مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد عقود من الإنقطاع الإختياري المتبادل.. كيف ينظـر العرب إلى عودة الأتـراك؟

نجح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في التقاط اللحظة التاريخية لتحقيق عودة مُلفتة لتركيا في المنطقة العربية swissinfo.ch

في الوقت الذي كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يخطِـف الأضواء في القمّـة العربية الأخيرة بمدينة سرت الليبية ويستحوِذ على اهتمام الشارع العربي المتعطّـش لأي خطاب فيه تحدٍّ وندّية لإسرائيل، كان المسؤولون والصحفيون العرب في أروِقة القمّة يتساءلون، أثناء تناولهم الطعام التركي، عن أسرار القوة التركية الجديدة في المنطقة، وهُـم يروْن الشركات التركية (وراء الكواليس)، تتولّى شؤون التنظيم والإدارة لإقامة الضيوف العرب.

“الأتراك خطفوا الأضواء حتى في القمة العربية في سرت”، بهذه الانطباعات عاد صحفيون أردنيون من القمة، لكن حضور القوة التركية الجديدة لم يقتصِـر على القمة الدورية التي انعقدت في شرق ليبيا، فقد أخذت مساحتها تتّـسع باطِّـراد ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، سياسياً واقتصادياً وثقافياً، وتحديداً مع وصول حزب العدالة والتنمية، ذي الجذور الإسلامية إلى الحكم في عام 2002، بعد فترة وجيزة من تأسيسه.

لماذا عاد الأتراك؟

عودة الأتراك إلى المنطقة العربية محفوفة بالتساؤلات والجدالات الساخنة، ليس فقط على صعيد النخبة السياسية العربية، بل حتى لدى نُـخب تركية، وتحديداً تلك اليسارية والقومية التي لا ترحّـب بأي صِـلة جديدة مع المنطقة العربية ولا تشعر بالارتياح للخطاب التركي الجديد الدافئ تُـجاه العرب والسَّـلبي تُـجاه إسرائيل، التي حظِـيت خلال عقود سابقة بعلاقات حميمية وصداقة عميقة مع النّـخبة العسكرية والسياسية التركية العِـلمانية، قبل أن يقود أردوغان توجّـهاً جديداً للسياسة التركية مُـناقضاً كُـلِـيا لتلك المرحلة.

ثمّـة من يحيل الدّور التركي الجديد النَّـشط في المنطقة إلى الصعوبات الجمّـة التي تواجهها تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهي الأولوية التي وضعها حزب العدالة والتنمية لنفسه لحْـظة وصوله إلى السلطة، إلاّ أنّ هذا الانسِـداد الغربي، دفع بقادة العدالة والتنمية إلى محاولة تعويضه في مجال آخر، إستراتيجي وحيوي، ما نقل السياسة التركية إلى دوْر أكبر واهتمام أكثرَ بمنطقة الشرق الأوسط.

“الانسداد الأوروبي” تزامن مع حالة مُـعاكسة في منطقة الشرق الأوسط، تتمثل بفراغ إستراتيجي ناجِـم عن عجز الدول العربية في مواجهة التحديات الأمنية، وفشل الولايات المتحدة الأمريكية بفرض مشروعها الجديد في المنطقة بعد احتلال العراق، في سياق حالة من الاستِـقطاب بين القوة الإقليمية الإيرانية (وحُـلفائها من السوريين والحركات الإسلامية، كحزب الله وحماس والجهاد) من جهة، وما يسمّـى بدول الاعتدال العربي والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، مع محاولات إسرائيلية لتوظيف خصوم إيران لمصالحها من جهة ثالثة.

خطوط التّـداخل التركي مع المنطقة بدأت في محاولة “ملء الفراغ” في منطقة المنتصف، بالوساطة بين السوريين والإسرائيليين في عملية التسوية، والمساهمة في تهدئة الملف العراقي من خلال استقطاب الحوار بين الفرقاء والأطراف المختلفة، والمساهمات الإنسانية.

مع العدوان الإسرائيلي على غزة بداية العام الماضي، قفز الدور التركي إلى مرحلة جديدة انعكَـست مع خطابات رجب طيب أردوغان، الذي صعّد لهجته الناقدة الحادّة لإسرائيل واتهامها بارتكاب جرائم حرب، ممّـا رفع من شعبيته في الشارع العربي، الذي كان يتوق إلى شخصية سياسية قوية تقدّم خطاباً مختلفاً عن الخطاب الرسمي العربي الرّاهن تُـجاه إسرائيل، الذي لا يُـرْضي الشارع العربي.

المواقف التركية الجديدة اتّـسمت بتأزّم العلاقات مع إسرائيل، ما جعل من أردوغان شخصية غير شعبية في الشارع الإسرائيلي، ومتعاطفة مع الفلسطينيين، وقوة إقليمية تحمل تصوّرات إستراتيجية مُـغايرة للسياسات الغربية، على الرّغم من تحالفها التاريخي العميق مع الغرب (التحقت بحلف شمال الأطلسي منذ عام 1947)، وبخاصة تُـجاه إيران وسوريا، إذ أعلن أردوغان أنه من حقّ إيران امتلاك برنامج نووي سِـلمي ورفض ضرب إيران، كما انفتح على السوريين بصورة كبيرة، موقِّـعاً العديد من الإتفاقيات الاقتصادية التي تَـشي بازدهار العلاقة، على النقيض مع العقود السابقة.

سرّ الأتراك.. “القوّة الناعمة”

الترحيب الشعبي بعوْدة الأتراك يتجاوَز التوقّـعات بدور عسكري مُـباشرة في المنطقة لصالح الفلسطينيين والعرب، ولا يوجد مَـن يُـطالب بذلك. سرّ القوة التركية الجديدة يتمثّل بالجاذبية الناعمة للشخصية الكاريزمية لرجب طيب أردوغان، التي تستهوي قطاعات واسعة من النُّـخب والشارع في العالم العربي.

أردوغان هو ابن الطبقة الفقيرة التركية، يحِـب كرة القدم، استطاع تحقيق إنجازات سياسية مُـتتالية منذ كان رئيساً لبلدية اسطنبول، وصولاً إلى إحداثه اختراقاً تاريخياً في طبيعة الحركة الإسلامية التركية، وكسره لشوكة العسكر وسطوتهم، ومن ثم خطابه الحادّ تجاه إسرائيل وما قامت به من جرائم خلال عدوانها على غزة في ديسمبر 2008 – يناير 2009.

حضور أردوغان وخطابه الجديد يتجاوز السِّـحر الشخصي إلى شرط تاريخي يُـتيح للأتراك التَّـموْضُـع في مكان إستراتيجي في المنطقة لتمثيل القوة السُـنيّـة الإقليمية في مُـواجهة إسرائيل (التي تمثّل في الوعْـي العربي قوة احتلال غاشمة) وموازية لإيران، التي لا زال يُنظر لها من طرف قطاع واسع عربي، نخبوياً وشعبياً، باعتبارها قوة شيعية، لها فضاؤها الطائفي في العراق ولبنان والخليج ومصالحها القومية التي قد تتعارض مع المصالح العربية السُـنية، كما هو الحال في العراق.

إذن، جاء الأتراك والشارع العربي يتوق إلى قوة سُـنية إستراتيجية تملأ الفراغ وتشكّل حليفاً – صديقاً موثوقاً، وقد استطاع أردوغان خلال فترة وجيزة، من خلال التقاطه لهذه اللّـحظة أن يخلق شعبية واسعة ودوراً متزايداً في المنطقة.

حضور أردوغان والجاذبية التركية توفِّـر أرضية جيّدة للمصادر الأخرى للقوة الناعمة التركية في المنطقة العربية، إذ باتت تنتشِـر المطاعم والملابس التركية وتستهوي قطاعات واسعة من الشارع العربي، فيما بدأت شركات تركية كُـبرى تنافس الشركات العالمية في مشاريع عِـملاقة في العالم العربي، كما هو الحال في الأردن، إذ تتولّـى شركة تركية أحد أكبر المشاريع الإستراتيجية (جرّ مياه حوض الديسي إلى العاصمة عمان).

الدراما التركية تُـمثل هي الأخرى مصدراً ثقافياً للجاذبية التركية، إذ تحظى المسلسلات التركية المُـدبلجة، بحضور كبير في المجتمعات العربية، ويحيل البعض ذلك إلى أنّها تجمع بين الجانب الرومانسي والبورجوازي مع المظاهر الإسلامية (الصلاة وغطاء الرأس في بعض الأحيان)، ما يجعلها قريبة إلى المُـشاهد العربي، ويدفع به الفضول إلى التعرف مرة أخرى على التّـجربة التركية بعد عقود من القطيعة والانقطاع الإرادي بيْـن الجانبين!

يلخّص د. إبراهيم سيف، الخبير الاقتصادي الأردني ملامح المعادلة الاقتصادية – السياسية الجديدة للأتراك في المنطقة العربية، إذ يرى أنّ سِـر تفوّق الاقتصاد التركي يعود لأسباب رئيسية. فبداية، استطاع الأتراك منذ منتصَـف الثمانينات من القرن الماضي، إعادة هيكلة المعادلة الاقتصادية الداخلية بصورة جيِّـدة بين القطاعيْـن، العام والخاص، ما سمح للقطاع الخاص التركي بالنمُـو والصعود وامتلاك قُـدرات تنافُـسية عالية جداً.

خارجياً، يرى سيف في تصريح خاص لـ swissinfo.ch، أنّ محاولة الأتراك الدخول إلى الاتحاد الأوروبي أفادت الاقتصاد التركي كثيراً، إذ أنّ شروط ومعايير الانضِـمام كانت تقتضي الحدّ من الفساد ورفع الشفافية والقدرة التنافسية ومعايير نوعية عالية للسِّـلع والخدمات التركية، ممّـا رفع من درجة الاستعداد وطور الاقتصاد التركي.

وعندما أغلق الاتحاد الأوروبي الأبواب في وجه الأتراك، وجدوا وراءهم سوقاً استهلاكية عربية أكثر جاذبية، تمتاز بقُـدرة شرائية كبيرة وتستوعب مساحة واسعة من الخدمات والسِّـلع الجديدة، فحدثت الإستدارة التركية تُـجاه المنطقة العربية وحقق الأتراك اختراقاً واسعاً.

ويضيف سيف أنّ رجب طيب أردوغان كيّـف خطاباته بصورة ذكِـية تسمح بقوّة دفع كبيرة للاقتصاد التركي في المنطقة العربية، وعزّز من فُـرص القبول الثقافي والاجتماعي للسِّـلع والخدمات التركية الجديدة، وسهّـل اختراق السوق العربية.

وسِـرّ التفوق الاقتصادي التركي، كما يرى سيف، بالإضافة إلى الجوْدة والمعايير التنافسية، هو الكلفة الأقل لليَـد العاملة التركية والقُـرب الجغرافي (مقارنة بالسِّـلع الغربية) والجمع بين السِّـلع والخدمات، وقد ساهمت العوامل الدِّينية والثقافية والاجتماعية في توفير بيئة اقتصادية حاضنة للأتراك في المنطقة.

أيْـن يقع الدور التركي الجديد؟

لم ترتسِـم بعدُ ملامح الدّور التركي الجديد وطبيعة الموقع الذي سيحتلّـه في السياسات الشرق الأوسطية ومستوى نفوذه وحضوره، وذلك بقدر ما يرتبط برؤية العدالة والتنمية التركي. فإنه أيضاً يشتبِـك مباشرةً بالمتغيِّـرات الإقليمية، بخاصة المتعلِّـقة بالملف النووي الإيراني والوضع في العراق والصراع العربي – الإسرائيلي.

بلا شك، فإنّ الدور التركي الجديد لن يخضَـع لِـما تحمله الذاكرة الانتقائية المُـتبادلة بين العرب والأتراك، إنّما المصالح الإستراتيجية التركية والعربية هي التي ستحكُـم حدود هذا الدّور وطبيعته.

فالأتراك لن يستعيدوا الصِّـراع العثماني – الصفوي مع إيران ولن يقودوا الجيوش لتحرير القدس من أيْـدي الإسرائيليين ولن يحاولوا الهيْـمنة على العالم العربي، هذا ما يُـدركه الأتراك جيّداً، والمطلوب من النُّـخب السياسية والمثقَّـفة العربية، التي تغرق في خطابات عاطفية مؤيِّـدة أو معارضة للأتراك من وحْـي الذاكرة الإنتقائية، ولا تحاول الخروج من ذلك إلى بناء نَـسَـق عقلاني – واقعي في رسْـم صيغة العلاقة المطلوبة مع القوة التركية الجديدة، وتعريف المصالح المُـتبادلة بين الطرفيْـن.

“القراءة الخاطِـئة” للدّور التركي، ما تزال سائدة في الخطاب العربي، شعبياً (متحمِّـسا) وحكومياً (مشكِّـكا ومتمنعا)، ما يخلق حالة من الالتِـباس وعدم القُـدرة على تحديد صيغة الشراكة والتحالف الجديد في مواجهة التحديات والتهديدات التي تُـحيط بالمنطقة العربية.

الأتراك قادمون هذه المرة كقوة مُـعاصرة، لاعب إقليمي واقعي له مصالحه الإستراتيجية والأمنية والاقتصادية، ويحاول تحقيقها في المنطقة، وهي المصالح التي تبدو الأقرب والأكثر توافُـقاً مع المصالح العربية، ما يدعو إلى توظيف العوامل الثقافية والدِّينية باعتبارها محفّـزات لتحقيق تحالف إستراتيجي إقليمي مع الأتراك، بعيداً عن العودة إلى الذاكرة والنّـبش فيها بما لا يُـفيد إيجاباً أو سلباً كِـلا الطرفيْـن.

محمد أبو رمان – عمّـان – swissinfo.ch

طهران (رويترز) – أبدى أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي يوم الثلاثاء 20 أبريل 2010 استعداد بلاده للتوسط في المواجهة النووية بين الغرب وايران في مسعى لتفادي عقوبات اقتصادية جديدة معوقة.

وفي زيارة رسمية للعاصمة الايرانية طهران قال داود أوغلو إن تركيا بوسعها احياء الحل الدبلوماسي للنزاع والذي سيقضي بأن ترسل ايران جزءا من مخزونها من اليورانيوم للخارج مقابل الحصول على وقود نووي مخصب لمستويات أعلى.

وتخشى الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا من ان برنامج ايران لتخصيب اليورانيوم يسعى لتصنيع اسلحة نووية. وكان قد امكن التوصل الى اتفاق في اكتوبر تشرين الاول يقضي بأن تسلم ايران جزءا من مخزونها من اليورانيوم المخصب لتخصيبه الى مستويات اعلى في الخارج لكن الاتفاق انهار بعد ذلك بوقت قصير.

وقال وزير الخارجية التركي في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الايراني منوشهر متكي “اذا توفرت الارادة من جانب اصدقائنا الايرانيين واذا رأوا ان من الحكمة ان نقوم بدور.. سنفعل.”

وأضاف “تركيا كدولة ثالثة مستعدة ان تلعب دورا وسيطا في تبادل اليورانيوم والقضايا النووية الايرانية الاخرى.”

وكانت ايران قد أعلنت ان اي مبادلة لليورانيوم يجب ان تحدث على ارض ايرانية. وتقول انها تحتاج الى اليورانيوم المخصب لمستويات اعلى لانتاج نظائر مشعة طبية وانها لا تسعى لامتلاك اسلحة نووية.

وفي مؤتمر صحفي منفصل سئل رامين مهمانبرست المتحدث باسم متكي عما اذا كانت مبادلة اليورانيوم يمكن ان تحدث في تركيا فقال “الدول الصديقة ومنها تركيا تسعى جاهدة لجعل الطرف الاخر يفهم حقوقنا النووية. هناك أفكار عدة لكن تطبيقها لن يكون ممكنا الا اذا روعيت شروطنا.”

ويوم الاثنين 19 أبريل قالت الولايات المتحدة ان المجال ما زال مفتوحا لاتفاق للوقود النووي مع ايران.

وقالت وزارة الخارجية الامريكية ان الولايات المتحدة ما زالت مهتمة باحياء عرض للامم المتحدة بتقديم وقود نووي لمفاعل بحثي في ايران اذا اتخذت طهران خطوات تظهر جديتها بهذا الشأن “وقدمت ردا معقولا على ما طرح على طاولة المفاوضات” في اكتوبر.

وأعلنت تركيا من قبل تفضيلها للحل الدبلوماسي.

وفرض عقوبات على ايران وهي ثاني أكبر مصدر للغاز لتركيا يمكن ان يكون له تأثير قوي على جارتها. وصرح وزير الخارجية الايراني بأن حجم التجارة الثنائية مع تركيا يبلغ 11 مليار دولار وان هناك امكانية لرفعه الى 20 مليارا.

وقال متكي “نعتقد ان الدبلوماسية هي مفتاح لحسم المشاكل الكبيرة بين ايران ودول مجموعة الخمسة زائد واحد” مشيرا الى الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا.

وأضاف “اذا اختاروا اللجوء الى البدائل فليس بوسعنا ان نفعل شيئا حيال هذا” مشيرا الى التهديد بفرض عقوبات تقول طهران انها لن يكون لها تأثير كبير على اقتصادها.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 20 أبريل 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية