مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد وقف مساعي الوساطة.. لبنان على مفترق طُـرق خطر

تسود الشارع اللبناني أجواء من الترقب الحذر الممتزج بالتوجس في ظل انسحاب الوسطاء وتوقف المسعى التركي القطري لحل الأزمة بين الفرقاء السياسيين في البلاد. Keystone

هل وصلت الأزمة اللبنانية إلى لحظة الانفجار أو على الأقل إلى نقطة الغليان؟ بيان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل وتصريح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يوحيان بذلك.

فالأول، أعلن يوم الأربعاء 12 يناير الجاري بصريح العبارة، أن السعودية غسلت يديْـها من الوساطة المُـشتركة مع سوريا، الهادفة إلى تجنيب بلاد الأرز مخاطِـر الانزلاق إلى الهاوية، على وقع القرار الظني الخاص باغتيال رفيق الحريري، لا بل ذهب الوزير السعودي، الذي يُمثّـل الجناح المتشدد مع الأمير بندر ضد سوريا في المملكة، إلى حدّ التحذير من أن لبنان يقِـف الآن على أعتاب “الانفصال والتقسيم”.

مصادر دبلوماسية مطّـلعة فسَّـرت الموقف العنيف والنادِر للفيصل، والذي سقط كالصاعقة على رأسَـي وزيريْ خارجية تركيا وقطر، اللذين كانا يتواسطان في بيروت، بأنه يعكس الإحباط العميق الذي يشعر به القادة السعوديون إزاء الرئيس السوري بشار الأسد، الذي وعدهم (كما تقول المصادر) بالمساعدة لاحتواء الموقف في لبنان، لكنه لم يفِ أبداً بوعوده، بدليل أنه أوعز إلى حزب الله وبقية حلفائه في لبنان بإسقاط حكومة سعد الحريري المحسوب على الرياض.

هذا التحليل أكّـده دبلوماسي غربي في السعودية نسبَـت إليه “فاينانشال تايمز” قوله أن “الملك السعودي عبد الله يشعُـر بخيبة أمل كبيرة من بشار الأسد، لأنه وثق بأن هذا الأخير يستطيع تحقيق تسوية تمنع الانفجار في لبنان”.

على المقلب الآخر من المشهد، كان أحمدي نجاد، الذي باتت بلاده تُـعتبر لاعباً رئيسياً في لبنان عبر حزب الله،  يُطِـل على الصورة، لكن بالطبع من موقع آخر، حين وجّه تحذيرا إلى إسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، داعيا إياها إلى “وقف التحريض على الفِـتنة” في لبنان، إذا كانت لا تريد أن ينقلب الشعب ضدّها”.

وقال في خطاب بثّـه التلفزيون الإيراني مباشرة يوم الأربعاء الماضي أيضاً: “أنتم على مُـنحدَر خطر يقودُكم نحو الهاوية وطريقتكم في التصرّف تُـظهِـر أن تداعيكم يتسارع”، في إشارة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أوروبية لم يسمِّـها. وأضاف: “عبر تصرّفاتكم هذه، تسيئُـون إلى سمعتكم. أوقِـفوا تدخّـلكم، وإذا لم توقفوا تحريضكم على الفِـتنة (في لبنان، فإن الأمة اللبنانية ودُول المنطقة ستقطع يدكم القذِرة المتآمرة”. وكيف سيتم قطْـع هذه “اليَـد القذرة”؟

سيناريوهات عديدة

هنا، يبدأ تهاطُـل السيناريوهات العديدة والتي كانت تتوالد كالفِـطر في لبنان منذ شهر أغسطس 2010، حين اعتقد الكثيرون بأن القرار الظنّـي سيصدُر في شهر سبتمبر على أبعَـد تقدير، وأنه سيتَّـهم قيادات من حزب الله وربما أيضاً قيادات من إيران وسوريا، باغتيال رفيق الحريري و20 آخرين، وهذه السيناريوهات تتمحور الآن حول الآتي:

الأول، العجْـز عن تشكيل حكومة جديدة، وبالتالي، دخول لبنان في حالة شلل دستوري وسياسي طويل الأمد، إلى أن يصرخ أحد طرفَـي النزاع اللبنانيين، أولاً من الألم أو من تضرّر المصالح.

الثاني، استئناف الجهود الإقليمية – الدولية، لكن هذه المرة بقيادة تركية – فرنسية – قطرية ورعاية سعودية – سورية في أسوإ الأحوال، لمنع انتقال الأزمة من مملكة السياسة إلى جهنّـم الأمن أو  العثور على صيغة يُـمكن عبْـرها لتياريْ 8 و14 آذار التعايش مع مُـعضلة المحكمة الدولية، وكأنها تحدث في بلد آخر، في أحسنها.

الثالث، أن يتم قلْـب الطاولة بالكامل عبْـر اضطرابات تبدأ شعبية في الشارع وتنتهي بعمليات جراحية أمنية، تُـعيد بناء المؤسسات اللبنانية بالقوة لصالح 8 آذار.

ماذا يعني توافُـر كل هذه السيناريوهات المُتناقضة؟

يعني أن لبنان الذي عاد ساحة ممتازة للصراعات الإقليمية والدولية، سيتأرجح خلال هذه السنة بين نمطيْـن من المواجهة بين إيران وسوريا وحلفائهما وبين أمريكا وأصدقائها في الشرق الأوسط: الحرب الباردة التي يُستخدَم فيها بشكل أساسي السلاح السياسي (الشلل الدستوري اللبناني) والدبلوماسي (تصعيد ضغوط المحكمة الدولية بدعم من مجلس الأمن والفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة) والحرب الساخنة التي تكون اليَـد العُـليا فيها لـ “الجنرال حسم” العسكري.

القوة الرئيسية التي ستُغلـب هذا الخيار أو ذاك، ستكون سورية. فهي وحدها القادرة على التهدئة أو بالأحْـرى على “التأزيم الهادئ”، وهي وحدها باستطاعتها أن تُطلِـق الأضواء الخضراء، للحسْـم الأمني. أما التحليلات “الإسرائيلية” الأخيرة (“هآريتس” 13 يناير الحالي) عن أن حزب الله بات متفلتاً من النفوذ السوري، فهو مجرّد حرث في بحر أو تفكير رغائبي.

نوع القُـرعة الذي سيقع عليه خِـيار دمشق، سيعتمد على مضمون القرار الظنّـي، الذي سيُـعلَـن مضمونه خلال شهر أو إثنين. فإذا ما تضمّن القرار اتهامات لمسؤولين أمنيين سوريين، كباراً أم صغارا، فستُـعتبَـر دمشق ذلك تهديداً مباشراً لأمن نظامها، وحينها، سيكون السيناريو الأمني في لبنان مطروحاً بقوة على الطاولة. أما إذا ما اقتصر القرار على اتِّـهام بعض العناصر القيادية لحزب الله، فستكون دمشق في موقع مُـمتاز لاستعادة نفوذها كاملاً في بلاد الأرز عبْـر تحوّلها إلى الضامن الأول والأخير لأمنه واستقراره الداخلي.

إسرائيل أولاً

هل يعني هذا أنه يجب انتظار طبيعة القرار الظني كي نعرف طبيعة الريح (أو العواصف)، التي ستوجِّـه دفة السفينة اللبنانية؟

كلا. ثمة طريقة أخرى لمعرفة وجهة الريح: تقصِّـي موقف إسرائيل التي لها مطامح ومصالح إستراتيجية كبرى في لبنان. هنا قد نكتشف أمراً مثيرا: تل أبيب مُطْمَـئِنة: الأزمة اللبنانية الرّاهنة ستبقى داخلية ولن تتطور إلى حرب عسكرية على حدودها الشمالية.

هذه كانت الخلاصة التي سرّبتها قيادة الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي، مشفوعة بنفْـي الأنباء التي تحدّثت عن حشود واستنفارات عسكرية على الحدود مع لبنان. “إسرائيل” مطمئنة، إذن يجب على اللبنانيين أن يقلقوا. لماذا؟

لأن هذا يعني أن إسرائيل ببساطة تُـراهن على أن ثمة بديلاً عن الجولة الثانية من حرب 2006، هو حرب داخلية لبنانية تكون أكثر فتْـكاً بما لا يُـقاس بالنسبة إلى حزب الله، لأنها ستلحق الضرر بسمعته العربية والإسلامية، كقوة مقاومة مُظفّـرة ضد “إسرائيل” ولأنها ستُـغرقه في وُحول صراعات مذهبية مُدمّرة.

حسن نصر الله يرفض تماماً هذا الخيار الأخير، وأكّـد يوم الخميس 13 يناير أن “الحرب الأهلية السنّية – الشيعية لن تقع أبدا”، لكن “إسرائيل لن تقبل البتّـة هذا الرفض. فإذا ما كانت حربها المباشرة مع لبنان مُستبعَـدة في هذه المرحلة لأسباب مصلحية وتكتيكية، في مقدّمتها عدم توحيد اللبنانيين مجدداً ضدّها، فإنها بالتأكيد لن تُوفّر أي جُـهد أو وسيلة لقلب أي/وكل حجَـر في الأزمة اللبنانية، بحثاً عن وقود لإشعال النيران. هذا من بديهيات الأمور في أي عمل سياسي، وليس من خاصية الفِـكر التخطيطي الصهيوني وحده. فحين يكون خصمك في أزمة، ما عليك سوى العمل على تعميق الحفرة التي وقع فيها.

والحال، أن حزب الله في أزمة معقّـدة بالفعل. فعلى الرغم من أنه الرقم الأقوى والأصعب في المعادلة اللبنانية، إلا أنه الأضعف في الوقت نفسه، لأنه مكبّل اليديْـن وغيْـر قادر على استخدام هذه القوة لحسْـم الأمور، تحديداً، لأنه حريص على تجنّب الحرب الأهلية.

“الكاتش-22”

وضعية الحزب الآن ينطبِـق عليها المثل الأمريكي “كاتش-22 “(Catch- 22)، الذي يُفسّـر وِفق المثل التالي: لكي يكون لديْـك مكان للإقامة، يجب أن تحصل على عمل، لكن لكي تحصل على عمل، يجب أن يكون لديك قبل ذلك مكان للإقامة.

“الكاتش-22 ” للحزب الآن، هو أنه يريد شطب المحكمة الدولية، لكنه لكي يستطيع، عليه أولاً أن يستولي على الحُـكم بقوة الدستور أو السلاح. لا فرق بعد أن رفض 14 آذار، طيلة الشهور الخمسة الماضية التنصل من المحكمة، بيْـد أن هذا الاستيلاء سيكون قفزة خطِـرة إلى أشداق المجهول في الداخل والخارج. في الداخل، بسبب الانقسامات الطائفية والمذهبية المعهودة في لبنان. وفي الخارج، حيث سيجد لبنان الرسمي المُدار من حزب الله نفسه، يتحوّل إلى “دولة مارقة” يواجهها مجلس الأمن الدولي مع فصله السابع والمحكمة الدولية والدول الكبرى الأمريكية والفرنسية والبريطانية، ناهيك بدول إقليمية كبرى، هي الأخرى كالسعودية ومصر وتركيا.

هنا يأتي الدور “الإسرائيلي”: دفع الحزب إلى الغرق أكثر في “الكاتش -22 “، ربما عبْـر إطلاق يد  شبكات الموساد الكثيفة في لبنان (200 جاسوس مُعتقَـل حتى الآن)، لتعيث إرهاباً واغتيالات وسيارات ملغومة، تحت عباءة وبيارق وشعارات التنظيمات الأصولية الإسلامية المتطرّفة.

وبالتالي، وفي خضِـم الأزمة الكبرى الجديدة التي دخلتها بلاد الأرز مجدّداً، تفعل الأطراف الطائفية اللبنانية خيراً (مع أن هذا ليس من عادتها)، إذا ما هي يمّمت وجهها في هذه الفترة نحو الجنوب، لمعرفة ما ينوي العدو أن يفعل أو على الأقل أن تقلق وهي ترى إسرائيل مطْـمَـئِنة إلى هذا الحد.

أجل. أزمة لبنان وصلت إلى حافة الانفِـجار أو على الأقل إلى درجة الغليان، لكن، وسواء انفجر الوضع أو تم تدارُكه، ربما عبْـر قمة سورية – سعودية – تركية – قطرية تعقد في المغرب، فإن اللبنانيين سيكتشفون أنه لا مناص أمامهم من الوصول إلى صيغة اتفاق جديد يُـخرجهم من نفق المحكمة الدولية المُـظلم الراهن.

بيْـد أن السؤال الآن هو: هل يصل اللبنانيون إلى هذا الاتفاق بعد شلاّل الدم والفوضى، أم قبله؟

أعلن وزيرا الخارجية القطري والتركي في بيان مشترك وزِّع يوم الخميس 20 يناير، أنهما “قرّرا التوقف عن مساعيهما في هذا الوقت”، بسبب تحفظات على “ورقة تمَّـت صياغتها” خلال محادثاتهما في بيروت مع الأطراف المختلفة.

وقال البيان نقلا عن الوزيرين، القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، والتركي أحمد داود اوغلو إنه “تمَّـت خلال مساعيهما، صياغة ورقة تأخذ بالاعتبار المتطلبات السياسية والقانونية لحل الأزمة الحالية في لبنان على أساس الورقة السعودية السورية”. وأضاف “لكن بسبب بعض التحفّـظات، قرّرا التوقف عن مساعيهما في لبنان في هذا الوقت ومغادرة بيروت من أجل التشاور مع قيادتيهما”.

وكان الموفدان القطري والتركي أجريا محادثات مكثفة خلال اليومين الماضيين، أحيطت بالسرية والكتمان. لكن عُـلِـم أن هذه المحادثات تركّـزت مع رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.

ولم يوضح البيان أي تفاصيل عن مضمون الورقة، لكن مصادر سياسية أفادت وكالة فرانس برس أن الموفديْـن، القطري والسعودي، كانا ينتظران ليلا ردّ حزب الله على الورقة المذكورة.

وأوضحت المصادر لوكالة فرانس برس أن الورقة تأخذ بالاعتبار مطالبة حزب الله “بفكّ ارتباط لبنان عن المحكمة” الدولية المكلّـفة، النظر في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري وطلب الحريري “الحصول على ضمانات حول عدم استخدام سلاح حزب الله في الداخل”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 20 يناير 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية