مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مواقف متباينة تُجاه حق العمل لطالبي اللجوء في سويسرا

بشكل عام، يُمثل طالبو اللجوء في سويسرا يدا عاملة رخيصة، لكنها لا تلقى الترحيب سوى في عدد محدود من الكانتونات. Keystone

تنقسم المواقف حول الحق في العمل لطالبي اللجوء في الكانتونات السويسرية. وفيما يعتبر البعض أن هؤلاء الأشخاص، الذين ينتظرون الرد على طلبات اللجوء التي تقدموا بها، يمثلون يَدا عاملة بالِغة الأهمية، يقِف آخرون موقِفا متشددا حيال منحهم تصاريح عمل.

وبالنظر إلى إمكانية العمل، قد يكون من حسن طالع طالب اللجوء أن يستضيفه كانتون غراوبوندن خلال فترة نظر السلطات في طلبه، في حين، تكون فرص العمل ضئيلة بالنسبة للأشخاص الذين يُوزّعون على كانتونات أخرى مثل برن وريف بازل وجورا.

ومن خلال دراسة إحصاءات عام 2013 بشأن اللجوء، اتّضح وجود مفارقات كبيرة على مستوى الكانتونات في معاملة طالبي اللجوء، خاصة فيما يتعلق بإمكانية الولوج إلى سوق العمل. فبينما نجد أن ثلث طالبي اللجوء يحصلون على عمل في كانتون غراوبوندن، لا نجد مَن يحصل على عمل في كانتونيْ برن وريف بازل، سوى طالب لجوء واحد من بين كلّ خمسين، بل تتضاءل هذه النسبة لتصِل في كانتون جورا إلى صفر في المائة!

الحقوق متساوية والممارسات متعددة

بموجب القانون، لا يحق لطالبي اللجوء العمل خلال فترة الأشهر الثلاثة الأولى من تاريخ تقديم طلب اللجوء إلى السلطات. وبعد ذلك، إذا كان لا يزال إجراء دراسة الطلب قائما، فيحق للكانتون منح تصريح عمل لطالب اللجوء أو حجبه عنه، وبعض الكانتونات تسمح للجميع تقريبا بالعمل، في حين تكاد تفرض كانتونات أخرى حظرا كاملا.

 وبصفة عامة، تمتلك الكانتونات عدّة وسائل، تجعلها تفتح أو تغلق الباب أمام طالب اللجوء للوصول إلى سوق العمل، وأولا وقبل كل شيء، هناك مبدأ الأولوية الوطنية، الذي لا يسمح بتشغيل عمالة أجنبية، إلا إذا تعذّر وجود نفس المؤهّلات ضمن اليد العاملة السويسرية أو الأوروبية، ولو طُبّق هذا المبدأ بصرامة، لكاد من المستحيل على طالب لجوء أن يجد وظيفة.

 ومن ناحية أخرى، تمتلك الكانتونات، في ظل ظروف معيّنة، حقّ تمديد الحظر إلى مدة تصل إلى ستة أشهر، كما يمكنها وضع عراقيل غير مباشرة، كأن تطيل فترة دراسة الطلب أو أن لا تمنح تصاريح العمل إلا لفئات مِهنية معيَّنة أو تطلب التنازل عن المُرتّب.

 ومما يفسر الاختلافات الكبيرة القائمة بين الكانتونات بخصوص طالبي اللجوء وحقهم في العمل، تطبيقها للمعايير القانونية بصور مختلفة. فعلى سبيل المثال، يندر أن تلتجئ سلطات كانتون غراوبوندن إلى استخدام مبدإ الأولوية للمواطنين، كما ذكر مارسيل سوتر، رئيس مكتب الهجرة في الكانتون.

 ويقول سوتر: “إن تجربتنا مع طالبي اللجوء الذين يعملون، جيدة جدا. فمن الصعوبة بمكان على سوق العمل في كانتون سياحي، مثل ما هو الحال عندنا الإستغناء عنهم”. ومما يساعد أيضا على دمجهم في سوق العمل هو أن معدّل البطالة منخفِض جدا في كانتون غراوبوندن.

في فبراير 2014، وافق الشعب السويسري على مبادرة وضع حدّ للهجرة، والتي تقضي أيضا بوضع حدّ لطلب اللجوء. 

لم تتضح بعدُ كيفية تطبيق هذه المبادرة، لاسيما وأن القانون الدولي لا يجيز فرض قيود على حق اللجوء الخاص بالأشخاص الذين تتعرّض حياتهم للخطر. 

في المقابل، يُريد أصحاب المبادرة أن يتم تقييد وصول طالبي اللجوء إلى سوق العمل. وفي هذا السياق، يرى مارتن بالتيسر، الأمين العام لحزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، أنه ينبغي اعتماد نظام تحصيص خاص باللجوء.

الإرادة السياسية

أوضاع سوق العمل ليست هي العامل الوحيد الذي يؤثّر في حصول طالب اللجوء على وظيفة يتقاضى منها أجرا. فهناك أيضا الإرادة السياسية، التي “تلعب دورا حاسما” في هذا الصدد، كما أشار ستيفان فراي، المتحدث باسم المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين.

 في الأثناء، من الملفت وجود الظاهرة في ستة كانتونات لديها معدّل بطالة منخفِض نسبيا، إلا أن انخراط طالبي اللجوء في سوق العمل فيها ضعيف، كما هو الحال على سبيل المثال، في كانتون برن، حيث يقل عدد طالبي اللجوء العاملين اثنتي عشرة مرة عنه في كانتون غراوبوندن، وِفقا لمكتب الهجرة في برن، وهي حقيقة ذات صِلة بالتطبيق الصارم لمبدإ منح الأولوية في مجال الشغل للمواطنين.

 فعلى سبيل المثال، يشترط كانتون برن على صاحب العمل الذي يريد توظيف طالب لجوء، أن يتقدم بطلب للحصول على إذْن رسمي. وبشكل عام، يتطلب الحصول على تراخيص عمل من هذا الصنف وقتا أطول، مقارنة بما هو كائن في كانتونات أخرى، “وقد تكون هذه التراخيص هي الدافع وراء تخلّي العديد من أرباب العمل عن منح فرص العمل لطالبي اللجوء”، على حدّ قول إيريس ريفاس، مسؤولة مكتب الهجرة في الكانتون.

وسيلة للاندماج؟

ومن بين الساسة الذين يدعمون الممارسة التي تتّبعها سلطات كانتون برن، أندريان أمستوتس، نائب رئيس حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، إذ يرى أن التساهل في ولوج سوق العمل (لهذا الصنف من الأشخاص) سيعرِّض سويسرا لاجتِذاب أعداد أخرى كبيرة من طالبي اللجوء الذين يغادرون أوطانهم بسبب الأحوال المعيشية.

 ويضيف أمستوتس قائلا: “لو فتحنا باب العمل لجميع طالبي اللجوء، فمن شأنه أن يصبّ في مصلحة عِصابات المهرّبين الدولية، وسوف يؤثر على مصلحة الأشخاص المهدّدين والمؤهّلين فعلا لحق اللجوء، ولا يمكن لنا أن نسمح بذلك”.

 غير أن رفائيل شتراوس، الخبير في قضايا الإندماج في مكتب كنائس سويسرا للتشاور حول اللجوء، يخالفه الرأي، ويُنوه إلى أن طالب اللجوء إذا بقي فترة دون أن يمارس نشاطا مِهنيا، فإن رغبته في العمل ستقِل، فضلا عن أن طول الإنتظار سيفقِده جزءا من مهاراته وقدراته.

 ويتابع شتراوس قائلا: “ومن ثَم، إذا ما تلقّى قرارا إيجابيا بخصوص طلب اللجوء أو حصل على تصريح إقامة مؤقّتة، فسيتعيّن علينا، كما في كثير من الحالات، أن نبدأ من نقطة الصفر”، ولا يُنسى بأن ما يقرب من ثلث طالبي اللجوء في سويسرا ينتهي بهم المطاف، بعد الانتهاء من الإجراءات ومن فحص طلباتهم، إلى الاستقرار، وبالتالي، فإن من المنطقي أن نسعى منذ البداية في دمجهم داخل هياكل المجتمع.

في أوروبا، يختلف تنظيم مسألة حقّ العمل لطالبي اللجوء من بلد إلى آخر، وتمنح كل بلدان الاتحاد الأوروبي، باستثناء إيرلندا وليتوانيا، طالبي اللجوء حق العمل خلال فترة دراسة طلباتهم. 

وفي بعض البلدان، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا، يُمنح هذا الحق بعد مرور سنة واحدة على تقديم طلب اللجوء. وفي بلدان أخرى، من بينها إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا والدنمارك وبولندا، بعد مرور ستة أشهر على فترة الانتظار. 

بينما يكاد لا يخضع هذا الحق سوى لقيود بسيطة في بلدان مثل السويد والنمسا واليونان ومالطا. فالسويد لا تضع أي قيود، وفي النمسا توجد بعض القيود في بعض المناطق، بينما تعمل اليونان ومالطا بمبدإ الأحقية للمواطنين، لكن الفُرص المتاحة للعمل تكاد تكون نادرة جدا.

نوشاتيل أكثرُ ليبرالية

في الأثناء، ينتهج كانتون نوشاتيل مسلكا مغايِرا، حيث يمنح طالبي اللجوء الحرية الكاملة تقريبا في الوصول إلى سوق العمل، وعلى الرغم من معدّل البطالة البالغ 5,2٪، إلا أن سلطات الكانتون لا تطبِّق مبدأ تفضيل المواطنين، وعليه، فإن طالب لجوء واحد من بين كل ثمانية، يشغل وظيفة يتقاضى منها أجرة.

 “علينا أن نعتمد على أداء طالبي اللجوء، خاصة وأننا في العديد من المجالات، لا نجد من بين المواطنين مَن هو على استعداد لشغل بعض أنواع من الوظائف”، بحسب قول سارج غامّا، الموظف في مكتب الهجرة في الكانتون.

 ومن جانبه، ينتقد ستيفان فراي التفاوت القائم بين مختلف الكانتونات، ووفقا لرُؤيته، ينبغي أن يُفتَح الباب أكثر دونما تأخير أمام طالبي اللجوء للولوج إلى سوق العمل، لأنه سيكون أقلّ كلفة على الدولة، باعتبار أنه “لا يمكننا منع الشخص من العمل لسنوات، ثم نستغرب حين يلجَأ إلى المساعدة الإجتماعية”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية