مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تحفة معمارية فريدة بمعهد علمي يطمح إلى الريادة والتفوق

هذا المعلم الذي يتوسط مركب المعهد التقني الفدرالي بلوزان سوف يتحوّل إلى رمز للإنفتاح والإبداع والطموح إلى الريادة في مجال البحث العلمي Keystone

يفتح مركز رولاكس للتعليم بالمعهد التقني الفدرالي في لوزان يوم الإثنيْن 22 فبراير 2010، أبوابه لاستقبال الطلبة في فضاء يشع حداثة وابتكارا، وفي تحفة من تحف الهندسة المعمارية المعاصرة التي يمتزج فيها الخيال الياباني بالخبرة والدقة السويسرية.

هذا المركز الذي وضعت تصميمه وأشرفت على إنجازه سانا، شركة الهندسة المعمارية اليابانية المعروفة، يتميّز بلولبيته، وتموّجه، ورحابة فضائه، سوف يصبح القلب النابض لهذا المركب الجامعي، والرمز الساطع لطموحاته المستقبلية.

وبالنسبة لباتريك إيبيشار، رئيس المعهد التقني الفدرالي في لوزان: “هذه العظمة، وهذا التميّز، هو ما أردناه منذ البداية. كان يجب علينا خلق فضاءات جديدة، لكي تكون مؤسستنا من بين أفضل المعاهد التقنية في العالم، وهذا يتطلب بنايات ساحرة وجذّابة، تكون بمثابة الطوطم الذي يدور حوله كل شيء”.

هذه التحفة الرحبة والشاسعة، والتي تغطي 20.000 مترا مربعا، وهو ما يوازي مساحة ملعبيْن لكرة القدم، والمكوّنة من الإسمنت والزجاج، تقع بغرب مدينة لوزان، وتطل من طرف على بحيرة ليمان المجاورة. اما مكتبتها الرئيسية، فتشتمل على 500.000 كتابا.

تنقسم هذه المعلمة، إلى أربع مساحات تعليمية، كل واحدة منها تستوعب 900 طالب، وقاعات اجتماعات، وفضاء رحب للمحاضرات، إلى جانب مكتبة متعددة الوسائط، ومطاعم، ومقاهي، وفضاءات حرة للجلوس”، أما مواعيد فتحها وإغلاقها، فيمتد من الساعة السابعة صباحا، وحتى منتصف الليل.

بلغت تكلفة بناء هذا الجناح العملاق الذي يتدرج لونه بين اللونيْن الأبيض والرمادي،100 مليون فرنك سويسري، تقاسمتها بالتساوي كل من الحكومة الفدرالية والمموّلين الخواص. اما التصميم التجريبي الذي أستخدم في تشييده، فسيسمح للطلبة بابتكار طرق حديثة في الكسب المعرفي، وأساليب جديدة في التفاعل والتواصل.

وتقول كازيو سيجيما، إحدى المهندسات المعماريات المشاركات في تصميم هذا “الطوطم” الذي يفضّل طلبة المعهد الإشارة إليه بالأحرف الثلاث “RLC” : “لقد حاولنا بشكل من الأشكال تصوّر مساحة حرّة هي عبارة عن منتزه، يستطيع فيه الزوّار التواصل والتفاعل بينهم”.

روابي ووهاد

رغم شكله المستطيل، يبدو هذا المركز للناظر من الخارج، منسابا وجوّانيا، واضح المفاصل والمكوّنات. ومن الداخل، تترك المدارج والسلالم مكانها لأرضية متموّجة، لتشكل روابي ووهاد، ترتسم حدود الفضاءات المتجاورة من دون حاجة إلى موانع حقيقية.

ويشرح ريو نيشيزاوا، المهندس الياباني الآخر الذي شارك في تصميم هذه البناية المغزى من ذلك، فيقول: “الحركة الإنسانية لا تتبع خطوطا أو اتجاهات مستقيمة، كما هو حال حركة القطارات، بل هي حركة ملتوية، متعددة المفاصل، وكما تسبب الخطوط المستقيمة تقاطعات حادة، تسمح التموّجات بفرص أكبر للتفاعل”.

هذه الرؤية الإبداعية التي صممّت هذه المكان الساحر تحفّز على التعاون العلمي في المجال الواحد أو متعدد الاختصاصات، كما تشجع على التعارف والتواصل الإجتماعي التلقائي في المطعم أو في المقهى، وهذا الأمر بالنسبة لباتريك إيبيشار: “مهم لأنه يساعد على تحطيم الحدود والحواجز بين الاختصاصات داخل المعهد، ويحفّز على التعاون بين مجالات المعرفة المتعددة “.

كذلك لاقت هذه البناية الإشادة والإستحسان من الخبراء في المجال المعماري، وقد أثنى عليها فرنسيسكو ديلاّ كاسا، المحرر المسؤول بنشرة ” Tracés ” المتخصصة في مجال الهندسة المعمارية بالمنطقة الناطقة بالفرنسية، بالقول: “إنها تحفة أنيقة وجميلة، لا تشوّهها أي تراتبية”، قبل أن يضيف: “ما توفّره من فسحة واتساع يفوق كل تصوّر. ورغم ان المكان تخومه واضحة، فهو يترك المجال رحبا لرؤية الخارج، والأماكن المجاورة”.

مغامرة تقنية

إنطباع الجمال والبساطة هذان اللذان يتركهما لدى الناظر مركز رولاكس للتعليم هو مخادع رغم ذلك. فخلف الطوابق والأسقف المتموّجة يختفي ما يسميه إيريك ماينو، المدير المشرف على هذا المشروع “آلاف التعقيدات”، وكل واحدة منها تتطلب حلول خاصة بها وعلى قياسها.

في البداية، تصوّر المهندسون انه من غير الممكن تشييد بناية على هذا الشكل المتموّج، والذي تتخلله 14 فتحة تطل على الفضاء الخارجي من اجل الإضاءة، وبالنسبة إليهم القدرة على الصمود ودرجة الارتفاع لا يسمحان بتحمّل الأثقال، لكن المختصين توصلوا إلى حلول لكل ذلك بعد دراسة وفحص متأنيْن.

ويشير إيريك ماينو إلى أن “هذه البناية قد شُيّدت على مجموعة من الجسور”، وهي متكوّنة من صدفتيْن مسنودتيْن إلى إحدى عشر قوسا منحيا، الصغيرة منهما مسنودة بأربعة أقواس طول كل واحد منها 30 إلى 40 مترا، واما الكبيرة فتسندها سبعة أقواس، يتراوح طولها من 55 إلى90 مترا. هذه الأقواس مشدودة بكابلات من الصلب فائق المقاومة، ومتعارضة الاتجاهات.

وعن الاقواس المستخدمة في هذه المنشأة، يضيف المدير المشرف على هذا المشروع: “يتعلّق الأمر على حد علمي بأكثر الاقواس الإسمنتية رقة وانبساطا مقارنة بما شيّده الإنسان إلى حد اليوم”.

كذلك تتميّز هذه البناية بتركيبة فريدة من نوعها، فكل مكوّناتها بما في ذلك الغطاء الخارجي، تتميّز بالمرونة والقدرة على تحمّل أي تموّج او حركة. أما الأسقف الداخلية فهي مندمجة ومتلاحمة، والنوافذ السبع مائة المثبتة على الواجهات ، من المفترض أن تكون حركتها مستقلة عن هيكلة المكان الذي وضعت فيه.

الجدوى على مستوى الطاقة

ليس هذا فحسب، فهذه الجوهرة المعمارية تتميّز كذلك بأنها صديقة للبيئة، ومحافظة على الطاقة. ويعتز المشرفون عليها بحصولهم على الرمز البيئي لمؤسسة ” Minergie”. وتتم عملية تهوئة هذا البناية بواسطة نظام طبيعي يخضع لرقابة دقيقة. كما يساهم الغلاف الزجاجي المزدوج في النوافذ، وعمليات العزل المحكمة على مستوى الأرضية والسقف في اقتصاد كبير للطاقة.

رغم هذا كله لم يسلم المشروع من انتقاد بعض الخبراء المعماريين أو سوء فهمهم، وهؤلاء بالنسبة لفرانسيسكو ديلا كوسا: “يحتاجون إلى المزيد من الوقت لكي يدركوا هذه المزايا، لأنه لم توجد من قبل نماذج شبيهة يمكن ان يُقاس عليها. لقد سبق ان تعرض “لا تور إيفال” في زمانه كذلك إلى انتقادات شديدة، ومن المعروف ان المعماريين يقيسون الأمور استنادا إلى نماذج سابقة”.

ويبقى المهم كيف سيستفيد الأربعة آلاف باحث، والسبعة آلاف طالب من الإمكانات التي سوف توفّرها لهم مكتبتهم الجديدة، وهذه المنارة العلمية الحديثة. والخطر الذي يحذّر منه فرانسيسكو ديلا كاسا هو “أن يشعر الطلبة وكانهم في كاتدرائية. فالمكان ساحر، ولابد من الوقت لكي يتعوّد الطالب عليه”.

سيمون برادلي – لوزان – swissinfo.ch

(ترجمه من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

تاسس المكتب الياباني للهندسة المعمارية SANAA ، وهو الإسم المختصر لشركة “سيجيما ونيشيزاوا، وشركائهما” سنة 1995 على يد كازيو سيجيمان وريو نيشيزاوا . وتتميّز البنايات التي تصممها هذه الشركة بالمزاوجة بين البساطة الجمالية والتعقيدات التقنية.

ومن اشهر المشروعات الاخيرة لشركة سانا المتحف الجديد للفنون المعاصرة بنيويورك. وفي عام 2009، صمموا البهو الصيفي لغالري لندن المعروف ذات الإلتواءات الكثيرة. كذلك من مشروعات سانا الأخيرة متحف القرن الواحد والعشرين للفنون بكانازاوا باليابانن ومتحف الوفر – لانس بفرنسا.

تاسس هذا المعهد سنة 1853 كمدرسة خاصة تحت اسم “المدرسة المتخصصة بلوزان”، ثم أصبحت لاحقا القسم التقني بأكاديمية لوزان، كمؤسسة تابعة للقطاع العام سنة 1869.

وفي سنة 1946، أعيد تسميتها المعهد التقني العالي بجامعة لوزان.

وفي عام 1969، فُصل هذا المعهد عن بقية وحدات جامعة لوزان، وأصبح معهدا فدراليا، تحت إسم المعهد التقني الفدرالي بلوزان.

ومثل نظيره في زيورخ، يحصل هذا المعهد على تمويلة من الكنفدرالية، في الوقت الذي تموّل فيه أغلب الجامعات السويسرية من طرف الكانتونات.

هذا المعهد التعليمي، وفي نفس الوقت البحثي والمركز الوظيفي يأمّه 11 ألف طالبا، وعدد كبير من الموظفين والأساتذة المتخصصين القادمين من أزيد من 107 بلدا مختلفا.

يعمل في المعهد تقريبا 245 أستاذا متخصصين في العلوم الدقيقة (الفيزياء، والرياضيات، والكيمياء)، والعلوم التقنية والهندسة التطبيقية والمعمارية ، والهندسة المدنية والبيئية، والإعلامية والاتصال وعلوم الإحياء، وعلم النفس وعلم الإجتماع.

ويشهد المركب الجامعي الذي يأوي المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان توسعا مضطردا ومتسارعا. وبالإضافة إلى مركز رولاكس للتعليم، يعمل المعهد حاليا على بناء فندق من أربع نجوم، وغرفا لإسكان الطلبة، بالإضافة إلى بنايات لفتح مختبرات للبحوث والاختراع.

كذلك يخطط المعهد لتشييد بناية جديدة مخصصة لعلوم الهندسة، ومركزا للمؤتمرات، يستوعب 3000 شخص، ومساكن إضافية للطلبة المحليين والأجانب.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية