مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المغرب قد يتحول من “محطة عبور” إلى “بلد إقامة”

عشرات المهاجرين الأفارقة يصطفّون يوم 2 يناير 2014 أمام "مكتب الأجانب" في العاصمة المغربية الرباط لتسوية أوضاعهم القانونية. null

في العاشر من شهر يناير الجاري، تعرض مهاجران من جنسية افريقية إلى اعتداء بالسلاح الأبيض بمدينة مراكش على يد مواطن مغربي إثر نزاع حول معلوم الإيجار لغرفة يكتريها الضحيتان من المشتبه به، في وقت تسعى فيه الحكومة المغربية إلى تسوية أوضاع آلاف المهاجرين السريين الأفارقة في إطار مبادرة هي الأولى من نوعها تقوم بها دولة من الجنوب بعد أن تحول المغرب واقعيا من بلد عبور إلى بلد استقبال واستقرار لهؤلاء الوافدين.

وإذا كان اعتداء مدينة مراكش، الذي تعاملت معه السلطات بحزم تحاشيا لانعكاساته السلبية المحتملة على الصورة التي قدمت بها الرباط مبادرتها تجاه المهاجرين القادمين خاصة من الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء، فان اعتداءات مماثلة عرفتها مدن مغربية أخرى خلال الشهور الماضية، سبق أن أثارت حفيظة منظمات حقوقية مغربية ودولية، طالبت بمعاملة انسانية لهؤلاء المهاجرين الذين كانوا يجدون في المغرب (وخاصة في مناطقه الشمالية) ملاذا مؤقتا أو موطئ قدم للقفز لاحقا باتجاه الضفة الشمالية للبحر المتوسط، وتحقيق الحلم الذي يُراود الآلاف من الشبان الأفارقة بالوصل إلى ما يرونه “جنة موعودة” في الديار الأوروبية.

في الأثناء، بدأ المغرب مسارا مختلفا بتدبير ملف المهاجرين غير الشرعيين بعد أن أصبح بلد إقامة وليس مجرد محطة عبور لهم، وأعلنت السلطات عن اعتزامها تسوية وضعية آلاف من المهاجرين غير الشرعيين بمنحهم حق الإقامة في المملكة وما يترتب عليه من حقوق وواجبات، عبر إجراءات أكثر مرونة وأقـل تكلفة من تلك التي تفرضها بلدان الإستقبال الأخرى.

وبالفعل، انطلقت رسميا في الثاني من شهر يناير الجاري عملية التسوية، ومن المقرر أن تنتهي في آخر يوم من السنة (31 ديسمبر 2014) إلا أن الأرقام المُتداولة حاليا بشأن عدد الأشخاص المشمولين بها لا زالت غير دقيقة ويبدو أن الرقم، يتراوح – حسب وزير الداخلية المغربي محمد حصاد – ما بين 25 و 40 ألف مهاجر غير شرعي ينتمون إلى بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وسوريا وبعض بلدان أمريكا اللاتينية وآسيا.

المزيد

المزيد

المُهاجرون السّريّون الأفارقة يتحولون إلى صُداع مغربي

تم نشر هذا المحتوى على هذه التطورات دفعت الرباط للإسراع في اتخاذ إجراءات تُبدّد هذه الإتِّهامات وتقدِّم المغرب بلدا يحترم الآخر ومستقرا للمُهاجرين في إطار القانون، الذي يتطابق مع المعايير الدولية، ويحترم التِزاماته في مجال النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها. هذه التطورات دفعت الرباط للإسراع في اتخاذ إجراءات تُبدّد هذه الإتِّهامات وتقدِّم المغرب بلدا يحترم الآخر ومستقرا للمُهاجرين في إطار القانون،…

طالع المزيدالمُهاجرون السّريّون الأفارقة يتحولون إلى صُداع مغربي

تسوية الأوضاع القانونية

في الواقع، جاء القرار الذي اتخذته السلطات المغربية بعد أن بات تواجُد المهاجرين غير الشرعيين المكثف والملموس، مقلقا على المستويين الأمني والإجتماعي. فالتواجد غير الشرعي للمهاجرين يُسهّل للبعض الإساءة لهم أو حرمانهم من حقوق العاملين منهم ويُعسّر على السلطات مسألة المراقبة ويحفز على نشاطات غير شرعية، ليس التسول أخطرها. لذلك فإن مبادرة تسوية الوضعية القانونية لهؤلاء المهاجرين ستُمكن – طبقا لتصريحات المسؤولين المغاربة – من التعرف على العدد الحقيقي للمهاجرين المقيمين في المغرب بصفة غير شرعية، كما أن حصولهم على بطاقات الإقامة سيُمكّن من مراقبتهم، كما سيُتيح لهم في الوقت نفسه العيش في ظروف إنسانية أفضل.

في الأثناء، احتشد المئات من المهاجرين غير الشرعيين أمام مكاتب الأمن الوطني المكلف بمنح الأجانب الإقامة بالمغرب للقيام بإجراءات التسوية من خلال تعبئة استمارة مكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية، تتضمّن مجموعة من المعلومات، من قبيل تاريخ القدوم إلى المغرب وأوراق الهوية، على أن تُمنح الإقامة لمن يتوفر على إقامة مستمرة بالمغرب لأكثر من خمسة أعوام يُثبتها من خلال ختم دخول على جواز سفره أو من خلال شهادة عمل أو وصفة طبية أو شهادات مدرسية لأبنائه.

وقبل انطلاق عملية تسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين، تم تسليم الدفعة الأولى من “بطاقة لاجئ” إلى العشرات من اللاجئين الأفارقة والعرب الذين قُـدّر عددهم  بحوالي 532 حالة، تقرر تسوية وضعية 524 منها تم الإعتراف لها بصفة لاجئ بالمغرب.

مبادرة “شمولية ومُبتكرة”

في سياق متصل، أعلن أنيس بيرو، الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، أن المغرب “يُعدّ برنامجا لإدماج المهاجرين”، من خلال تأهيل الترسانة القانونية وإدماج الأشخاص الذين لا يُتقنون اللغة العربية.

وفي تصريحات أدلى بها يوم السبت 11 يناير 2014، قال بيرو إن البرنامج يهم التأهيل القانوني من خلال ثلاثة مشاريع قوانين تتعلق بالإتجار في البشر واللجوء والهجرة وإدماج الأشخاص الذين لا يتكلمون اللغة العربية الفصحى أو الدارجة، من خلال برنامج للتلقين والتكوين المهني وذلك في إطار مقاربة شاملة وإنسانية، وبمسؤولية مشتركة تضع كرامة الإنسان في صلب الإنشغالات بالإضافة الى آليات التشاور مع المجتمع المدني، والشراكة داخل وخارج المغرب والتعاون والتمويل مع الإستفادة من الخبرات والتجارب الدولية.

وفي وقت سابق، أكد بيرو أن المبادرة تعتبر “شمولية ومبتكرة، ومندمجة، ومتعددة الأبعاد، على اعتبار أن معالجة هذه الإشكالية يتطلب استخلاص الدروس من تجارب الآخرين، والأخذ بعين الإعتبار الجانب الإنساني للقضية”. من جهته، قال وزير الداخلية المغربي محمد حصاد إن عملية تسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين “تُبرز الإرادة القوية للمغرب في معالجة إشكالية الهجرة بتمتيع المُهاجرين الذين سيتم تسوية وضعيتهم بنفس الحقوق والواجبات التي يتمتّع بها المغاربة”.

وفي لقاء مع السفراء المعتمدين في بلاده، أكد وزير الخارجية صلاح الدين مزوار أن السياسة الجديدة للهجرة في المغرب ترُوم جعله أرض كرامة واستقرار وسلم وتؤكد أيضا الإختيار الذي انتهجه المغرب في الجانب الإنساني وما يتعلق بحقوق الإنسان، وتوجّهه لتوطيد “علاقاته العميقة والراسخة” مع شركائه الأفارقة، كما تهدف أيضا إلى الإستمرار مع “شركائنا الغربيين في هذا الطموح المتقاسم الذي يرتكز على القيم المشتركة المرتبطة بحقوق الإنسان والديمقراطية والسلم والتنمية والنمو المشترك”، على حد قوله.

“مقاربة شمولية”

على صعيد آخر، تبقى الشراكة مع الدول الأوروبية ضرورة بالنسبة للحكومة المغربية في كل ما يتعلق بتسوية أوضاع المهاجرين سواء تعلق الأمر بخبرة هذه الدول في هذا الميدان، أو بتمويل عملية التسوية وما سيترتب عنها من أعباء اقتصادية واجتماعية إضافية في بلد يُعاني من أزمة حادة فاقمت منها الإنعكاسات السلبية للأزمة المالية التي عصفت ببلدان الإتحاد الأوروبي منذ عام 2009 ودفعت المهاجرين الأفارقة إلى تفضيل الإقامة بالمغرب، بل أسفرت عن إعادة استيعاب المملكة لآلاف مُهاجريها الذين كانوا مُقيمين في دول الإتحاد. 

السفير البريطاني بالمغرب، كليف ألديرتو صرح بأن مسألة الهجرة “تكتسي أهمية خاصة لكونها تمس أعضاء الجالية الأوروبية”، وأعرب عن استعداد بلاده للإنخراط في شراكة مع المغرب لتطبيق هذا المشروع “الطموح” فيما أشاد الوزير المستشار بسفارة إسبانيا، كاملو فلرينو، بالمبادرة المغربية التي وصفها بـ “العرض الكريم لفائدة الأجانب في وضعية غير قانونية”، مُعربا عن إرادة بلاده للتعاون مع المغرب في مجالات محاربة الهجرة غير الشرعية والإتجار في البشر، وفي عملية التسوية أيضا.

ومنذ عام 2005، حين تكثفت مُحاولات مهاجرين أفارقة اختراق الأسوار والحواجز التي تقيمها السلطات الإسبانية والمغربية حول مدينتي سبتة ومليلية، حثّت المملكة دول الإتحاد الأوروبي على عدم حصر تدبير ملف الهجرة السرية بالجانب الأمني وضرورة إدماجه بالجانبين الإقتصادي والإجتماعي، خصوصا وأنه لا يمكن للرباط أن تساهم بفاعلية في تقليص موجات الهجرة نحو أوروبا في ظل غياب هناك مقاربة شمولية للملف، خاصة بعد تعرض السلطات لانتقادات منظمات حقوقية مغربية ودولية بسبب تعامل الجهات الأمنية المعنية مع هؤلاء المهاجرين وإعادتهم الى النقطة الحدودية التي دخلوا منها إلى الأراضي المغربية.

خطوة إيجابية

للتذكير، جاءت عملية تسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين بالمغرب في أعقاب تقديم المجلس الوطني لحقوق الإنسان دراسة تُظهر الوضعية المؤلمة والظروف المقلقة لهؤلاء والمُسيئة للبلد، وأيضا بعد تدخلات من الدول الأوروبية لدى السلطات المغربية من أجل وقف (أو على الأقل) تجميد “حلم” هؤلاء المهاجرين بعبور مضيق جبل طارق نحو الضفة الشمالية للبحر المتوسط.

إدريس اليازمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان لا ينفي أن وضعية المهاجرين الحرجة بالمغرب “راجعة أيضا إلى عنصرية موجودة داخل المجتمع” المغربي وقال: “إن الصراحة تقتضي الإعتراف ببعض مظاهر العنصرية داخل المجتمع المغربي”، إلا أنه شدّد على أن “المهم هو خلو المغرب من أحزاب سياسية تبني برامجها على العنصرية كما هو الحال في أوروبا”، ونوّه إلى أن المجتمع المدني المغربي “أبان عن تضامن فريد من نوعه بوجود 30 منظمة غير حكومية تعمل يوميا مع المهاجرين”، بالإضافة إلى فتح المنظمة الديمقراطية للشغل (مركزية نقابية) لأحد فروعها النقابية الخاصة بالمهاجرين.

من جهته، رحّب عدي بوعرفة، أحد القيادات البارزة في المنظمة الديمقراطية للشغل (التي سبق لها أن تبنّت عدّة مطالب للمهاجرين المقيمين بصفة غير قانونية، ومنها تسوية وضعية إقامتهم) بانطلاقة تسوية وضعية المهاجرين غير الشرعيين المقيمين في المملكة، بعدما كان المغرب يُطالب بتسوية وضعية مُواطنيه المقيمين في بلدان المهجر وقال: “إن هذه التسوية ستسمح لهم بالتنقل على امتداد التراب المغربي، كما أنّها ستمكّن المهاجرين المقيمين بصفة غير قانونية، والذين لهم كفاءات علمية ومهنيّة من العمل بعد الحصول على بطاقة الإقامة”.

ختاما، يُمكن القول أن المغرب أقدم على خطوة إيجابية هامة بتسويته لوضعية المُهاجرين غير الشرعيّين من شأنها أن تُسهم في التخفيف من الإنتقادات التي وُجّهت لسياساته السابقة (وخاصة فيما يتعلق بترحيل المهاجرين غير الشرعيين من أراضيه)، وهي خطوة تندرج – حسبما يبدو – في سياق سياسة مدروسة تُحاول التماهي مع منظومة القيم الإنسانية تُجاه المهاجرين، خصوصا وأن أكثر من خمسة ملايين مغربي يتوزعون عبر العالم.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية