مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد نحو أربعة أشهر.. لا زال العراق في مهبِّ ريـح المُـتصارعين!

بعد انتخابات 7 مارس 2010، مرت الأسابيع ولم يتوفق المالكي أو العلاوي (وسط الصورة) من الإتفاق على تشكيل حكومة جديدة في العراق Keystone

كلَّـما اندلع نزاع سياسي في العراق بين "المؤمنين" بالعملية السياسية، تفاقمت وتيرة التفجيرات التي تستهدف في الغالب الأبرياء من المواطنين، وكأن قدر "العراقيين" أن يبقوا على الدّوام وقُـودا لمعركة تـولي "السّاسة" مناصب حكومية..

هذا الحال بات اليوم واقعا مُـرّا في عراق ما بعد نظام صدّام، وقد تكرَّس بشكل واضح قبل الإنتخابات التشريعية وبعد ما أصبح يُـعرف بـقرار “اجتثاث البعثيين” ومنعهم من المشاركة في خَـوض المنافسات الإنتخابية الأخيرة..

وإذا لم يكن الإجتثاث قد تمّ لأسباب لها صِـلة مباشرة بحزب البعث ودوره في النظام السياسي الجديد بعد 9 أبريل 2003، من واقع أن الكثير من البعثيين هُـم في السلطة الحالية فعلا، وللكثير منهم نفوذ يفُـوق نفوذهم السابق تحت نظام صدّام حسين، فإن هناك مَـن يعمل على الإستفادة من نظرية الاجتثاث للتفرّد بالسلطة أو للحصول على مكاسب أكبر، في وقت تؤكّـد معلومات أن المؤيِّـدين لنظرية الإجتثاث، يخطِّـطون لاستصدار مذكّـرات توقيف قضائية على أن تُـفـعّـل فيما بعد ذلك دوليا عن طريق الإنتربول الدولي، بحق أسماء شملها الإجتثاث في المرحلة التي سبقت الإنتخابات الأخيرة.

لقد فعلت السلطة الحاكمة حاليا في العراق أمْـرا مشابِـها في عام 2008 من خلال إصدار مذكرات توقيف دولية، استهدفت شخصيات معروفة، أبرزها الشيخ حارث الضاري، أمين عام “هيئة علماء المسلمين في العراق”، وكان الهدف هو إبعاده عن العراق ومنعه من دخوله.. وبدا واضحا آنذاك، أن الإدارة الأمريكية كانت وراء تلك المذكّـرات أو أنها أيّـدتها وأن صدورها تمّ فيما يخص المطلوبين خارج العراق…

وبالنسبة للشيخ الضاري مثلا، فإنه كان يتردّد ما بين العراق والأردن والإمارات ومصر، وصدرت المذكرة بحقِّـه، دون أن تنتظر السلطات عودته من الأردن، حيث كان يقوم بزيارة، مما يُـشير إلى أن الهدف هو منعه من العودة وتجنّـب إثارة صِـراع يُـمكن أن يكتسب رداءً طائفيا، إذا صدرت المذكرة والضاري موجود في العراق، وتفادي الوقوع في الحرج عندما تفشل السلطة أو تعجز عن اعتقاله.

وحتى تتشكّـل الحكومة لتصدر مثل هذه المذكرات “إذا نجحت في عبور المطالب، وهي كثيرة”، فإن عقد جلسة افتتاح مجلس النواب والإبقاء عليها مفتوحة، وهو تحايُـل على الدستور، لتسمية الكتلة الفائزة في الإنتخابات وتكليفها بتشكيل الحكومة، ليس بعيدا عمّـا يجري في مدن عراقية مفصلية، خصوصا البصرة وعموم الجنوب “النفطي” من مظاهرات واحتجاجات، تحركها كما تقول بعض المصادر، جماعات مدعومة من إيران لإحراج حكومة نوري المالكي، برغم قرار الإندماج الذي رعته طهران “على استعجال” بين ائتلاف دولة القانون – المالكي، والائتلاف الوطني – الجعفري وعمار الحكيم.

انتفاضة الكهرباء!

وكما في كل الإنتفاضات السابقة التي انطلقت من الجنوب العراقي، وتحديدا من البصرة، فإنها ليست الصُّـدفة التي تقف خلْـف المطالب الخدمية وراء مظاهرات الإحتجاج الحاشدة في المدينة التي انطلقت منها الشرارة الأولى لانتفاضة مارس 1991 وأجهضتها الولايات المتحدة، بعد التدخل الإيراني الذي أكسب تلك الانتفاضة بُـعدا طائفيا، أثار خشية النظام العربي الإقليمي..

هذه المرة أثار امتداد شررِ مظاهرات البصرة إلى الناصرية وديالى وكربلاء والأنبار وصلاح الدين وكركوك، مخاوف جدية من أن الشعب العراقي ما عاد يقتنع بسهولة بمبرِّرات استمرار الصِّـراع بين الساسة، وهو ما دفع زعيم القائمة العراقية إياد علاوي إلى الإعلان أن مظاهرات الاحتجاج الخدمية ستعجّـل بتشكيل الحكومة.. وليس من تأكيد أن ذلك سيحصل، لأن ما يهُـمّ علاوي، حسبما يبدو هو الوصول إلى سدّة الحكم وتشكيل الحكومة “ولو كان ذلك على حساب نصف الشعب العراقي.. إن لم يكن كلّـه”، مثلما يرى البعض.

حتى نوري المالكي، فإن المتظاهرين لم يبرّؤوه من قتل العراقيين، خصوصا وأن القوات التي تخضع لقيادته، لم تتردّد في إطلاق النار على المتظاهرين وقتلهم، برغم أن المالكي حمّل (تلميحا أقرب منه إلى التصريح) منافسيه في المجلس الإسلامي الأعلى والتيار الصدري وباقي أقطاب الصِّـراع في هذه المرحلة، مسؤولية الدّفع بالمظاهرات ضدّ حكومته وضدّ وزير الكهرباء بشكل خاص، لأسباب لها صلة بمعركة تشكيل الحكومة والتنافس على منصب رئيس الوزراء.

ومع افتراض أن المظاهرات كانت عَـفوية ولم تكن مُـسيَّـسة أو أن إيران تقِـف خلف تأجيجها، كما ينقل أنصار المالكي، إلا أن مجرّد رفع مطالب خدمية في مظاهرات انطلقت في البصرة ومُـدن أخرى، يعكس انتصار “ثقافة” المطالب الخدمية على المطالب الطائفية، التي راهن الكثيرون عليها في السنوات القليلة الماضية..

وفي الواقع، نجحت “انتفاضة الكهرباء” في فرض خِـيار الشارع على الحكومة، التي اضطرّت إلى إقالة وزير الكهرباء عن طريق تقديم استقالته، وفتح ملف محافظ البصرة “شلتاغ عبود” للإستجواب، تمهيدا لإقالته، وما اعتراف المالكي بوجود وزراء فاشلين على مدى أربع سنوات في حكومته، إلا دليل على نجاح خيار الشارع، الذي قد يحول ليصبح رقما قويا في رسم خارطة الحكومة المقبلة، وربما أيضا في إسقاط نظام المحاصصة.

ويتساءل العراقيون عن مصير الأموال التي أنفقتها الحكومة الأمريكية على تحسينات الكهرباء، وهي 4.9 مليار دولار منذ سنة 2003، وإلى جانبها أضعاف هذا المبلغ الذي صرفته الحكومة العراقية على الكهرباء أيضاً! فلقد صدرت إشارات بدت قوية، من أن تتحوّل مظاهرات الاحتجاج الخدمية إلى شرارة التغيير لإسقاط نظام المحاصصة، الذي أثبت فشله الذريع في الإستجابة لحاجات المواطنين العراقيين الأساسية.

وأكد زعماء المظاهرات أن هناك “خططاً مُعـدّة لتنفيذ الكثير من التظاهرات والإحتجاجات ضد الحكومة المركزية والحكومات المحلية في المحافظات”.. وهنا طبعا، يبرز السؤال عن دور إيران والمجاميع الخاصة المرتبطة بها، والتي ترى أن طهران استعجلت بموافقتها على دمج الإئتلافيْـن الشِّـيعِـيين، قبل أن تُـجبِـر المالكي على القبول بالتنحّـي لصالح مرشح آخر يدعمه الإئتلاف الوطني.

نجاح محمد علي – دبي – swissinfo.ch

بغداد (رويترز) – قال مسؤولون في أحزاب عراقية إن الكتل السياسية الرئيسية التي يقودها شيعة تواجه مشاكل كبيرة في اتخاذ قرار حول المرشح لمنصب رئيس الوزراء مما يوتر تحالفها وينذر بإطالة أمد تشكيل الحكومة.

ويؤجج الفشل في تشكيل حكومة بعد ثلاثة شهور ونصف من انتخابات السابع من مارس 2010، إحباطا شعبيا ويخلق فراغا سياسيا، يسعى متمردون لاستغلاله لشن هجمات قبل انتهاء العمليات القتالية الأمريكية في العراق في أغسطس القادم.

وتقدم ائتلاف العراقية، الذي يضم طوائف مختلفة وتدعمه الأقلية السنية في العراق، بفارق ضئيل في الانتخابات غير الحاسمة والتي كان العراقيون يأملون أن تعيد بلدهم، التي عصفت بها الحرب، إلى طريق الاستقرار بعد سبع سنوات من الغزو الذي قادته أمريكا.

لكن تحالفا أبرم بعد الانتخابات بين ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي والائتلاف الوطني العراقي الذي تهيمن عليه أحزاب مقربة من إيران، مثل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، كان من المتوقع أن يحرم العراقية من فرصة تشكيل الحكومة. لكن التحالف الكبير للشيعة أصبح مهددا الآن، بسبب رفض شركائه التوصل إلى حل وسط بشأن رئيس الوزراء.

ولا يزال إصرار حزب الدعوة برئاسة المالكي على منحه فترة أخرى في رئاسة الوزراء، يمثل عقبة رئيسية. وقال مسؤولون في الحزب إن موافقته على الحد من سلطات المالكي لم تكن كافية لإقناع الآخرين بقبول استمراره في المنصب. وقال مسؤول كبير في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، طلب عدم ذكر اسمه “المجلس الأعلى ومنظمة بدر والصدريون، اتخذوا قرارا داخليا بأن لا تسلَّـم الحكومة مجدّدا إلى المالكي أو حزب الدعوة”.

ومنظمة بدر، هي الذراع المسلح السابق للمجلس، والصدريون هم أنصار مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي المناهض لأمريكا. والاثنان عضوان في الائتلاف الوطني العراقي. وأضاف المسؤول “التحالف أقرب إلى التفكك منه إلى الصلابة، وهو فعليا تحت الاختبار”.

ويشغل الصدريون نحو 40 مقعدا من مقاعد الائتلاف الوطني العراقي البالغ عددها 70 مقعدا في البرلمان وهم متمسكون برفض المالكي ويحملون له الضغائن لأنه استخدم الجيش في قمع ميليشياتهم عام 2008.

وقال مسؤول صدري كبير، طلب عدم ذكر اسمه، “بصراحة، الأمور لم تصل إلى هذا الحد بعد، لكننا ندفع بها إلى الحافة لمنع المالكي من أن يصبح رئيس وزراء مجددا”. وقال الصدريون إنهم سيؤيدون ترشيح إبراهيم الجعفري، رئيس الوزراء الانتقالي السابق، للمنصب.

ويروج المجلس الأعلى الإسلامي العراقي لعادل عبد المهدي، نائب الرئيس العراقي ليكون المرشح الرئيسي للمنصب، على الرغم من معارضة الصدريين له. وقال قاسم الاعرجي، وهو نائب عن المجلس وعضو في منظمة بدر “نحن نعتقد أن مرشحنا د.عادل عبد المهدي، هو الأكثر قبولا من الآخرين لدى العراقية والكردستانية، وحتى من قبل الدول الإقليمية والأجنبية”.

وبموجب العملية السياسية العراقية الناشئة، يجب أن يختار البرلمان الجديد رئيسا جديدا ويجب أن يختار الرئيس رئيس الوزراء المقبل من أكبر كتلة برلمانية.

وترى “العراقية” أن هذا يعني أن رئيس الوزراء يجب أن يكون من صفوفها لأنها فازت بالعدد الأكبر من مقاعد البرلمان في الانتخابات، بينما يقول “الإئتلاف الوطني” الذي يقوده الشيعة، إنه يملك هذا الحق بصفته أكبر مجموعة في البرلمان ولم يحل بعد هذا النزاع.

وقال محمد مهدي البياتي، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، إن المجلس يحاول الآن إقناع الآخرين بالسماح للبرلمان باختيار رئيس الوزراء من قائمة يقدمها الائتلاف الوطني، مع اعترافه بأن الاقتراح “غير دستوري”.

وتوقعت قلة أن تنتهي محادثات الائتلاف بسرعة واعتبر أغسطس موعدا محتملا لتشكيل الحكومة، لكن الخلاف القائم في الائتلاف الوطني، رغم التقدم الذي أحرزه في التقرب من الجماعات السنية، يعني أن المحادثات قد تستغرق وقتا أطول. ويبقى سؤال كبير، وهو ما إذا كان حزب الدعوة الذي يمثله 89 مقعدا في البرلمان سيقرر في نهاية المطاف أن مصيره أهم من مصير المالكي.

وردا على سؤال حول إمكانية أن يغير حزب الدعوة مرشحه حتى يحتفظ بمنصب رئيس الوزراء، قال علي الأديب، النائب البارز عن الحزب “احتمل أن المرونة ستكون اضطرارية”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 25 يونيو 2010).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية