مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تساؤلات حول “الراديكالية الإسلامية”

يضمن الدستور الفدرالي السويسري حرية اعتناق الأديان وممارسة طقوسها ، ويشدد على السلم الديني في البلاد (مسلمون يؤدون صلاة التراويح في مسجد تركي في زوريخ) Keystone

تستعد لجنة الأمن السياسي التابعة لمجلس الشيوخ السويسري للإجابة على طلب إحاطة تقدم به أربعون نائبا برلمانيا حول وجود "راديكالية إسلامية" في الكنفدرالية.

وستشارك وزارتا الدفاع و”العدل والشرطة” في تقديم تقرير يجيب على السؤال التالي: “هل تشكل الراديكالية الإسلامية تهديدا لسويسرا؟” وذلك قبل موفى العام الحالي.

النواب البرلمانيون وأعضاء مجلس الشيوخ، الذين أثاروا هذا الموضوع ينتمون إلى حزبي الشعب السويسري (اليميني) والديمقراطي المسيحي، وذلك بعدما كتبت الصحف السويسرية عن احتمالات تزايد نفوذ من اعتبرتهم “راديكاليين إسلاميين” وسط أبناء الجالية المسلمة، وهو ما دفع بالنائب موريس شوفرييه من الحزب الديمقراطي المسيحي (عن كانتون الفالاي) إلى مطالبة السلطات المختصة بتوضيح صحة تلك الادعاءات، ومدى خطورتها.

وفي انتظار ذلك، تحاول وسائل الإعلام استقراء ما يمكن أن يحتويه أو يتضمنه الرد الحكومي، دون أن تتوصل إلى شيء أكيد. فقد نقلت صحيفة “لوماتان” في عددها الصادر يوم الأحد 14 نوفمبر مثلا تصريحات عن السيد ليفيو زانولاري المتحدث باسم وزير العدل والشرطة، قال فيها بأن “الحكومة الفدرالية حريصة على الانتظار حتى الانتهاء من إعداد هذا التقرير قبل الإدلاء بأية تصريحات”.

في الوقت نفسه حذر أحد أعضاء الحزب الاشتراكي في تصريح إلى صحيفة “سونتاغس-بليك” الأسبوعية في عددها الصادر نفس اليوم من “سوء استغلال التسامح الديني في سويسرا والتعدد الثقافي في البلاد واستخدامه كغطاء لتحركات راديكالية تهدد المجتمع”.

ويتوقع بعض المراقبين أن يعزز جهاز الأمن الداخلي الوقائي السويسري الأساليب المتبعة في استشعار الخطر في وقت مناسب، وليس من المستبعد أن يتضمن ذلك عدة تحركات تشمل على سبيل المثال، مراقبة المعاملات البنكية بين المشتبه فيهم سواء من جمعيات أو منظمات وأشخاص، إلى جانب تشديد الرقابة على بعض قاعات الصلاة أو المراكز التي تحوم حولها شبهات بأنها تدعم الفكر “الراديكالي الإسلامي”، أو توسيع دائرة التنصت على الهواتف، بين سويسرا وأوروبا أو مع بعض الدول العربية والإسلامية.

مواقف وتوظيف

وتأتي هذه التحركات، سواء على الصعيد البرلماني الفدرالي أو عبر وسائل الإعلام، على وقع متزامن مع أحداث سريعة داخل سويسرا وخارجها.

في هذا السياق، أثار تناول أحد الأئمة الزائرين في منطقة بازل مؤخرا موضوع “ضرب الزوجات”، حفيظة المسؤولين عن الاندماج في الكانتون واعتبروه خروجا على المبادئ السويسرية في نبذ العنف، بل وطالبت بعض الجهات بترحيله.

وسبق هذه الواقعة، إشارة إحدى المجلات الأسبوعية إلى أن إمام ومدير المركز الإسلامي في زيورخ، الشيخ يوسف ابرام، “يؤيد عقوبة الرجم والجلد”، إلا أن الشيخ إبرام رد على ذلك بأن الصحيفة أخرجت تلك العبارة من سياق جملة كاملة في حواره مع الصحيفة، ليفهمها الناس بشكل خطأ، في الوقت نفسه أكد على أنه “لا يستطيع رد أحكام القرآن المتعلقة بالحدود أو القصاص، وأن المسلمين في سويسرا يحترمون القوانين القائمة”.

وقد حاولت وسائل الإعلام استغلال هذه الوقائع للتدليل على وجود “راديكاليين إسلاميين” في المراكز الإسلامية، لاسيما تلك التي يتردد عليها عدد كبير من المصلين مثلما هو الحال في زيورخ. ونشرت في الأيام الأخيرة مجموعة من التعليقات والمقالات تطرقت فيها إلى مسألة “قبول المسلمين في سويسرا بأحكام الشريعة”، وهي مقاربة رأى فيها السيد عبد الحفيظ الورديري المتحدث باسم المؤسسة الثقافية الإسلامية في جنيف “طريقة استفزازية” في التعامل مع هذا الملف، وقال في تصريح له إلى نشرة الأخبار الرئيسية في التلفزيون السويسري الروماندي (الناطق بالفرنسية) مساء الأحد 14 نوفمبر بأنه “لا يمكن التعرف على آراء المسلمين بهذا الأسلوب”.

وقد تزامنت هذه التطورات، مع هجوم وسائل الإعلام السويسرية على أجهزة الأمن واتهامها بالتقصير في الكشف عن تحركات معتقل عربي في سجن الترحيل بمطار زوريخ، اعتبره الأمن الإسباني زعيم خلية إرهابية خططت لتفجير مبنى المحكمة العليا في مدريد. ولم تتردد بعض الأصوات في القول بأن سويسرا تتجه إلى أن تصبح مأوى لمن تصفهم بالراديكاليين الإسلاميين والإرهابيين.

التسامح في مواجهة الأزمات

على صعيد آخر، يبدو أن الحكومة الفدرالية تحاول استغلال هذا الجدل بطريقة أخرى، حيث تسعى من خلالها إلى الترويج لموقفها المؤيد للالتحاق باتفاقية شنغين ومعاهدة دبلن، وتحاول إثبات أن موافقة البرلمان عليهما تعني تعزيز التعاون الأمني مع الاتحاد الأوروبي وبالتالي فلا خوف من خطر إرهابي.

الرئيس السويسري جوزيف دايس قال في حديث أدلى به إلى صحيفة “بليك” يوم 10 نوفمبر بأن المخاطر الجديدة التي تهدد الكونفدرالية لا يمكن مواجهتها إلا بالتعاون الأمني الجيد مع الاتحاد الأوربي، وحث البرلمان على “عدم الوقوف في وجه التعاون مع الاتحاد الأوروبي في هذا الملف”، إلا أنه في الوقت نفسه حرص على التوضيح بأن “التسامح والعقلانية كانا السلاح الناجح في مواجهة الأزمات الناجمة عن الحزازات الدينية في الكنفدرالية”، مؤكدا بأن “حرية التعبير عن الرأي لها إطارها الذي يجب أن يلتزم به الجميع”.

ومن المؤكد أن الجدل لن ينتهي قريبا حول ملف “الإسلاميين” في سويسرا، فما أن تهدأ زوبعة هنا، حتى تـُـفتح واحدة هناك، لذلك فإن الجواب الذي سيصدر عن لجنة الأمن السياسي السويسري ردا على تساؤلات النواب الأربعين، لن يكون خاتمة المطاف على الأرجح.

تامر أبو العينين – سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية