مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد كانكون.. تجدد الآمال بالتوصل إلى معاهدة دولية جديدة حول المناخ

رغم الصعوبات والجدل المستمر، لا زال الأمل قائما في التوصل لاتفاقية حول المناخ عبر التفاوض الدولي في عام 2011 Keystone

بعد جدل كبير ونقاشات مضنية، توصل مؤتمر كانكون يوم السبت الماضي إلى اتفاق قوبل بترحيب كبير رغم قلة ما تضمنه من قرارات. ولعل أهم ما ورد فيه هو محاولة إنقاذ المسار الأممي الخاص بالتغيرات المناخية.

سويسرا تحدثت عن “نتيجة جيدة لمجرد التوصل الى نتيجة”، في حين اعتبرت الرئاسة المكسيكية للمؤتمر أن “اتفاق مؤتمر كانكون فتح مرحلة جديدة في العلاقات الدولية بخصوص  معالجة التغيرات المناخية”.

إذ قوبل الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد منتصف ليلة الأحد 12 ديسمبر 2010 بالتوقيت المحلي، بتصفيق مكثف من قبل المشاركين رغم معارضة بوليفيا التي رأت أن تخفيضات الدول المتقدمة في  إصدارات غاز ثاني أكسيد الكربون غير كافية.

وفي الواقع تم الترحيب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد أسبوعين من العمل الجاد والنقاش الذي اتسم بالحدة في بعض الأحيان، على اعتبار أنه نتيجة سارة ستسمح بإنقاذ مسار المفاوضات الأممية بخوص التغيرات المناخية التي تم الشروع فيها منذ عام 1992.

فهذه المفاوضات التي عرفت تعثرا في مؤتمر كوبنهاجن لعام 2009، ستتواصل العام القادم في دوربان تحت رئاسة جنوب إفريقيا. وهذه الرئاسة لها أهميتها شأنها في ذلك شأن ما برهنت عليه المكسيك أثناء مؤتمر كانكون باعتراف المشاركين الذين ثمنوا طريقة قيادتها للأشغال وحرصها على إشراك الجميع في ظل شفافية تامة.

فقد قررت الدول الأعضاء المائتين (200) في نهاية المطاف تأجيل المفاوضات بخصوص معاهدة كيوتو التي تعتبر المعاهدة الملزمة الوحيدة  حتى العام 2011 ، وهذا مقابل اتخاذ إجراءات لمعالجة التغيرات المناخية.

وتشتمل هذه الإجراءات على تأسيس صندوق أخضر خاص بالتغيرات المناخية لمساعدة الدول الفقيرة على التأقلم مع متطلبات التغيرات المناخية، بالإضافة الى اتخاذ إجراءات لحماية غابات المناطق الحارة وتبادل التكنولوجيا في مجال حماية البيئة.

” إنها نتيجة”

وفي هذا السياق، يرى برونو أوبرلي، مدير المكتب الفدرالي للبيئة أن الحل الوسط الذي تم التوصل إليه في مؤتمر كانكون “هو نتجية جيدة، لأنه يمثل نتيجة على كل، لأن العودة من كانكون بدون نتيجة كان سيكون بمثابة حصيلة مأساوية”.

ويضيف أوبرلي أنه “لو لم يتم اتخاذ قرار على المستوى الدولي لتساءلنا في سويسرا، وتساءلت معنا كل الدول عن الفائدة من وجود سياسة وطنية في الميدان المناخي في غياب إجراءات دولية؟”.

وكان مؤتمر كوبنهاجن قد أثار الكثير من الشكوك حول طريقة التفاوض بين الدول. ولكن بعد مفاوضات ناغويا حول التنوع البيئي، وكانكون (حول التغيرات المناخية) “استعدنا قليلا من الثقة في المسارات التفاوضية الدولية”، مثلما يقر بذلك رئيس المكتب الفدرالي للبيئة الذي يرى أيضا أن “هذه النتيجة تمثل خبرا سارا بالنسبة لبلد صغير مثل سويسرا، يبرهن على أن المسار التفاوضي الدولي يمكن أن يحقق النتائج إذا ما  تم فيه الالتزام  بطريقة تفاوض تتسم بالمثابرة وتشترك فيها جميع الدول بشكل متساو”.

” قاعدة صلبة”

يعتبر برونو أوبرلي  أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في كانكون (انظر تفاصيل الاتفاق في الرابط المصاحب للتقرير)، “يشكل قاعدة صلبة للتطورات التي ستشهدها السنوات القادمة وبالأخص تلك التي ستعرفها دوربان”. ويرى المسؤول الفدرالي أن الاتفاق تمكن من تجاوز الخلافات “لأنه استطاع إيجاد جواب للقضية الجوهرية”، أي “من المسؤول عن ماذا في مجال التخفيض من الإصدارات الغازية”. ويشير برونو أبورلي أيض إلى أنه “تمرفاق اتفاق كانكون بقائمة مثيرة للانتباه بوعود دول متقدمة ودول نامية”.

ويعتبر الخبير السويسري أن “الإتفاقية السارية المفعول اليوم حول التغيرات المناخية مرت عليها عشرون سنة وتتعلق بوصف أوضاع متقادمة. فالصين أصبحت البلد الأكثر تصنيعا في العالم وفي الهند هناك أكثر من 200 مليون مواطن على الأقل يعيشون في مستوى المواطن السويسري. وقد تطلب الأمر تقريب وجهات النظر بين الدول المتقدمة والدول النامية لكي يتحمل كل منهم جانب المسؤولية الذي عليه تحمله”.

فقد سمح مؤتمر كانكون باتخاذ خطوة، بتوصله الى المصادقة على وثيقة تجمع هذه المجموعات من الدول التي تتقاسم تعبيرات متشابهة ” وهو ما يمثل الخطوات الأولى في طريق معاهدة دولية تصبه بمثابة المعيار الدولي الذي تلتزم به كافة الدول بالتساوي  في مجال التغيرات المناخية”.

اتفاق آخر لحظة

غادر برونو أبرلي كانكون وهو يعتقد بأن المؤتمر حقق ما كان ممكنا تحقيقه. ” لقد اغتنمنا كل الفرص وما تم تحقيقه من نتائج  يدخل في إطار ما اعتبرته الحكومة السويسرية بالنتائج المقبولة”.

وحتى باتريك هوفشتيتر  ممثل صندوق حماية البيئة WWFو تحالف منظمات حماية البيئة السويسرية في مؤتمر كانكون، يشاطر هذا الرأي حيث قال: “نحن سعداء للتوصل الى هذا الاتفاق الذي لم نكن نعتقد أنه كان ممكنا قبل 24 ساعة. ولكن يجب أن نكون واقعيين ما تم ليس سوى خطوة من الخطوات المهمة”.

ويرى هذا الخبير في السياسات البيئية والمناخية ان النقطة الهامة في اتفاق كانكون أنه لم يهمل ايا من الملفات “فقد تم تحقيق تقدم في مجال التمويل، وفي مجال التخفيض من الإصدارات الغازية، وفي مجال الحفاظ على الغابات، وإلى حد ما أيضا في مجال نقل التكنولوجيا وفي أنظمة المراقبة”.

وهذا ما يعني بوضوح بأن الظروف متوفرة لتحقيق تقدم في المفاوضات المرتقب إجراؤها في دوربان بجنوب إفريقيا، ولكن النقطة السوداء في اتفاق كانكون حسب باتريك هوفشتيتر تكمن في كون أغلب المسارات التي تم الاتفاق بشأنها هنا “لم يتم تحديد لا جدول زمني ولا إجراءات تطبيقية لها”. وهو ما يدفعه للقول بأن “أشغال العام القادم تتطلب مجهودا أكبر للتمكين من التوصل الى نتائج عملية في جنوب إفريقيا”.

انتقاد بخصوص المضمون

يرى فيليب روك الرئيس السابق للمكتب الفدرالي للبيئة أن “اجتماع كانكون سمح بإعادة الثقة في المفاوضات بين الدول، وهو أمر مهم  بعد الشكوك الكبرى التي سادت بعد مؤتمر كوبنهاجن”. ويذهب هذا الخبير الذي تابع أشغال المؤتمر من جنيف إلى أن “بعض التقدم” المسجل تمثل في إجراءات حماية الغابات، ونقل التكنولوجيا البيئية وبالأخص في مجال التمويل.

ويعتبر فيليب روك أنه “كثيرا ما يتم اللجوء الى الوعود المالية، خصوصا في فترة يفتقر فيها الجميع للأموال وهو ما سوف لن يساعد على الحد من ظاهرة التغيرات المناخية”. ومع أنه يرى أن نقل التكنولوجيا يعتبر خطوة جيدة ، إلا أنه يعتبر أن ذلك سوف لن يعمل على الحد من واقع أن هذه الدول النامية سوف تصدر المزيد من الغازات الدفيئة.

” في الواقع لسنا في مرحلة تخفيض من نسبة الإصدارات الغازية. وحتى سويسرا رغم كل وعودها  لم تخفض من إصداراتها و توجد في مستوى إصدارات عام 1990 او أكثر بقليل. وبالتالي فهي ليست في وضعية تسمح لها بتقديم النصائح للدول النامية”.

وبالرغم من أن نتائج مؤتمر كانكون سمحت بإعادة الثقة فيما يتعلق بالمضمون، فإن فيليب روك يرى أن الهدف لم يتحقق أي “أننا لم نتوصل بعدُ الى تحديد معايير جديدة فيما يتعلق بطريقة استهلاكنا وفي تصرفاتنا في مواجهة إصدارات غاز ثاني أكسيد الكربون”.

الإصدارات الغازية

يعترف نص الاتفاق بأنه يتطلب الأمر الالتزام ” بتخفيضات هامة” في إصدارات الغازات المؤثرة في ظاهرة الاحتباس الحراري وذلك للحد من ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية الى 2 درجة مئوية مقارنة مع ما كانت عليه قبل حقبة التصنيع.

ومن أجل تحقيق الأهداف التي نصت عليها الدراسات العلمية، يتوجب على الدول الصناعية من هنا حتى العام 2020 تخفيض نسبة إصداراتها الغازية  بما بين 25 و 40% عما كانت عليه في عام 1990.

وهناك ضرورة لتكثيف الجهود من أجل التخفيض من نسبة الإصدارات الغازية المؤثرة في ظاهرة الاحتباس الحراري من أجل تحقيق هذه الأهداف”.

على المدى الطويل

ينص الاتفاق على ” مراجعة دورية للأهداف على المدى الطويل” من أجل التوصل الى تخفيض بنسبة 2 درجة مئوية كأقصى حد.

وستبدأ أول مراجعة في عام 2013  لكي تكتمل في عام 2015.

معاهدة كيوطو

يجب الاستمرار في المفاوضات ” لضمان بألا تكون هناك فترة فراغ بين المرحلة الأولى من الالتزامات والتي تنتهي في عام 2012 والفترة التي تليها.

فنص معاهدة كيوطو الذي لا يوضح إمكانية إضافة فترة تمديد بعد العام 2012 ، لا يطالب الدول الصناعية بتحديد تعهدات التخفيض من الإصدارات الغازية بالأرقام للفترة التالية.

المراقبة

على الدول النامية ، وبالأخص ذات الاقتصادات الصاعدة مثل الصين والهند، ” أن تقدم، وفقا لإمكانياتها،  تقارير  كل سنتين حول حجم الإصدارات الغازية المؤثرة في ظاهرة الاحتباس الحراري وعن الإجراءات التي تتخذها للحد من ذلك”.

وتقدم هذه التقارير للدراسة والتحليل لهيئة دولية لا صلاحية لها في ” التدخل ” او في ” فرض عقوبات” وفي احترام تام لسيادة الوطنية”.

مساعدة الدول النامية

تأسيس صندوق أخضر ” لدعم المشاريع والبرامج والسياسات في الدول النامية”.

وقد وعدت الدول المتقدمة في مؤتمر كوبنهاجن بجمع 100 مليار دولار ابتداء من عام 2020. ولكن لم يتم تحديد مصادر هذه الأموال.

تأسيس مركز تكنولوجيا المناخ  وشبكة لتطوير المعرفة في مجال تكنولوجيا البيئة في دول الجنوب.

حماية الغابات

يضع نص الاتفاق هدف “التخفيض  والحد من القضاء على الغابات، الذي يتسبب في ما بين 15 و 20% من الاصدارات الغازية الإجمالية.

(نقله إلى العربية وعالجه: محمد شريف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية