مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بين الحكومة والمعارضة في تونس.. معركة مفتوحة على جميع السيناريوهات

"لم يتغير شيء".. هكذا تقول هذه اللافتة المرفوعة في واحدة من المسيرات العديدة التي يشهدها الشارع الرئيسي في العاصمة التونسية في كل يوم تقريبا. Keystone

رغم مُـرور أكثر من شهر عن نجاح الثورة التونسية في ترحيل الرئيس بن علي، فإن مُـعظم أطياف المعارضة لا تزال تُـحاصر الحكومة المؤقتة وتمارس عليها مُـختلف أشكال الضغوط، وذلك بالتشكيك في شرعيتها، واتِّـهامها بفرْض الوصاية على الشعب التونسي والعمل على الإطاحة بها واستبدالها بحكومة تصريف أعمال تخضع لرقابة ما أصبَـح يُـعرف بـ "مجلس حماية الثورة".

مع حلول يوم 15 مارس، ستجِـد الحكومة المؤقتة نفسها أمام اختبارٍ صعْـب. فهذا التاريخ يتزامَـن مع نهاية المُـهلة القانونية، التي حدّدها الفصل 57 من الدستور التونسي، الذي بموجبه تمّـت شرعنة الحكومة بعد فِـرار الرئيس السابق. لكن، ونظرا لعدم استِـعداد كل الأطراف لتنظيم انتخابات رئاسية خلال هذه الفترة، إضافة إلى غياب قانون انتخابي جديد، فقد حصلت الحكومة على فتوى استنَـد فيها أصحابها على أحد فصول الدستور، الذي يفتح المجال أمام إمكانية تمديد الفترة الإنتقالية، في حال وجود قوّة قاهرة تحُـول دون تنظيم الانتخابات. لكن هذا التأويل رفَـضه العديد من خُـبراء القانون الدستوري، إلى جانب معظم التنظيمات السياسية. وهكذا، لم تتمكن النُّـخب السياسية في تونس حتى الآن من التوصُّـل إلى وِفاق حوْل السيناريو الأفضل، لإخراج البلاد والثورة من عُـنق الزجاجة.

“استلام للسلطة بدون تفويض شعبي”

وفي هذا السياق، تمّ الإعلان مؤخَّـرا عن تأسيس هيكل سُـمّي بـ (مجلس حماية الثورة)، سيكون من بين أهدافه حسَـب مؤسّـسيه “درء مخاطر الإلتفاف على الثورة وإجهاضها وتجنيب البلاد الفراغ”.

ما يُـميز هذا المجلس، أنه جمَـع معظم الطيْـف السياسي، باستثناء الحزب الديمقراطي التقدّمي وحركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا)، اللذين اختارا منذ البداية المشاركة في الحكومة المؤقتة. كما انخرط أيضا في هذا التحالف السياسي الواسع، أبرز منظمات المجتمع المدني، مثل الاتحاد العام التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين.

ومما لفت النظر في البيان الذي أصدرته الأطراف المكوّنة لهذا المجلس، أنها قد جعلت منه “سلطة تقريرية تتولى السَّـهر على إعداد التشريعات المتعلِّـقة بالفترة الانتقالية والمُـصادقة عليها”، ولم تكتف بالتأكيد على حقِّـها في مراقبة أعمال الحكومة المؤقتة، التي تتولى تصريف الأعمال، وإنما اعتبرت من صلاحياتها أيضا “إخضاع تسمية المسؤولين في الوظائف السامية لتزكية الهيئة”، كما طالبت بإعادة النظر في اللِّـجان التي تمّ تشكيلها “من حيث صلاحياتها وتركيبتها، حتى تكون حصيلة وفاق على أن يُعرض آليا ما تطرحه من مشاريع على المجلس للتّـصديق عليهــا”، إضافة إلى “اتخاذ المبادرات التي يفرضها الوضع الانتقالي في كل المجالات، وفي مقدِّمتها القضاء والإعلام”.

وإذ لازمت الحكومة الصَّـمت وتجنَّـبت التعليق على هذا المجلس، إلا أن الرئيس المؤقّـت استقبل ممثلين عنه (المجلس)، كما عبَّـرت كلٌّ من حركة التجديد والحزب الديمقراطي التقدّمي عن رفضهما الاعتراف بشرعية هذه الهيئة وانتقدا بالخصوص الصلاحيات التي تريد أن تتمتّـع بها.

فالمجلس يريد أن يصبح سلطة تقريرية يتولى تشريع القوانين والمصادقة عليها، إلى جانب الموافقة المُـلزمة على تعيين المسؤولين الحكوميين، وهو ما يعني عمَـليا “استلام السلطة بدون تفويض شعبي أو دستوري”، حسبما يعتقد المعارضون لهذه المبادرة.

“هدية الثورة للحركة وللشعب”

وبالرجوع إلى قائمة الموقِّـعين على بيان تأسيس هذا المجلس، يُـلاحظ أن قيادة الإتحاد العام التونسي للشغل قد اختارت الاستمرار في الدِّفاع عن هذا التحالف السياسي، دون أن تقطع الصِّـلة مع الحكومة المؤقتة. فالتفاوض بينهما حول المسائل الاجتماعية، وعلى رأسها الزيادة في الأجور، لا يزال متواصلا، وهو ما يعني أن المركزية النقابية اختارت حتى الآن المحافظة على “شعرة معاوية” مع حكومة تُـوصف بأنها غير شرعية.

في السياق نفسه، يبدو أن حركة النهضة قد حسمت أمرها وقررت العمل مع بقية مكونات “مجلس حماية الثورة” على إسقاط الحكومة، بعد أن سبق للناطق الرسمي باسمها السيد حمادي الجبالي أن أعلن خلال المؤتمر الصحفي الذي نظمته الحركة على إثر تقديم ملف الاعتراف بها، أن النهضة “تراقب الحكومة وستحكم عليها من خلال مواقفها”، وهذا التغيير في الموقِـف خلال فترة وجيزة، يؤكِّـد حِـرص الحركة على لعِـب دوْرٍ سياسيٍ فاعِـل، إن لم يكن محددا فيما ستشهده البلاد من تطوّرات ضخمة ومُعقّـدة خلال المرحلة القصيرة القادمة.

ومن هذا المُـنطلق، فهي لا تعتبر مجمل الإجراءات التي اتّـخذت مؤخرا في مجال الحريات، مثل قانون العفو التشريعي العام، خطوة إيجابية من الحكومة، وإنما “هدية قدّمتها الثورة للحركة وللشعب التونسي”، ولا يُعرف إن كانت الحركة ستكثف من خلال انخراطها في هذا المجلس، بالضغط السياسي، أم أنها تنوي تعبِـئة أنصارها ميدانيا من أجل المساهمة في إسقاط حكومة الغنوشي.

كذلك تشكلت (جبهة 14 يناير التقدمية) – التي تمثل التنظيمات الماركسية أهَـم مكوِّناتها – طرفا فاعلا في مجلس حماية الثورة والصوت الأعلى داخله. وقد سبق للجبهة أن دعت إلى  تشكيل (مؤتمر وطني لحماية الثورة) يضمّ جميع الأطراف السياسية والمدنية، إلى جانب المجالس أو اللجان التي تشكَّـلت في الفترة الأخيرة، بعديد الجهات التونسية.

تجاذب بين “الثورة” و”الدولة”

هذه الأطراف وغيرها المُـكوِّنة لهذا المجلس، رغم تبايُـناتها الأيديولوجية الحادّة، إلا أن ما يجمعها حاليا هو السعي نحو تصعيد المواجهة السياسية مع الحكومة التي تتعرّض مرة أخرى إلى ضغط الشارع، وذلك بعد أن تجدّد الاعتصام بساحة القصبة وأصبحت المسيرات المطالبة برحيل الغنوشي وفريقه مشهَـدا مألوفا في البلاد، وهو ما جعل البعض يفترض وجود خطّـة لاستلام السلطة، عن طريق الإعتصامات الشعبية وشل المؤسسات الحكومية، وهو ما من شأنه أن يضع الحكومة أمام خياريْـن أحلاهُـما مُـرّ.

فهي إما أن تستسلِـم وتستقيل لتتولى المعارضة إدارة البلاد في المرحلة الإنتقالية من خلال “مجلس حماية الثورة” أو أن تلتجئ إلى استعمال العُـنف ضد المعتصمين والمتظاهرين، فتُـوصف عندها بأنها مُـعادية للشعب والثورة. لكن مصادر مقرّبة من الحكومة تستبعِـد أن يحقِّـق هذا السيناريو أهادفه، وتعتقد بأن مُعارضيها لا يملكون أيّـة شرعية للتحدث باسم الشعب والثورة، إضافة إلى كونهم لا يشكِّـلون أغلبية، في ظل غياب انتخابات نزيهة وديمقراطية تحدد حجم وثقل كل طرف.

هكذا يبدو المشهد السياسي غامِـضا في ظل استمرار التجاذُب بين منطق الثورة، الذي يتبناه جزء واسع من قوى المعارضة، وبين منطِـق الدولة الذي يتمسَّـك به الكثيرون داخل الحكومة أو خارجها. لكن مما زاد في تغذِية هذا الغموض، وجود انطباع لدى الرأي العام والنُّـخبة، بأن أداء الحكومة المؤقَّـتة لم يرتق إلى مستوى انتظارات الشارع، ويتَّـسم بالبُـطء والإرتجال أحيانا، وعدم حسْـم عديد الملفّـات ذات الأولوية، وهو ما يرد عليه الفريق الحكومي بالقول أن هناك رغبة لدى المعارضة في التقليل من أهمية الأشياء التي تمّ تحقيقها في فترة وجيزة، إلى جانب عدم تقدير الظروف الصّـعبة وغير الطبيعية التي تعمل فيها الحكومة. ومع ذلك، فالمؤكّـد أن الحكومة لا تملك سياسة إعلامية واضحة، إضافة إلى ارتِـكابها خلال الفترة السابقة أخطاء فادِحة زادت من إثارة الشكوك حول استقلاليتها وقُـدرتها على القطْـع التامّ مع المرحلة الماضية.

“توقعات المواطنين لم تعُـد واقعية”

على المستوى الاجتماعي، تجتاح البلاد موجَـة من المطالب الفِـئوية، شملت كل القطاعات والجهات، إذ لا تكاد تخلو مؤسسة اقتصادية عمومية أو خاصة، إلا واعتبر العاملون بها أن الوقت مُـناسب للمطالبة بتحسين الأجور والأوضاع المِـهنية وتغيير المسؤولين الإداريين، وهو ما زاد في حجْـم الضغوط على الحكومة وأصبح يهدِّد بانقلاب الأولويات لدى التونسيين وينحرف بالثورة من بُـعدها السياسي (الذي لن يـكتَـمل إلا بعد توفير شروط قيام نظام ديمقراطي) إلى إشغالها بمطلبية اجتماعية مجحفة، وهو ما دفع برئيس المخابرات الخارجية الألمانية إلى القول بأنه “للأسف، فإن توقّـعات الكثير من المواطنين في تونس، لم تعد واقعية”.

وإذ كشف الوزير الأول محمد الغنوشي عن فِـقدان عشرة آلاف وظيفة خلال الشهرين الماضيين، إلا أن الإقتصاد التونسي لا يزال قادِرا على مجابهة كُـلفة الأحداث الأخيرة، حسب اعتقاد محافظ البنك المركزي، الذي حذَّر بدوره من “خطر الإنزلاق الإقتصادي”.

الأكيد أن الأسابيع القادِمة ستكون حاسِـمة ومحدّدة لمسار الثورة التونسية ومُـستقبلها. فالصِّـراع بين الحكومة والمعارضة مرشّـح إلى مزيد من التأزّم وخلْـط الأوراق وتبادل التُّـهم واستعمال كلّ الوسائل للصمود. وإذا كانت مؤشرات عديدة تُـوحي بأن القطيعة بين الطرفين وارِدة، إلا أن فتح الحوار والتوصّـل إلى صيغة وفاقية، لا يزال احتمالا قائما. وبالتالي، فإن النخبة السياسية التونسية مدعُـوّة أكثر من أي وقت مضى إلى تجاوُز خلافاتها السياسية، وأن تكون في مستوى الفرصة التاريخية التي وفّـرتها هذه الثورة النادِرة في لحظة استثنائية قد تكون غيْـر قابلة للتِّـكرار.

دعا مساعد وزيرة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية وليام بيرنز الحكومة التونسية الانتقالية الى “ضمان الاستقرار” و”تنظيم انتخابات حرة وشفافة”، بحسب ما نقلت عنه الاربعاء 23 فبراير وكالة الأنباء التونسية الرسمية.

واضاف بيرنز اثر لقائه الاربعاء رئيس الحكومة التونسية الموقتة محمد الغنوشي في تونس العاصمة ان واشنطن “عازمة على تقديم المساعدة” لتونس خلال المرحلة الانتقالية التي تجتازها.

وقال ان الولايات المتحدة بوصفها شريكا لتونس عازمة على تقديم جميع المساعدات الممكنة، مشيرا الى ان “ايماننا بقدرة التونسيين على النجاح كبير للغاية”، كما نقلت عنه الوكالة.

واضاف ان “اللحظة التاريخية الحالية تنطوي على وعود كبيرة للتونسيين الذين من حقهم ان يشعروا بكبير الفخر بثورتهم”.

واكد المسؤول الامريكي ان “المسار لن يكون بالضرورة يسيرا” وان “التحولات من هذا القبيل يمكن ان تكون احيانا عسيرة”.

واكد من جهة أخرى ان محادثاته مع الغنوشي كانت “ممتازة”، مضيفا انها كانت مناسبة للجانبين للتطرق للسبل التي تتيح للطرفين العمل سويا قصد “”مساندة التونسيين ودعمهم في عملهم الجبار هذا”، بحسب الوكالة التونسية.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 23 فبراير 2011).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية