مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تعصفُ الإحتجاجات الغاضبة في بلدان إسلامية بأوباما؟

متظاهرون باكستانيون يحرقون يوم 27 سبتمبر 2012 صورا للرئيس باراك أوباما وأعلاما أمريكية في مدينة بيشاور في سياق الإحتجاجات المستمرة على الفيلم المُسيء التي أدت إلى مقتل 23 شخصا على الأقل في البلاد. Keystone

عندما اقتحم متظاهرون غاضبون مقر السفارة الأمريكية في طهران في عام 1979 فيما عُـرف بأزمة الرهائن المحتجزين في إيران، أطاحت التحدّيات المتعلقة بمواجهة هذا الحادث، بفُـرص الرئيس جيمي كارتر في إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية.

وفي هذه الأيام، يتساءل الأمريكيون هل يُعيد التاريخ نفسه وتعصِف تحدّيات اقتحام القنصلية الأمريكية في بنغازي والغضب الإسلامي المتواصل في عدد من البلدان الإسلامية (رغم انحساره في البعض منها)، بسبب الفيلم المسيء للإسلام، بآمال الرئيس أوباما في الفوز بفترة رئاسية ثانية في انتخابات 6 نوفمبر القادم؟

مراسل swissinfo.ch في واشنطن ناقش هذه التحديات وانعكاساتها على إدارة أوباما وفُـرصه في انتخابات الرئاسة مع خبيرين عربيين أمريكيين، اتفقا في بعض الآراء واختلفا في البعض الآخر.

“فجوة ثقافية”

بداية، يرى الأستاذ خليل جهشان، المحاضر في العلاقات الدولية بجامعة ببرداين في ولاية كاليفورنيا والرئيس السابق للجمعية الوطنية للعرب الأمريكيين، أن التحدي الأساسي الذي فرضته الأحداث على الرئيس أوباما، هو أنه وقع ضحية لِـما يمكن النظر إليه، على أنه “فجوة ثقافية” بين المجتمع الأمريكي والعالم العربي والإسلامي.

فالفيلم الذي وصفته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأنه مقزز وأدانَه الرئيس أوباما، يعتبره الأمريكيون تعبيرا عن الرأي، وبذلك تتوفر له حماية الدستور الأمريكي في حرية التعبير، بينما ينظر إليه العالم الإسلامي على أنه يتخطّى الخطوط الحمراء ويصل إلى مرتبة ازدراء الأديان والمساس المُهين برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. ولذلك، يواجه أوباما تحدييْن أساسييْن: “أولا، ليس بوسع أوباما أن يتّـخذ أي ردّ فِعلٍ حازمٍ ضد الفيلم، لكي لا يكون الرئيس الذي قمع حرية التعبير في وقت يتصيّد منافسه الجمهوري ميت رومني أخطاءه، ولكن العالم الإسلامي، لا يرى أي مبرِّر يمكن لأوباما أن يقدِّمه حول عجْزه عن اتخاذ إجراء عِقابي إزاء الفيلم الأمريكي. ثانيا، ليس بوسع أوباما أن يقف مكتوف الأيْدي، إزاء حرق الأعلام الأمريكية والهجمات على البعثات الدبلوماسية، مما يُهِـين كرامة الولايات المتحدة وصورتها في العالم، وبالتالي، وضعته الأحداث في موقِـف لا يُـحسد عليه”.

أما الأستاذ صبحي غندور، مدير مركز الحوار العربي في واشنطن، فيرى أن غضب  الشارع الإسلامي بسبب الفيلم، فرض على أوباما نوعيْـن من التحديات: “التحدي السياسي، حيث أدّى استهداف البعثات الدبلوماسية الأمريكية في مصر وليبيا وتونس، إلى حالة من الخلل في العلاقات الأمريكية مع الدول الثلاث، التي شهدت تغييرا في أنظمتها السياسية، وراهنت واشنطن على إقامة علاقات طيبة معها، حيث بات الأمريكيون يتساءلون عن الحِـكمة من دعم الثورات الشعبية في تلك الدول، والذي يبدو أنه أتى بنتائج عكسية مناهضة للولايات المتحدة. وهناك التحدي الأمني، حيث تعيَّـن على أوباما أن يظهر قُـدرته على حماية الأمن القومي والمصالح الأمريكية في الخارج، بتعزيز حماية البعثات الدبلوماسية في الخارج، بل وإرسال قطع بحرية أمريكية إلى المنطقة، بل وقد يصل إلى حد استخدام طائرات بدون طيار لاستهداف قتلة السفير الأمريكي وزملائه في بنغازي، إذا تم التعرف عليهم من التحقيقات التي يشارك فيها مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي مع السلطات الليبية”.

الفيلم الأمريكي أم السياسات الأمريكية

في سياق متصل، يرى الأستاذ خليل جهشان، أن موجة الغضب الإسلامي العارم، وإن جاءت ردّا مباشرا على فيلم أمريكي مسيئ إلى الإسلام ورسوله، فإن لها جذورا أعمَـق في وجدان تلك الشعوب، تعود إلى السياسات الأمريكية التي يراها المسلمون نمطا متكاملا معاديا للعرب وللمسلمين، خاصة وأن أوباما رفع سقف التوقعات بعلاقة جديدة، تستند إلى الاحترام المتبادَل والمصالح المشتركة، كما تعهَّـد بذلك في خطابيه المشهورين، في أنقرة والقاهرة، ولكن المسلمين في أنحاء العالم لم يَـرَوا من الأفعال ما يتماشى مع الأقوال، لذلك، اندفع المواطن المسلم بشكل تِـلقائي ليصبّ غضبه على الفيلم، كحلقة جديدة في سلسلة من الأحداث والسياسات الأمريكية المعادِية لمصالح العرب والمسلمين.

في المقابل، يرى الأستاذ صبحي غندور، مدير مركز الحوار العربي في واشنطن، أن موجة الغضب الإسلامي العارم، تُـعبِّـر عن حالة من الجهل والجهالة: جهْـل بما هو قائم في الغرب من حريات، لا يمكن المساس بها مهْـما عبَّـرت عن وجهات نظر شاذة أو مقيتة، ودساتير تحُـول دون مساس الحكومات بتلك الحريات، وجهالة في الوقوع في شرك عناصر يمينية توظف كل ما يمكن أن يستفزّ مشاعر المسلمين، ليخرجوا بذلك الردّ الغاضب، بل والعنيف لدقّ إسفين، بين الإسلام والغرب، وأن الطريق الصحيح، ليس هو ما يدعو إليه أوباما من الاحترام المتبادل، وإنما المواجهة العسكرية والصراع بين الحضارات. ويستهدف هؤلاء الإبقاء على المقولة التقليدية، بأن إسرائيل هي الصديق والحليف الوحيد، الذي يمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليه في المنطقة.

كما لا يُـدرك المسلمون الواقعون في مصيَـدة الغضب – حسب رأيه – أن التصعيد يُوجد المبرِّرات في الداخل الأمريكي لعودة الجمهوريين والمحافظين الجُـدد إلى البيت الأبيض، بدعم فُـرص رومني في الفوز بانتخابات الرئاسة. وقد اختار من بين مستشاريه الأربعة والعشرين، سبعة عشر مستشارا من شخصيات المحافظين الجُـدد، التي كان لها اليد الطولي في إدارة بوش.

هل يُـعيد التاريخ نفسه؟

على صعيد آخر، طرحت swissinfo.ch على الخبيرين العربيين الأمريكيين، السؤال الأهم، الخاص باحتمال أن يُعيد التاريخ نفسه ويؤدّي الغضب الإسلامي إلى خسارة أوباما فرصة الفوز بفترة رئاسية ثانية، كما سبق وأدّت أزمة الرهائن في طهران إلى هزيمة جيمي كارتر؟ فأجاب الأستاذ خليل جهشان: “كل شيء ممكن، ولكنني لا أعتقد أن هذه الموجة من الغضب ستؤثِّـر بنفس الشكل، الذي أثرت به في الداخل الأمريكي أحداث أزمة السفارة الأمريكية في طهران على حظوظ الرئيس كارتر في انتخابات الرئاسة آنذاك، ولكن إذا تم تصعيد مستوى الغضب والعُنف واتّسعت رُقعته جغرافيا حول العالم، مع تواصل استهداف المصالح الأمريكية في الخارج، سيمكن للعناصر اليمينية المُتطرِّفة في الحزب الجمهوري، إحراج الرئيس أوباما وسحب البِـساط من تحت قدميْـه، من خلال مواصلة اتِّهامه بأنه رئيس ضعيف أفقَـد الولايات المتحدة هيْـبتها في الخارج، والنيل بذلك من الصورة المغايِـرة، التي تمكَّـن أوباما من رسمها لنفسه كرئيس ديمقراطي قوي في مجال حماية الأمن القومي الأمريكي، من خلال انجازاته في الحرب ضد تنظيم القاعدة وقتل بن لادن وتصعيد الهجمات ضد طالبان وحماية الأمن الداخلي على الأرض الأمريكية”.

ولا يستبعد الأستاذ خليل جهشان، أن تستغل العناصر اليمينية المتطرِّفة الفراغ القيادي في الحزب الجمهوري، وهي معروفة بعدَم التِـزامها بقوانين اللّعبة الانتخابية، أخلاقيا ولا سياسيا، أي تصعيد في الغضب الإسلامي حول العالم، للنيل من شعبية أوباما أو دفعه لمغامرة عسكرية فاشِلة في المنطقة، قد توصِـله إلى ما آل إليه مصير كارتر.

أما الأستاذ صبحي غندور، فيرى أنه يجِـب الحذر من تحوّل ردود الأفعال، في العالميْـن العربي والإسلامي، إلى حالة من تصعيد للعُـنف يجبِـر الرئيس أوباما على اللّجوء لخيارات عسكرية توقِعه في الكمين الذي يحاول الجمهوريون نصبَـه له، باستغلال تصاعد الغضب الإسلامي ضد الولايات المتحدة.

وبحسب رأي الأستاذ غندور، يجب على المسلمين أن يتذكروا تشبيه المفكِّـر الجزائري المعروف، مالك بن نبي، للغضب الذي ينتاب العالم الإسلامي بحلبة مصارعة الثيران، حيث يكفي الماتادور إثارة الثور، بإشهار راية حمراء اللون ليهتاج ويهاجمه، بينما يخفي وراءه سِـهاما في جُعبته، سرعان ما يرشقها في جسد الثور ليجهز عليه، ومع ذلك لا يعتقد السيد صبحي غندور بأن التاريخ سيكرّر مع أوباما ما فعله مع كارتر، ويفسِّـر ذلك بقوله: “قد تشكل ردود الفعل الغاضِبة ضد أوباما في العالم الإسلامي، شيئا إيجابيا بالنسبة لحملته الانتخابية، حيث تبدد مشاعر الغضب ضدّه، الشكوك بين الناخبين الأمريكيين، بأن أوباما مسلم في السِـر، كما أن ما يدفع قرار الناخبين الأمريكيين، ليس هو تلك المشاعر، وإنما مقدرة الرئيس ومنافسه الجمهوري، على التعامل مع تحسين الاقتصاد ودعم الأمن القومي وحمايته، ولعل تحسن بعض جوانب الاقتصاد الأمريكي يظهِـر قُـدرة عملية لأوباما، تفوق تصريحات منافسه رومني. كما أن أحدث استطلاعات الرأي العام الأمريكي، توضِّح تفوّق أوباما على رومني، في التعامل مع قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي”.

طالب قادة مسلمون بتحرك دولي لمنع اهانة الدين وذلك ردا على دفاع الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن حرية التعبير في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة يوم الثلاثاء 25 سبتمبر 2012.

ودان أوباما بشدة “العنف وعدم التسامح” في خطابه امام الجمعية العامة قائلا: انه على قادة العالم واجب التنديد بالهجمات الدامية على أمريكيين التي حصلت في الاسبوعين الماضيين بسبب فيلم مسيء للاسلام انتج في الولايات المتحدة.

لكن القادة المسلمين الحاضرين في نيويورك من ملوك ورؤساء وقادة آخرين قالوا انه على الدول الغربية ان تعمل على وقف ظاهرة “كره الاسلام” بعد موجة الإحتجاجات على الفيلم المسيء للنبي محمد.

وقال سوسيلو بامبانغ يودويونو رئيس اندونيسيا، اكبر دولة اسلامية في العالم، إن الفيلم يكشف مرة جديدة عن “الوجه القبيح” للتشهير بالدين.

واشار يودويونو الى الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يقول ان “على الجميع الإلتزام بالأخلاقيات والنظام العام” معلقا أن “حرية التعبير بالتالي ليست مطلقة”.

ودعا الى “آلية دولية لمنع التحريض على العدائية او العنف بسبب الدين او المعتقدات، بشكل فعال اكثر”.

من جهته قال العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، إنه يُدين “كل فعل يسيء الى اسم الرسول الكريم أو يستغل اسمه أو اسم الاسلام أو أي دين آخر زورا لتبرير العنف كتلك الأفعال التي شهدناها مؤخرا”.

واضاف ان “هذا أمر لا مجال فيه للخلاف، فواجبنا جميعا، من أتباع الأديان في كل مكان أن ننشط في الدعوة الى التفاهم وأن ننخرط في حوار عالمي أكثر فاعلية وتأثيرا”.

من جانبه ندد الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري بما اسماه “التحريض على الكراهية” ضد المسلمين وطالب بتحرك من الامم المتحدة.

وقال أمام الجمعية العامة: “رغم انه لا يمكننا ابدا ان نوافق على العنف، على المجموعة الدولية الا تتحول الى مراقب صامت ويجب ان تعاقب على مثل هذه الاعمال التي تدمر سلام العالم وتعرض امن العالم للخطر عبر اساءة استخدام حرية التعبير”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 26 سبتمبر 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية