مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تعريب أسماء مواقع الإنترنت سيصبح واقعا ابتداء من 2010

في إيران، ينعم سكان قرية قرن آباد (تبعد 240 ميلا شمال شرق طهران) بإلإبحار اللامحدود تقريبا في شبكة الإنترنت (تاريخ الصورة: 4 يونيو 2002) Keystone

سيصبح بإمكان مستخدمي الإنترنت في العالم العربي الشروع في إعطاء أسماء عربية لمواقعهم ابتداء من 2010، وهذا من بين الإنجازات التي توصل إليها منتدى إدارة الإنترنت الذي افتتح دورته الرابعة يوم الأحد 15 نوفمبر في شرم الشيخ. لكن المسائل المتعلقة بالرقابة وتعزيز المحتوى العربي والتعامل مع ظاهرة الشبكات الاجتماعية المتنامية تظل تحديات قائمة لدول المنطقة ولجميع مستخدمي الإنترنت عموما.

بعد أن استعرض منسق منتدى إدارة الإنترنت والخبير السويسري ماركوس كومر في حديثه مع swissinfo.ch ما توصلت إليه المناقشات الدولية منذ قمة مجتمع المعلومات في تونس في خريف 2005 بخصوص مشكلة الإدارة الجماعية للإنترنت، يتمثل محور اجتماع شرم الشيخ (من 15 إلى 18 نوفمبر 2009) في مناقشة العديد من القضايا المستجدة على ساحة استخدام شبكة الإنترنت، وبالأخص تلك التي بدأت تأخذ أبعادا اجتماعية كبرى مثل تويتر وفيس بوك وبعض القضايا التي تهم المنطقة العربية مثل تعزيز استخدام اللغة العربية في الشبكة بتوفير الإمكانيات التقنية وتعزيز المحتوى العربي. ومن الواضح أن أهم إنجاز في هذا السياق يتمثل في تمكين المستخدم العربي من استخدام أسماء المواقع باللغة العربية ابتداء من عام 2010.

الشبكات الاجتماعية.. نمو استثنائي وتحديات جديدة

ليست هذه المرة الأولى التي تتطرق فيها المجموعة الدولية ضمن منتدى إدارة الانترنت إلى ظاهرة الشبكات الاجتماعية المتمثلة في الوسائل الجديدة لاستخدام شبكة الإنترنت مثل تويتر وفيس بوك والمدونات وغيرها. إذ سبق أن أثير هذا الموضوع في اجتماع المنتدى في ريو دي جانيرو في نوفمبر 2006. ويذكر الخبير السويسري ماركو س كومر منسق منتدى إدارة الإنترنت أن “آراء المشاركين كانت متضاربة بخصوص هذا الموضوع بحيث رأى البعض أنها نهاية الحضارة بمفهومها الحالي بينما رأى البعض الآخر أن في ذلك فرصا إضافية للتواصل”.

وإذا ما نظرنا الى عدد مستخدمي شبكة فيس بوك لوحدها، نجد أن آخر التقديرات تشير إلى أن عدد مستخدميها تجاوز مؤخر 300 مليون شخص. وتحول هذا الإنتشار المذهل لاستخدام هذه الوسائل مثار قلق وإزعاج ببعض الحكومات التي لم تتوان عن إغلاق المواقع أو حجبها مثلما فعلت إيران أثناء المظاهرات الأخيرة التي اندلعت في أعقاب انتخابات 12 يونيو الماضي ضد إعادة انتخاب الرئيس احمدي نجاد.

ويعترف الخبير السويسري بأن “ذلك يقلق بعض الدول، خصوصا أن الحكومات لم تعبأ بحجم تطور الإنترنت إلا بعد قمتي جنيف وتونس لمجتمع المعلومات ولاسيما أن الشباب المستخدم لهذه الوسائل أصبح يشعر بأنه مواطن ضمن عائلة فيس بوك أكثر من إنتمائه إلى دولة”. ويتوصل منسق منتدى إدارة الإنترنت إلى أن هذا الوضع الجديد “يخلق مشكلة لم تجد حلا بعد وهي أن مستخدم الإنترنت ينتج في بلد معين ولكن يسوق لمنتوجه في بلدان أخرى لها قوانين مغايرة، لأن شبكة الإنترنت تجاوزت الحدود الجغرافية بينما بقيت بنية العلاقات الدولية قائمة على أساس السيادة الوطنية والحدود الجغرافية”.

وتؤدي المشاكل الناجمة عن هذا الوضع إلى تضارب في قبول المنتوج سواء تعلق الأمر بالمعايير القانونية (مثلما هو الحال بين أوروبا والولايات المتحدة لجهة قوانين حرية الرأي)، أو بالمعايير الأخلاقية أو الدينية (مثلما تشهده البلدان الإسلامية بالنسبة لما هو معروض من قبل المصادر الغربية).

رقابة متواصلة على الإنترنت

من القضايا التي يتناولها المشاركون في اجتماع شرم الشيخ مشكلة الرقابة على الإنترنت. وفي ظل التناقض القائم بين شبكة عنكبوتية تتطور باستمرار لا تعترف بحدود جغرافية، وبين وجود دول حريصة على احترام سيادتها بالمفهوم القديم، سيظل هذا الموضوع مطروحا للنقاش. ويرى الخبير السويسري ماركوس كومر أن “التضارب بخصوص هذا التعايش بين الدولة الوطنية وبين نظام الإنترنت العابر للحدود سيظل قائما ما دامت هناك قوانين متعددة تحكم نظرة الدول لشبكة الإنترنت”.

وبالرغم من وجود قوانين دولية تحظى بإقرار الجميع مثل المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على حرية الرأي والتعبير هناك تحديدات وتأويلات مرتبطة بنظرة هذه الدول إلى هذه الحرية. وهذا تناقض يحاول المنتدى إيجاد “حل مقبول” له يعكس الرغبة في الإبقاء على شبكة الإنترنت مفتوحة بوجه الجميع مع تفادي التجاوزات الممكنة.

وفيما يتعلق بالرقابة المفروضة على وصول المستخدم إلى شبكة الإنترنت في بعض البلدان العربية، يرى الخبير السعودي رافد فطاني أنها “طريقة قديمة ولا يمكنها الاستمرار في تطبيقها لأن التكنولوجيا المستخدمة في مجال الإنترنت تتقدم بسرعة وتجعل تلك القوانين في حاجة الى تجديد مستمر وبالتالي غير قابلة للتطبيق بفعالية”.

وحتى في مجال محاربة الإجرام عبر شبكة الإنترنت أو ما يُعرف بالإجرام السيبراني يمكن القول أن هناك بداية تقنيين باتجاه توحيد المعايير حيث تم مؤخرا “إبرام أول معاهدة أوروبية لمحاربة الإجرام السيبراني وهي المعاهدة المفتوحة لانضمام كل الدول وقد أبدت مصر اهتماما بها أيضا”، على حد تعبير السيد ماركوس كومر.

يضاف الى ذلك أن توعية المستخدم تساهم الى حد كبير في الحد من هذه الجرائم المرتكبة عبر الإنترنت مثل تعزيز برامج الوقاية ومنع برامج الجوسسة واتخاذ الإجراءات الضرورية قبل فتح ملف مرفق وما شابه ذلك من الإجراءات الوقائية والإحتياطية.

وسواء فيما يتعلق بإجراءات الوقاية أو بكيفية تحسين استخدام شبكة الإنترنت بشكل سليم وآمن يرى المنسق السويسري لمنتدى إدارة الإنترنت أن “النقاش الدائر منذ 5 سنوات تقريبا داخل هذا المحفل سمح بتوعية مختلف الشركاء من دول وقطاع خاص ومنظمات المجتمع المدني بكل هذه القضايا ومنحها فرصة البحث لها عن حلول في إطار مجهود مشترك”.

قريبا: استخدام حروف عربية لأسماء المواقع

المنتدى الرابع لإدارة أو حوكمة الإنترنت المنعقدد في شرم الشيخ سيتطرق أيضا إلى موضوع المحتوى المحلي للشبكة وبلغات محلية. وهو ما ينطبق بالدرجة الأولى على المنطقة العربية التي تعرف ضعفا في محتوى شبكة الإنترنت بلغتها إما لأسباب فنية وتقنية أو لأسباب سياسية.

ويرى الخبراء أن عوامل متداخلة (تقنية وسياسية وأخرى ترتبط بصعوبات في الوصول إلى الشبكة) تحول دون تحسين المحتوى باللغات المحلية. يضاف إلى ذلك أن هذا النقص يؤدي إلى التقليل من الفائدة التجارية وبالتالي لا يشجع على الإستثمار في ابتكار منتوج بلغات محلية وذلك بالرغم من بعض الجهود التي تبذلها بعض الحكومات في المنطقة.

ويرى الخبير ماركوس كومر أن “معالجة منتدى إدارة الإنترنت لموضوع المحتوى بلغات محلية لا يتمثل في إيجاد حل لذلك، بل في عرض التجارب الناجحة التي تقوم بها الدول وباقي الشركاء في هذا المجال بغرض تعميم الفائدة خصوصا وأن المنتدى مفتوح لمختلف الشركاء بما في ذلك ممثلي المجتمع المدني”.

ولكن الجديد بالنسبة للغة الضاد، وما قد يشجع أكثر على تعزيز استخدام شبكة الإنترنت وتعزيز تغذية محتواها باللغة العربية، هو التوصل الى تجاوز عقدة إمكانية كتابة أسماء المواقع باللغة العربية وليس كما كان حتى اليوم بالأحرف اللاتينية.

ويؤكد منسق منتدى إدارة الإنترنت ماركوس كومر أن “كتابة أسماء المواقع باللغة العربية أصبحت واقعا ملموسا تم إقراره، وذلك بفضل جهود الخبراء العرب وبالأخص من العربية السعودية وهي التجربة التي سيتم عرضها في منتدى شرم الشيخ”.

والمعلوم أن شبكة الإنترنت التي تم تطويرها من قبل خبراء انجلو ساكسونيين اعتمدت إلى حد الآن على أسماء مواقع تكتب لابالحروف اللاتينية، وهو الوضع الذي حاول مؤتمر قمة مجتمع المعلومات تصحيحه وتولت جمعيات وطنية البحث فيه.

من جهته، يقول الخبير السعودي رافد فطاني في تصريحات إلى swissinfo.ch “إن آخر اجتماع لهيئة الإشراف على شبكة الإنترنت ICANN أقر قبل ثلاثة اسابيع مبدأ كتابة أسماء المواقع بعدة لغات من ضمنها اللغة العربية”. وحسب السيد رافد فإنه “يمكن بداية من عام 2010 تقديم طلبات بأسماء المواقع باللغة العربية على سبيل المثال “ووو.سويسرا.حكومة، بدلا عن www.switzerland.gov”.

swissinfo.ch – محمد شريف – جنيف

يرى رافد فطاني، الخبير السعودي المتخصص في أبحاث إدارة الإنترنت أن من فوائد تعريب أسماء المواقع على الإنترنت التشجيع أكثر فأكثر على استخدام الشبكة في المنطقة العربية كما سيعمل على تعزيز وجود المزيد من المحتويات والمضامين باللغة العربية. ويتوقع أن يكون لها “تأثير كرة الثلج”، أي أن تعمل على تدارك النقص الحاصل على الشبكة من قبل مستخدمي اللغة العربية، وأن تفتح المجال أمام فئات أخرى من المستعملين مثل جيل الآباء والمسنين الذي كان يهاب الدخول في عالم الإنترنت بسبب عدم الإلمام باللغة الإنجليزية أو الأجنبية عموما.

يُقصد بالشبكات الاجتماعية جميع الوسائل المستخدمة كتطبيقات جانبية لشبكة الإنترنت من صفحات شخصية على فيس بوك أو تويتر أو مدونات أو منتديات الحوار أو مواقع الفيديو مثل يوتيوب وغيرها. وأصبحت هذه الوسائل تستهوي فئات الشباب بشكل غير مسبوق.

عن الحاجة لهذه الشبكات والوسائل في المنطقة العربية وطرق تطورها، يقول الخبير السعودي رافد فطاني “تطور هذه الوسائل في العالم العربي أكبر مما يتصور الإنسان العادي لأن في المجتمعات المغلقة يبحث المستخدم، وخصوصا الشباب عن أية طرق للوصول الى ما يبحث عنه بعيدا عن تحديدات الثقافة السائدة في المجتمع، مثلما هو سائد من فصل بين الرجال والنساء في الخليج، أو محاولة الإلتفاف على الرقابة السياسية عبر الإنترنت وهي بذلك لم تعد مجرد منافذ اجتماعية لغرض التعارف بل تتعداها لأغراض سياسية أو فقط للتعبير عن رأيه كمواطن وهذا تطور جديد لم يكن موجودا في مجتمعاتنا من قبل ولا توفره وسائل الإعلام التقليدية”.

في ما يتعلق بمسألة الرقابة المفروضة من قبل بعض الدول على استخدام شبكة الإنترنت يرى الخبير السعودي رافد فطاني أن تكنولوجيا الإنترنت تتطور بسرعة أكبر من التكنولوجيا المستخدمة من قبل الدول في عملية الرقابة.

وخير مثال على عدم جدوى الرقابة على شبكة الإنترنت، كما يقول “هو ما حدث في إيران عندما أقدمت السلطات أثناء المظاهرات على إغلاق شبكة الإنترنت والمدونات وحتى البريد الإلكتروني في بعض الأحيان، ولكنها لم تستطع إغلاق مواقع تويتر لأن وسائل الرقابة التقليدية تغلق الموقع ولكن تويتر له تكنولوجيا تستخدم ما بين أربعين ومائة برنامج في آن واحد ولا يمنع إغلاق أحدها من وصول المعلومة للبقية”.

وإذا كانت الدول الغربية قد توصلت الى قناعة بأنه يجب “تعزيز التوعية والتكوين بدل اعتماد أساليب الرقابة” فإن السيد رافد فطاني يرى أنه “على الدول العربية أن تقبل الأمر الواقع وأن تعتمد مبدأ التكوين والتوعية”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية