مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“أيّ حلٍّ يُبعِد شبَح التقسيم أو سيناريو الفوضى يجب أن يأتي من داخل ليبيا”

تثير الأوضاع المضطربة داخل ليبيا والمواجهات المستمرة بين الفرقاء في طرابلس وبنغازي وغيرها من المناطق انشغالا متزايدا في بلدان الجوار (في الصورة: لقطة من الإجتماع الرابع لوزراء خارجية الدول المجاورة لليبيا الذي انعقد يوم 25 أغسطس 2014 في القاهرة). Keystone

رغم الآمال التي كانت معقودة على مستقبل مُـشرق لليبيا بعد سقوط حُكم العقيد القذافي، اعتمادا على ثروات البلد المعتبرة وخِبرات أبنائها في الخارج وتطلّع عموم الشعب لحياة أفضل، إلا أن التطورات المتلاحقة في هذا البلد الشمال افريقي تُـرشِّحه لأن يحتل مرتبة متقدِّمة في قائمة خسائر الربيع العربي، الذي أصبح مقترِنا بالفوْضى والعنف وعدم الإستقرار والفراغ الأمني وضَياع الرُّؤية والإقتتال الداخلي.

ويتفق الخبراء الذين استطلعت swissinfo.ch آراءهم في واشنطن والقاهرة، على أن ليبيا تنزلِق على نحوٍ مُطَّـرد نحو الفوضى أو التقسيم، في وقت أحجم فيه المجتمع الدولي عن التفكير – حتى الآن على الأقل – في التدخل لإنقاذها من ذلك المصير.

لقد شهد شهر أغسطس الماضي تتوِيجا لشُهور من العُنف الدموي والفوضى، بعد اقتتال تحالف مصراتة المُسمّى “فجر ليبيا”، بوصفه مظلة ينضوي تحت لِوائها من يُعرفون بثوار 17 فبراير (وفيهم إسلاميون ينتمون إلى الإخوان المسلمون أو إلى أنصار الشريعة وغيرهم)، وبين تحالف الزنتان (الذي يضم أنصار اللواء المتقاعِد خليفة حفتر وبعض الفِئات الليبية المُناهضة للإسلاميين عموما)، وتمثل ذلك التَّـتويج في إعلان كلّ طرف أنه السلطة الشرعية وتكليف كل منهما لشخص بتشكيل الوزارة، فيما شهدت ليبيا ولأول مرة في تاريخها، تنازعا برلمانيا بين مجلس النواب الليبي الجديد (الذي انتخب أعضاؤه في 25 يونيو 2014) في طبرق وبين المؤتمر الوطني العامرابط خارجي في طرابلس، وبذلك أصبح في ليبيا حكومتان ومجلسان نيابيّان.

سألنا مايكل أوهانلن، كبير الباحثين في معهد بروكنغزرابط خارجي عمّا يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل ليبيا فقال: “من الناحية العملية الواقعية، بات من المحتمل أن تتعرّض ليبيا للتّقسيم بين جناحيْن غيْر مستعدَّين للحوار أو التوصّل لحلول وسط أو مصالحة وطنية، وقد يكون المَخرَج الوحيد لتلافي التقسيم، هو الدخول في شكل ما من أشكال الإتحاد الكنفدرالي، الذي يسمح بوجود أكثر من حكومة وأكثر من برلمان”.

ولكن الخبير الأمريكي في الشؤون الإستراتيجية يرى أنه، حتى لو وصلت الأمور في ليبيا إلى ذلك الحدّ بسبب الكَرّ والفَر الذي تشهده ميادين الاقتتال بين الطرفيْن المتحاربين، فإن المستقبل قد يشهد احتمالات التكامُل بعد أن تتغيّر ديناميكيات المعارِك المحتدِمة بين الطرفيْن ويستشهِد في ذلك، بما حدث ويحدُث في الصومال: “تجري مُناقشات حاليا بين الحكومة الصومالية وبين أرض الصومال، التي تصرّفت لسنوات عديدة ككِيان مستقِل، حول كيفية الدخول من جديد في شكل من أشكال الإندِماج الذي يوفِّر الوِحدة للصومال”.

ويرى أوهانلن أن فرصة الإبقاء على ليبيا دولة موحَّدة، ضاعت في عام 2012، حينما اكتفى التحالف الدولي بالخَلاص من دكتاتورية القذافي، دون الإلتزام بالحفاظ على الأمن والاستقرار وإعادة بناء مؤسسات الدولة في ليبيا.

التدخل الدولي غير مطروح

ومع دعوة محمد جبريل، سفير ليبيا في مصر إلى تدخّل دولي لحماية ليبيا من سيناريو الفوضى وتسليمه بعجْز الحكومة الليبية عن حماية مؤسسات الدولة ومطاراتها ومرافِق البترول فيها، توجّهت swissinfo.ch إلى كلوديا جازيني، محللة الشؤون الليبية في مجموعة الأزمات الدولية بسؤال عن احتمالات التدخل الدولي لإعادة الاستقرار لليبيا وإنقاذها من خياريْ الفوضى والتقسيم فقالت: “عندما طالب إبراهيم دباشي، سفير ليبيا في الأمم المتحدة، مجلس الأمنرابط خارجي بإيفاد قوة حِفظ سلام لنزْع سِلاح الميليشيات المسلّحة في ليبيا، لم يستجِب المجلس ولم تتحمّس إلا بِضع دُول لفكرة المشاركة في تحالُف دولي لاستعادة الاستقرار في ليبيا، وبالتالي، فإن أيّ حلٍّ يُبعِد شبَح التقسيم أو سيناريو الفوضى، يجب أن يأتي من داخل ليبيا في شكل تسوية سياسية، لا تقصي أيا من القوى السياسية في البلاد”.

ولبحث فُرص نزْع فتيل الاقتتال في ليبيا بإزالة الاحتكام للسلاح والبحث عن تلك التسوية السياسية التي لا تقصي أحدا، توجّهت swissinfo.ch إلى هاني خلاف، سفير مصر السابق في ليبيا فقال: “المشكلة هي أنه يلزم لطرح التسوية، وجود حكومة مركزية قادِرة على إدارة شؤون البلاد ولديْها الرّغبة في طرح ترتيبات سياسية وأمنية، وتوفّر الرغبة لدى خصومها في الحوار والتوصّل إلى حلٍّ سياسي شامِل. ونظرا لتعذّر توفر تلك المتطلّبات، فلن يأتي الحلّ من داخل ليبيا، وإنما قد يحتاج لوساطة وجهود جِدية من أطراف عربية ودولية”.

ولكن، حتى ذلك السيناريو المُنقذ تعترِضه حواجز عدم الثقة من الطرفيْن المتحاربين، كما يقول السفير هاني خلاف: “سيرفض الإسلاميون في ليبيا أيّ دور تُحاول القيام به مصر أو السعودية أو الإمارات للتوصّل إلى تسوية سياسية، بالنظر إلى المواقف العَدائية للدول الثلاث إزاء الإسلاميين. وعلى الجانب الآخر، سيرفض الطرف الليبي المناهِض للإسلاميين أيّ دور تُحاول أن تقوم به قطر أو تركيا، نظرا لمساندتهما للإسلاميين”.

سيناريوهات التدخل الإقليمي

في محاولة لرسم سيناريوهات المستقبل في ليبيا، توقع استعراض أعدته مجلة جين لشؤون الإستخبارات، ثلاثة سيناريوهات، ينطوي بعضها على تدخل جيران ليبيا لصالح الطرف الذي لا يشكّل خطرا على مصر والجزائر تحديدا:

أولا: فشل الحكومة التي اتّخذت من طبرق عاصمة بديلة بعيدا عن الاقتتال والعنف، في بسط سيْطرتها على الموارد البترولية والبنك المركزي، مما سيفتح الباب أمام الإسلاميين لتوسيع نِطاق نفوذهم تدريجيا على ليبيارابط خارجي، مما سيشكِّل تحديا لكل من مصر والجزائر، سيدفع البلديْن إلى شكل من أشكال التدخل في ليبيا.

ثانيا: تدفّق المساندة وأشكال من المساعدات الخارجية لحكومة طُبرق، لتمكينها من بسط سيطرتها على موارد ليبيا النفطية ومساندتها في احتواء الإسلاميين.

ثالثا: نجاح الإسلاميين في عزْل حكومة طُبرق وإحكام السيطرة على موارد ليبيا النفطية، مما سيفتح أبواب منافسة مُحتدمة بين الإخوان المسلمين وبين الجماعات المتشدّدة، مثل جماعة أنصار الشريعة، قد تقود إلى تدخّل عسكري مُباشِر من كلٍّ من مصر والجزائر، بهدف حماية حدودهما المُشتركة من خطر الجماعات الإسلامية.

توجّهت swissinfo.ch إلى اللِّواء سامح سيف اليزل، الخبير الإستراتيجي المصري المُقرّب من القوات المسلحة والرئيس السيسي والذي يُدير مركز الجمهورية للدراسات السياسية والإستراتيجية، لمعرفة رأيه في تلك السناريوهات فقال، “إن ليبيا وقعت ضحية ألف وست مائة من الميليشيات المسلّحة، التي تمتلك الملايين من قِطع السِّلاحرابط خارجي وطائفة منوّعة من الأسلحة الثقيلة والصواريخ، بحيث يكاد يكون من المستحيل نزع سلاحها”.

وأضاف اليزل: “تُـراقب القوات المسلحة المصريةرابط خارجي ما يجري في ليبيا أولا بأول، نظرا للأخطار المتزايِدة القادِمة عبْر الحدود مع مصر، ولن تسمح بعبور منشقّين أو جماعات مسلّحة، ولكن مصر لم تتدخّل عسكريا في ليبيا، وإنما ستُـسانِد الحكومة الشرعية في طبرق وتساعد قوات الشرطة والجيش بخدمات التدريب، نظرا لأنها الحكومة المُعترَف بها في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقيرابط خارجي“.

وفي نفس السياق، توقع اللِّواء سيف اليزل دعْم التعاون المصري لحكومة طبرق والمساعدة في التوصّل إلى تسوية سياسية، متى تمكَّنت تلك الحكومة من بسْط نفوذها شيئا فشيئا.

وكان الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي سارع في 25 يونيو الماضي لزيارة الجزائر، لتفعيل اتفاقيات مُشتركة للتعاون في مكافحة الإرهاب ومواجهة الجماعات الإسلامية المتطرِّفة، فيما رآه الخبراء خُطوة استباقية تحسُّبا لما يُمكن أن يَـؤُول إليه الوضع في ليبيا، غير أن الخبير الأمريكي مايكل أوهانلن يرى أنه يصعب التنبُّـؤ بما ستقدم عليه دول الجوار كمصر والجزائر، إذا ما تدهْـور الوضع في ليبيا أو بسَط الإسلاميون نفوذهم على البلاد وقال: “أفضَل ما يمكن لمصر والجزائر عمله، هو التعجيل بالمهمّة التي تباطَـأ حلف الناتورابط خارجي في القيام بها، وهي تدريب وتمكين قوات الشرطة والجيش الليبي للوصول بهِما إلى المستوى القادر على فرض نوعٍ من الأمن والنظام، ومن ثم نزع سلاح الميليشيات في إطار تسوية سياسية شاملة”.

لكن كلوديا جازيني، محللة الشؤون الليبية في مجموعة الأزمات الدولية ترى، أن أكثر السناريوهات المُحتملة في ليبيا، هي نوع من الجمود وبقاء الوضْع على ما هو عليه: “مع عدم ظهور بوادِر على رغْبة الطرفيْن الرئيسييْن المتنافسيْن في الوصول إلى حلول وسَط من خلال الحوار، سيبقى الوضع على ما هو عليه، ممّا سيُجبِـر حكومة طبرق على اللّجوء إلى دعم مصري مُباشر لها، لبسْط سيْطرتها على البلاد، ولن يُبادِر المجتمع الدولي بالتدخّل في ليبيا، قبل أن تُظهِـر الأطراف السياسية رغْبة حقيقية في التوصّل إلى تسوية سياسية، تضع البلاد على الطريق الصحيح”، حسب رأيها. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية