مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تقرير للصليب الأحمر يؤكد تعرض المعتقلين في السجون السرية للتعذيب

Reuters

"المعاملة التي يتلقّـاها الأشخاص الذين يُـشتبه بعلاقتهم بالإرهاب في السجون السرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، معاملة قاسية وغير إنسانية ومُـهينة ومحظورة، بموجب اتفاقيات جنيف".

هذا ما توصل إليه تقرير سرّي أعدّته اللجنة الدولية للصليب الأحمر سنة 2007، ونشر مارك دانّير الكاتب الأمريكي والأستاذ المحاضر بجامعة كاليفورنيا لأول مرّة، مقتطفات منه يوم الأحد 15 مارس 2009.

وتقول منظمات حقوق الإنسان، إن التقرير الذي وردت مقاطِـع منه في النشرة الدورية من مجلة “نيويورك ريفيو أو بوكس”، يقدّم أدلّـة كافية لفتح تحقيق دولي حول الموضوع.

وتستند الوثيقة المذكورة إلى استنتاجات توصّـل إليها مسؤولون في اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلتقوا 14 معتقِـلا في هذه السجون، قالوا إنهم تعرّضوا بانتظام لمعاملة سيئة، مثل الضرب والرش بالماء البارد وغيرها.

وفي أوّل تعليق على هذا التقرير، قال ريد برودي، الناطق الأوروبي بإسم منظمة هيومن رايتس ووتش : “إنه تقرير قاسٍ بالنسبة لإدارة بوش، وهو بمثابة آخر مِـسمار يُدقّ في نعشها”، وأضاف برودي في حديث إلى سويس إنفو: “التقرير مهمّ جدا، لأنه يؤكّـد صحة ما سمعناه سابقا من عدّة مصادر، ولكن هذه المرّة بشهادة المعتقَـلين أنفسهم”.

وأول ما نستخلصه من هذا التقرير، يضيف برودلي، الذي ألّـف العديد من الكُـتب حول إساءة معاملة المعتقلين، هو أن “موظفي الإدارة الأمريكية السابقة متورّطون في أنشطة إجرامية تنتهِـك القانون الدولي والقانون الأمريكي”. ويعتقد المؤيدون لحقوق الإنسان أن التقرير يعزّز من جهودهم، الساعية إلى تقديم المسؤولين في إدارة بوش أمام العدالة الدولية لمقاضاتهم عمّـا ارتكبوه من فظاعات.

ويعتقد روب فريير، من منظمة العفو الدولية أن “هناك أدلّة كافية لفتح تحقيق دولي شامل لمعرفة كل ما حصل داخل السجون السرية وفي جميع المعتقلات الأمريكية، التي هي على علاقة بمحاربة الإرهاب منذ سبتمبر 2001”.

ويضيف المسؤول بمنظمة العفو الدولية: “عندما تستخدم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقريرها لفظ “التعذيب”، فإنها تعني ما تقول. التعذيب جريمة يُـعاقِـب عليها القانون الدولي، وعندما تتوفر الأدلة الكافية على ذلك، تُـصبح الإدارة الأمريكية مُـلزمة بإجراء تحقيق ومقاضاة مرتكِـبي تلك الجرائم”.

أساليب تحقيق خشِـنة

النتائج التي توصّـل إليها تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تستند إلى إفادات 14 شخصا من كبار المعتقلين المتّـهمين بالإرهاب في السجون السرية، التي تديرها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وقد تم التحدّث إليهم بعد نقلهم إلى معتقل غوانتانامو سنة 2006. وحصل ذلك، في إطار عمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي تتكفّـل بمراقبة احترام الدول للمعايير الدولية داخل مراكز الاعتقال، وتحرص على ضمان التزامها بما جاء في اتفاقيات جنيف.

وتشير المقاطع التي نُـشرت من التقرير إلى حد الآن، إلى أن المعتقَـلين في السجون السرية التابعة لوكالة المخابرات المركزية “سي آي إي”، “كانوا يتعرّضون بإستمرار لمعاملات سيئِّـة، مثل الحرمان من النوم والضرب الشديد وتعريضهم لدرجات حرارة قصوى أو إيهامهم بالغرق”.

كما ذكر التقرير تعرّض المعتقَـلين خلال التحقيق إلى “نزع ملابسهم لمدد طويلة، وإخضاعهم لموسيقى صاخبة جدا وإجبارهم على الجلوس بأوضاع مؤلمة جدا وتعرضهم إلى التجويع وسوء التغذية”.

وطِـبقا لما جاء في التقرير دائما، بحسب المؤلف الأمريكي مارك دانّير، فإن “ما تعرّض له المعتقَـلون داخل هذه السجون السرية في العديد من المرات ، بشكل فردي او جماعي، يصنف ضمن ممارسات التعذيب. وبالإضافة إلى ذلك، الكثير من الممارسات التي تعرّض لها المعتقَـلون، تدخل ضمن المعاملات القاسية والمهينة لكرامة الإنسان”.

ولئن لم يشكِّـك المسؤولون باللجنة الدولية للصليب الأحمر في ما نشر من مضمون التقرير، فإن الناطق بإسم اللجنة في مقرّها الرئيسي بجنيف، قد عبّر عن أسفه لنشر الوثيقة (التي كان يُفترض أن تظل سرية)، في حين فضّـلت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التزام الصّـمت.

محاسبة المسؤولين

الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، أقـرّ سنة 2006، بأن السلطات الأمريكية تستخدم تدابير قسرية خلال التحقيق مع المعتقَـلين من قادة تنظيم القاعدة، لكنه عاد سنة 2007 ليؤكِّـد أن الوسائل المُـستخدَمة في التحقيقات، تحترم قواعد اتفاقيات جنيف.

ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، أمر باراك أوباما بإغلاق معتقل غوانتانامو والسجون السرية في غضون سنة، وألزم السي أي أي بإستخدام الأساليب القانونية في التحقيق والاستنطاق، في انتظار اتخاذ قرار حول مصير المعتقَـلين.

وتدور بعض الشائِـعات حول احتمال أن تكون الإدارة الأمريكية الحالية هي مَـن يقف وراء تسريب تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وذلك ضمن الجدل الداخلي الدائر في الولايات المتحدة حول طُـرق محاربة الإرهاب والسياسات المثيرة، التي اعتمدتها الإدارة السابقة.

وطالب بعض الديمقراطيين بالكونغرس بتشكيل لجنة تحقيق، للتأكد ممّـا جرى بالضبط وصحّـة الإتهامات الموجهة ضدّ المسؤولين بالإدارة السابقة، بما في ذلك أساليب التحقيق في المعتقلات والسجون السرية. ومن جهته، رحّب الرئيس أوباما بفكرة تشكيل لجنة تحقيق، ولم يستبعد المتابعة القضائية للمتهمين بإرتكاب مخالفات، مذكّرا بأن الجميع سواسية أمام القانون.

في المقابل، سبق للرئيس الأمريكي الجديد أن صرّح الشهر الماضي بأنه “مهتم بالنظر إلى المستقبل وليس إلى الماضي”. وعبّر برودي، الناطق الأوروبي باسم هيومن رايتس ووتش عن تفهمه لوجهة النظر هذه وقال: “أتفهم المعضلة السياسية التي تواجه الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تريد أن تنظر إلى المستقبل نظرة شاملة تأخذ بعين الإعتبار قضايا حقوق الإنسان”، لكنه استدرك قائلا: “لكي تستعيد الولايات المتحدة مصداقيتها، فإن التحقيق حول هذه المخالفات ومتابعة المسؤولين عنها، ستمثّل خطوة مهمة تثبت للعالم، أننا لا نكتفي بإعتبار تلك الممارسات ممارسات خاطئة، بل إننا ملتزمون بمعاقبة المسؤولين عن تلك الأنشطة”.

“جروح لن تندمل”؟!

هذا الكلام يؤكده عبدالسلام ضعيف، السفير السابق لحكومة طالبان في باكستان قبل الحرب الأمريكية على أفغانستان، الذي أودع معتقل غوانتانامو بعد أن سلمته الجهات الأمنية الباكستانية إلى المخابرات الأمريكية في يونيو 2002.

المسؤول الطالباني السابق اعتبر في تصريحات نقلتها عنه صحيفة “لوتون” الصادرة يوم 18 مارس في جنيف أن الحديث اليوم عن إغلاق غوانتانامو “خطوة إيجابية”، لكنه يؤكد ايضا أن الخطوة “لا تحل أي مشكلة، وستبقى أسئلة كثيرة بلا جواب: ما الذي تحقق بفتح هذا المعتقل؟، ولماذا قررت الولايات المتحدة الآن فك أسر المعتقلين الذين سامتهم سوء العذاب طيلة ثماني سنوات، ومن دون عدالة حقيقية” ويضيف المسؤول السابق في حركة طالبان “لن تندمل الجروح التي تسبب فيها هذا المعتقل وغيره”.

ويتساءل ضعيف الذي كان يتحدث لمراسل صحيفة “لوتون” السويسرية “قضيت بذلك المعتقل أربع سنوات، من دون أن توجّه لي أي تهمة، لماذا؟ وبإسم أي عدالة؟ لمجرد كون باراك أوباما قرر غلق غوانتانامو، لن يحل المشكلة”.

وختم عبد السلام ضعيف تصريحه إلى “لوتون” قائلا: “من دون تحقيق العدالة، ومن دون التعويض (عما ارتكب في حق المعتقلين)، ومن دون إثبات الحقيقة، سيظل جرح الغالبية ينزف، والكثيرون لا مطلب لهم اليوم سوى الإنتقام”.

سويس إنفو – سايمون برادلي

في عام 2005 أثارت منظمة هيومان رايتس ووتش للمرة الأولى الشكوك حول وجود سجون سرية. وطفت القضية على السطح منذ أن نشرت واشنطن بوست تقريرا بتاريخ 2 نوفمبر 2005، يتهم جهاز المخابرات المركزية الأمريكية بإدارة معتقلات سرية تأوي عناصر متهمة بالإنتماء إلى منظمة القاعدة، وقالت إن هذه المعتقلات موزّعة في أوروبا الشرقية وفي تايلاندا وأفغانستان.

وطبقا للصحيفة نفسها، توجد أيضا “مواقع غير معلن عنها” تم تشييدها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، في كل من مصر والأردن والمملكة المغربية وبعض البلدان الأخرى، يتم فيها استنطاق وتعذيب متهمين.

في شهر يونيو 2006، قدم ديك مارتي، عضو مجلس الشيوخ السويسري ورئيس لجنة القضايا القانونية وحقوق الإنسان في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، المكلف بالتحقيق في الموضوع أول تقرير أشار فيه إلى تعاون 14 دولة أوروبية مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لنقل واعتقال عناصر متهمة بالإرهاب في سجون سرية، كما اتهم التقرير الحكومة السويسرية أيضا، بغضّ الطرف عن عبور رحلات جوية مشتبه فيها لمجالها الجوي.

في التقرير الثاني، الصادر يوم الجمعة 8 يونيو 2007، أشار ديك مارتي الى أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كانت تدير سجونا سرية في بولندا ورومانيا ما بين 2003 و2005.

وكانت صحيفة “سونتاغس تسايتونغ” قد نشرت في عددها الصادر يوم الأحد 8 يناير 2006 نص وثيقة قالت إن المخابرات السويسرية حصلت عليها من خلال التجسس على مراسلات الخارجية المصرية، وفيها ما يفيد بحصول المصريين على معلومات حول سجون سرية تابعة للولايات المتحدة في أوروبا. وزارة الدفاع بدأت تحقيقا لمعرفة كيف تسرّبت الوثيقة، كما أعلن الإدعاء العام الفدرالي أنه سيبحث الملف من جهته.

وفي سبتمبر 2006، اقر الرئيس الأمريكي السابق جورج دابليو بوش لأول مرة بان وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تحتفظ بمعتقلين يواجهون تهَـم الإرهاب في سجون سرية، وأعلن أن 14 شخصا، من بينهم العقول المدبّرة لهجمات 11 سبتمبر 2001، قد تم نقلهم لقاعدة غوانتانامو، لكن الرئيس الأمريكي لم يحدد المواقع التي توجد فيها هذه السجون السرية، وإن كان قد رفض التّـهم الموجهة للجهات المشرفة عليها بممارسة التعذيب واستخدام طرق غير قانونية في الاستنطاق.

ومنذ انتخابه، أمر باراك اوباما بإغلاق معتقل غوانتانامون والسجون السرية في غضون سنة، وألزم السي أي أي بإستخدام الأساليب القانونية في التحقيق والإستنطاق، في انتظار اتخاذ قرار حول مصير المعتقلين.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية