مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حزب الله: “اللّـبننة” أو الانتحار

هل سيحسم حزب الله بقيادة أمينه العام حسن نصر الله أمره نهائياً؟ هل سيقف أم لا إلى النهاية مع نظام الأسد؟ Keystone

استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ومعها الأزمة السياسية والخلط الشديد في الأوراق، ستضع حزب الله اللبناني أمام خياريْن متناقضيْن من "التخندق".

الأول، هو ترك الأزمة السياسية على الغارب والتركيز على المسألة الأمنية، عبْر استكمال سيطرة الحزب على المؤسسات العسكرية، وفي مقدمتها فرع المعلومات المهِم في قوى الأمن الداخلي. وأيضاً عبر التكشير عن أنيابه الأمنية في الداخل اللبناني، في خِضم مواصلة اندفاعته الرّاهنة الداعمة عسكرياً للنظام السوري.

والثاني، هو التخندق السياسي، أي “لبننة” نفسه والعمل على تحصين مواقعه الإقليمية، من خلال إبرام صفقة داخلية، سياسية وطنية، تكون له بمثابة بوليصة تأمين ضدّ الاعتصار الإقليمي الهائل، الزاحف نحوه من كل جانب.

منطقان

لكل من هذين “التخندقيْن”، منطِقه ومبرراته. فالتخندق الأمني تُمليه التطورات المتسارعة التالية على الصعيد الإقليمي:

– الانقلاب الاستراتيجي الأخير، الذي وُلِد من رحِم المصالحة التركية – الإسرائيلية الأخيرة، والذي سيقلب المُعادلات الإقليمية في الشرق الأوسط رأساً على عقب، وهذا ما قد يتجلّى سريعاً خلال الأيام والأسابيع القليلة المُقبلة في سوريا، التي يبدو أنها شكَّلت الدافع الأول للمصالحة بين هاتين القوتين الإقليميتين الكبيرتين. وفي حال تحقق “الوفاق” التركي – الإسرائيلي سريعاً حيال سوريا ما بعد الأسد (وهو ما يبدو فعلاً في الأفُق)، فسيجد حزب الله نفسه مكشوفاً تماماً استراتيجياً، وسيكون بالفعل الهدف الثاني لهذا الوِفاق بعد نظام الأسد، في حال قرّر مواصلة السباحة مع الرئيس السوري الغارق.

– إضافة إلى بعث الوفاق التركي – الإسرائيلي من رُقاده، هناك جهود مكثّفة الآن لإعادة إطلاق المحور الأردني – التركي – الإسرائيلي، الذي كان (إضافة إلى مصر السادات – مبارك) دعامة كل الباكس أمريكانا في الشرق الأوسط. وبالطبع، إذا ما أطبق هذا المحور بشكل مُشترك على سوريا، فيما تنجح أمريكا في منع عراق – المالكي من مواصلة تمرير المساعدات الإيرانية إلى الأسد عبْر أجوائه (كما حاول جون كيري خلال زياراته الأخيرة لبغداد)، فإن أيام الأسد ستكون بالفعل معدودات.

وحينها، سيتعيّن على حزب الله أن يحسِم أمره نهائياً: هل سيقف أم لا إلى النهاية مع نظام الأسد بعد السقوط أو الانهيار المتوقّع للنظام في دمشق، من خلال الاشتراك معه في إقامة دويلة علوية في الساحل السوري، تكون لها امتدادات في الجغرافية الشيعية اللبنانية؟

التخندق السياسي

هذا عن التخندق الأمني. أما منطق التخندق السياسي، فهو يقوم على أن الحل الأمني للحزب سيكون انتحاراً حقيقياً وعلى كل الصّعد، خاصة وأن من محصّلاته، مشاركة الحزب في تقسيم سوريا وفي إقامة دولة علوية سيكون راعيها الحقيقي إسرائيل وليس إيران، بسبب دواعي الجيوسياسة والأمن والأكلاف الاقتصادية.

هذا الخيار الذي يُمكن أن يتجسّد سريعاً في حكومة وِحدة وطنية حقيقية، تنأى بلبنان حقيقة عن الأزمة السورية وتبلور إعلان بعبدا – 2 الوِفاقي، سيضع الحزب عملياً في كنَف الحماية الدولية الرّاهنة للكيان اللبناني، بدل أن يكون في عيْن عاصفة النظام السوري المُنهار، وسيوفِّـر في الوقت نفسه للحزب، فرصة إعادة تشكيل النظام السياسي اللبناني بما يتطابق مع إنجازات الطائفة الشيعية خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

على أي الخيارين، (ومن الواضح أنهما خيار واحد) ستقع قرعة الحزب: اللّبننة أو الانتحار؟

يُقال أن ثمّة انقِسامات عميقة داخل الحزب حول هذه المسألة. ويُقال أيضاً أن هذا الانقسام موجود أيضاً في طهران، حيث يخشى العديد من المسؤولين الإيرانيين أن يؤدّي استمرار سباحة حزب الله مع سفينة الأسد الغارقة، إلى خسارة أهَم إنجازات السياسة الخارجية للثورة الإسلامية الإيرانية: حزب الله نفسه، ومعه النفوذ الإيراني داخل الطائفة الشيعية اللبنانية.

وإلى أن يبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في هذه التمخضات داخل الحزب، والتي أدّت ليس فقط إلى إرجاء مؤتمره العام، بل أيضاً إلى إحداث شرخ جديد بين شيعة الجنوب وشيعة البقاع، سيبقى حزب الله معلّقاً في الهواء في منزلة بين منزلتيْ البقاء أو الانتحار. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية