مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد 3 أعوام.. حصيلة مجلس حقوق الإنسان مخيِّـبة للآمال

Keystone

في نهاية الدورة الحادية عشرة للمجلس، التي شهِـدت انعقاد جلسة خاصة حول سريلانكا تحوّلت إلى ما يُـشبِـه المزحة ومناورات من طرف كوبا لكبْـح جِـماح المنظمات غير الحكومية المستقلة، وتشكيك بعض الدول في خبراء الأمم المتحدة من أجل السعي للتحكّـم في المجلس، لا يتردّد مراقبون في جنيف في القول بأن "حقوق الإنسان تترنّـح" بعد مرور ثلاثة أعوام على تأسيسه.

هذا الانطباع يأتي بفعل تراكُـم المُـعطيات والوقائع، التي تُـشير إلى أن المجلس، الذي كان يُـفترض أن يُـمثِّـل فضاءً للتعبير عن الحريات والدفاع عن الحقوق الأساسية، يتحوّل شيئا فشيئا إلى منبر تستغله دول منتهِـكةٍ لها.

وتميزت الدورة الحادية عشرة للمجلس، التي افتتحت أشغالها يوم 2 يونيو وتُـختتم يوم الجمعة 19 يونيو، بسلسلة من المحاولات الرامية إلى إضعاف آليات الدفاع عن الحريات، وهي ظاهرة أثارت مخاوف المنظمات الحقوقية والعديد من الدبلوماسيين.

عدم التدخّـل

في يوم 11 يونيو الجاري، وقّـعت 35 منظمة، من بينها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، على رسالة مفتوحة موجّـهة إلى المجلس. وتقول جولي دي ريفيرو، المسؤولة عن فرع هيومن رايتس ووتش في جنيف، “إننا نشهَـد إستراتيجية هجومية تُـجاه المهمّـة الموكولة إلى المجلس، عبْـر هجماتٍ شخصية ضِـدّ المقرِّرين الخاصِّـين”.

وبالنسبة للعديد من المراقبين، فإن الجلسة الخاصة حول الأوضاع في سريلانكا، التي عـُقِـدت في موفى مايو الماضي، مثّـلت ما يُشبه قطعا لخطّ الرّجعة، حيث نجحت كولومبو في فرض الإستناد إلى مبدإ عدم التدخّـل (في الشؤون الداخلية)، لرفض إجراء تحقيق مستقلٍّ على عين المكان حول الانتهاكات الخطيرة، التي رافقت الحملة العسكرية الأخيرة على المتمرِّدين التاميل.

وتقول جولي دي ريفيرو بنبْـرة مُـحتجّـةٍ: “هذا المفهوم قُـبِـر في مجال حقوق الإنسان، وخلال تحديد مهمّـة (أو عُـهدة) المجلس، كان من المفهوم أن تدخّـلا في حالة طوارئٍ، لا يُـمكن أن يُـنظر إليه على اعتبار أنه تدخّـل، بل على أنه ضرورة”.

وبالنسبة لدانتي مارتينيللي، السفير السويسرية لدى الأمم المتحدة في جنيف، فإن “محاولات رامية إلى الحدّ من استقلالية المفوضية السامية لحقوق الإنسان والإجراءات الخاصة، تتكثّـف. كما أن المجلس يُـحدِّد الطريقة التي يُـفترض أن تُـعامل بها الدول مواطنيها، وهو ما يُـمثِّـل بالنسبة لعدد من البلدان تشكيكا علنِـيا في السيادة الوطنية، وتُـثار هذه الحجّـة أكثر فأكثر من طرف عدد محدّد من الدول، وهو ما يُـمثّـل تهديدا حقيقيا لتعزيز حقوق الإنسان”.

كبح جِـماح المنظمات المستقلة

في السياق نفسه، لم تكُـن الحالة السريلانكية قطرة الماء الوحيدة التي أفاضت الكأس، فالهجمات المباشرة التي شُـنّـت هذا الشهر من طرف بعض الدول على المقررين الخاصين، مثلما حدث بالخصوص مع المقرِّريْـن الخاصين بحرية التعبير والسودان، إضافة إلى المناورات التي قامت بها كوبا والصين، لكبح جماح المنظمات غير الحكومية المستقلة أثناء المراجعة الدورية الشاملة لأوضاع حقوق الإنسان في هذين البلدين، كانت مجرّد أمثلة عن هذا التوجّـه المثير للقلق.

وتروي جولي دي ريفيرو “عندما وصلنا يوم 9 يونيو على الساعة الثامنة صباحا لدى فتح أبواب مقر الأمم المتحدة، للتسجيل من أجل الحصول على حق التدخّـل أثناء المراجعة الدورية الشاملة لكوبا، كانت هناك عشر منظمات غير حكومية تقف في الطابور للتسجيل، في حين أن عدد التسجيلات في القائمة محدّد بعشر. جميع هذه المنظمات كانت مؤيِّـدة لكوبا وأُعلِـمنا بأنها دخلت مقر الأمم المتحدة في الساعة السادسة والنصف صباحا، عن طريق بعض الدبلوماسيين، وهو تصرّف غير قانوني”. وإثر ذلك، حدثت مشادّة في مكتب التسجيل، وتمكّـنت منظمتان مستقلتان من الحصول على حق التدخّـل في نهاية المطاف.

وتوضّـح جولي غروميللون، من الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان أن “هذا الفضاء مهمٌّ، لأن المنظمات غير الحكومية المستقلة، لا يُـمكن لها الدخول إلى كوبا، كما أن هذا البلد، الذي لم يُـصادق على المواثيق الأساسية (لحقوق الإنسان)، لا يمثُـل أمام اللجان التابعة للأمم المتحدة. فالمراجعة الدورية الشاملة، هي المناسبة الوحيدة التي تُـجبر فيها هذه الدول على الاستماع إلى أصوات معارضة”.

شرخ يتّـسع

على صعيد آخر، حاولت الدول الإسلامية مجددا فرض مفهوم ثلب الأديان، رغم استبعاده من النصّ النهائي لمؤتمر دوربان 2، الذي أُقِـرّ في جنيف في أبريل الماضي. وتُـظهر هذه المحاولة مجددا أن الشرخ القائم بين الشمال والجنوب، لا زال حيّـا.

هذا الاستقطاب عبّـر عن نفسه أيضا عند التطرّق إلى ملف السودان، رغم أن بلدان القارة السمراء، لم تُـشكِّـل هذه المرة جبهة موحدة، حيث اقترحت مصر على المجموعة الإفريقية نص قرار يُـطالب بإلغاء مهمّـة المقرر الخاص حول السودان، لكن أوغندا عارضته، ما أدّى إلى نقض الإجماع، ما دفع مصر إلى تقديم قرارها باسمها فقط.

إثر ذلك، اقترح الاتحاد الأوروبي جُـملة من التنقيحات، من بينها تمديد مهمّـة المقرِّر حول السودان لعام واحد، وتمّـت الموافقة عليها بأغلبية ضئيلة (21 صوت مقابل 20). وفيما أيّـدتها زامبيا وجزيرة موريس، امتنعت كلٌّ من غانا والسنغال وبوركينا فاسو ونيجيريا عن التصويت.

وفي معرض التعليق على هذه التطوّرات، يقول السفير السويسري دانتي مارتينيللي: “المجلس هو أحد الأجهزة التي تعكِـس كأفضل ما يكون، التوتّـرات الدولية في عالم يتغيّـر والمواجهات القائمة بين المجموعات، وخاصة بين بلدان الجنوب التي يتنامى وزنها وبلدان الشمال”.

تدخّـل مُـكثّـف للولايات المتحدة

تجدر الإشارة إلى أن سويسرا تغادر مجلس حقوق الإنسان يوم الجمعة 19 يونيو، بعد ثلاثة أعوام اتّـسمت بنشاط مكثّـف في الهيئات الأممية المعنية بحقوق الإنسان، على أمل أن يُـعاد انتخابها لعضوية المجلس في العام المقبل. ويرى الدبلوماسي السويسري أن هذه المغادرة تأتي على وقع حدث إيجابي تمثّـل في تجديد مهمّـة المقرر الأممي حول السودان.

من جهة أخرى، يقول دبلوماسي غربي آخر: “لقد تملّـكتنا الرّجفة على مدى هذه الدورة، لكن النتيجة حول السودان تُـظهر لنا أن الديناميكية الجديدة (المتمثلة في تعزيز الحوار العابر للمناطق الجغرافية)، التي انطلقت مع الجلسة الخاصة حول سريلانكا، بدأت تؤتي ثِـمارها. وفيما فشِـلت المحاولة مع سريلانكا، لأن كولومبو ظلّـت تتصرّف بمنطِـق المواجهة، كانت النتيجة بالنسبة للسودان، مختلفة إلى حدٍّ ما”.

ويضيف هذا الدبلوماسي أن عودة الولايات المتحدة إلى المجلس، مثّـلت علامة فارقة، إذ أن واشنطن، التي أصبحت ابتداءً من يوم الجمعة 19 يونيو 2009، عضوا في المجلس، أصبحت تشارك بكثافة في النقاشات الدائرة منذ بداية العام الجاري.

كارول فان – جنيف – swissinfo.ch – إنفوسود (بتصرف)

(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)

أنشأت الأمم المتحدة مجلس حقوق الإنسان، لتعويض لجنة حقوق الإنسان التي بدأت أشغالها في عام 1946، والخروج تبعا لذلك من سياسة المعايير المزدوجة، التي كانت تنسِـف عملها.

منذ افتتاحه في يونيو 2006، تعرض المجلس لانتقادات متصاعدة بسبب ما اعتبره البعض تركيزا مبالغا فيه على استهداف دولة إسرائيل بالنقد عبر عقد جلسات طارئة (حرب لبنان والحرب على غزة)، وعدم تخصيص جلسات لأوضاع طارئة وخطيرة، مثلما هو الحال في الكونغو الديمقراطية، إضافة إلى محاولات أنظمة سُـلطوية من مناطق مختلفة (عربية وإسلامية وافريقية)، إلغاء أو نسف آليات اممية قائمة للدفاع عن حقوق الإنسان.

لا يتردّد البعض في الإشارة إلى أن هذا الهيكل الأممي، يقوم – من خلال الممارسات المشار إليها – بصدد إفراغ حقوق الإنسان والعهد الدولي المُـرتبط بها، الذي اعتُـمد قبل 60 عاما، من مضمونها.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية