مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تقرير برلماني يكشف عن نقاط ضعف في إدارة الحكومة السويسرية للأزمة المالية

كلود جانياك، وماريّا روث بيرنسكوني يعرضان أمام الصحافة نتائج تقرير مفوّضية لجان التصرف التابعة للبرلمان السويسري ، يوم 31 مايو 2010 في العاصمة برن Keystone

بعد سنة ونصف من إبرام اتفاق بين سويسرا والولايات المتحدة يقضي بكشف اتحاد المصارف السويسرية عن هوية 4500 أمريكي من أصحاب الحسابات المصرفية السرية فيه، متهمون بارتكاب عمليات تهرب ضريبي، صدر يوم الإثنيْن 31 مايو 2010، تقرير مفوّضية لجان التصرّف في البرلمان السويسري ليلقي الضوء عن تصرف الحكومة بشان تلك الأزمة.

وقد وجه التقرير المتكوّن من 350 صفحة اللوم بل التقريع الشديد إلى كل من الحكومة الفدرالية وسلطة الرقابة المالية (فينما) وإدارة اتحاد المصارف السويسرية (يو بي أس) ودعا جميع تلك الأطراف إلى استخلاص الدروس من الماضي، وإلى اتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع تكرار تلك الأزمة.

واختلفت ردود الأفعال عن الإنتقادات والتوصيات المتضمنة في التقرير، وقالت الحكومة إنها قد اتخذت فعلا الإجراءات الضرورية للحد من انعكاسات تلك الأزمة، في حين تمسكت غالبية الأحزاب بدعوتها لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية لتسليط الضوء عن الطريقة التي أديرت بها معضلة اتحاد المصارف السويسرية مع الولايات المتحدة الأمريكية.

سلبية الحكومة وعدم جدوى سلطة الرقابة

يقترح تقرير المفوّضية عددا من التوصيات تصب أغلبها في إعادة تنظيم هيئات الرقابة على الساحة المالية السويسرية. فهو يدعو مثلا سلطة الرقابة المالية إلى التحقيق بعمق لمعرفة حدود إطلاع إدارة اليو بي إس على الإنتهاكات التي كان يرتكبها موظفو المصرف في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويدعو التقرير الحكومة الفدرالية إلى الإنكباب على تحديد أهداف وغايات عمل سلطة الرقابة المالية، وضبط دورها وصلاحياتها، وإعادة تشكيلها في ضوء ذلك.

كما يتوقف التقرير طويلا عند “الإختلالات والأخطاء الجسيمة” التي ارتكبتها الحكومة الفدرالية خلال معالجتها للأزمة المالية، ويشير مثلا إلى أن وزير المالية هانس رودولف ميرتس “لم يُطلع زملائه الآخرين في الحكومة على الأوضاع المالية في البلاد خلال تلك الأزمة، خوفا من تسرب المعلومات، وبالتالي تأثيراتها المحتملة على سوق الأوراق المالية”.

كذلك عبّرت المفوّضية عن انشغالها العميق مما استنتجته من اختلالات في عمل الحكومة، وبالتالي فهي تحذّر من “مغبة تعريض إستقرار البلاد، وسلامتها وأمنها إلى الخطر، فقط لأن الحكماء السبعة (أي الوزراء في الحكومة السويسرية) غير قادرين على الحفاظ على سرية المعلومات التي يبلّغون بها”.

ومما أثار حفيظة هذه المفوضية المعنية بمراقبة أداء السلطة التنفيذية والمتركبة من برلمانيين ينتمون إلى مجلسي النواب والشيوخ أيضا السلبية التي طبعت عمل الحكومة، ما أدى إلى “إهدار فرصة مناسبة لإدخال تعديلات مهمة وضرورية على الساحة المالية”.

ورغم اعتراف الجميع بوجود مشكلة في نظام المكافآت والعلاوات في المصارف الكبرى، وكذلك الأخطار التي تواجه إقتصاد البلاد بسبب التضخم الكبير لحجم المؤسسات المصرفية “لم تتخذ الحكومة أي إجراءات ملموسة لمعالجة هذا الوضع”.

كذلك يشير أصحاب التقرير إلى أنهم “لا يجدون من العبارات ما يكفي للتعبير عن رفضهم لسلوك مصرف يو بي أس وشروط إدارة الضرائب الأمريكية. فاليو بي إس، وبسبب الأخطاء التي ارتكبتها إدارته،وموظفوه في الولايات المتحدة قد سمح للإدارة الامريكية بالمطالبة بالكشف عن بيانات الحرفاء الأمريكيين من دون أن تعبأ بالقوانين السويسرية التي تحظر ذلك”.

وأمام هذه “الإخلالات”، توصي هذه المفوّضية البرلمانية باتخاذ عدة إجراءات في المجال المصرفي من بينها “مراجعة قانون العقوبات، وتحديد قواعد تنظم عمل المصارف الكبرى بما يحافظ على حد أدنى لا تنزل عنه رؤوس أموالها، وتعزيز ومراجعة آليات عمل سلطة الرقابة في الساحة المالية”.

وعود بإستخلاص الدروس

لم يتأخر رد فعل الحكومة السويسرية على ما ورد في التقرير، فقد أعلنت يوم الاثنين أنها “قد اتخذت الإجراءات الضرورية للحد من الآثار المدمّرة والسلبية لازمة اتحاد المصارف السويسرية بالولايات المتحدة الامريكية”. وأضافت الحكومة بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السويسرية بأنها “سوف تدرس بعمق وتأنّ توصيات مفوّضية لجان التصرّف في البرلمان، وسوف تستخلص الإجراءات الواجب اتخاذها بحلول نهاية هذه السنة”.

من ناحيتها كذلك، أشارت سلطة الرقابة المالية (فينما)، أنها “أحيطت علما بتوصيات التقرير”، وأكدت أن “العديد من الإجراءات التي اقترحتها المفوّضية البرلمانية هي بصدد الإنجاز والتنفيذ”.

وأشار ألان بيشسال، أحد المسؤولين بسلطة الرقابة المالية إلى أن “التغييرات التي أدخلت على هذه الهيئة قد آتت أكلها، وأدت من ناحية إلى مضاعفة إمكانياتها التقنية داخليا، وحفّزت جهود موظفيها في تحليل المعطيات التي يحصلون عليها من المصارف المختلفة”.

لجنة تحقيق برلمانية

على المستوى السياسي تختلف وجهات النظر حول التبعات التي يجب أن تعطى لهذا التقرير. فالحزب الليبرالي الراديكالي يرى أنه “كاف”، وليست هناك بالتالي “حاجة لتشكيل لجنة تحقيق برلمانية، لأنها لن تضيف شيئا جديدا”.

وأوضح رئيس الحزب فولفيو بيلّي أمام وسائل الإعلام أن “حزبه يعتقد ان هانس رودولف ميرتس، وزير المالية قد قام بدوره على أكمل وجه، وفي الوقت المناسب”. وعن التكتم وغياب الشفافية وعدم تداول المعطيات بين أعضاء الحكومة الفدرالية، رد بيلّي: “تسرّب تلك المعلومات كان سيؤدي إلى عواقب مدمّرة على الساحة المالية السويسرية”.

في المقابل، لم يغيّر صدور التقرير قناعات كل من الحزب الإشتراكي وحزب الخضر (يسار)، وحزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) بشان إلحاحية إنشاء لجنة برلمانية للتحقيق حول سلوك الحكومة وطريقة معالجتها للأزمة المرتبطة بمصرف يو بي أس في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويبرر حزب الشعب تمسكه بمطلبه بأن التقرير قد أشار بوضوح إلى “الإخلالات التي ارتكبتها وزارة المالية”، وإلى “عجز الحكومة بصفة عامة عن التعامل مع الأزمة المالية”.

أما بالنسبة للإشتراكيين ولحزب الخضر”فقط لجنة تحقيق برلمانية يمكن أن تمنع تكرار الأخطاء التي حصلت في الماضي، وتفتح الباب لتنفيذ التوصيات التي أشار إليها تقرير المفوّضية البرلمانية”.

في المقابل فضّل الديمقراطيون المسيحيون والخضر الليبيراليون الإنتظار قليلا لتحديد ما إذا كان من المفيد الدعوة إلى إنشاء لجنة تحقيق برلمانية، وما يمكن أن تضيفه إلى ما أصبح متاحا الآن.

عبد الحفيظ العبدلي – swissinfo.ch مع الوكالات

مايو 2008: الولايات المتحدة ترفع قضية ضد إتحاد المصارف السويسرية (يو.بي أس) بتهمة قيام عدد من مُستشاريه الماليين بتشجيع العديد من العملاء الأميركيين الأثرياء بالتهرب من الضريبة. وكان حُكم الادانة في هذه الحالة سيعني زوال البنك.

فبراير 2009: السلطات السويسرية تمنح إتحاد المصارف السويسرية ( يو بي إس) الأذن بتزويد إدارة الضرائب الأمريكية بالمُعطيات و البيانات الشخصية ل 225 حريفاً امريكياً ساعدهم المصرف في قضايا التهرب الضريبي، وبالتالي فقد تم انتهاك السر المصرفي.

مارس 2009: المجلس الفدرالي السويسري يأخذ بمعايير منظمة التعاون والتنمية الأقتصادية، و يُعلن عن استعداده للتعاون المستقبلي في حالة التهرب الضريبي أيضاً.

أغسطس 2009 : في اتفاق مع الولايات المتحدة، سويسرا تقدم تعاوناً إدارياً في حالة 4450 ملفاً تخص مودعين أمريكيين لدى إتحاد المصارف السويسرية (يو.بي أس) من المتهربين من الضرائب.

يناير 2010: إعلان المحكمة الإدارية الفدرالية بإن الإفراج عن بيانات الحرفاء الأمريكيين لبنك يو بي اس في الولايات المتحدة غير قانوني.

فبراير 2010: الحكومة الفدرالية تحيل على البرلمان اتفاق اتحاد المصارف السويسرية مع الولايات المتحدة الامريكية، وتعطيه صبغة الاتفاق الدولي، والإتفاق يرفض من طرف عدة احزاب سياسية.

أبريل 2010: الحكومة الفدرالية تتطالب اليو بي غس بدفع تعويض عن 40 مليون فرنك التي كلفها للحكومة تدخلها بشان الإتفاق مع الولايات المتحدة.

مايو 2010: الحكومة السويسرية تعلن عن خطة طريق للحد من الإنعكاسات المحتملة لإفلاس إحدى المصارف السويسرية الكبرى على اقتصاد البلاد.

31 مايو 2010: مفوضية لجان التصرف في البرلمان السويسري توجه لوما حادا غلى الحكومة بسبب الإخلالات التي شابت إدارته للأزمة الاقتصادية ولازمة اليو بي إس مع الولايات المتحدة الامريكية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية