مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بين الهدنــة والتصعيــد

رغم الانفراج النسبي الاسرائيلي الفلسطيني، فإن التوتر الشديد لا يزال سيد الموقف على الميدان Keystone

دعا الرئيس جورج بوش في اتصال هاتفي يوم الخميس مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس إلى انتهاج سياسة أمنية "معقولة".

ولا تزال الهدنة المُـبرمة بين عدد من الفصائل الفلسطينية هشّـة، حيث أعلنت كتائب شهداء الأقصى أنها قد تنسحب من الهدنة إذا واصلت إسرائيل عملياتها.

لا تكون الهدنة إلا مع خصم، لكنها وفي الحالة الفلسطينية تندرج في خانة مراجعة النفس الواحدة ومصالحتها، أو هكذا هي ملامح وقف إطلاق النار الذي أعلنته معظم فصائل المقاومة الفلسطينية مؤخرا.

واللافت أن الإعلان الذي كان يفترض أن يضم الخصمين المتقاتلين، إسرائيل من جهة، والفلسطينيين من جهة أخرى، انتهى بهدنة من الطرف الفلسطيني وحده، حتى دون تلقى أي ضمانات بوقف الهجمات الإسرائيلية، بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون ذهب إلى التأكيد أن عملياته ضد النشطين الفلسطينيين لا تعرف حدودا، الأمر الذي لا زال يترجم على الأرض بمزيد من العنف.

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي رفضت اتفاق الهدنة، لم تجد سوى سبب داخلي يمنعها عن ذلك، وهو استمرار حبس أمينها العام في سجن فلسطيني بأريحا تحت حراسة أمريكية بريطانية مشتركة.

القرينة الفلسطينية، هي الأقوى إذن، وأسبابها معلقة بمعطيات وظروف، وإن كانت تلتقي كلها على محور الاحتلال، فإن الاستدلال عليها يظل رهنا بدخول تفاصيل الحالة الفلسطينية الراهنة.

ولعل جميع أطراف القيادة الفلسطينية الرسمية والشعبية والإسلامية والوطنية تشترك بنسب متفاوتة في تفسير توجيه بوصلة الهدنة بعكس عقارب الساعة.

الخلفيــــة

في حديثهم عن مولد الهدنة، يؤكد معظم الذين شاركوا في صنعها أن بداياتها تعود إلى لحظة انطلاق الحوار الفلسطيني العلني في أواخر الصيف الماضي ووصل ذروته في لقاءات القاهرة التي جمعت، ولأول مرة في العلن، ممثلين من الداخل والخارج في حوار سياسي.

وليس في الأمر أي إثارة، لكن الحوار كان يجري على خلفية الهجوم المدمر الذي شنه جيش رئيس حكومة إسرائيل ارييل شارون على الأراضي المحتلة، بهدفين أساسين: تدمير البنية التحتية لجميع الفصائل والحركات المنخرطة في المقاومة، وإضعاف، إن لم يكن التخلص من قيادة ياسر عرفات.

ولم يكن الفلسطينيون في تلك اللحظة مستعدين أو قادرين على الاعتراف بضرورة الدخول في هدنة مع إسرائيل، حيث كانت غزة لا تزال بعيدة عن واقع الحرب الصغيرة التي تدور في الضفة الغربية.

قالت حركة حماس، وفق ما أشار مسؤول داخلها، إنها تستطيع التفاوض على برنامج سياسي جديد للفلسطينيين، وإنها قادرة على فرض شروطها لدخول منظمة التحرير الفلسطينية.

أما فتح، فإنها لا زالت على رأس السلطة ومنظمة التحرير،وأنها لم تكن مستعدة لمنح أي عروض في المشاركة للحركة الإسلامية التي ظلت تعتقد أنها تقود الشارع في غزة، وأنها باتت على مستوى الندية مع الحركة الوطنية.

وفي حين، انشغل المتحاورون الفلسطينيون في نقاش بيزنطي توقف عند صخرة البرنامج السياسي والمشاركة في منظمة التحرير، حاول الراعي المصري الخروج بفكرة الهدنة، التي كان مصيرها في حينه، ذات مصير النقاش السياسي.

في تلك الأثناء، كانت إسرائيل، تساندها في ذلك الإدارة الأمريكية، ماضية في خططها الأساسية وأصبح هدف استبدال قيادة عرفات قريب المنال مع تعيين رئيس وزراء، ومع استمرار اعتقال واغتيال النشطين الفلسطينيين.

استراحة المحاربين

ظل حوار الهدنة بين صعود وهبوط دون أي نتيجة تذكر، حتى قرر المحاربون أخذ استراحة، أو هكذا جرى توصيف طلب من حماس بالدخول في نقاش جدي حول هدنة مشتركة تعلنها فصائل المقاومة الرئيسية.

طلب حماس، الذي يرفض قادتها المحليون وأولئك في الخارج مجرد الإشارة إليه، يتعلق بقرار داخل الحركة يقضي بقبول الهدنة لضرورة حماية النفس، الأمر الذي ترجم لاحقا في الحملة الدولية التي قادتها الإدارة الأمريكية ضد حماس ونفّـذتها إسرائيل، ولازالت على الأرض.

وعلى مدار أشهر من المحادثات السرية التي جرت برعاية مروان البرغوثي، أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية، وشملت غزة ورام الله والقاهرة ودمشق، تم التوصل إلى اتفاق بين اخوة المقاومة يقضي بإعلان الهدنة بغض النظر عمّـا تقوم به إسرائيل.

لكن الحوار الداخلي ارتد على ذاته. وما أن جرى الإعلان عن التوصل إلى الاتفاق، حتى بدأت قيادات داخل حركة فتح تبحث عن وسيلة تمنع الاتفاق الذي صنعته قيادات شابة في الحركة.

لكن الأمر يختلف كثيرا عند حماس، إذ وجدت نفسها خارج الصورة بعد أن أعد قادتها في الخارج الاتفاق مع البرغوثي.

بيد أن تماسك حركة حماس كان أقوى من تماسك فتح، واضطر القادة المحليون إلى قبول الاتفاق، في حين أن قيادة فتح الرسمية أنكرت الاتفاق وأصرت على إعلان خاص بها يليق بدعمها لخارطة الطريق.

ولم يجد الطرف الإسرائيلي وحده ضرورة في الاعتراف باتفاق لم يشارك في صنعه، وظل منشغلا بعملياته على أرض الميدان، وترك الاخوة الأعداء يتصارعون.

هشام عبد الله – رام الله

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية