مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أميرُ قطر يسلم مقاليد السلطة ويُراهن على “الجيل الجديد”

القرار الذي اتخذه الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني لم تشهده المنطقة العربية منذ عشرات السنين Keystone

فاجأ أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني (61 عاما) شعبه والعالم بإعلانه التخلّي عن حُكم البلاد وتسليم المقاليد لنجله وولي عهده تميم بن حمد (33 عاما)، في أول عملية انتقال سِلمي للحُكم في منطقة الخليج منذ عقود.

وفيما كانت عمليات تولّي الحُكم تتِم وسط انقلابات دموية أو بعد وفاة الحاكِم الطاعِن في السن، أتت مُبادرة الحاكِم القطري، لتضَع سقْفا مرتفعا لجميع الحكّام، ليس فقط من زاوية حتْمِية التداول، وإنما أيضا بالإشارة إلى حاجز السن، إذ أنه غادر الحُكم وهو في بواكير الستينات، بينما يُتوّج ملوك وأمراء في المنطقة في هذه السن وبعدها بكثير أحيانا.

تمت النقلة عن طريق آلية البَيْعة يوم الثلاثاء 25 يونيو، الذي تحوَّل بشكل مُفاجِئ إلى يوم إجازة في الدولة، لتمكين أفراد العائلات الكُبرى من مُبايَعة الأمير الجديد، الذي كان والِده يقِف إلى جانبه لتلقّي التهاني والمُبايعة، وهي صورة غيْر مسبوقة في العالم العربي.

وقبل يوم من البَيْعة، اجتمع أعضاء الأسرة الحاكمة وما يسمّى بـ “أهل الحلّ والعقد”، ليصادقوا على رغبة الأمير السابق بالتخلّي عن الحُكم لنجله تميم. لكن باحثا اجتماعيا قطريا قال لـ swissinfo.ch: “إن اللجوء إلى هذه الآلية، هو تعبير عن أن البلد ما زال في مرحلة ما قبل الدولة، رغم مظاهر التحديث الكثيرة، وأن قلّةً هي التي تصنع القرار من دون العودة إلى أية مرجعية دستورية”.

واللاّفت هنا، أن الشيخ تميم لم يكُن وليَّ عهدِ قطر، بل كان ولي العهد جاسم بن حمد، وهو الإبن البِكر للأمير السابق من الشيخة موزا بنت ناصر المسند، (كان والدها معارضا قويا لجد الأمير الحالي الشيخ خليفة)، لكن تمّ استبعاده في عام 2003 وتعيين الأمير الحالي تميم وليا للعهد مكانه.

أعلن أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني يوم الثلاثاء 25 يونيو 2013 تسليم السلطة إلى ابنه الشيخ تميم وقال في بث حي على شاشة التلفزيون القطري في كلمة استغرقت سبع دقائق: “إنه حان الوقت لكي يتسلم جيل جديد السلطة بعد أن بقى على رأس الدولة 18 عاما”.

ذكرت وسائل الإعلام القطرية ان الشيخ حمد أخطر رسميا أفراد عائلته وكبار المسؤولين في الدولة بقرار تسليم السلطة للشيخ تميم خلال اجتماع عقد في الدوحة يوم الاثنين 24 يونيو 2013.

كان الأمير حمد بن جاسم آل ثاني البالغ من العمر 61 عاما الذي نحّى والده عن السلطة عام 1995 يعتزم منذ وقت طويل التنازل عن الحكم لولي عهده البالغ من العمر 33 عاما.

أعلن يوم الثلاثاء 25 يونيو 2013 عطلة رسمية في قطر التي تحكمها أسرة الأمير منذ أكثر من 130 عاما.

دعا الديوان الاميري مواطني قطر لمبايعة الأمير الجديد الشيخ تميم على مدار يومي الثلاثاء 25 والاربعاء 26 يونيو 2013.

يعيش في دولة قطر الصغيرة الغنية مليونا نسمة وهي أكبر دولة مصدرة للغاز المُسال في العالم ولها استثمارات كبيرة في أنحاء العالم وداعم مالي لانتفاضات الربيع العربي.

حرص أمير قطر على رفع المكانة الدولية لبلاده من خلال إطلاق قناة الجزيرة التلفزيونية في أول نوفمبر 1996 وتطويرها بالإضافة الى نجاحه في استضافة نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 .

(المصدر: وكالات)

عواطف ناصرية؟

سلّم الشيخ حمد الإمارة لنجلِه، مُختارا أن يكون التداوُل في اليوم الذي تسلّم هو فيه الحُكم عام 1995 تقريبا، أي يوم 27 يونيو، وبذلك، لم يكن الإختيار اعتباطِيا. أما لماذا سلّمه المقاليد بعدما أمضى في الحُكم 18 عاما وليس 17 أو 19، فسؤال لا يوجد جواب له، اللَّهم إلا إذا ربطنا ذلك بتأثره بجمال عبد الناصر (1952 – 1970)، الذي حكم مصر 18 عاما أيضا. ولم يُفوِّت الأمير المتخلّي فرصة “خطاب الوداع”، ليُذكر بأفكاره الناصرية، حين أكَّد مجدّدا أن “الوطن العربي جسد واحد”.

في الواقع، كان الشيخ حمد يُعد لقرار التنازل منذ فترة بعيدة، ويبدو أنه حزم أمره منذ سنة ونيف، أي بعد انتشار الثورات في أرجاء العالم العربي، فباشر التنازل التدريجي عن صلاحياته لولي العهد، الذي أصبح يُدير كثيرا من الملفّات الداخلية والخارجية، ويستقبل زعماء وشخصيات عربية وأجنبية مرموقة، خاصة أن دراسته في كلية “سانهارست” البريطانية العريقة وحذقه للإنجليزية والفرنسية إلى جانب العربية، أهَّلاه لإدارة شؤون الدولة.

وقبل فترة قصيرة، أدلى والده بتصريحات لصحيفة “نيويورك تايمز”، أكّد فيها أن ولي عهده بات يُدير 85% من ملفّات الدولة، بما فيها ملف استضافة قطر لكأس العالم في 2022، التي ترتَّبت عليها إقامة مشاريع ضخمة في عدّة قطاعات، وخاصة على صعيد البنية التحتية والمرافق الأساسية.

من جهة أخرى، يعلم العارفون بالشؤون الداخلية القطرية، أن الشيخ حمد كلّف صديقه الدكتور عزمي بشارة، وهو أستاذ فلسفة ومثقّف قومي عربي من سكان الجليل في فلسطين المحتلة عام 1948 أو مَن يُسمّون بـ “عرب إسرائيل”، بتأطير ولي العهد تميم منذ سنوات. واستطاع بشارة، الذي لجأ إلى قطر بعدما طردته إسرائيل وسحبت منه جنسيتها، أن يُقيم “المركز العربي لدراسة السياسات” في الدوحة، بدعم من ولي العهد الذي استفاد من خِبرات الباحثين العرب والأجانب الذين استقطبهم بشارة.

ولدى سؤالنا أحد القطريين العارفين بالشخصيات القيادية في البلاد عن التغييرات المتوقّعة في عهد الأمير الجديد، أكد لـ swissinfo.ch أن هذا الأخير سيُدير دفّة الحُكم بدعمٍ من والدته الشيخة موزا ووالده الشيخ حمد. وتوقع أن يكون اتّجاهه ليبراليا إصلاحيا، خاصة على الصعيد الداخلي، وعزا توقّعه هذا إلى ثلاثة عناصر، أولها دراسته في الغرب، وثانيها تأثّره بأفكار والِدته، المعروفة بنزعتها إلى التجديد، وهي التي بعثت “مؤسسة قطر” التربوية كي تكون موئلا لنُخَب جديدة ومحضنة للتحديث الاجتماعي. أما العنصر الثالث، فهو تشكيل فريق حكومي خاص به من الجيل الشاب، وابتعاد رئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم آل ثاني من المسرح السياسي، ليتفرغ لإدارة صندوق قطر السيادي، الذي يملِك مشاريع ضخمة عبْر العالم، بما فيها فرنسا، حيث تتبوّأ قطر الرّتبة الثانية بين المستثمرين الخارجيين، وبريطانيا التي كتبت عنه صحفها مؤخرا بأنه “الرجل الذي سيملك لندن”.

وكان حمد بن جاسم، الذي استأثر أيضا بحقيبة الخارجية إلى جانب رئاسة الوزراء، يُسرّ للمقرّبين منه منذ فترة، بأنه سيغادر منصِبه، لكن شخصا ذا تأثير ونفوذ واسعيْن مثله، لا يمكن أن يرضى بدور في الكواليس.

وفي جميع الحالات، بات مؤكّدا أن حاكِم قطر الجديد، سيُعيِّن رئيسا جديدا للحكومة ووزراء من جيله، وأنه سيسعى لوضع بَصْمته على العمل الحكومي، لكن لا يُعرف إلى أيّ مدى سيمتنِع الحرس القديم عن وضعِ العراقيل في طريقه.

Keystone

جيل جديد.. ولا تغييرات جوهرية

الأمير المتخلّي، حرص على وصف تسليم المشعل لولي العهد، بكونه “مُراهنة على الجيل الجديد”، وتكرّرت في خطابه عِبارة “الجيل الجديد في الخليج”، ما يدُلّ على أن ما حدث في قطر، سيكون بداية حلقة جديدة من بروز قيادات شابّة قد تجسر الفجْوة القائمة بين حكّام تقليديين ونُخب تنشد التغيير وتتأثر بما يجري حولها، وخاصة خرّيجي الجامعات الغربية، الذين باتوا يحتلّون مواقع قيادية في القطاعيْن العام والخاص في بلدان الخليج.

في الأثناء، رأى مراقبون أن عملية التداول التي تمّت في قطر وبالطريقة التي جرت بها، تشكل رسالة قوية للسعودية في الدرجة الأولى، حيث تصارع الأجيال الجديدة من الأمراء، مدعومة بالنّخب الحديثة، لحثِّ الجيل السابق الذي ينتمي له الملك عبد الله (89 عاما) وولي العهد سلمان بن عبد العزيز (78 عاما) على تسليم المشعل بطريقة سِلمية وسَلِسة للجيليْن الثاني والثالث.

كما أنها رسالة أيضا لكل من البحرين، حيث يستمر عم الملك في رئاسة الحكومة منذ أربعين عاما، على رغم مطالبات المحتجِّين منذ سنوات بتنحِّيه، والكويت التي يتمسّك جيلها العتيق بالحُكم، رافضا إدخال إصلاحات جوهرية على النظام السياسي.

من هذه الزاوية، يبدو أن العلاقات المعطلة بين قطر وجيرانها (بدرجات)، ستستمِر، فيما ستتعزّز تحالُفاتها مع شركائها الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة التي منحها الأمير السابق قاعدة العُديد الضخمة، وبريطانيا وفرنسا. ولم يكن من باب الصُّدَف أن المسؤوليْن الغربييْن اللذيْن كانا في الدوحة عشية انتقال السلطة واجتمعا مع الأمير المتخلّي وخليفته، هما وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي شارك في اجتماعات “أصدقاء سوريا”، والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الذي قاد وفدا اقتصاديا كبيرا في زيارة رسمية، أنهت جفوة عميقة بين الحكومتيْن استمرت نحو سنة.

بهذا المعنى، فإن السياسة الخارجية القطرية ليست مُقبلة على تغييرات جوهرية، وإنما سيكون عنوانها الكبير هو الإستمرار على الثوابِت التي صِيغت في عهد الأمير السابق.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية