مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

طرق مُبتكرة لترويج الثقافة العربية في سويسرا

صورة من المطعم في برن
مطعم "البيتاريا": خشبة مسرح لساعة ونصف وساحة لتذوق الأطعمة العربية، الأربعاء 14 مايو 2019. swissinfo.ch

هل ترتبط رغبة المرء في تذوق المأكولات العربية في سويسرا باهتمامه بثقافة بلاده الأصلية؟ من يزور المقهى ويدخّن الشيشة أو يتمتّع بطعم الفلافل أو الكسكسي في مطعم لبناني أو مغربي، يحتكّ بثقافة هذه البلدان بشكل مباشر، فماذا إذا لم يقتصر الأمر على الأكل والشرب وتعداه إلى عروض مسرحية وأمسيات شعرية ومعارض فنية؟

تنتشر في سويسرا ظاهرة المزج بين التجارة والثقافة، حيث تنظم بعض الأماكن المخصصة لغرض تجاري كالمطاعم والمقاهي أو المكتبات احتفاليات ثقافية متنوعة، تعرّف بالثقافة العربية أو الإسلامية وتهدف إلى كسب اهتمام الجمهور السويسري وتعمل على زيادة التقارب بين المتذوقين ليس فقط للمأكولات العربية بل وللفنّ العربي والمنفتحين على الحضارة العربية. أحد هذه الأماكن هو مطعم البيتاريا لصاحبه الفلسطيني السويسري سامي ضاهر، ومزرعة “ابن كامل للجمال” وكذلك مطعم إنديكو الخاص جداً في طريقة إدارته وعروضه الثقافية والفنيّة في زيورخ، أكبر مدينة سويسرية.

في برن، في مطعم “بيتاريا”، نُظّم يوم 14 أبريل حدث ثقافي من هذا النوع، حيث قُدّمت المأكولات السريعة قبل وخلال عرض مسرحي دام 75 دقيقة. قام الممثل كريسهان كرون بتمثيل مسرحية “سيد إبراهيم وأزهار القرآن” لكاتبها الفرنسي إريك إيمانويل شميت والتي تدور أحداثها في دكان تركي في باريس، لصاحبه المسلم الذي يبني علاقة أبوة مع طفل يهودي يفقد والديه ولا يبقى له من معين سوى هذا البائع للبضائع العربية.

المزيد

يقول الممثل كريسهان كرون الألماني الأصل والذي يعيش اليوم متنقلا بين برن وزيورخ، متحدّثاً لـ swissinfo.ch: “إنّ العرض في مكان كهذا أكمل، وكأنه مسرح ثلاثي الأبعاد”، حيث تشارك روائح الأطعمة الشرقية في العرض المسرحي “فيكون لدى المرء طعم المواد الغذائية في فمه ورائحتها في أنفه، تلك المواد التي تشبه ما يبيعه السيد ابراهيم في دكانه في باريس، فالمطعم كمسرح للأحداث يكون فيه الجمهور جزءًا من الحدث”. ويذكّر كرون أنه في سويسرا وبشكل عام في البلدان المتحدثة بالألمانية توجد ثقافة المسرح الجادة، وهو يرى أن هذه التجارب في المطاعم والمقاهي “ممتازة جداً، يعجبني أنا شخصياً عندما تتوحّد هذه العناصر مع بعض ولا يقتصر الأمر على المسرح الجاد، بل يكون وكأنّ كلّ شيء دكان خضار كبير”.

فنّ المسرح وتذوقه لا يرتبط عادة وبشكل مباشر بتذوق نوع معيّن من الأطعمة كما لاحظ كرون، ولكن هنا تأتي خصوصية إقامة مثل هذه الاحتفاليات في أماكن كهذه. كما أنّ ذلك يُمثل بالنسبة لسامي ضاهر صاحب مطعم “بيتاريا” “طريقة ناجعة لنشر الثقافة العربية والتعريف بها في سويسرا”، فهو من دعا كرون ليقدم عرضه في مطعمه، وأخذ منذ بدايات نشاطه التجاري في سويسرا على عاتقه تلك المهمة، وذلك عن طريق لعبه لدور الحكواتي في مطعمه الصغير في بداية مشواره في سولوتورن ومشاركته أيضاً في تمثيل بعض المسرحيات في المدينة، وهنا يُكمل سامي هذه المهمة من خلال إقامته لمثل هذه المناسبات في فروع مطعمه الجديدة لبيع الفلافل في برن.

المزيد

حديثاً أراد سامي تنظيم حفل موسيقي في مطعمه ولكنه اضطر فيما بعد إلى الغائه إثر موت الفنان في ليون، فنظم هذا العرض المسرحي في 14 أبريل. و”ستقوم البيتاريا بتنظيم مثل هذه المناسبات في أيام الآحاد عندما يكون المطعم مغلقاً”، حيث سيتم تقديم الأطعمة العربية “ولكن ليس بغرض الربح، على الأقل ليس الربح المادي ولكن الثقافي، ولتقديم خدمة لمن يهتم بالثقافة ويخصص من وقته شيئاً للقدوم إلى مثل هذه التظاهرات حيث تكون الأسعار فيها رمزية”، كما يقول سامي. 

بالمناسبة، سبق أن تم عرض مسرحية “سيد إبراهيم وزهور القرآن” أيضاً قبل ثلاثة عشر عاماً في البيتاريا ولكن في مدينة سولوتورن، وكان ذلك بطلب من سامي، وحظيت بقبول جيد من طرف الجمهور. في الأثناء، ينوي سامي الاستمرار بإقامة مثل هذه الاحتفاليات ومنها، ليس فقط  المسرح والحفلات الموسيقية، بل والمحاضرات أيضاً، فهو يفكر الآن في اتاحة الفرصة لاستخدام مطعمه كمنصة لإلقاء محاضرة عن كتاب صدر حديثاً عن التراث الفلسطيني بعنوان “أطلس التراث الفلسطيني” لمؤلفه إسحاق الحروب. وهكذا “يُكمل مطعم البيتاريا رسالته الثقافية بالإضافة إلى دوره في نشر حضارة الأكل والذوق العربي في سويسرا”، بحسب تعبير مالكه.

مطعم إنديكو في مدينة تون

في مطعم آخر يُوجد في مدينة تون Thun تحت مسمى إنديكورابط خارجي يتم المزج أيضاً ليس فقط بين المأكولات والثقافة بل وبين الثقافتين السويسرية والمغربية أيضاً. فهو يقوم بتنظيم رحلات عبر مناطق المغرب الأقصى ويهتم بالبناء باستخدام الطين في سويسرا والمغرب، كما يقدم المأكولات الشرقية والغربية مصحوبة بمناسبات ثقافية متنوعة. 

يفتح المطعم أبوابه في كل شهر مرة وينظم في كل شهر مناسبة ثقافية واحدة، وكذلك برغبة من الزبائن لإقامة المناسبات العائلية الخاصة. أما ما يميز إنديكو عن البيتاريا فهو مزجه في مناسباته وعروضه بين الثقافات الأوروبية والعربية، فنجد مطربين وموسيقيين وممثلين من إسبانيا وسويسرا وغيرها بالإضافة إلى هؤلاء الذين يقدمون الثقافة العربية إلى الجمهور السويسري. ما يجعل من مقهى ومطعم إنديكو مكاناً لالتقاء الحضارات على مستوى مركّز وبشكل منظم.

مزرعة جمال في سويسرا

كمال بن سالم، البدوي التونسي الأصل، مزج بدوره في “مزرعة بن كامل للجمالرابط خارجي” في زيورخ، بين العروض الثقافية والحضارية التونسية وتنظيم الرحلات في الصحراء في تونس ولكنه لم يكتف بذلك بل ربى الجمال في سويسرا. “إذا كان السائحون لا يستطيعون الذهاب إلينا، فلنأتِ نحن إليهم” هذا ما قاله بن سالم في مقابلة أجرتها معه swissinfo.ch في ديسمبر 2018، وأضاف أنّ مستويات السياحة في تونس قد انخفضت وارتبط ذلك بحسب تعبيره آنذاك بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وبعد ذلك، بحرب العراق 2003.

بدأ بن سالم العمل على انشاء مزرعته في عام 2004 واتخذ من كانتون شافهاوزن مقراً لها، ثم انتقل في 2009 إلى كانتون زيورخ، وأقام مزرعته بالقرب من مضمار الخيل في ديلزدورف، ومن ثم في 2011 انتقل إلى القرب من مطار زيورخ الدولي. يدير ابن سالم في زيورخ مع زوجته السويسرية، التي تعرّف عليها عندما كان يعمل في مكتب للسياحة ينظم الرحلات عبر الصحراء في تونس، مزرعته وينظم رحلاته في صحراء تونس.

وقدم في مقابلته مع swissinfo.ch  تفاصيل عن الخدمات التي يقدمها في مزرعته لزبائنه: «نقدم معلومات وافرة للزائرين عن هذا الحيوان وطبيعته مبنية على خبرة أجيال، فجدّي كان لديه جِمال، ووالدي الذي يبلغ من العمر الآن 74 عامًا لديه جمال وعاش كل عمره معها، كما نقدم فرصة للصغار والكبار ليجرّبوا الركوب عليها في جولة تمتد لعشر دقائق، نبيع حليب النوق الذي يتميز بكونه صحيًّا أكثر من حليب البقر ويشكل بديلاً لمن يعانون من حساسية عند شرب الأخير، نقدم المأكولات الشرقية العربية للمجموعات بناءً على طلب مُسبق، حيث لدينا مطبخ خاص داخل المزرعة، وعند الضرورة، أي حينما يكون الطلب كبيراً، نتعاون مع مطعمٍ عربي، وقد بلغ الطلب ذات مرة حد خمس مائة شخص، فلبيناه على أحسن ما يرام، وكل ذلك يجري طبعًا داخل خيم مزينة بألوان وأشكال التراث البدوي؛ ونقدّم النقش بالحنّاء، وأحيانًا وصلاتٍ من الرقص الشرقي، إذا طلب أصحاب الدعوة ذلك مُسبقًا».

هذا هو المزج بين نوع من أنواع التجارة كتنظيم المناسبات وتقديم الخدمات لزبائن تدفع بالمقابل مبالغ تتناسب مع السلعة المباعة، إلّا أن القيمة الثقافية لمثل هذه المبادرات تستحق الذكر على وجه الخصوص. فمن يرغب في تذوق المأكولات الشرقية والفن الشرقي ولديه قدر من الإهتمام بالحضارات الشرقية عادة ما يجد في مثل هذه الأماكن ضالته.

مكتبة الزيتونة في جنيف

لا يقتصر الأمر على أماكن الأكل والشرب فهناك أماكن أيضاً قد قسّمت عملها إلى قسمين متساويين تجاري وثقافي. وأفضل مثال على هذا النوع من المزيج هي مكتبة الزيتونة في جنيفرابط خارجي لصاحبها آلان بيطار. حيث تُنظيم الكثير من الاحتفاليات الفنية والثقافية في الرواق التابع لمكتبته بشكل دوري ومنتظم. فهو لا يبيع الكتب العربية فقط للمهتمين بالأدب والتاريخ العربي بل يضيف إلى ذلك تأمين إطار ومكان يلتقي فيه من يهتم في الثقافة والحضارة العربية مباشرة مع منتجي هذه الثقافة والفاعلين فيها. فالموسيقي الذي يقدم عرضه هناك يجد نفسه في تواصل مع متذوقي فنه الفريد ويدخل معهم في حوار مباشر وكذلك الرسام وغيره من منتجين الفنّ والمبدعين.

المزيد

المزيد

ألان بيطار .. نموذج الاندماج الناجح رغم الحرمان من الجنسية

تم نشر هذا المحتوى على ويعترف بيطار بأن هذا الرفض شجعه على البحث عن جذوره وهويته، دون قبول التصنيف ضمن قائمة الانتماء لطائفة دون غيرها، كما شجعه على خوض تجربة تأسيس أول مكتبة عربية في مدينته لتقيم جسرا بين العالم العربي وجنيف. وصل آلان بيطار إلى جنيف في عام 1960 ولم يتجاوز عمره السادسة، منحدرا من عائلة لها أجداد سوريين…

طالع المزيدألان بيطار .. نموذج الاندماج الناجح رغم الحرمان من الجنسية

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية