مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“كشْـف حساب” للفراغ الإستراتيجي العربي

يوم الأحد 13 يونيو 2010، تحول عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية (على يسار الصورة رفقة إسماعيل هنية، رئيس الحكومة الفلسطينية المقال) لزيارة قطاع غزة وذلك للمرة الأولى منذ بدء الحصار الإسرائيلي المفروض عليه Keystone

الإعتداء الإسرائيلي على أسطول الحرية في المياه الدولية المُـجاورة لإسرائيل، الذي أدّى إلى مقتل عدد من الأتراك وإصابة العشرات، كما يشير عدد من المراقبين والباحثين، ستكون له تداعِـيات إقليمية لا تقف عند حدود الغضبة، التي أبداها المجتمع الدولي من إسرائيل، ولا عند اهتزاز ذرائع الحصار على غزة، بل على صعيد تمدّد الدور الإقليمي التركي وتجذّر أزمة الشرعية التي يُـعاني منها النظام الرسمي العربي، وقد بدت أثارها واضحة على ضحالة آلياته في الدفاع عن نطاقه الجيوإستراتيجي، خلال السنوات الأخيرة.

وعلى الرغم من إصرار بعض الباحثين والمراقبين العرب على إنكار وجود “فراغ إستراتيجي” في المنطقة العربية، إلاّ أن مدير مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية، الدكتور نواف التل يتّـفق على أنّ هنالك فقداناً للتوازن وعدم قدرة على التكيف للنظام الإقليمي العربي، مما أتاح الفرصة لوجود حالة من الفراغ الإستراتيجي، عبَـرت منها دول إقليمية مجاورة، إيران وتركيا، ومنظمات وحركات إسلامية صاعدة، مثل القاعدة، ما يُـعيد هيكلة المشهد الإقليمي بصورة رئيسية.

عام 2003.. تفكّـك النظام الإقليمي العربي

يُـعيد نواف التل السبب الرئيسي في نشوء الفراغ الإستراتيجي الحالي إلى عام 2003، إذ قضت الحرب الأمريكية على العراق على دور أحد أركان النظام الرسمي العربي الأربعة الفاعلة خلال القرن العشرين، وهو العراق، بالإضافة لكلٍّ من السعودية ومصر وسوريا.

لا ينفي نواف التل في تصريح لـ swissinfo.ch أنّ هنالك هزّات عديدة تعرّض لها النظام الإقليمي العربي وتحوّلات وانقلابات وانشقاقات وعُـزلة لدول معيّـنة، لكن ذلك يحدُث خلال فترة قصيرة وتكون لدى الدول المتبقية القُـدرة على التكيُّـف مع التحوّلات وإعادة ترتيب البيت الداخلي بسرعة شديدة.

لكن ما حدث بعد عام 2003، أنّ الولايات المتّحدة أنهت أحد هذه الأركان، فيما لم تتمكّـن الأركان الثلاثة الأخرى على التكيُّـف مع المتغيِّـرات الجديدة وإعادة إنتاج آليات التكيف والتحوّل الإقليمية، بل وقعت هي نفسها في حالة من الاستِـقطاب الغير مُـريحة جرّاء دخول الولايات المتّحدة بصورة مباشرة وقوية على اللعبة الإقليمية، بتواجدها في العراق وبحربها العالمية على الإرهاب.

وِفقاً لنواف التل، فإنّ الحضور الأمريكي المكثّف في المنطقة وسياساتها الجديدة في الحرب على الإرهاب وما نجم عنها من اصطِـفاف، كلّ ذلك أجّـل الشعور بالفراغ الإستراتيجي العربي وخلق حالة ضغط على جميع الأطراف، ما يسمى مِـحوَر الاعتدال وِمـحور المُـمانعة على حد السواء.

إلاّ أنّه “مع بدء العـدّ العكسي لفترة بوش الثانية وبروز مؤشرات التراجع الأمريكي في المنطقة وتحضير السياسة الأمريكية للإنتقال من الصف الأول الفاعل إلى المقاعد الخلفِـية”، فإنّ ذلك كشف عن الفراغ الإستراتيجي العربي بصورته الفجّة المباشرة الواضحة، ما أغرى دولاً إقليمية مجاورة، تمتلك ما يكفي من الموارد والقوة والثقل، إلى محاولة ملء الفراغ والبحث عن مصالحها وأمنها في المنطقة.

المنافسة التركية – الإيرانية.. الفرص والمُـعضِـلات

يُقارن نواف التل بين طبيعة الدور الإيراني والتركي في المنطقة. فنحن أمام دولتيْـن انفصلتا بصورة وبأخرى عن المنطقة منذ عام 1958، أي فشل فكرة “حلف بغداد”، الذي كان يسعى إلى بناء نظام إقليمي يضم تركيا وإيران والعراق والأردن وبعض الدول العربية، لمواجهة الاتحاد السوفييتي والشيوعيين، والاستعاضة الدولية عنه بحِـلف آخر يضم تركيا وإيران وباكستان وأفغانستان، انهارت دعائمه في عام 1979.

الآن، كلّ من الإيرانيين والأتراك يعودان إلى المنطقة ويمتلكان حضوراً تاريخياً وتشاركاً حضارياً مكثّفاً، ولديهما من الموارد المالية ومصادر القوة الصّـلبة والناعمة، ما يجعل منهما أرقاماً صعْـبة في المعادلات الإقليمية، لكن هنالك فرقاً في التصور الإستراتيجي لكلٍّ منهما. فوِفقاً لنواف التل، فإن إيران تأتي بصيغة فيها محاولة للهيمنة وفَـرض نفسها على دول المنطقة كقوّة إقليمية واستخدام نفوذها لتحقيق ذلك، حتى ولو من خلال القوة الصلبة – العسكرية والسياسية.

أمّا الأتراك، فيطرحون أنفسهم كشريك وليس طرفاً مهيْـمناً، ويعتمدون على القوة الناعمة لا الصلبة، بالتوافُـق والتفاهم مع الدول والأطراف الفاعِـلة في المنطقة.

ويخلص التل من ذلك أنّنا أمام مقاربتين مختلفتين تماماً لكلٍّ من الإيرانيين والأتراك. لكن مع ذلك تبقى آفاق الدور التركي في المنطقة غير واضحة، ورمادية، ولا نملك جواباً محدّداً: ماذا تريد تركيا؟ ما هي مصالحها الإستراتيجية وما هي خدود هذا الدور وما تطمح إليه في المنطقة.

إلى الآن، يلخّص الدكتور التل، الدور التركي في حدود “إطفاء الحرائق” والوساطة، لكنّ هذا التعريف لا يكفي لتفسير السلوك التركي الجديد ولا الخطاب السياسي المكثف تُـجاه المنطقة، وهو ما يُـبقي علامات استفهام قائمة حول الآفاق المستقبلية.

في أفضل الحالات، يشبّه نواف التل الدور التركي الحالي بالدور الجزائري في سبعينات القرن الماضي، إذ كانت الجزائر بوابة مهمّـة في تفاعل العرب مع القضية الفلسطينية والتحديات الإستراتيجية، لكن لم يكن لها دور أساسي ولم تكن رُكناً في اللّـعبة الإقليمية، التي تشكل مدخلاً للصِّـراع والحلّ.

النظام الرسمي العربي.. هل يمسك بطَـوْق النجاة التركي؟

يوافق الدكتور التل على وجود ضرورة ماسّة للنظام العربي لالتقاط اللّـحظة الراهنة والاستعانة بالأتراك، للاستدراك على الفراغ الإستراتيجي والاختلال في موازين القوى وإعادة بناء الآليات والميكانزمات الداخلية، إلاّ أنّه يتساءل فيما إذا كان النظام الرسمي العربي قادراً على الاستجابة لهذه الضرورة وهذه اللحظة!

بهذا الخصوص، يرى نواف التل أنّه لا توجد مؤشرات على قدرة النظام العربي في إحياء آلياته وقدراته واستعادة القُـدرة على التحالف والمناورة الإستراتيجية الإقليمية والتفاعل مع المتغيرات الجديدة، أو أن يعود كما كان عليه الحال قبل عام 2003، والتعويض عن الغياب العراقي، بل على النقيض من ذلك، يصف التل الإستراتيجية العربية الحالية بـ “الإدارة اليومية” للسياسات الإقليمية والإعتماد على ردود الأفعال، وانتظار المبادرة من الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى.

وعلى هذا الحال، فإنّ المرحلة المقبلة ستشهد، وفقاً للدكتور التل، استمراراً للوضع الراهن وعدم حدوث تغيرات نوعية وجذرية على المعادلات الإقليمية، إلاّ إذا حدثت نقطة انعِـطاف كبرى بصورة خاصة، على خلفية البرنامج النووي الإيراني أو مع أحد حلفاء إيران، عند ذلك، ستكون الاحتمالات والسيناريوهات مفتوحة وتعتمد على مُخرجات الأزمة الجديدة!

محمد أبو رمان – عمّـان – swissinfo.ch

دبي (رويترز) – تشعر دول الخليج العربية التي تستضيف قواعد عسكرية أمريكية وغربية بالخوف من أن اكتشاف شبكة تجسس ايرانية مزعومة في الكويت سيجعل من الصعب عليها البقاء خارج حلبة أي حرب بسبب برنامج إيران النووي.

وقالت وسائل اعلام كويتية في مايو الماضي ان السلطات اعتقلت عددا من الكويتيين والاجانب للاشتباه في أنهم يتجسسون لحساب ايران وقالت صحيفة القبس اليومية المستقلة انهم اتهموا بجمع معلومات عن مواقع عسكرية في الكويت.

وحظرت الكويت التغطية الاعلامية للقضية وقالت انها تحتجز عددا من الاشخاص في تحقيق أمني لم تحدده وان التفاصيل المنشورة في وسائل الاعلام لم تكن دقيقة ولم توضح الكويت الامر.

وبينما لا تزال المعلومات عن الاعتقالات الكويتية شحيحة الا أن التوترات الناجمة عنها قد تعمق الاستقطاب بين دول الخليج العربية وايران غير العربية فيما يحتدم الصراع العالمي بسبب طموحات ايران النووية.

كذلك قد تدفع الانباء عن الاعتقالات في الكويت اذا تأكدت الى اجراءات أمنية صارمة تفرضها دول الخليج للكشف عن أي جواسيس محتملين تخشى الحكومات من أنهم ربما ينقبون في أراضيهم بحثا عن مواقع يمكن استهدافها في ضربات انتقامية في حالة توجيه ضربة أمريكية لايران.

قال تيودور كاراسيك من معهد التحليل العسكري للشرق الادنى والخليج “ما يبحثون عنه هو ألا يقعوا في تقاطع للنيران في أي هجوم عسكري محتمل على ايران”. ومضى يقول “عندما توجد شبكات تجسس في ظل هذا النزوع بدرجة أكبر ناحية الموقف الغربي فان ذلك يجعل الوضع أكثر خطورة الى حد ما.”

وتنفي ايران وجود أي جواسيس يعملون لحسابها في الكويت التي تحسنت علاقاتها مع الجمهورية الاسلامية بعد أن تسممت أثناء الحرب العراقية الايرانية في الفترة من 1980 – 1988 بسبب الدعم الكويتي للعراق.

ويشتبه الغرب في أن ايران تسعى لامتلاك قدرات عسكرية نووية. وفرضت الامم المتحدة في الاسبوع الماضي عقوبات جديدة ضد ايران التي تقول انها لا تريد سوى توليد الكهرباء.

ولكن الولايات المتحدة واسرائيل التي يعتقد أنها القوة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط لم تستبعدا اجراء عسكريا ضد ايران اذا فشلت الدبلوماسية. وذلك يشير الى الخطر المحدق بدول الخليج العربية المتحالفة مع الغرب التي لا يفصلها عن ايران سوى مياه الخليج حيث هددت ايران بالرد بتوجيه ضربات لاسرائيل والقواعد الامريكية في الخليج اذا تعرضت للهجوم.

وكثفت الولايات المتحدة بالفعل من وضع أنظمة الدفاع الصاروخي في البر والبحر في عدد من بلدان الخليج للتصدي لما ترى أنه تهديد صاروخي متنام من قبل ايران.

وقال مصطفى العاني من مركز الخليج للابحاث ان دول الخليج العربية هذه “تفترض الآن أن الحرس الثوري (الايراني) له وجود بالفعل على أراضيها”. واستطرد قائلا “اذا ثبتت (الاتهامات الكويتية)… اعتقد أننا سنشهد نظرة كبيرة فاحصة من قبل المخابرات في كل دولة”. ونظرا لان الاعتقالات حدثت في الكويت التي تعد علاقاتها مع ايران الافضل بين دول الخليج فان من شأنها أن تثير الانزعاج لدى دول أخرى في الخليج علاقاتها مع ايران أكثر توترا.

وترى السعودية أن طهران منافسا على النفوذ الاقليمي وأخذ النزاع بين ايران والامارات العربية المتحدة على ثلاث جزر في الخليج قوة دفع جديدة في الاشهر الاخيرة على الرغم من العلاقات التجارية القوية بين الدولتين.

ونشب خلاف قصير في العام الماضي بين البحرين وطهران بعدما نقل عن مستشار للزعيم الاعلى الايراني علي خامنئي قوله ان لايران سيادة على المملكة الصغيرة حيث تحكم أسرة سنية أغلبية شيعية.

وقالت جالا رايان محللة الشرق الاوسط في مؤسسة اي.اس.اتش. جلوبال انسايت “الخوف هو أن ايران اذا تسلحت بقنبلة نووية ستكون قادرة على تحقيق تصورها عن نفسها كقوة اقليمية كي تكون قادرة على تطويع دول مجلس التعاون الخليجي لارادتها”. ومضت تقول “وفي حالة وقوع هجوم اسرائيلي على ايران فان دول مجلس التعاون الخليجي ستتراجع على الارجح عن نهجها الاهدأ الذي تجيده تماما حيث تصبح أولويتها هي تجنب اشعال الموقف”. وأضافت “وقد يرحب بعضهم سرا بهجوم قد يؤخر البرنامج النووي الايراني”.

كذلك تخشى دول الخليج التي يقودها السنة ولديها غالبا أقليات شيعية مهمشة من النفوذ الذي تتمتع به ايران على الشيعة في تلك الدول. واذا ثبت وجود شبكة تجسس ايرانية في الكويت فان دول الخليج سترد بقوة.

وقال دبلوماسي مطلع على التحقيق ان الشبكة تضم ثمانية أشخاص جميعهم شيعة من بينهم كويتيون ولبنانيون وبحرينيون.

واعتقلت الكويت في السابق شيعة للاشتباه في ضلوعهم في مؤامرات في الثمانينات لزعزعة استقرار البلاد من بينها محاولة لاغتيال حاكم الكويت وخطف طائرة كويتية للمطالبة بالافراج عن سجناء شيعة.

وقامت الكويت في عامي 1985 و1986 بترحيل حوالي 27 ألفا من الاجانب معظمهم ايرانيون وعززت الامن بعدما أطلقت طهران صواريخ على منشاتها النفطية وهاجمت ناقلات نفط كويتية.

وقال محللون ان دول الخليج قد تشدد القيود على الدخول أو الاقامة على الايرانيين ويعيش عدة مئات الالاف منهم في دول الخليج. وقد يجري ترحيل بعضهم بشكل انتقائي.

ولكن ايران التي قالت وزارة خارجيتها ان التقارير محاولة من قبل أعداء مثل اسرائيل لاثارة الانقسامات الاقليمية ستشعر على الارجح أنها في حاجة لان تراقب ظهرها.

وقال العاني “يتعين عليهم جمع معلومات عن القواعد أو قدرات دول مجلس التعاون الخليجي لانها قد ترى أن هناك شيئا في الافق سيحدث ان عاجلا أو اجلا.”

ولكن دبلوماسيا عربيا كبيرا في الرياض قال انه قد تكون هناك مبالغة في التقارير عن حجم خلية التجسس وأهميتها مشيرا الى “جنون الارتياب العام” بشأن دور ايران في المنطقة.

ولكنه استطرد قائلا “اذا تأكدت هذه القضية فانها ستدفع أيضا دول الخليج التي يشكل السنة العرب الاغلبية فيها الى وضع الطوائف الشيعية فيها تحت رقابة أكبر”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 يونيو 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية