مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تحالف من نوع جديد

التحالف الذي تخوضه الولايات المتحدة ضد افغانستان مختلف جدا عن التحالف الدولي الذي حارب العراق عام 91 swissinfo.ch

بعد ان التقى في جنيف بالشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الامارات العربية، واصل رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير يوم الاربعاء جولة عربية بهدف كسب التاييد للنشاط العسكري الذي انطلق منذ مساء الاحد وتعزيز تماسك الحلف الدولي ضد الارهاب وهو تحالف مغاير للتحالف الذي تشكل عام 91

مثلما يحدث عادة في تشكيل الائتلافات الداخلية في معظم الأحيان، اختارت الولايات المتحدة هذه المرة تكوين ما يعتبر “أصغر تحالف عسكري ممكن” يقتصر على الاطراف التي توجد ضرورة مباشرة لانضمامها إليه مع عدم الضغط على الدول التي لا توجد حاجة عسكرية لالتحاقها.

ولكي تتمكن من القيام بذلك، فهناك ثلاث دول فقط تقوم بالمجهود العسكري الرئيسي، بعكس ما حدث من قبل في الخليج عام 1991، على سبيل المثال، عندما كانت هناك وحدات عسكرية لما يقرب من 40 دولة تتواجد فى مسرح العمليات، معظمها لا يقوم سوى بأدوار رمزية تحمل دلالات سياسية بأكثر مما ترتبط بخطة العمليات العسكرية.

فعلى الرغم من أن كثيرا من الدول في العالم قد حرصت منذ بداية عملية تشكيل التحالف الأمريكي ضد الإرهاب، على أن تعلن مواقف مختلفة بشان احتمالات مشاركتها أو عدم مشاركتها “عسكريا” في الكيان الجديد، إلا أن مؤشرات مختلفة، كانت تتبلور مع الوقت بشان وجود اتجاه قوي داخل الإدارة الأمريكية لتكوين حلف Ally وليس تشكيل ائتلاف Coalition ، فيما يتصل بالعمل العسكري، والأسباب عديدة.

أهداف عسكرية غير تقليدية

أول تلك الأسباب أن طبيعة الأهداف العسكرية التي يتم استهدافها، لا تتطلب حشد قوة برية، ولاجوية كبيرة الحجم. فطالبان حركة صغيرة، لا تمتلك مؤسسة عسكرية نظامية كبيرة، وليس لديها أكثر من 14 طائرة، ثلاثة منها معطلة، وما لا يزيد عن 75 دبابة قديمة الطراز، ومراكز قيادة وسيطرة واتصال بدائية، ولا توجد بأفغانستان ما يعتبر منشآت حيوية بالمعنى المعروف. ولا يمثل تدمير كل ذلك المحك الحقيقي لتحقيق هدف الحرب.

فرغم أن تدمير العناصر النظامية لقوة طالبان يحقق هدف تغيير التوازن العسكري لصالح القوى المناوئة لها بما يتيح إمكانية خلخلة سيطرتها على معظم أراضى أفغانستان، إلا أنه لا يحقق هدف إنهاء نظام طالبان، إذا لم يترافق مع عمليات سياسية سرية تدفع في اتجاه إسقاط طالبان من الداخل، فالعملية ليست عسكرية بحتة.

يضاف إلى ذلك أن تنظيم القاعدة لا يمتلك قواعد عسكرية تقليدية يمكن تفكيكها وتصفية الكوادر العاملة فيها من خلال القصف الجوي، ومع إدراك البنتاغون لمحاذير الهجمات البرية، فان الأسلوب الرئيسي الذي يستخدم في مثل هذه الأحوال هو عمليات القوات الخاصة المستندة على نشاطات استخباراتية مكثفة، مع اقتصار دور القوات البرية والصاروخية على إحداث ارتباكات شديدة لقيادات التنظيم بما يتيح “التعامل معها” بصورة اكثر فعالية ، وتامين القوات التى تقوم بذلك، وهي كلها مهام دقيقة، تعتمد أساسا على السرية، وضيق دائرة قيادة العمليات، ولا تحتمل عمليات تنسيق معقدة كالتي تتم عادة بين أطراف الائتلافات العسكرية.

مشكلة إدارة العمليات العسكرية

على مستوى آخر، يبدو أن القيادات العسكرية في البنتاغون قد دفعت في اتجاه ضرورة تضييق نطاق التحالف، بحيث تتمتع الولايات المتحدة بحرية إدارة العمليات العسكرية، بأهدافها وتوقيتاتها ومراحلها، في ظل خبرة الحساسيات واسعة النطاق التي شهدتها “القيادة المشتركة” لقوات الائتلاف العسكري خلال حرب الخليج، وكذلك ما حدث خلال حرب حلف شمال الأطلسي في كوسوفو من شد وجذب بين الأطراف المشاركة في التحالف وقتها، رغم انتمائها لحلف عسكري واحد متماسك هو “الناتو”.

لكن الاعتبارات السياسية ربما تكون قد حددت المدى الذي يمكن الوصول اليه في “تقليص” التحالف العسكري الحالي، بحيث تم التوصل إلى ما يسمى اصطلاحيا “الحجم الأمثل”، الذي لا يتضخم إلى الحد الذي يعوق معه السيطرة على إدارة العمليات، ولا يتقلص إلى الحد الذي يبدو معه أن الولايات المتحدة تخوض الحرب لوحدها.

وهنا يكتسب البعد الداخلي أهمية خاصة، فحسابات الإدارة الأمريكية لتشكيل التحالف وعملياته بتلك الصورة هذه المرة، يرتبط بقضية أساسية، وهي أن العمليات تتم ردا على هجمات وقعت على الأراضي الأمريكية نفسها، ولا ترتبط باعتداء وقع على أحد حلفاء الولايات المتحدة وهدد مصالح كبيرة لها في الخارج، أو بتوجهات نظام سياسي يربك التوازنات ويسبب عدم استقرار في منطقة تمثل مجالا حيويا لسياساتها.

لذلك كان متصورا منذ البداية أن إدارة العمليات العسكرية الموجهة ضد أفغانستان ترتبط ببعد سياسي ربما يتحكم في توقيتاتها وحجمها وأهدافها، استجابة للتوقعات المتغيرة للرأي العام الأمريكي، والتحالفات الكبيرة تعيق ذلك، لاسيما وان الإدارة الأمريكية قد ووجهت منذ البداية بسيل من التساؤلات، حتى من الحلفاء، حول طبيعة وأهداف، بل وجدوى العمليات العسكرية في مواجهة حالة كأفغانستان وتنظيم القاعدة، ولم تكن هناك إجابات كاملة في كثير من الأحوال.

حساسية أوضاع الدول الحليفة

يضاف إلى كل ذلك حساسية أوضاع معظم الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، خاصة في المنطقة العربية، فعلى الرغم من أن كل الدول العربية تقريبا قد أدانت الإرهاب بدرجات مختلفة، إلا أن معظمها قد واجه منذ البداية “أعراضا باكستانية”.

فالرأي العام الداخلي فيها غاضب بفعل الإحباط العنيف الذي تعرض له خلال عام كامل من المشاهدة اليومية لقمع منظم يتعرض له الفلسطينيون دون تحركات جادة لوقف التمادي الإسرائيلي من جانب حكومة ارييل شارون تحديدا، وداخل كثير من هذه الدول قوى سياسية أو اجتماعية إسلامية ذات توجهات متصلبة تمس هيكل السلطة أحيانا.

كما ترغب تلك الدول فى التعامل مع هذه الظواهر المزعجة بدون انقلابات عنيفة، وما أثير مجددا حول المدى الزمني الطويل للعملية، التي قد تطال دولا أو تنظيمات أخرى في المنطقة العربية، قد اثار قلقا واضحا لدى بعض الدول، مما جعل حسابات المشاركة معقدة.

لكن في الوقت ذاته، فان معظم الدول العربية قد تعرضت لهجمات إرهابية عنيفة من جانب عناصر تابعة لتنظيم القاعدة، أو أصبحت تابعة له، وما حدث ضد الولايات المتحدة يسبب للأوساط الأمنية قلقا بفعل عجز تقييماتها عن التنبؤ بالمدى الذي وصلت إليه قدرات تنظيمات الإرهاب، يضاف الى ذلك أن معظم الدول العربية تتمتع بعلاقات تحالف وثيقة مع الولايات المتحدة، وبالتالي لا يمكنها أن تقف بعيدة عما يدور.

وقد أوضحت تطورات عملية تشكيل التحالف، أن الصيغة التي تشكلت تناسب الجميع، فقد قامت معظم الدول العربية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الأمريكية على المستوى المعلوماتي والاستخباراتى منذ البداية، ولم يجد معظمها مشكلة في التعاون العسكري في إطار مستوياته القائمة بالفعل، والتي ترتبط بتسهيلات استخدام المجال الجوي والمشاركة في مهام محددة.

هذه الصيغة لا تمثل مشكلة بالنسبة للحكومات العربية، بل تحقق لها بعض المصالح. وفي المقابل، فان هذا المستوى من التعاون كان هو المطلوب بالضبط من جانب الولايات المتحدة.. واذا ما اخذنا بعين الاعتبار وجود استثناءات محدودة، يبدو ان الطرفين قد اقتنعا بفكرة التواجد العربي الفعال ضمن التحالف السياسي – الأمني الأوسع المضاد للإرهاب.. لحين إشعار آخر.


محمد عبد السلام – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية