مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل تتحول سويسرا من دولة لجوء إلى دولة عُبور؟

في محطة السكك الحديدية في بلدة كومو، طوابير من المهاجرين الذين أعادتهم سويسرا إلى إيطاليا في انتظار الحصول على وجبة طعام هيأتها لهم مجموعة من المتطوعين العاملين في جمعية مساعدة اللاجئين "فردوس" التي يقع مقرها في كانتون تتشينو. Keystone

أدى رفض السلطات السويسرية دخول مئات المهاجرين غير الشرعيين إلى أراضيها، إلى تخييمهم في مدينة كومو الايطالية المجاورة. وفي الوقت الذي تتعالى فيه عبارات الإنتقاد الصادرة من المنظمات غير الحكومية، يدافع حرس الحدود السويسرية عن إجراءات الإبعاد هذه بالإشارة إلى اتفاق إعادة القبول المُبرم مع إيطاليا. في الأثناء، بدأ كانتون تتشينو بإنشاء مركز إستضافة مؤقت لإيواء هؤلاء المهاجرين في إنتظار إعادتهم إلى شبه الجزيرة المجاورة.

لا يزال الوضع في بلدة كياسو الواقعة على الحدود الجنوبية لسويسرا متوترا للغاية. وتكفي مجرد نظرة إلى الأرقام التي يعرضها حرس الحدود المتواجدين في المنطقة لتأكيد ذلك. وفي شهر يوليو المنصرم لوحده أعيد 3560 مهاجر جاء معظمهم من إريتريا، وكذلك من غامبيا وأفغانستان ونيجيريا والصومال إلى إيطاليا المجاورة.

وحيث لا يتقدم العديد من اللاجئين بطلب للحصول على اللجوء في سويسرا، ولا يتوفرون على وثائق سفر صالحة، أو أنهم مسجلون في إيطاليا بالفعل، فإنهم، وبموجب اتفاق إعادة القبول مع إيطاليا، يُعادون إلى شبه الجزيرة مباشرة. ويشمل هذا الإجراء في غضون ذلك نحو ثلثيْ المهاجرين الوافدين إلى سويسرا.

تزايد عدد اللاجئين

حتى نهاية شهر يوليو 2016، تم توقيف 22,181 شخص دخلوا سويسرا بطريقة غير مشروعة، منهم 7582 شخص في شهر يوليو وحده. وبالمُجمل، أعادت قوات حرس الحدود السويسرية 4149شخص إلى إيطاليا في شهر يوليو المنقضي.

وفي الآونة الأخيرة، توترت الأوضاع على نحو خاص عند حدود سويسرا مع إيطاليا. وفي كانتون تتشينو وحده، أعيد 3560 شخص إلى إيطاليا على الفور. وكما تشير الأرقام التي نشرتها قوات حرس الحدود هذا الأسبوع، بلغ عدد هؤلاء المبُعدين منذ بداية هذا العام 8298 شخص.

ويأتي هؤلاء اللاجئين أساسا من إريتريا، وكذلك من غامبيا وأفغانستان ونيجيريا والصومال، على أمل العبور إلى ألمانيا أو أي دولة شمال أوروبا.

واللافت للإنتباه، هو العدد الكبير من الأشخاص الذين إعترضتهم قوات حرس الحدود في القطارات والذي بلغ 18,774 شخص، مقابل 2893 شخص حاولو الدخول براً. ولم يبلغ عدد الذين استقلوا طائرة إلى سويسرا سوى 495 شخص، كما حاول 18 شخص دخول الكنفدرالية من خلال ممر مائي.

(المصدر: وكالة الأنباء السويسرية)

وقد أدى هذا الوضع إلى بقاء العديد من اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل في مدينة كومو الإيطالية الحدودية القريبة من كياسو، تأهباً لمعاودة محاولة العبور إلى سويسرا، ومنها إلى ألمانيا أو بريطانيا أو إحدى الدول الاسكندنافية. وبحسب نورمان غوبي عضو مجلس كانتون تتشينو المسؤول عن الشؤون الداخلية والعدل والشرطة، لم يكن بالإمكان تصور مثل هذا الوضع قبل أشهر قليلة فقط.

“لقد تحولنا من بلد لجوء إلى بلد عبور للعديد من المهاجرين”، كما يقول غوبي. ولكن – وكما يرى العضو في “رابطة سكان تيشينو” (ليغا) [وهو حزب يميني محافظ ينشط في كانتون تتشينو] لا يمكن لسويسرا، ولا ينبغي لها أن تتحول إلى بلد عبور كهذا. وبرأيه، ينبغي على الحكومة الفدرالية أيضاً إرسال إشارة واضحة بهذا الخصوص، سيما وأن ألمانيا تُعيد إرسال اللاجئين الذين توقفهم عند حدودها إلى سويسرا مباشرة.

“ليس بلد عبور”

خلال لقائها الصيفي التقليدي مع وسائل الإعلام في العاصمة برن يوم الخميس الماضي، وصفت سيمونيتا سوماروغا وزيرة العدل والشرطة الوضع في مدينة كومو (إيطاليا) بأنه “صعب التحمل”. وأضافت مؤكدة :”لا ينبغي لمثل هذه الحالات أن تسود في أوروبا. مع ذلك، لا يرغب معظم هؤلاء اللاجئين في الحصول على حق اللجوء في سويسرا، ولكن مواصلة رحلتهم باتجاه ألمانيا ودول شمال أوروبا”.

وأوضحت سوماروغا أن سويسرا لا ترغب بأن تصبح دولة عبور للاجئين. وفيما يتعلق بمسألة الأمن، شددت الوزيرة على أهمية توفر إمكانية تسجيل كل شخص يدخل إلى سويسرا خاصة في السياق الحالي، وقالت :”ينبغي أن نعرف من يتواجد هنا على أراضينا”. 

ظروف متأزمة في كومو

في الأثناء، يخيم في محطة قطارات سان جيوفاني في مدينة كومو، وفي المتنزه الواقع قبالة المحطة بين 500 و600 شخص معظمهم من الاريتريين والقُصَّر. وبالرغم من تواجد بعض الجمعيات الخيرية والمنظمات التطوعية للمساعدة هناك، إلّا أن الأوضاع متأزمة.

من جهتها، أصدرت الحكومة الإيطالية تعليماتها إلى عمالة كومو للبحث عن حلول للمهاجرين، لكن هذا لم يحقق أي نجاح حتى الآن. وقد تم التفكير بنقل المهاجرين إلى إحدى الثكنات العسكرية، أو إقامة معسكر منظم لهم في حديقة إحدى المدارس. ولكن، وكما ثبت بوضوح، كان تنفيذ كلا الخيارين مستحيلاً.

على صعيد آخر، تتواجد ليزا بوزيا عضوة برلمان كانتون تتشينو عن الحزب الإشتراكي الديمقراطي، ورئيسة جمعية مساعدة اللاجئين “فردوس” [التي تهدف إلى جمع الأموال للحصول على مساعدات للمهاجرين الذين هم بحاجة إليها] في موقع الحدث بشكل منتظم. وتقوم هذه الجمعية الممولة من قبل أطراف متبرّعة بتوزيع البطانيات ووجبات غداء بسيطة مكونة من أطباق الأرز والتفاح. وفي المساء، يمكن للاجئين تناول الطعام في كافتيريا تديرها مؤسسة كاريتاس المحلية.

وضع مثير للإنشغال في ميلانو

كما في عام 2014، عندما تحولت مدينة ميلانو إلى منطقة عبور للاجئين السوريين الفارين من ويلات الحرب والمتجهين إلى شمال أوروبا، عادت الأوضاع لتزداد سوءاً هذه الأيام في عاصمة مقاطعة لومبارديا.

وتسجل ميلانو تدفقاً للاجئين من الجنوب، وتدفقاً معاكساً من مدينة فينتيميليا على الحدود الغربية، حيث يتم ردع المهاجرين من دخول فرنسا، ومن الشمال أيضاً، حيث تجري عمليات الإعادة على الحدود مع سويسرا.

ووفق وسائل الإعلام، يتجمع في ميلانو اليوم ما يقرب من 3300 لاجيء دخلوا إليها بصورة غير شرعية. وكان رئيس البلدية الاشتراكي جيوسيبي سالا قد أعلن عن خطط لنصب خيام لهؤلاء الأشخاص، بسبب إكتظاظ المرافق الموجودة المخصصة للاجئين بالفعل.

وتكمن المشكلة الآن في أن إقليم لومبارديا الذي يحكمه حزب “رابطة الشمال” السياسي (Lega Nord) لا يمد يده لإيجاد حل للمشكلة. وفي اشارة الى الوضع في كومو، كتب رئيس الإقليم وزعيم الرابطة روبرتو ماروني في صفحته الشخصية على موقع فيسبوك:”هؤلاء ليسوا لاجئين، ولكن ببساطة أشخاص غير شرعيين ينبغي إعادتهم إلى بلدهم”!

وتعبر بوزيا عن قناعتها بوجود أشخاص أعيدوا إلى إيطاليا، ولا سيما من القُصَّر، على الرغم من توفرهم على حق الحصول على إقامة في سويسرا. وعند سؤالها، تجيب المدافعة الدؤوبة عن حقوق اللاجئين بالقول :”أنا أعمل الآن على ملف يتضمن وثائق مفصلة، سوف أبعثه إلى مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”.

احترام ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الطفل

في الأثناء، عبرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقها بالفعل حيال الوضع المتدهور في كياسو وكومو. كما إنتقدت منظمة العفو الدولية إعادة مثل هذا العدد الكبير من المهاجرين إلى إيطاليا. “نحن قلقون بشأن تقارير من مهاجرين قصَّر تفيد بإعادتهم إلى إيطاليا عند الحدود السويسرية، ومنعهم بذلك من الإنضمام إلى أفراد عائلاتهم في سويسرا”، كما أفاد فرع منظمة العفو الدولية في سويسرا لوكالة أنباء رويترز. وكما أضاف :”إذا توفر قاصر في سويسرا على عائلة يمكن أن تعتني به، فيجب على سويسرا في النهاية أن تتعامل مع طلب اللجوء هذا”.

وترى المنظمة الإنسانية، أنه من غير المقبول إعادة مثل هؤلاء الأشخاص ولا سيما الفئات الضعيفة منهم، بالنظر إلى الأحوال المعيشية المضطربة للمهاجرين في كومو. “على سويسرا أن تلتزم باحترام ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الطفل في جميع الأحوال”. وكانت سويسرا قد صادقت على هذا الميثاق في عام 1997.

ومن الواضح – وفقاً لـ ديفيد ماركيز المتحدث باسم حرس الحدود السويسري – أن المهاجرين القُصَّر بحاجة إلى رعاية خاصة، “لذا يكون المهاجرون القٌصّر بصحبة أفراد من حرس الحدود وتحت رعايتهم وإشرافهم في جميع الأوقات حتى تسليمهم إلى سلطة أخرى”، كما يؤكد.

وانتقد ماركيز بشدة أيضاً المزاعم التي تشير إلى إعادة حرس الحدود السويسري أشخاصاً يريدون التقدم بطلب للجوء في سويسرا إلى إيطاليا ثانية. وكما يقول :”يرسل جميع الأشخاص الذين يتقدمون بطلبات للحصول على اللجوء إلى مراكز الاستقبال التابعة لكتابة الدولة لشؤون الهجرة”. وبدورها دحضت نقابة موظفي الجمارك وحرس الحدود هذه المزاعم.

إقامة مؤقتة قبل الإعادة

في الأثناء، قرر كانتون تيتشينو ضرورة إنشاء مركز استقبال مؤقت في محيط المنطقة الحدودية، يسمح للمهاجرين الذين سوف يعادون إلى إيطاليا قضاء ليلة واحدة على الأقل. وحتى الآن، تستخدم ثلاث مرافق للدفاع المدني في منطقة مندريسيو لهذا الغرض بشكل مؤقت.

وهكذا، يعاد الآن بناء وتجهيز إحدى القاعات في منطقة منديريسو – رانكاتي الصناعية، التي يُفترض أن تكون جاهزة للتشغيل في نهاية أغسطس الجاري. ومن المُفترض أن يتسع هذا المكان لـ 150 شخص بحاجة للحماية. بدورها، تشارك الحكومة الفدرالية في تمويل هذا المركز.

من جانبها، ترحب قوات حرس الحدود بإنشاء مثل هذه الإقامة المؤقتة حيث “يقدم دَمج هذه المرافق إلى مركز واحد مزايا لوجستية لحرس الحدود”، على حد قولهم.

معاهدة دبلن وإعادة اللاجئين

طبقا لاتفاقية دبلن التي انضمت إليها سويسرا، يمكن للسلطات إعادة طالب لجوء إلى دولة سبق له أن تقدّم فيها بطلبه شريطة أن تكون موقعة على الاتفاقية، نظرا لأنها هي المسؤولة عن معالجة طلب اللجوء وعن ترحيله إلى بلده الأصلي لاحقا إذا ما قوبل طلبه بالرفض.

مع ذلك، يمكن لسويسرا منح اللجوء بشكل استثنائي حتى في ما يسمى بحالات دبلن، كما أكدت ذلك كتابة الدولة السويسرية للهجرة. وقد يكون الدافع لمثل هذه الإستثناءات لم شمل الأسرة، أو مراعاة لظروف بعض الأشخاص الأشد ضعفاً، أوبسبب الأوضاع غير المستقرة في البلد الأول الذي عالج طلب الشخص بداية.

وكما جاء في صحيفة “تاغس آنتسايغَر” اليومية الناطقة بالألمانية، كانت سويسرا قد تخلت عن إعادة 2731 شخص إلى اليونان وإيطاليا والمجر في النصف الأول من عام 2016.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية