز إلى ما بعد ثلاثة أعوام. إذن هذا لا يعني ان فرض حجز لمدة ثلاث سنوات معناه القول للتونسيين “بإمكانكم النوم بدون خوف”، بل يجب توقع أن تشرع الدولة التونسية في اتخاذ إجراء ما. وعند انتهاء الثلاث سنوات يتم تقيم الوضع من جديد واتخاذ قرار عند الضرورة بتمديد عملية الحجز المفروض (منذ يوم 19 يناير 2011) على الأموال.

هل بإمكان هذه العملية أن تغير الصورة  القديمة المعطاة عن سويسرا التي تصورها على أنها ملاذ آمن لأموال الطغاة؟

مارك بيت: لا أعتقد ذلك… إذا ما كنا نتحدث عن الأموال المتأتية من التهرب الضريبي، ولكن فيما يتعلق بسويسرا كملاذ آمن لأموال المجرمين فهذه أصبحت صورة من صور الماضي. أشك في اعتبار أن بن علي أودع أموالا في سويسرا أو أن لديه أموالا ما زالت مُودعة في سويسرا . لأنني لو كنت مكانه، لأودعت أموالي في فرنسا أو في الإمارات العربية المتحدة، أما إيداعها في سويسرا فقد يكون تصرفا غير ذكي.

أستاذ القانون الجنائي في جامعة بازل، ورئيس فريق العمل المعني بمحاربة الرشوة في إطار المعاملات التجارية الدولية بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وعضو مجلس إدارة معهد الإدارة في بازل.

شغل من قبل عدة مناصب، كعضو في فريق العمل المالي ورئيس قسم محاربة الجريمة الاقتصادية والجريمة المنظمة في وزارة العدل والشرطة السويسرية ورئيس لجنة الخبراء الحكوميين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة والمعنية بمحاربة تهريب المخدرات.

ألف العديد من المراجع حول الجريمة الاقتصادية والجريمة المنظمة وغسيل الأموال والرشوة وحول الأحكام والإجراءات في القانون الجنائي.        

 قال محمد عفيف شلبي وزير الصناعة والتكنولوجيا التونسي لرويترز يوم الخميس 20 يناير إن تونس ستسترد جميع ممتلكات أسرة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي سواء كانت أسهما أو عقارات أو أموالا أخرى.

وأطلقت الحكومة الائتلافية الجديدة تحقيقا بشأن ثروات وأنشطة أعمال أقارب بن علي وزوجته.
وقال شلبي لوكالة رويترز للأنباء: “من الواضح أن الدولة سستسترد جميع الاصول التي تخص العائلة.”

وأضاف شلبي “ستسترد الدولة جميع الاصول سواء كانت أسهما في ( شركات) أو أصولا عقارية…وستؤمن بطريقة أو بأخرى ادارة هذه الشركات”. ولم يوضح ما اذا كان ذلك يتضمن تأميم الاصول أو خصخصتها في وقت لاحق.

وكانت السلطات التونسية قررت يوم الأربعاء 19 يناير 2011 فتح تحقيق عدلي ضد بن علي وزوجته وأصهاره. وأفاد مصدر موثوق في تونس أنه “تم الإذن بفتح بحث لدى قلم التحقيق لتتبع الجرائم المتعلقة باقتناء أشياء حسية منقولة وعقارية موجودة بالخارج ووضع تحت نظام آخر من العملات كانت قبل ذلك مُرسمة بحساب مفتوح بالخارج ومسك وتصدير عملة أجنبية بصفة غير قانونية ضد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وزوجته ليلى بنت محمد الطرابلسي وشقيقها بلحسن بن محمد الطرابلسي وصهره محمد فهد صخر بن محمد منصف الماطري وبقية أشقاء وأصهار ليلى بنت محمد الطرابلسي وأبناء وبنات أشقائها وشقيقاتها وكل من يثبت التحقيق ضلوعه في مثل هذه الجرائم”.

(نقله من الفرنسية وعالجه: محمد شريف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية